من هم السكان الأصليون للأمريكتين؟ فرضية السولوتريانز

من هم السكان الأصليون للأمريكتين؟ فرضية السولوتريانز

النظرية‭ ‬الأكثر‭ ‬تقبلاً‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬العلمية‭ ‬الآن‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬أول‭ ‬البشر‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قبل‭ ‬حوالي‭ ‬13‭ ‬ألف‭ ‬سنة,‭ ‬وعبروا‭ ‬إلى‭ ‬هناك،‭ ‬سالكين‭ ‬امتداد‭ ‬اليابسة‭ ‬بين‭ ‬أقصى‭ ‬الشمال‭ ‬الآسيوي‭ (‬روسيا‭ ‬الحالية‭) ‬وبين‭ ‬ألاسكا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‭ ‬خلال‭ ‬الأراضي‭ ‬الكندية‭... ‬لا،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬مخطئاً‭ ‬عندما‭ ‬قلت‭ ‬امتداد‭ ‬اليابسة‭ ‬بين‭ ‬أقصى‭ ‬الشمال‭ ‬الآسيوي‭ ‬وألاسكا،‭ ‬فصحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فاصلاً‭ ‬بحرياً‭ ‬بينهما‭ ‬اليوم،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كذلك‭ ‬قبل‭ ‬انحسار‭  ‬آخر‭ ‬مد‭ ‬جليدي‭ ‬قبل‭ ‬12‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬كميات‭ ‬مهولة‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات‭ ‬مخزنة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬كتل‭ ‬جليدية‭ ‬ومتجمعة‭ ‬حول‭ ‬الدائرتين‭ ‬القطبيتين،‭ ‬وعليه،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحار‭  ‬أقل‭ ‬منه‭ ‬اليوم‭.‬

السؤال‭ ‬هو‭: ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬لهؤلاء‭ ‬التوغل‭ ‬جنوباً‭ ‬نحو‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬مادام‭ ‬هذا‭ ‬المعبر‭ ‬من‭ ‬اليابسة‭ ‬كان‭ ‬موجوداً‭ ‬طوال‭ ‬المد‭ ‬الجليدي‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬قبل‭ ‬حوالي‭ ‬85‭ ‬ألف‭ ‬سنة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬التخوم‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير؟

جواب‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬ذاته‭ ‬الذي‭ ‬منع‭ ‬الإنسان‭ ‬الحديث‭ ‬Homo‭ ‬Sapiens‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أوربا‭ ‬قبل‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬سنة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬العبور‭ ‬حتى‭ ‬أستراليا‭ ‬قبل‭ ‬60‭ ‬إلى‭ ‬70‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬كما‭ ‬تقرر‭ ‬نظرية‭ ‬Out‭ ‬of‭ ‬Africa‭,‬‭ ‬أي‭ ‬صعوبة‭ ‬التوغل‭ ‬عبر‭ ‬جبال‭ ‬الجليد‭,‬‭ ‬وفي‭ ‬خصوص‭ ‬حديثنا‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬العبور‭ ‬إلى‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬فطبقات‭ ‬الجليد‭ ‬الضخمة‭ ‬والممتدة‭ ‬على‭ ‬عموم‭ ‬الأراضي‭ ‬الكندية‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬العائق‭.‬

يعزز‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬قول‭ ‬العلماء‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬قبل‭ ‬13‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬ومع‭ ‬بداية‭ ‬دفء‭ ‬الأرض‭ ‬تشكل‭ ‬معبر‭ ‬ضيق‭ ‬بين‭ ‬طبقات‭ ‬الجليد‭ ‬الكندية‭ ‬أمام‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬ألاسكا،‭ ‬مفسحاً‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬قطعان‭ ‬الرنة‭ ‬العابرة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬للبشر‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يمتهنون‭ ‬أسلوب‭ ‬الرعي‭ ‬القديم‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تتبع‭ ‬هجرة‭ ‬قطعان‭ ‬الرنة‭ ‬أينما‭ ‬ذهبت‭ ‬بالعبور‭ ‬وراءها‭.‬

وبعبور‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬من‭ ‬الرعاة‭ ‬إلى‭ ‬ألاسكا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬انتشارها‭ ‬جنوباً‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬وجود‭ ‬بشري‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭.‬

ولهذا‭ ‬السيناريو‭ ‬من‭ ‬المنطقية‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ثابت‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التبرير‭ ‬والواقعية‭,‬‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬يصمد‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬عندما‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬أول‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية؟

صحيح‭ ‬أن‭ ‬طرح‭ ‬السيناريو‭ ‬كان‭ ‬مشفوعاً‭ ‬بالدراسات‭ ‬والإثباتات،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يمكِّننا‭ ‬من‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الرعاة‭ ‬هم‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬وصل‭ ‬للقارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬طلائع‭ ‬بشرية‭ ‬استفادت‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬سبقتهم‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭.‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬التوضيح‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬يذهبون‭ ‬للقول‭ ‬إن‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬للأمريكتين‭ ‬ليسوا‭ ‬عرقاً‭ ‬واحداً،‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأعراق‭ ‬والطوائف‭. ‬يستفيدون‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬عينات‭ ‬الـ‭ ‬DNA‭ ‬العشوائية‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬للسكان‭ ‬الأصليين‭ ‬والتي‭ ‬أفادت‭ ‬بأن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬العينات‭ ‬هي‭ ‬لعرق‭ ‬الـ‭ ‬Mongoloid،‭ ‬أي‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬أتوا‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬عبر‭ ‬ألاسكا‭ ‬بعد‭ ‬انحسار‭ ‬الجليد،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬يطلق‭ ‬عليهم‭ ‬العلماء‭ ‬اسم‭ ‬الـ‭ ‬Clovis‭ ‬Culture‭ ‬وهو‭ ‬مصطلح‭ ‬يطلق‭ ‬على‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬للقارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وقد‭ ‬استخدم‭ ‬إثر‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬مستوطنة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬سنة،‭ ‬في‭ ‬Clovis‭,‬‭ ‬New‭ ‬Mexico‭. ‬

ولكن‭ ‬تبقى‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العينات،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬ضئيلة‭ ‬تشير‭ ‬لأعراق‭ ‬أخرى‭,‬‭ ‬وهذا‭ ‬يفتح‭ ‬مجالاً‭ ‬للطرح‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬سكان‭ ‬القارة‭ ‬جاؤوا‭ ‬أولاً‭ ‬ضمن‭ ‬موجات‭ ‬متكررة‭ ‬وثانياً‭ ‬وهو‭ ‬الأهم‭ ‬أنهم‭ ‬وصلوا‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وجهة‭.‬

لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬امتداد‭ ‬رقعة‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وإطلالتها‭ ‬على‭ ‬المحيطين‭ ‬الأطلسي‭ ‬والهادي،‭ ‬حيث‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬وصل‭ ‬الدائرتين‭ ‬القطبيتين‭ ‬يتيحان‭ ‬عشرات‭ ‬السيناريوهات‭ ‬الأخرى‭.‬

ولعل‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬رؤوس‭ ‬الرماح‭ ‬مدفونة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬فرجينيا‭ ‬الأمريكية‭ ‬يأتي‭ ‬لكي‭ ‬يشكل‭ ‬تحدياً‭ ‬لبقاء‭ ‬النظرية‭. ‬

فلرؤوس‭ ‬الرماح‭ ‬هذه‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬عند‭ ‬علماء‭ ‬الأركيولوجي‭ ‬وأهميتها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬تقنية‭ ‬صنعها‭.‬

فكما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬لدى‭ ‬هؤلاء‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬الرماح‭ ‬ذات‭ ‬الرؤوس‭ ‬الحجرية‭ ‬كان‭ ‬منتشراً‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬البشر‭ ‬الأوائل،‭ ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬تمكن‭ ‬إنسان‭ ‬الهايدلبرقينسيس‭ ‬Heidelbergensis‭ ‬قبل‭ ‬أقل‭ ‬قليلاً‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭.‬
إنما‭ ‬كان‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬صنع‭ ‬هذه‭ ‬الرماح‭ ‬وتطويرها،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬الرأس‭ ‬الحجرية‭ ‬التي‭ ‬تكمن‭ ‬فيها‭ ‬الفاعلية‭.‬

بالعودة‭ ‬لمجموعة‭ ‬رؤوس‭ ‬الرماح‭ ‬وخصوصيتها،‭ ‬فقد‭ ‬لوحظ‭ ‬أن‭ ‬زمن‭ ‬دفنها‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬18‭ ‬ألف‭ ‬سنة،‭ ‬وهي‭ ‬فترة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تخلو‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬كما‭ ‬تقرره‭ ‬النظرية‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬للتقنية‭ ‬التي‭ ‬ميزت‭ ‬صناعة‭ ‬هذه‭ ‬الرؤوس‭ ‬أهمية‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬غرابة‭ ‬عن‭ ‬زمن‭ ‬وجودها‭ ‬هناك‭.‬
فعند‭ ‬دراسة‭ ‬تقنية‭ ‬الصنع‭ ‬لوحظ‭ ‬تشابهها‭ ‬مع‭ ‬التقنية‭ ‬المتبعة‭ ‬عند‭ ‬قبائل‭ ‬السولوتريانز‭ ‬Solutrians‭ ‬وهي‭ ‬قبائل‭ ‬كانت‭ ‬تقطن‭ ‬الجنوب‭ ‬الغربي‭ ‬لأوربا‭ ‬وتحديداً‭ ‬جنوب‭ ‬فرنسا‭ ‬وشبه‭ ‬قارة‭ ‬آيبيريا‭ (‬إسبانيا‭ ‬والبرتغال‭) ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬بين‭ ‬22‭ ‬و17‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬مضت‭,‬‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬تصدى‭ ‬العالمان‭ ‬Dennis‭ ‬J‭. ‬Stanford‭ ‬وBruce‭ ‬Bradley‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬لطرح‭ ‬فرضية‭ ‬Solutrean‭ ‬hypothesis‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬الأوربيين‭ ‬كانوا‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭.‬

وحقيقة‭ ‬فلهذه‭ ‬المعلومة‭ ‬مغزى‭ ‬قد‭ ‬يستشعر‭ ‬منه‭ ‬المتابع‭ ‬نزعة‭ ‬تميز‭ ‬بها‭ ‬الأوربيون‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬وطغت‭ ‬على‭ ‬نتاجهم‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬التنوير،‭ ‬وآثارها‭ ‬لاتزال‭ ‬عالقة‭ ‬باستعلاء‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬علمائهم‭ ‬ومثقفيهم‭ ‬اليوم،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬الحثيث‭ ‬لنسب‭ ‬كل‭ ‬المنجزات‭ ‬الحضارية‭ ‬للعرق‭ ‬الأبيض،‭ ‬وهم‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬الاستيطان‭ ‬الأول‭ ‬للقارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬منجزاً‭ ‬حضارياً‭ ‬كبيراً‭.‬

لكننا‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينصب‭ ‬اهتمامنا‭ ‬على‭ ‬الاستدلال‭ ‬بالعلم‭ ‬لا‭ ‬باستشعار‭ ‬النوايا‭ ‬والتمنيات،‭ ‬فلنعد‭ ‬لاستقصاء‭ ‬حقائق‭ ‬الفرضية‭ ‬لنرى‭ ‬كيفية‭ ‬توصلهم‭ ‬لبلورتها‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬عبور‭ ‬تقنية‭ ‬صنع‭ ‬رؤوس‭ ‬الرماح‭ ‬هذه‭ ‬مسافة‭ ‬بعرض‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬لتصل‭ ‬للشواطئ‭ ‬الشرقية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

يقول‭ ‬طارحو‭ ‬الفرضية‭ ‬إن‭ ‬الزحف‭ ‬الجليدي‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬ذروته‭ ‬قبل‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬رقعة‭ ‬متجمدة‭ ‬ممتدة‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬الشمال‭ ‬في‭ ‬التندرا‭ ‬وحتى‭ ‬جنوب‭ ‬أوربا‭,‬‭ ‬وهي‭ ‬حقيقة‭ ‬أقرها‭ ‬العلماء‭ ‬الذين‭ ‬ناقشوا‭ ‬طبيعة‭ ‬الزحف‭ ‬الجليدي‭ ‬وتطوره‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬قبل‭ ‬حوالي‭ ‬85‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬وحتى‭ ‬انحساره‭ ‬نهاية‭ ‬البلايستوسين‭ ‬Pleistocene‭,‬‭ ‬والبشر‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬أثناء‭ ‬ذروة‭ ‬الزحف‭ ‬واجهوا‭ ‬مناخاً‭ ‬قارس‭ ‬البرودة‭ ‬وفقيراً‭ ‬بفرص‭ ‬الصيد،‭ ‬فلجأوا‭ ‬للجنوب‭ ‬الأوربي‭ ‬الأقل‭ ‬قسوة‭. ‬وقبائل‭ ‬السولوتريانز‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬استثناء‭ ‬لذلك،‭ ‬فقد‭ ‬استوطنوا‭ ‬الجنوب‭ ‬الفرنسي‭ ‬وانتشروا‭ ‬حتى‭ ‬أقصى‭ ‬الجنوب‭ ‬الآيبيري‭.‬

وهناك‭ ‬حيث‭ ‬الشواطئ‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬الأطلسي‭ ‬وجدوا‭ ‬طرائد‭ ‬بحرية‭ ‬غنية‭ ‬باللحم،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الشحوم‭ ‬التي‭ ‬يستفيدون‭ ‬منها‭ ‬ليتقوا‭ ‬بها‭ ‬قساوة‭ ‬البرد‭ ‬وكوقود‭ ‬لإشعال‭ ‬النار‭. ‬هذه‭ ‬الطرائد‭ ‬البحرية‭ ‬هي‭ ‬حيوان‭ ‬الفقمة‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬القطبين‭ ‬وفي‭ ‬ألاسكا‭ ‬وغرينلاند‭ ‬ومناطق‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬تتميز‭ ‬بالبرودة‭ ‬القاسية‭,‬‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬وسعت‭ ‬مروحة‭ ‬وجودها‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬قبائل‭ ‬السولوتريانز‭,‬‭ ‬ويستدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬العلماء‭ ‬بالرسوم‭ ‬التي‭ ‬سجلتها‭ ‬هذه‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬الكهوف‭ ‬التي‭ ‬قطنتها‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الفرنسي‭.‬

فالسولوتريانز،‭ ‬كما‭ ‬يقرر‭ ‬هؤلاء‭ ‬العلماء‭ ‬قد‭ ‬امتهنوا‭ ‬أسلوب‭ ‬الصيد‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬به‭ ‬شعب‭ ‬الإسكيمو‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭,‬‭ ‬أي‭ ‬البحث‭ ‬فوق‭ ‬قطع‭ ‬الجليد‭ ‬عن‭ ‬فوهات‭ ‬التنفس‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬إليها‭ ‬الفقمات‭ ‬وانتظارها‭ ‬حتى‭ ‬تخرج‭ ‬لأخذ‭ ‬النفس،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬اصطيادها‭ ‬برماح‭ ‬خاصة‭ ‬أعدت‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭.‬

لكنهم‭ ‬ولكي‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬يجب‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يتوغلوا‭ ‬إلى‭ ‬مسافات‭ ‬بعيدة‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متجمداً‭,‬‭ ‬وكانوا‭ ‬يبحرون‭ ‬بقوارب‭ ‬بدائية‭ ‬بمحاذاة‭ ‬رقعة‭ ‬الجليد‭ ‬الممتدة‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬ليتوقفوا‭ ‬مراراً‭ ‬فيصعدوا‭ ‬فوق‭ ‬الجليد‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬الفوهات‭,‬‭ ‬وهم‭ ‬يستعملون‭ ‬القوارب‭ ‬لسهولة‭ ‬التنقل‭ ‬عليها‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمشي‭ ‬على‭ ‬رقعة‭ ‬الجليد،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬القوارب‭ ‬كانت‭ ‬توفر‭ ‬لهم‭ ‬أماناً‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬رقعة‭ ‬الجليد‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬تكسرها‭.‬

وكانت‭ ‬تواجههم‭ ‬أحياناً‭ ‬العواصف‭ ‬الثلجية‭ ‬العاتية،‭ ‬فيلجأون‭ ‬إلى‭ ‬ركوب‭ ‬الرقعة‭ ‬المتجمدة‭ ‬ويبقون‭ ‬عليها‭ ‬أياماً‭ ‬حتى‭ ‬تهدأ‭ ‬العواصف‭. ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬هذه‭ ‬العواصف‭ ‬قد‭ ‬تتشظى‭ ‬السطوح‭ ‬المتجمدة‭ ‬بسبب‭ ‬تيارات‭ ‬المحيط،‭ ‬فتتحرر‭ ‬عن‭ ‬أماكنها‭ ‬لتكون‭ ‬عرضة‭ ‬للتيارات‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تأخذها‭ ‬نحو‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬قد‭ ‬تستمر‭ ‬بضعة‭ ‬أسابيع‭.‬
إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬مازالت‭ ‬تفعل‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه،‭ ‬وهناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬سجلت‭ ‬لأناس‭ ‬أبحروا‭ ‬من‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وتاهوا‭ ‬في‭ ‬الأطلسي‭ ‬ليجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬عند‭ ‬الشواطئ‭ ‬الشرقية‭ ‬للقارة‭ ‬الأمريكية‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬يكون‭ ‬المصير‭ ‬شبه‭ ‬الحتمي‭ ‬للبشر‭ ‬هو‭ ‬الموت‭ ‬من‭ ‬الصقيع‭ ‬والجوع‭,‬‭ ‬ولكن‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬السيناريوهات‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لهذا‭ ‬المصير‭ ‬الحتمي‭ ‬شواذ‭. ‬وشواذ‭ ‬هذا‭ ‬المصير‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬قدر‭ ‬لهم‭ ‬البقاء‭ ‬أحياء‭ ‬حتى‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭  ‬شرق‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فنقلوا‭ ‬معهم‭ ‬تقنية‭ ‬صنع‭ ‬رؤوس‭ ‬الرماح‭ ‬التي‭ ‬تميزوا‭ ‬بها‭.‬

حقيقة‭ ‬لم‭ ‬تلق‭ ‬هذه‭ ‬الفرضية‭ ‬ذاك‭ ‬القبول‭ ‬المدوي‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬العلمية،‭ ‬ويبقى‭ ‬احتضانها‭ ‬محصوراً‭ ‬في‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬الماضين‭ ‬في‭ ‬سعيهم‭ ‬لإثباتها‭,‬‭ ‬وهم‭ ‬يسوقون‭ ‬بالإضافة‭ ‬للسيناريو‭ ‬المذكور‭ ‬حقائق‭ ‬أركيولوجية‭ ‬وأخرى‭ ‬جينية‭.‬

في‭ ‬المجال‭ ‬الأركيولوجي،‭ ‬وهو‭ ‬علم‭ ‬يدرس‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬الأوائل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بقايا‭ ‬أدواتهم‭ ‬ومتروكاتهم،‭ ‬وجد‭ ‬العالم‭ ‬Chuck‭ ‬Holmes‭ ‬في‭ ‬سوان‭ ‬بوينت‭ ‬Swan‭ ‬Point‭ ‬بألاسكا‭ ‬مستوطنة‭ ‬قديمة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬14‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬بعض‭ ‬اللقى‭ ‬والأدوات‭ ‬لأقوام‭ ‬يقول‭ ‬إنهم‭ ‬أول‭ ‬الموجات‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬عبرت‭ ‬من‭ ‬آسيا،‭ ‬ويعلق‭ ‬على‭ ‬بقايا‭ ‬أدواتهم‭ ‬فيقول‭ ‬إنها‭ ‬تشبه‭ ‬تلك‭ ‬الأدوات‭ ‬التي‭ ‬استخدمها‭ ‬قاطنو‭ ‬سيبيريا‭ ‬قبل‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬سنة،‭ ‬لكن‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬أدوات‭ ‬Clovis‭ ‬culture‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التقنية‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬الرماح‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬وجود‭ ‬لديهم‭.‬

ما‭ ‬يقوله‭ ‬Chuck‭ ‬Holmes‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬لاختلاف‭ ‬أسلوب‭ ‬صنع‭ ‬الرماح‭ ‬المعثور‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬القارة،‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬التاريخ‭ ‬عن‭ ‬رماح‭ ‬Clovis‭ ‬culture‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المهاجرين‭ ‬لم‭ ‬يجلبوا‭ ‬معهم‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭,‬‭ ‬بل‭ ‬تعلموها‭ ‬هناك‭.‬

فالتشابه‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬رؤوس‭ ‬رماح‭ ‬شعب‭ ‬كلوفيز‭ ‬ورماح‭ ‬السولوتريانز‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬مجالاً‭ ‬للفهم‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أحدهما‭ ‬قابل‭ ‬الآخر‭ ‬وتعلم‭ ‬منه‭ ‬التقنية،‭ ‬وأن‭ ‬معلومية‭ ‬أسبقية‭ ‬حيازة‭ ‬السولوتريانز‭ ‬للتقنية‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬لبضع‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬السنين‭ ‬تفترض‭ ‬أنهم‭ ‬أصحابها‭,‬‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬يستفيد‭ ‬العلماء‭ ‬أمثال‭ ‬Chuck‭ ‬من‭ ‬أماكن‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الرماح‭ ‬لدى‭ ‬الشعبين‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬التقوا‭ ‬هناك،‭ ‬وبالنتيجة‭ ‬فهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬وصول‭ ‬السولوتريانز‭ ‬إلى‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬هناك‭ ‬قبل‭ ‬شعب‭ ‬الكلوفيز‭.‬

كانت‭ ‬تلك‭ ‬حجـــــج‭ ‬أصحاب‭ ‬الفرضية‭ ‬أركيولوجياً‭,‬‭ ‬أما‭ ‬جينياً‭ ‬فالأمر‭ ‬يبدو‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً‭. ‬فما‭ ‬يطرحونه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬دليل‭ ‬إثبات‭ ‬يجد‭ ‬فيه‭ ‬مناوئوهم‭ ‬دليل‭ ‬نفي‭.‬
فأكثر‭ ‬ما‭ ‬يعتمدون‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬تركيز‭ ‬سلالة‭ ‬Haplogroup‭ ‬X‭ ‬في‭ ‬عينات‭ ‬DNA  ‬الميتوكونديريا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشمال‭ ‬الشرقي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

يقولون‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة‭ ‬الجينية‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لما‭ ‬ذكرناه‭ ‬عن‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬الشرقي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭,‬‭ ‬وشبه‭ ‬انتفاء‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬وجنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬أي‭ ‬ضرورة‭ ‬مجيئها‭ ‬عبر‭ ‬هجرات‭ ‬قوقازية‭ ‬غير‭ ‬تلك‭ ‬الآتية‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬عبر‭ ‬ألاسكا‭.‬

ولكن‭ ‬يرد‭ ‬عليهم‭ ‬رافضو‭ ‬الطرح‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬مستوى‭ ‬تركيز‭ ‬حضور‭ ‬هذه‭ ‬السلالة‭ ‬الأكبر‭ ‬إضافة‭ ‬للشمال‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الأناضول‭ ‬والشام،‭ ‬ويزداد‭ ‬ترددها‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬لدى‭ ‬طائفة‭ ‬الدروز‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬أوربا‭ ‬فتكرارها‭ ‬أقل‭ ‬بكثير،‭ ‬ما‭ ‬يضفي‭ ‬تساؤلات‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬مشروعية‭ ‬الفرضية‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬يزداد‭ ‬عرضة‭ ‬للتساؤل‭ ‬عندما‭ ‬يتناولون‭ ‬سلالة‭ ‬الـ‭ ‬Haplogroup‭ ‬R1‭ ‬فمن‭ ‬المعروف‭ ‬لدى‭ ‬علماء‭ ‬الجينات‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السلالة‭ ‬تزامن‭ ‬انتشارها‭ ‬في‭ ‬أوراسيا‭ ‬بعيد‭ ‬أوج‭ ‬الزحف‭ ‬الجليدي،‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭,‬‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬مهاجري‭ ‬الشمال‭ ‬كانوا‭ ‬حتماً‭ ‬قد‭ ‬اكتسبوها‭ ‬أثناء‭ ‬وجودهم‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬قبل‭ ‬العبور‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‭ ‬الأمريكي‭ ‬بآلاف‭ ‬السنين‭.‬
كما‭ ‬أن‭ ‬احتمالية‭ ‬مجيء‭ ‬هذه‭ ‬السلالة‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الاستعمار‭ ‬الأوربي‭ ‬لقارة‭ ‬أمريكا‭ ‬قبل‭ ‬500‭ ‬عام‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المستعمرين‭ ‬أنفسهم‭ ‬وارد‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المناوئون‭.‬

وسط‭ ‬رفض‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬العلمية‭ ‬لهذه‭ ‬الفرضية‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬للفرضية‭ ‬حظوظاً‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬البقاء،‭ ‬خصوصاً‭ ‬مع‭ ‬قلة‭ ‬معتنقيها‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬عهدناه‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬طرح‭ ‬النقاشات‭ ‬العلمية‭ ‬الجديدة‭ ‬وانتقادها‭ ‬يملي‭ ‬علينا‭ ‬وجوب‭ ‬التصبر‭ ‬قبل‭ ‬البت‭ ‬في‭ ‬النتائج‭.‬

وحقيقة‭ ‬لا‭ ‬نستبعد‭ ‬ورود‭ ‬أخبار‭ ‬جديدة‭ ‬تفيد‭ ‬دعماً‭ ‬للفرضية‭,‬‭ ‬بل‭ ‬وتتحول‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭ ‬لنظرية‭ ‬يتم‭ ‬البناء‭ ‬استناداً‭ ‬لمخرجاتها‭.‬

أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭,‬‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬نتحرج‭ ‬من‭ ‬نقاش‭ ‬تصورات‭ ‬وسيناريوهات‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬أكثر‭ ‬تطرفاً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفرضية‭,‬‭ ‬فكما‭ ‬ذكرنا‭ ‬آنفاً‭: ‬إن‭ ‬امتداد‭ ‬رقعة‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬يتيح‭ ‬طرح‭ ‬سيناريوهات‭ ‬أخرى‭ ‬متعددة‭.‬

أقول‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬أطروحات‭ ‬وفرضيات‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة،‭ ‬وتتناول‭ ‬إحداها‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬هيكل‭ ‬عظمي‭ ‬في‭ ‬البرازيل‭ ‬لامرأة‭ ‬وجد‭ ‬تشريحياً‭ ‬انتماءها‭ ‬لعرق‭ ‬الـ‭ ‬Australian‭ ‬Aborigine،‭ ‬وهم‭ ‬السكان‭ ‬الأصليون‭ ‬لأستراليا‭,‬‭ ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬هذا‭ ‬الهيكل‭ ‬هو‭ ‬عمره‭ ‬الذي‭ ‬وجد‭ ‬أنه‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭.‬

كما‭ ‬نوقش‭ ‬وبقوة‭ ‬وصول‭ ‬البولونيزيين‭ ‬Polynesians‭ ‬إلى‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وهم‭ ‬سكان‭ ‬أوشيانيا‭ ‬أو‭ ‬المثلث‭ ‬البولونيزي‭ ‬لسواحل‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية‭.‬

فهؤلاء‭ ‬البولونيــزيون‭ ‬يــتـــــوزع‭ ‬وجــــودهــــم‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬شاسعــة‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الباسيفيكي‭ (‬الهادي‭) ‬وبمنطــقة‭ ‬تشـــكل‭ ‬مثلثـــا‭ ‬يقــــع‭ ‬فــــي‭ ‬رأسه‭ ‬أرخبيل‭ ‬هاواي‭ ‬وفــي‭ ‬طرف‭ ‬قــــاعدته‭ ‬الأولى‭ ‬نيوزيلاند،‭ ‬وفي‭ ‬الثانية‭ ‬جزيرة‭ ‬إيستر‭ ‬Easter‭ ‬Island،‭ ‬هذه‭ ‬الجزيــــرة‭ ‬التــــي‭ ‬رغم‭ ‬بعدها‭ ‬تتبع‭ ‬إدارياً‭ ‬جمهورية‭ ‬تشيلي‭ ‬الأمريكية‭ ‬الجنوبية‭,‬‭ ‬وانتشارهم‭ ‬عبــر‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬الشاسعة‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬السواحل‭ ‬الغربية‭ ‬للقارة‭ ‬يفـــتح‭ ‬آفــاقا‭ ‬لسيناريوهات‭ ‬متعددة‭ ‬