الخيط الرفيع بين الإعلام والإعلان

الخيط الرفيع بين الإعلام والإعلان

إن‭ ‬الواقع‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحمل‭ ‬من‭ ‬مستغربات‭ ‬يثبت‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬والإعلان‭ ‬هما‭ ‬توأم‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬واحد‭ ‬إلى‭ ‬الدنيا‭ ‬باتجاهين‭ ‬مختلفين،‭ ‬نظراً‭ ‬لاختلاف‭ ‬الغاية‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬مسارين‭ ‬مختلفين‭ ‬ومتعاكسين‭ ‬أيضاً‭.‬

امتطى‭ ‬الإعلام‭ ‬صهوة‭ ‬الرزانة‭ ‬في‭ ‬غرسه‭ ‬للبذرة‭ ‬الأولى،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬امتطى‭ ‬فيه‭ ‬الإعلان‭ ‬صهوة‭ ‬البريق،‭ ‬فركّز‭ ‬بذلك‭ ‬اهتمامه‭ ‬على‭ ‬الظاهر‭ ‬واللامع‭ ‬والخاطف‭ ‬للأبصار،‭ ‬وأخذ‭ ‬الإعلام‭ ‬طريق‭ ‬الهدوء،‭ ‬وتسرّب‭ ‬إلى‭ ‬الجذور،‭ ‬وأطلق‭ ‬علامات‭ ‬الاستفهام‭ ‬التي‭ ‬أنهضت‭ ‬فكر‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬سباته‭ ‬وجعلته‭ ‬ينشط‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬التساؤلات،‭ ‬والبحث‭ ‬عنها‭ ‬بشغف‭ ‬في‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬التأني‭. ‬لقد‭ ‬اختار‭ ‬الإعلان‭ ‬علوَّ‭ ‬الصوت‭ ‬وبريق‭ ‬الصورة‭ ‬سبيلاً‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المتلقي،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يحاول‭ ‬فيه‭ ‬الإعلام‭ ‬أن‭ ‬يدنو‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬الإنسان‭ ‬عبر‭ ‬الإقناع،‭ ‬تماماً‭ ‬كحركة‭ ‬الأرنب‭ ‬والسلحفاة‭!‬

وبمرور‭ ‬الأيام‭ ‬والشهور‭ ‬والسنوات‭ ‬نشهد‭ ‬نموّ‭ ‬التوأم‭ ‬في‭ ‬اتجاهين‭ ‬متغايرين،‭ ‬لكنهما‭ ‬يتقاربان‭ ‬أحياناً‭ ‬ويتباعدان‭ ‬أحياناً‭ ‬أخرى،‭ ‬حسب‭ ‬تقارب‭ ‬الأهداف،‭ ‬وخير‭ ‬مثال‭ ‬لهذا‭ ‬القول‭ ‬هذه‭ ‬المطبوعة‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬أيديكم‭ (‬مجلة‭ ‬العربي‭)‬،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬بالمجلة‭ ‬التي‭ ‬تمارس‭ ‬الطيران‭ ‬حول‭ ‬المستجدات‭ ‬من‭ ‬الأخبار،‭ ‬وما‭ ‬يصحبها‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬متسارعة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الصور‭... ‬ولكنها‭ ‬أيضاً‭ ‬ليست‭ ‬كتاباً‭ ‬يحمل‭ ‬بين‭ ‬دفتيه‭ ‬وزن‭ ‬المعادن‭ ‬الثمينة‭ ‬وأثقالها‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬لشخصية‭ ‬معينة،‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الروائيين‭ ‬والشعراء،‭ ‬حول‭ ‬موضوعات‭ ‬متشابهة‭ ‬أو‭ ‬موضوع‭ ‬واحد،‭ ‬يختار‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬الزاوية‭ ‬التي‭ ‬تناسبه‭ ‬ويطرحها‭ ‬بعمق،‭ ‬ويلمسها‭ ‬من‭ ‬المنبع‭ ‬حتى‭ ‬المصبّ،‭ ‬عابراً‭ ‬على‭ ‬الأغصان‭ ‬والأزهار‭ ‬والثمار‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬وألوان‭ ‬وشمولية‭.‬

‮«‬العربي‮»‬‭ ‬تزاوج‭ ‬ميمون‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭: ‬الإعلام‭ ‬والإعلان،‭ ‬بغزارة‭ ‬الأول‭ ‬ورونق‭ ‬الثاني‭.‬

إنها‭ ‬مصغَّر‭ ‬للجامعة‭ ‬العربية‭ ‬فكرياً،‭ ‬شعراً‭ ‬ونثراً،‭ ‬هي‭ ‬حلقة‭ ‬وصل‭ ‬حميمة‭ ‬بين‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب،‭ ‬تتناقل‭ ‬أنفاسهم‭ ‬وعيونهم،‭ ‬ومداد‭ ‬أقلامهم‭ ‬وبعض‭ ‬دقات‭ ‬قلوبهم،‭ ‬وتضعها‭ ‬تحت‭ ‬أبصار‭ ‬أقرانهم‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭.‬

ورحلات‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬تقدم‭ ‬أعظم‭ ‬إعلان‭ ‬وأعمق‭ ‬علم‭ ‬باختراقها‭ ‬للصفحات‭ ‬الحضارية‭ ‬والتراثية‭ ‬لتلك‭ ‬البلاد‭.‬

وهي‭ ‬إعلان‭ ‬صارخ،‭ ‬ولكنه‭ ‬برزانة،‭ ‬عن‭ ‬البيئة‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬ضمنها‭ ‬صانعوها‭ ‬من‭ ‬إخوتنا‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موقع‭ ‬وفق‭ ‬رسالة‭ ‬بالغة‭ ‬العمق،‭ ‬ولعل‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬تقدمه‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬تحاشي‭ ‬الغرق‭ ‬في‭ ‬المحليات،‭ ‬سواء‭ ‬عن‭ ‬الكويت‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬شقيق‭ ‬■