مستقبل العرب الاقتصادي

مستقبل العرب الاقتصادي

‭ ‬ظل‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬وسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬خيرات‭ ‬النفط،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭. ‬توجد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬دول‭ ‬عدة‭ ‬منتجة‭ ‬للنفط،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بكميات‭ ‬متفاوتة،‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬السعودية‭ ‬والكويت‭ ‬والإمارات‭ ‬وقطر‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا‭ ‬والجزائر،‭ ‬وجميع‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬الدول‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط‭ (‬أوبك‭) ‬OPEC،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بلداناً‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬تنتج‭ ‬النفط،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بكميات‭ ‬أقل،‭ ‬مثل‭ ‬عمان‭ ‬والبحرين‭ ‬ومصر‭ ‬وسورية‭ ‬والسودان‭ ‬واليمن‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الثروة‭ ‬النفطية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬حيث‭ ‬يجري‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬اكتشافات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬أمام‭ ‬السواحل‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬متوافرة‭. ‬

 وقد اعتمدت البلدان العربية المنتجة والمصدرة للنفط على جني إيرادات سيادية من مبيعات النفط واستخدامها لتمويل الإنفاق العام والجاري والرأسمالي، بما أنعش بقية القطاعات الاقتصادية في هذه البلدان على مدى السنوات الطويلة الماضية التي قد تقارب الستين عاماً أو أكثر في عدد من هذه البلدان، كما أن ارتفاع أسعار النفط بعد الصدمة النفطية الأولى في أواسط سبعينيات القرن الماضي قد مكَّن البلدان المصدرة للنفط من تكوين فوائض مالية مهمة وظفت من خلال صناديق سيادية في أدوات استثمار مسعرة أو استثمارات مباشرة في داخل هذه البلدان وخارجها من أجل جني عوائد مالية تعضد من إيرادات النفط. كما أن البلدان العربية المنتجة للنفط قامت بتأسيس صناديق تنموية، مثل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وعدد آخر من الصناديق القطرية التي تولت تمويل مشاريع للبنية التحتية والمرافق والخدمات في عديد من البلدان العربية بموجب شروط ومعايير ميسرة.

 

الواقع‭ ‬الراهن

 إذا نظرنا إلى الواقع الاقتصادي والواقع الاجتماعي في البلدان العربية، فهل يمكن لنا أن نزعم أن هذه البلدان انطلقت إيجابياً في مسيرة التنمية المستدامة، أو أنها تمكنت من ضبط إيقاع الأنشطة الاقتصادية أو توظيف مواردها بما يعزز معدلات النمو، أو يرتقي بمستويات المعيشة ويحسن من نوعية الحياة؟

 بموجب بيانات عام 2012، يبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لجميع البلدان العربية ما يقارب 3.2 تريليونات دولار، ويقدر متوسط دخل الفرد السنوي في العالم العربي بحدود ثمانية آلاف دولار. بطبيعة الحال، هناك تفاوت في حجم الناتج المحلي الإجمالي في السعودية، البالغ 740 مليار دولار، ويصل متوسط دخل الفرد إلى أكثر من 31 ألف دولار سنوياً، ويصل الناتج المحلي الإجمالي في دولة الإمارات إلى 271 مليار دولار، ويبلغ متوسط دخل الفرد السنوي 49 ألف دولار، في حين لا يزيد حجم الناتج المحلي الإجمالي في السودان على 80 مليار دولار، ويبلغ متوسط دخل الفرد 2500 دولار سنوياً، واليمن يبلغ ناتجه المحلي الإجمالي 40 مليار دولار، ومعدل دخل الفرد لا يتجاوز 1700 دولار.

 

توظيف‭ ‬الإمكانات

 البلدان العربية خلال العقود الماضية لم تتمكن من توظيف إمكاناتها الاقتصادية بموجب معايير وأسس ناجعة. وأقدمت البلدان المنتجة للنفط على تبني حلول سهلة، وعمدت إلى تطبيق آليات الاقتصاد الريعي، حيث وظفت إيرادات النفط في آليات الإنفاق العام، وعززت دور الدولة التي تكفلت بتوظيف المواطنين ودعم احتياجاتهم المختلفة، ودفعتها إلى التوغل في مجالات اقتصادية عدة، ومن ثم همَّشت دور القطاع الخاص وعطلت دوره، بل إن عدداً من هذه البلدان المصدرة للنفط، خصوصاً البلدان الخليجية، قد عملت على تهميش دور العمالة الوطنية، واعتمدت بشكل أساسي على عمالة وافدة، آسيوية وعربية في الغالب، حتى تجاوزت نسبة العمالة الوافدة في بلدان خليجية الثمانين في المائة من إجمالي قوة العمل، كما أن التركيبة السكانية أصبحت منحازة للوافدين، الذين تجاوزت نسبتهم في بلدان خليجية السبعين، وأحيانا الثمانين في المائة. ولذلك، فإن إيرادات النفط عملت على تحسين الأوضاع المعيشية والارتقاء بمستويات الدخل وتعزيز التعليم والحياة الحضرية في مختلف البلدان المنتجة له، إلا أن نتائجه السلبية تمثلت في تعطيل دور المواطنين وتهميش دور القطاع الخاص وهيمنة الدولة على الحياة الاقتصادية بشكل أخطبوطي يصعب الفكاك منه. في الوقت ذاته لم يتم بذل جهود حقيقية لتنويع القاعدة الاقتصادية، أو تطوير صناعات نفطية يمكن أن تصدر منتجات تحمل قيماً مضافة، وظل الاعتماد على تصدير النفط الخام أو الغاز الطبيعي. وبالرغم من توقيع اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية في عام 1964 فلم يتم توظيف الثروات العربية، من خلال برامج الاستثمارات البينية، من أجل تعزيز أنشطة تحظى بميزات نسبية في عدد من البلدان العربية، سواء تلك المصدرة للنفط أو غير النفطية. هناك أسباب عديدة لهذه الأحوال، ولا يمكن أن يزعم المرء أنها نتيجة لعدم رغبة العرب أصحاب الثروات في توظيف أموالهم في بلدان عربية، أو أنهم يفضلون الاستثمار في البلدان الصناعية المتقدمة.

 

التحولات‭ ‬السياسية

 مرت البلدان العربية خلال السنوات الستين الماضية بتجارب سياسية صعبة، أو غير مواتية للتنمية الاقتصادية على الأقل. وجرى تأمين مصالح رجال الأعمال في هذه البلدان، بعد أن بدأ القطاع الخاص يوظف أمواله في قطاعات حيوية قادرة على الإنتاج والتصدير وتوظيف العمالة الوطنية، كما جرى تخريب القطاع الزراعي وتعطيل إمكاناته من خلال قوانين وأنظمة شوهت عمليات الإنتاج، ودفعت العمالة الزراعية إلى الهجرة للمدن وأطرافها، أو إلى بلدان أخرى مثل بلدان الخليج سعياً وراء الرزق. ونظراً لمحدودية الإيرادات السيادية في البلدان غير النفطية، فقد اتسع العجز في الموازنات، وكذلك في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وارتفعت قيمة المديونيات المحلية والخارجية. وغني عن البيان أن الالتزامات على الحكومات العربية المختلفة قد ازدادت خلال العقود الأخيرة، بفعل النمو السكاني المتزايد، الذي يفوق أحيانا معدلات النمو الاقتصادي. ولقد ارتفع عدد سكان العالم العربي مما يقارب المائة مليون في عام 1950 إلى نحو 450 مليون نسمة في الوقت الراهن. وعلى الرغم من البيانات الديمغرافية التي توضح أن معدلات الخصوبة للنساء العربيات آخذة في التراجع في السنوات القليلة الماضية، فإنها تظل الأعلى على المستوى العالمي، خصوصاً في اليمن والدول الخليجية. كما أن القاعدة الكبيرة للسكان في بلدان رئيسة مثل مصر والمغرب والعراق والسودان وغيرها لن تتمكن من ضبط إيقاع النمو السكاني حتى لو انخفضت معدلات الخصوبة، لأمد متوسط على الأقل.

 

الآفاق

 ما آفاق الاقتصادات العربية على مدى السنوات المقبلة؟ وهل يمكن أن نستشرف إمكانات لتعديل الهياكل الاقتصادية وتوظيف أمثل للموارد المالية والبشرية؟ بطبيعة الحال يفترض أن تتطور الأوضاع الاقتصادية في ظل أنظمة سياسية مستقرة تتبنى سياسات اقتصادية واجتماعية متوازنة، وتعتمد قيماً عقلانية متوافقة مع متطلبات الاقتصاد العالمي الحديث. وبعد تدفق النفط وارتفاع أسعاره على مدى السنوات الأربعين الماضية، تمكنت بلدان عربية من تحقيق فوائض مالية مهمة وظفت في أدوات مالية واستثمارية عديدة في بلدان مختلفة من خلال صناديق سيادية. 

وتمثل هذه الأموال مبلغاً مهماً، وربما يحقق دخلاً مهماً من الاستثمارات المالية والعينية، حيث يصل إجمالي قيمة هذه الصناديق إلى 2.4 تريليون دولار أمريكي.

 هل يمكن أن نتوقع توظيف هذه الأموال، أو جزء منها، في مشاريع تنموية في مختلف البلدان العربية؟

 لا شك في أن البلدان العربية المانحة، وهي البلدان الخليجية المنتجة للنفط وليبيا، قد قامت منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي بتقديم تمويلات ميسرة لعديد من المشاريع الأساسية، مثل مشاريع الطرق ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والسدود المائية وشبكات الاتصالات الهاتفية والصوامع، وعديد من المشاريع الأخرى. كما أن هذه البلدان وظفت أموالاً من خلال آليات الاستثمار المباشر في بلدان، مثل مصر وسورية والسودان واليمن والمغرب وتونس وموريتانيا. شملت تلك الاستثمارات مشاريع فندقية وسياحية ومشاريع سكن متنوعة، بالإضافة إلى عدد من الصناعات التحويلية وإلى حد ما مشاريع زراعية. يضاف إلى ذلك أن هناك كثيراً من المنظمات الاقتصادية التي أُسست تحت مظلة جامعة الدول العربية لدعم المشاريع الصناعية والزراعية والسياحية في البلدان العربية، فضلاً عن البنوك التنموية والاستثمارية التي قامت بجهود مشتركة بين عديد من الأطراف العربية. بيد أن حصيلة هذه الجهود - رغم  أهميتها تحقيقها نتائج جيدة أحياناً - لا تزال بعيدة عن تحقيق الطموحات التنموية المنشودة، التي يمكن أن تؤسس نهضة تنموية مستدامة. ولذلك لابد من التأكيد على أن توافر الأموال والنوايا الطيبة لا يكفي لتحقيق تنمية أو رفع معدلات التنمية أو تحسين ظروف المعيشة أو خلق فرص عمل للمتدفقين إلى أسواق العمل في البلدان العربية. يتعين تحديد هوية النظام الاقتصادي, ومن ثم وضع قوانين وأنظمة حاكمة تعزز حركة النشاط الاقتصادي بموجب معايير ذلك النظام. وكما هو معلوم أن الاقتصادات العربية لا يمكنها أن تتحرَّر من علاقاتها مع النظام الاقتصادي الدولي، الذي جرت صياغته بموجب منطلقات منظمة التجارة الدولية، التي تعتمد على نظام السوق الحر والمنافسة العادلة ودعم مساهمة القطاع الخاص في مختلف الأنشطة والقطاعات، وتحرير أنظمة الملكية، ورفع القيود المفروضة على عمليات التجارة المحلية والخارجية. ولذلك، فإن بداية الأمر تتطلب التوافق على تعزيز نظام الاقتصاد الحر وتحرير جميع الأنشطة من هيمنة الدولة وتوفير بنية قانونية ومؤسسية تمكن من جذب رؤوس الأموال وتحقق للمستثمرين ثقة بتعامل المؤسسات الحكومية مع أعمالها في مختلف البلدان العربية.

 

دور‭ ‬الدولة‭ ‬ودور‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص

 لا يعني ذلك غياباً شاملاً للدولة عن الحياة الاقتصادية، حيث إن مؤسسات الدولة والحكومات لا بد أن تشرف وتتأكد من تطبيق القوانين المتصلة بأي نشاط اقتصادي، وتنظم عمليات تبادل حقوق الملكية، وتقوم بجباية الضرائب والرسوم، وكذلك تعمل على حماية العمل الاقتصادي من الاحتكار أو سوء توظيف الموارد، وحماية حقوق العاملين وحماية الملكيات العامة والأموال العامة. كذلك يمكن في قطاعات محددة أن تشارك الحكومات مؤسسات القطاع الخاص من أجل إقامة شركات أو مؤسسات للعمل في أنشطة محددة، ربما تتطلب دوراً فاعلاً من الدولة كشريك ومستثمر، أو تتطلب تمويلات من القطاع العام، أو إنها من الأنشطة التي لا تحقق عوائد إلا بعد زمن طويل، بما يعني أهمية توفير أموال مهمة من الدولة لتشجيع القطاع الخاص على ولوجها. وربما تشمل هذه الشراكات قطاعات مثل البترول أو الصناعات التحويلية أو الزراعة أو محطات توليد الطاقة. لقد قامت عديد من الحكومات العربية بتعديل كثير من القوانين من أجل تشجيع المبادرات الخاصة وتدفق الاستثمارات الخاصة، ولكن ما تحقق حتى الآن لايزال بعيداً عن الطموحات. إذن المطلوب هو تفعيل تلك القوانين ودفع البيروقراطية الحاكمة للتناغم مع تلك القوانين المعدلة بدلاً من تجميدها أو تعطيلها، وإجراء أي تعديلات جديدة مطلوبة من أجل تحفيز المستثمرين. وتؤكد المؤسسة العربية لضمان الاستثمار في تقريرها الصادر في أغسطس عام 2013 ما يلي: رغم إدخال عديد من التعديلات على القوانين والتشريعات في معظم الدول العربية بهدف تشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة المباشرة منها، دول المنطقة لم تنجح في أن تصبح مواقع جذب مهمة للاستثمار الأجنبي المباشر، مقارنة بغيرها من الدول النامية «هذه الملاحظة في تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار تتطلب اهتماماً جدياً من قبل الحكومات العربية».

 يوضح التقرير المشار إليه آنفاً أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغت في عام 2012 ما يربو على 1.3 تريليون دولار، وعلى المستوى العالمي، انخفضت عن مستواها البالغ 1.6 تريليون دولار في عام2011.وقد استحوذت الدول النامية على ما نسبته 52 في المائة من تدفقات الاستثمار المباشر في عام 2012، وبلغت حصة البلدان العربية من هذه التدفقات 47 مليار دولار. ويعني هذا المبلغ انخفاضاً عما جنته البلدان العربية في السنوات السابقة، حيث بلغ 76.3 مليار دولار في عام 2009 و96.3 مليار دولار في عام 2008. ولا بد أن انعكاسات أحداث الربيع العربي على عدد من البلدان العربية قد ساهمت في خفض جاذبية البيئات الاستثمارية فيها. وأهم من ذلك أن تدفقات الاستثمارات العربية البينية لا تزال متواضعة وبلغت 3.4 مليارات دولار في عام 2012.

 يمثل الاستثمار الأجنبي المباشر للعديد من البلدان النامية مصدراً مهماً للأموال التي تتطلبها عمليات الإعمار والاستثمار، ولذلك قامت بتطويع قوانينها وأنظمتها وكيَّفت إداراتها للتعامل بحساسية مع المستثمرين الأجانب وتسهيل إجراءات تأسيس المشاريع أو اقتناء الأصول. يضاف إلى ذلك أن عديداً من البلدان النامية أو تلك المتحولة لنظام الاقتصاد الحر، مثل بلدان أوربا الشرقية، قد أصبحت أكثر توافقاً وتفهماً لمعايير الاستثمار وحقوق المستثمرين وتمكينهم من جلب الأموال وإخراج الأرباح وتعديل الأنظمة الضريبية لكي تكون أكثر ملاءمة للمستثمرين، وبحيث لا تكون طاردة، وكذلك اعتماد اتفاقيات الازدواج الضريبي. أيضا، عملت هذه البلدان على حماية المستثمرين من مخاطر مصادرة الأموال والأصول العينية والتأكيد على عدم تأميم تلك الأموال والأصول. وغني عن البيان أن البلدان العربية أصبحت تتبنى هذه القوانين والأنظمة، لكن لا تزال هناك نخب سياسية تطرح مفاهيم الاقتصاد الشمولي وتثير المخاوف في أوساط المستثمرين بما يعزز العزوف لديهم عن الاستثمار في البلدان العربية.

 

معالم‭ ‬التطور‭ ‬والإصلاح

 يمكن للمرء أن يحدد معالم الطريق نحو المستقبل الاقتصادي العربي كما يلي:

أولاً: تعزز الاستقرار السياسي ودعم الأنظمة المؤسسية وتوفير القوانين الملائمة لتحفيز الاستثمار في جميع الأنشطة الاقتصادية.

ثانياً: تحديد المشاريع الرئيسة التي تتطلب تمويلات ميسرة في مختلف البلدان العربية وتقرير تكاليفها الإجمالية.

ثالثاً:  اعتماد مشاريع استثمارية مناسبة للميزات النسبية في مختلف البلدان العربية التي يمكن أن تحقق عوائد على رؤوس الأموال الموظفة فيها.

رابعاً: تنشيط الأسواق المالية وعمليات إدراج الشركات فيها ودعم عمليات التنسيق والتكامل بين هذه الأسواق بما يتيح للمستثمرين اقتناء وبيع الأصول بشفافية ويسر.

خامساً: توفير بيئة أعمال ملائمة للقطاع الخاص في البلدان العربية، وتحرير عمليات التملك، بما يمكن من تنشيط حركة الاستثمارات البينية ويوفر فرصاً لتدفق رؤوس الأموال العربية على جميع البلدان المضيفة للاستثمار.

سادساً: تشجيع إقامة صناديق استثمار متخصصة في البلدان العربية، بحيث تكون هناك صناديق للاستثمار في الزراعة والصناعة والسياحة والإسكان والخدمات الحيوية. ويمكن أن تدرج هذه الصناديق في الأسواق المالية العربية بما يتيح لجميع المواطنين العرب اقتناء وحداتها الاستثمارية.

سابعاً: دعم عمليات الشراكة الاستثمارية بين المستثمرين المحليين والعرب والأجانب في مختلف الأنشطة وفي جميع البلدان العربية من أجل جذب المزيد من الأموال والاستفادة من الخبرات التقنية والإدارية المتوافرة لدى الأطراف الأجنبية.

ثامناً: التركيز على الأعمال والأنشطة التي يمكن أن تخلق فرص عمل للشباب المتدفقين إلى أسواق العمل في مختلف البلدان العربية، ومنها أنشطة الصناعات التحويلية التي تحظى بميزات نسبية.

تاسعاً: دعم جهود تحويل الاقتصادات العربية إلى اقتصادات تعتمد على العلوم والمعرفة والجهود الإنسانية أكثر من اعتمادها على الموارد الطبيعية والمواد الخام، مثل الاقتصادات النفطية. وتجب الاستفادة من تجارب بلدان صناعية مهمة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند لتعزيز هذا التحول النوعي في الحياة الاقتصادية.

عاشراً: تطوير عمليات التكامل الاقتصادي بين مختلف البلدان العربية، وتحسين عمليات التبادل التجاري البينية، وتطويع القوانين والأنظمة لحركة العاملين بين هذه البلدان بما يعزز إمكانات الوحدة الاقتصادية العربية خلال العقود المقبلة.

إن ما سبق تحديده ليس جديداً، وقد تم التطرق له من قبل العديد من المسؤولين والمختصين الاقتصاديين، لكن إمكانات تطبيقه تمثل تحديات مهمة للمستقبل الاقتصادي العربي. وتظل الإرادة السياسية ذات أهمية بالغة لبلوغ تلك الأهداف وتحقيق الآمال العريضة لشعوب العالم العربي .