امرأةٌ فـي الـبَــيَـاض

جـاءَني في الـمَـنام
خيالُ امرأةٍ في البياضِ!
تكللَ ورداً، وأسْدلَ منْ جانبيهِ غـمَام...
خيالُ امرأةٍ في البياضِ!
كأنـّي الـتـقـيتُ بها مَـرةً في قـَـديـم الــزّحـام...
خـيالُ امرأةٍ في البياضْ!
بانَ بـيـنَ يـديـها إنـاءٌ
أشارتْ إليّ: تـعـال،
خـُـذ الكأسَ، هـذا حليبٌ مُـصفـّى
أتـيـتُ بـهِ منْ ضُـرُوع الغـزال
وجـئـْـتُ إلـيـكَ بـخـُــبْــزٍ سَـخـيـن
وتمرٍ عزيزٍ تجودُ بهِ طـيّـبـاتُ الـنـّـخـيـل.
***
قـلتُ: مـنْ أنــتِ؟!
قـالـتْ: ضَـنـيــنٌ هُـوَ الـوقـْـتُ، لا وقـتَ عـنْـدي،
أنـا مـنْ تـُـرابــكَ... مـنْ نــارِ أهْـلـكَ...
مـنْ سَـورةِ الـمَدِّ ومـلـحِ الأجـاج
ومـنْ نـسْـمَـةٍ حُـرةٍ فـي الـبُـكـُـور
مَـددتُ يَـدي نـحْـوَها مُـسْـتـريـبــاً
أخـبْـزٌ... حـلـيبٌ... وتـمْـر!
لماذا أتيتِ إلـيّ بـهـذا الطـَّـعـام...؟!
***
خـذ الأكـلَ مـنـّي، وجـرّبْ طـعـامـاً
قـرأتُ عليهِ... رشَـشْـتُ عليهِ بـماءٍ تـحــدّرَ
مـنْ مُـزنـةٍ لـمْ تـلـدْها الـدّهـُـور
وهـذا الخـبـزُ خـُـبْـزي
عـَـجـنـتُ بـهِ أمْـنـيـاتِ الـشـراع
وحُـلـْـم الـثـغُـور
وطـيّـبـْــتـهُ بـالـذي كانَ في الـبـال دومـاً يَـدور.
***
أكـلـتُ الطعامَ الذي لمْ أذقْ مثلهُ...
شـربـتُ، وأسْـكـرني مـا لــديـْـها
فـصرتُ ألـفُّ... أدور...
وأشعـرُ أنّ الـمَـدى كلَّهُ يَـقـْــتـربْ
وأنّ الهواءَ تـلوّنَ لونَ الزهـُور
وصرتُ كـمـنْ مَـسّـهُ الـسّـكـْـرُ
وراحـتْ بـهِ نـشْـوةٌ عَـبْـرَ فـُـلـكٍ
تـجـاوزَ بـحـْـرَ العـُـبُـور
وأشعـُر أنـّي شـفـيـفاً. خـفـيـفــاً
أراقـصُ ألـْـسِـنـَةً مـنْ لـَـهَــبْ
وأتـبـعُ سـربَ فــراشٍ... أشـمُّ الـبَـراعَــمَ
أحْــنـُـو...
وأكـتـبُ شـعـراً يُـغـَــنـّى
وأعـْـزفُ لحــنـاً لـنـجْـم الــثــُّـريّـا
وأنـْـقـُـرُ دُفّــاً مُـحَـمّـى
تـلـيـنُ لـهُ فـي الـعَـشِـيّـاتِ لـُـدْنُ الخُضُـور
وأهـمُـسُ بـالـحُـبِّ حـتـى انـكــسَـار الـمَـرايـــا
وحـتـى ابْـتـداع الضـُّــروب...
وإشْــعـالِ نـارِ الـقـُـلـوب
ومـمّـا اعْــتـرانـي...
أحِـسُّ بـأنـّي أرق، وأصْـفـو، وأغـدو شـُعاعـاً
يَـمُـرّ مُـخـتـرقــاً ظـلـمَـةً فـي الــدُّروب
ويـتـركُ مـنـّي عـلى دربِ دربـي حُـروف
ويـأخـُـذنـي الـوَجْــدُ وجْــداً، يُـوَزّعُـنـي
نـَـبـْـضَـةً... نـَـبْـضَـةً...
فـي زِحَـام الضُّــيُـوف
فـأبـْـكـي لأنـّـيَ مـا كـنـتُ أكْــفـي...
أنــادي... أصـيـح
أيَـا امْـرأةً فـي الـبَـيـاضِ تـَـعـالي
أريــدُ الـمَــزيـد...
ثـُـمَّ أحْـسَـسْـتُ أنـّيَ شــيءٌ...تـَـلاشـى
وأحـْـسَـسْـتُ أنـّيَ... شــيـئـاً... فـشــيـئـاً أذوب...
وأحْـــيـا... أمُــوتْ .