التخلف الفكري

التخلف الفكري

حديثنا هذا الشهر عن سبب من أسباب التخلف الفكري لدى الإنسان، أي إنسان كان انتماؤه الجغرافي إلى دولة متمدنة أو متخلفة، أو مجتمع مثقف أو جاهل، أو جماعة أو حزب أو طائفة أو دين. إنّ التخلف الفكري ليس جهلاً، إنما هو جهالة، فالمتخلف فكرياً واحد من ثلاثة: محدود التفكير أو مُحَيَّد التفكير أو ضالّ. ومحدود التفكير ليس غبياً، إنما هو من يضع حدًّا أو حدودًا ينتهي إليها تفكيره دون السعي إلى توسيع مداركه وإطار تفكيره من خلال القراءة أو تعلُّم خبرات جديدة أو الإبداع والتجديد في ما أنجزه.

لذلك نراه راضياً دائماً بالحلول المؤقتة أو السريعة كهدف في تحقيق غاياته، قنوعاً بما ارتضاه لنفسه من عيش وحياة، ومثل هؤلاء يترجمون الطموح طمعاً وزيادة التحصيل جشعاً والتخطيط للمستقبل والعمل على ذلك ضرباً من ضروب الغيب والتدخل في علم الله أو في القضاء 
والقدر.
وأكثر هؤلاء نراهم في سواد الطبقة الكادحة في المجتمعات الصناعية (من أصحاب الياقات الزرقاء)، كما نرى جزءاً كبيراً منهم في المجتمعات الزراعية والرعوية والمجتمعات النائية غير المتمدنة التي تعيش في حدود الغابات أو الجبال أو الصحارى ولا تخرج منها. إنّ مثل هؤلاء لا إدراك لهم سوى الموروث من الأقوال والأعمال، فهم في محيط دائرة الماضي يهيمون، عازفون عن كلّ ما لم يعرفوه أو يخبروه، تاركون تجربة ما أسلافهم لم يجربوه، يخافون مما هو جديد حتى أصبح فكرهم من حديد، فالسير على أثر خطى الآباء والجدود يُثْقِل على النفس والعقل القيود فيظل التفكير محدوداً. 

مستنسخات بشرية
أما مُحَيَّد التفكير فهو من تربى على السمع والطاعة، ممن يُؤمر فيُنفِّذ، فمثل هؤلاء تكون تنشئتهم في حدود إطار ممنهج تربوياً، بمعنى أن يتلقى تعليماً ذا طابع ومنهج خاص وهوية معينة، سواء كانت تلك الهوية دينية أو طائفية أو مذهبية، سياسية أو عسكرية، ومن خلال هذا الإطار يُغَذّى ويُحشى بكمٍّ كبير من الموروثات والخبرات المتراكمة في إطار منهج يؤصل لتلك الهوية المنشودة ويولّد مستنسخات بشرية. ومنذ القِدَم دلّنا التاريخ على مثل هؤلاء، فمن مريدي شيوخ الطرائق إلى تلاميذ الأدعياء، ومن مقاتلي إسبرطة إلى المماليك فالانكشاريه...  لا تعمل إلا كذا وكذا...  ولا تُفكِّر إلا هكذا، وعليه يكون محيّد التفكير أسمى مرتبة عقلية من سابقه محدود التفكير، حيث يستطيع تجاوز حدّ المنهج بما لا يتعارض أو يلغي أو يتخالف مع بُنى وأسس معالم تلك الهوية المرسومة له، يتجدد الطلاء، نوعاً ولوناً، وتبقى ملامح الصورة والبناء كما هي، يتغير أسلوب الخطاب السياسي أو الديني، وتعلو أو تخفت نبرته، وتبقى المعاني كما هي، تُفَسَّر أحياناً أو تُؤوّل...  لكن في النهاية يأتي هذا التفسير أو التأويل في إطار مصلحة «الجماعة» أو «الفئة» أو «الطائفة» أو «الحزب». من هنا تصبح أسس التربية في هذا الإطار ممنهجة على رفض ما يتعارض مع المنظومة الفكرية والعملية لهذه «المدرسة» وإن كان المعارض محقاً، أو على أقل تقدير، لم يكن هذا المعارض على خطأ، إلا أن إقصاء الرأي الآخر والمخالف قد أصبح سمة نراها واضحة في أغلب العصور. أما التفكير الضال فهو الذي ينطلق من اللامنطلق، ويعتمد على المنطق المغلوط، فلا يكون له مستقر ولا مستودع، فكل الأطروحات جدل، وكل الحلول تهدف لهدم ما هو قائم دون إعطاء البدل. هكذا كان السفسطائيون، جماعة وأفراداً، جعلوا من الفلسفة مرتزقاً فباعوا الوهم وجنوا المذمة والعار. 

خطباء الهدم والإرهاب
لقد بدأ السفسطائيون مسيرتهم بعد تداعي نظام الأوليجارشية (النخبة) وظهور الديمقراطية التي كانوا من أنصارها ورجالها المخلصين، حتى وصلوا بآرائهم الجدلية إلى دحض القيم والأخلاق والتشكيك بالفضائل، الأمر الذي أثر سلباً في النشء الجديد وتداعي تحصيلهم من العلوم الأخرى، كالرياضيات وعلوم الطبيعة، كل ذلك أدى إلى استنهاض غيرة فلاسفة ذلك العصر (القرن الخامس قبل الميلاد) وخاصة سقراط الذي دحض آراءهم وبيّن متناقضات أفكارهم، ودمّر أطروحاتهم تدميراً، لم يكتب سقراط أي كتاب، ولكن حُفِظت آراؤه ومحاوراته مع السفسطائيين بعد ذلك في كتب كثيرة دونها تلميذه النجيب أفلاطون. لقد انتصر سقراط للمعرفة الحقيقية ودحض جدل السفسطائيين، ولكن السياسة هزمته حين تقرر نفيه عن أثينا أو موته بالسم، فاختار الأخير. لقد عاش حياة معلِّم، كرسها ليؤكد أنّ الضلال هو من الخروج عن النظام العام بآراء لم ولن تثبت كوقائع عملية أو حقائق علمية بالدليل، وعليه فإنّ الضال هو الهادم لمنظومة أو منظومات فكرية قائمة، دونما إعطاء البديل، وأكثر هؤلاء يمكن تصنيفهم من قادة الجمهرات، وليس قادة الجماهير، حيث عادة ما يكون الطرح الخطابي لهم عالي النبرات ضعيف المعاني، محفزاً للنعرات كثير الأماني...  وهم أيضا خطباء الهدم والإرهاب، تحسّ بخطابهم ثورة وأملاً في التجديد، ولا ترى فيه سوى رجعية وتطرف عنيد. وعلى شاكلتهم كان الخوارج، الذين نادوا بآراء وحملوا شعارات ظاهرها التشكيك وباطنها هدم أعراف المجتمع وتقويض أهداف النظام، من دون رؤية واضحة أو علم أو كتاب مبين، فاختلطت عندهم المفاهيم... فهم {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (سورة الكهف/104)، ولا يعنينا هنا ما يحمله الضلال لأهله، فكلُّ راضٍ بعقله، ولكن ما يهمنا هو دعوة الضلال وانتشارها في مجتمعاتنا العربية، حتى أصبحت الخرافة والوهم إيماناً، والدفاع عن الحق ببيان الحقيقة كفراً وإلحاداً، وترى الضلال قد نال منا بظهور جديد على الساحة السياسية، ومثال على ذلك الجماعات المتطرفة دينيًا في العراق وسورية ومناطق أخرى التي شهدت ظهور جماعات اقصائية.
إنّ السيف المصلت على رقاب العلماء والمفكرين اليوم، هو السيف نفسه الذي أصلته الخوارج في صدر الإسلام على من لم يوافقهم الرأي، وهو الذي استعمله رجال الدين في القرون الوسطى على علماء عصرهم، والأمثلة من العصور الخالية كثيرة، وما أشبه اليوم بالبارحة. إنّ فلسفة الإيمان بالله تقوم أساساً على «اليقين» بوجود الله، وهو الذي خلق الإنسان، عقلاً وروحاً وجسداً، وجعل التفكير نتاجاً للعقل، وجعل الروح مركزاً للنفس بحاجاتها المركَّبة، ورغباتها الفطرية حلقة الوصل بين العقل والجسد، وجعل الجسد أداة ترق أو تدن لمرتبتي العقل والروح، وقد وضع الله تعالى الإطار الديني للإنسان كمنهج صلاح، فلا يُفسد في الأرض أو يسفك الدماء، ولا تتعارض حدود هذا الإطار مع قدرة الإبداع لدى العقل، لأنّ دائرة الدين دائرة مرنة تستوعب الخير في كل زمان ومكان، وعليه فإنّ الدين نظام حياة جوهره الفضيلة وإطاره سعادة الإنسان طولاً وارتفاعاً وعرضاً واتساعاً في الـ«أين» والـ«متى». 

فلسفة العلم
وإذا كانت فلسفة الدين تقوم على الإيمان الذي يبدأ باليقين، فإنّ فلسفة العلم تقوم أساساً على «الشكّ»، الذي يبدأ بالفرضيات التي ترتقي لتكوِّن منظومة متكاملة لنظرية علمية. ولابدّ للنظريات من براهين تدلل عليها حتى تصل هذه النظرية إلى مرتبة «الحقيقة»، فلا تتأصل العلوم إلا بالحقائق وإلا أصبحت ضرباً من ضروب العبث أو طيفاً من أطياف الخيال. ولقد أثبت لنا التاريخ كيف كان الطبّ ممارسة عشّاب أو كُهن ساحر أو خبال مشعوذ، حيث تمدنا قواميس اللغة العربية بأنّ مخرجات أعمال السحر عند العرب كانت تسمى «طِبّا». إلى أن أتى على الإنسان حين من الدهر جعل تلك الممارسات تخضع للتجربة والمشاهدة والبرهان، ونتج عنها اكتشاف أنجع العلاجات للأمراض. وشأن ترقي الطب مرتبة أسمى من الشعوذة ليصبح علماً شأن علم الكيمياء، حين بدأه الإنسان بمزج العناصر وخلط المُرَكَّبات، ففسدت الأمزجة وتداعت سمة المركبات، ولكن مع إصرار عقل الإنسان على تأصيل أسس تُغَيّر سمات وصفات السوائل والمعادن والصخور أصبح عبث «السيمياء» علماً ذا قواعد وأصول. 
ولقد ضربنا مثلاً بالطب والكيمياء لأنهما كانا قديماً ضرباً من ضروب السِّحْر الذي بدأ في بابل بعد نزول المَلَكيْن هاروت وماروت وتوارثته بعد ذلك شياطين الجنّ، وفي ذلك قال الله عز وجل {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىمُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ 
وَمَارُوتَ } (سورة البقرة/ 102). لقد اتبع الإنس ما تتلو الشياطين، فالشياطين تجري في الإنسان مجرى الدم في العروق، ليس بذاتها وإنّما عـــن طــريق الهمس، ويسمى همس الشياطين وسواساً، لذلك عادة ما تكون طقوس السحرة همساً. ولقد حاربت الأديانُ السحرَ في بادئ أمرها، حتى تعاقبت الأجيال بعد الأجيال فانحرفت أوّل ما انحرفت الهندوسية ثم تلتها الزرادشتية، فجعلتا من السحر عقيدة إيمانية في ديانتيهما. وعلى الرغم من علو صيحات المصلحين في بعض العصور بتنقية الدين، ومحاولاتهم منع التصديق بالسحر، كمحاولة بوذا في الهندوسية ومحاولة ماني في الزرادشتية، فإنّ صيحاتهم لم تحمِ إلا من اتبعهما ودخل في الدين الجديد. وعلى الرغم أيضاً من أنّ الديانات الأخرى قد صَنَّفَت السحر بأنّه شركٌ أو كفرٌ أو طقس وثني على أقل تقدير، فإنّ السّحر انتشر في فئات محدودي ومُحَيَّدي الفكر والضالين انتشار النار في الهشيم، ولربما أصبح شعيرة عند البعض منهم، وإن سألت بذلك الخائضين في السحر منهم، أجابك بمثل قول أبي نواس:
عرفت الشرَّ لا للشرِّ
لكن لتوقيه
فمن لا يَعْرِفُ الشرَّ
من الناس يقع فيه

كما يجيبك أيضا بأنّ التصديق بالسحر من الإيمان لأنّ ذِكره قد وَرَد في القرآن! أو يحاول أنْ يُقنعك بأنّ ما يفعله ليس سوى الخير في أنّه «يفكّ» سحراً عُمِلَ لفلان أو فلانة! ألا يعلم هذا التعيس أنّ السحر من الكبائر والموبقات، وبهذا يكون - كما أشرنا - من الضالين. وعلى الرغم من نداءات وتصريحات كبار الفلاسفة المسلمين وأكثر علماء الكلام من نهاية السّحر في العالم تدريجياً بعد نزول الوحي برسالة خاتم الأنبياء سيدنا محمد ، ففي فترة الدعوة الإسلامية بمكة أُنزِلَت سورة «الجِّنّ» التي تقرر فيها ملء السماء بحرسٍ من الملائكة وشُهُب، فمن يحاول أن يستمع أسرار الكون ليتلوها على الأرض يحترق بشهاب يرصده، قال تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ  فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا } (سورة الجنّ/9). وكيف يخشى المؤمن سحراً وقد حصّنه الله بآية الكرسي والمعوذتين، تلك الآيات التي أنزلت على 
النبي  وبلّغها للمسلمين؟

دليل التخلف
إنّ إشكالية تطويع النص الديني وتحميله مفاهيم متخلفة عن مواكبة ركب الحضارة الإنسانية هي دليل على التخلف، وهي الخطر الأكبر على تقدم الأمة، وإن نسيتَ فدعني أذكرك بكمّ الفتاوى التي حَرّمَت الجديد، وعدّت الإبداع العلمي بدعة دينية، المذياع والهاتف ومشغل الإسطوانات والتلفاز والستلايت، كلها كانت بالأمس حراماً فأصبحت اليوم حلالاً! وقد حُرّم قبل ذلك تعليم النساء القراءة والكتابة، وقبلها وقبلها...  ولكن، ماذا بعد؟ إنّ اجتهادات علماء الدين في عصر سابق لمسألة ما لا تعني ضرورة التزام اللاحق بتلك الاجتهادات، مهما كانت قوة أدلتها أو نزاهة وعلم مجتهدها وراويها، إذا ما تبين للمجتهد المعاصر حقيقة أمر على وجه اليقين، وأقصد بذلك «العلم اليقين» الذي لا يأتيه الباطل من أي جهة، ولنضرب على ذلـــك مثلاً «العَيْن» ومـــــدى تأثيرها على الإنسان وأقدار البشر، وفي ذلك يجيبني كثيرون بأنّ أثرها على الإنسان يكون سلباً إن شَخَصَه آخر من العيونيين، والعَيُّون أو العَيُّوني هو صاحب العَيْن الضاربة بالشر والسوء، تلك كانت ثقافة العصور السالفة، حتى أتى الحسن بن الهيثم بنــــظريته التي قــــال فيهـــا إنّ العين لا تُرسل إشعاعاً تُلــــقي به على الأشياء فتراها وتبصرها، إنما هي تتلقى انعكاس الضوء عن الأشياء بصورة مقلوبة ومعكوسة، ليترجمها العقل بصورتها الصحيحة... نعم، كانت مجرد نظرية، نسبتها من الصحّة أقل كثيراً من الخطأ الذي ربما يعتريها، ولكن الحسن بن الهيثم أصرّ عليها، فحاربه علماء الدين في جميع أرجاء الدولة الإسلامية، واتهموه بالكفر والإلحاد، شأنه في ذلك شأن جميع علماء الطبيعيات في العصر العباسي، عصر نهضة العلوم الإسلامية، لم يستطع ابن الهيثم الثبات أمام الموجات العاتــية لعلماء الدين الذين يرون أنّه كفر بأن أعلن مخالفته لنصٍّ دينيٍّ يؤكد قوة وفعالية العين على قَدَر الإنسان في جسده ونفسه وعمله وأهله وماله، إنّهم غير ملومين بأن استرشدوا بآيات الذكر الحكيم: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (سورةالفلق/5) أو بقوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ } (سورة الكهف/39)، وهنا ترى التخلف الفكري بالاسترشاد واضحاً عند الجموع المسلمة المتناثرة والمبعثرة من محدودي الفكر في العالم العربي حتى في فهم لغة القرآن، فحين يُعجب شخص ويُصرّح قولاً بإعجابه بما لدى شخص آخر، يَهِبُّ هذا الآخر بالمصرِّح المُعجَب أنِ اذكر ربّك وقل «ما شاء الله لا قوة إلا بالله»! وإن أراد الحقيقة وفَهِم أبسط قواعد اللغة العربية فالآخر هو من يجب عليه ذِكرُ ربه بـ «ما شاء الله لا قوة إلا بالله»...  فدَخَلْتَ أنت ودَخَلْتُ أنا، مثلها مثل قُلتَ وقُلتُ... فكان بفهمه وتفسير الآية من الجاهلين. وكما طُوِّعَ كلام الله وأُوِّل ووُضِعَ في غير موضعه، طُوِّعَت نصوص الحديث الصحيح من السنة النبوية لمفاهيم جانبت ما أثبته العلم يقيناً، وذلك بالاسترشاد ببعض الأحاديث عن الرسول  دون معرفة الناسخ والمنسوخ أو الخاص والعام، أو العلم بقطعيّ وظَنّيّ الدلالة والثبوت، ولا دراسة للقواعد الأساسية لفَهْم الحديث الشريف عبادة واعتقاداً. 
لقد أشاع علماء النقل الديني بين أتباعهم ومريديهم من محدودي ومحيَّدي الفكر من البسطاء وممن تربوا على أيديهم على السمع والطاعة دون إدراك أو نــــقاش، تهافت نظرية ابن الهيثم، وكما نشروا الخوف من السحر، نشروا معه الخوف من شرّ العين وكل ما هو مجهول كتلبُّس الجنّ بالإنسان والتحكم به، وغير ذلك من الترهات، أيكون هذا الخطاب هو الخطاب نفسه بعد أن أصبحت اليوم نظرية ابن الهيثم حقــــيقة علمية ويقــــيناً؟! لابــــدّ لنا من الحكم بين النقيضين، فالحقُّ أحقُّ أن يُتّبَع...  فإما النَقْل أو العقل، وفي الحقيقة أنّ النقل مُؤوَّل والعقل مُضلّل، فما أجمل النقـــل بإعـــمال العقل! وما أحسن العقل بلا إهمال للنقل! فاليقيــن ثابت كما الإيمان، وما ثَبُتَ علمه يقيناً فالشكُّ فـــيه كُفْر...  أفلا تعقـــلون؟!.