مسألة التخاطر... هل يصل العلم إلى تفسير آليتها وتقليدها؟

مسألة التخاطر...  هل يصل العلم إلى تفسير آليتها وتقليدها؟

ذات‭ ‬صباح‭ ‬مبكر،‭ ‬انطلقت‭ ‬بسيارتي‭ ‬من‭ ‬بيتي‭ ‬الريفي‭ ‬باتجاه‭ ‬العاصمة‭ ‬بيروت‭. ‬كانت‭ ‬سيارتي‭ ‬تنساب‭ ‬بهدوء‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬الساحلية،‭ ‬الأشجار‭ ‬والتلال‭ ‬الخضراء‭ ‬تتوالى‭ ‬على‭ ‬يميني،‭ ‬وزرقة‭ ‬البحر‭ ‬ساكنة‭ ‬إلى‭ ‬اليسار‭... ‬وخطرت‭ ‬ببالي‭ ‬أغنية‭ ‬جميلة‭ ‬للسيدة‭ ‬فيروز‭ ‬ما‭ ‬لبثْتُ‭ ‬أن‭ ‬أخذْتُ‭ ‬أغنيها‭... ‬ابعدك‭ ‬على‭ ‬بالي،‭  ‬يا‭ ‬قمر‭ ‬الحلوين،‭ ‬يا‭ ‬زهرة‭ ‬تشرين،‭ ‬بعدك‭ ‬على‭ ‬بالي،‭ ‬يا‭ ‬حلو‭ ‬يا‭ ‬مغرور‭...‬ب‭ ‬،‭ ‬وبينما‭ ‬كنت‭ ‬أتابع‭ ‬أغنيتي،‭ ‬أدرت‭ ‬مفتاح‭ ‬الراديو‭ ‬لأفاجأ‭ ‬بالأغنية‭ ‬ذاتها،‭ ‬بل‭ ‬المقطع‭ ‬ذاته‭ ‬والكلمة‭ ‬ذاتها،‭ ‬حيث‭ ‬وصلت،‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬مذياع‭ ‬الراديو‭ ‬وكأنني‭ ‬أتابعها‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭...  ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬كأستاذ‭ ‬في‭ ‬الفيزياء‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أفسّر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬صفاء‭ ‬الذهن‭ ‬الصباحي،‭ ‬استطاع‭ ‬دماغي‭ ‬التقاط‭ ‬موجة‭ ‬الراديو‭ ‬الكهرو‭ ‬مغناطيسية‭ ‬وفك‭ ‬شفرتها‭ ‬والنطق‭ ‬متأثراً‭ ‬بها‭... ‬

 ومن المصادفات الغريبة الأخرى التي اختبرتها شخصياً أكثر من مرة -  وقلَّ أن استنطقت شخصاً إلا واعترف بحدوث مثيلاتها معه - أن شخصاً ما مقرّباً لقلبي، خطر على بالي فجأةً، فأمسكت الهاتف للاتصال به فيرن الهاتف في اللحظة الحرجة وأجد الشخص نفسه على الطرف الثاني من الخط.  

 كما تكثر القصص الغريبة التي تروى عن التوائم. واحدة من تلك القصص تناقلها الإعلام الأميركي عن سيدتين توأمين كانت إحداهن تعيش في مقاطعة مختلفة عن أختها، بعيدةً مئات الأميال عنها. وفي أحد الأيام شعرت إحدى الشقيقتين بآلام شديدة لم تجد لها سبباً، إلى أن أدركت أنها تشارك شقيقتها آلام حادث تعرضت له في ذلك الوقت ذاته. وقد بات أمراً سائداً أن شعور الضيق الذي ينتاب أحد التوائم ينتاب الآخر في الوقت نفسه دون أن يكون هناك أي تواصل بينهما، بل إن هناك توائم يمرضون معاً ويشفون معاً. الصلة بين التوائم إذن هي إدراك من خارج مجال الحواس الخمس.

  ويروي المسلمون قصة غريبة عن توارد الأفكار بين الخليفة عمر بن الخطاب  عنه وقائد جيش المسلمين «سارية بن زنيم الدؤلي الكناني»، فقد كان الخليفة عمر بن الخطاب يخطب في المسلمين في يوم جمعة من سنة 23هـ في محراب المسجد عندما فوجئ به الجميع  يصرخ قاطعاً خطبته: «يا سارية... الزم الجبل»، ويؤكّد الرواة أن جيش المسلمين الذي كان وقتها يواجه المشركين في بلاد فارس كان على وشك الهزيمة والفناء إن لم يَحْتَمِ الجنود بالجبل، وتوارد الخواطر جعل سارية يسمع قول عمر الذي يبعد عنه مئات الأميال فيلزم الجبل بجيشه ويحوّل الهزيمة إلى نصر.

والتخاطر ليس مسألة مقتصرة على بني البشر، بل ربما تكون أشدّ حضوراً لدى الحيوانات، فالمعروف مثلاً أن هناك قدرة عجائبية لدى الحيوانات تتمثل في العودة إلى المكان الحميم الذي اعتادت أن تحيا فيه، بعد إبعادها بالسيارة عشرات بل مئات الكيلومترات أحياناً، حيث تنتفي القدرة لأي من الحواس المعروفة على تقفّي مسار الإبعاد أو اتجاهه على مثل تلك المسافة. 

  إذن، ليس التخاطر ضرباً من الخيال، إنه انتقال أفكار أو صور ذهنية بين كائن وآخر في حقل غريب لا تعرفه الحواس الخمس، ودون الحاجة إلى وجود الهواء أو أي وسيط مادي آخر. إنها ظاهرة بارابسيكولوجية لا يمكن إنكارها، بل هو ظاهرة فعلية تحدث طبيعياً مع أشخاصٍ بحالات نادرة، دون أي مسوغ نظري معروف لشرحها. وليس معروفاً بعد ما إذا كان التخاطر، مثل أحاسيس أخرى، هو نتاج التفاعلات الكيميائية والكهربائية التي ترافق نشاط الدماغ، أم أن هناك حقلاً آخر لا تعرفه العلوم يتدخّل في الأمر.

 

المخ‭ ‬مركز‭ ‬كهروكيميائي‭ ‬بامتياز‭  

 لقد بات الباحثون البيولوجيون والأطباء يدركون أنه في تركيب المخ تدخل مواد كيميائية عديدة مثل الدوبامين، والسيروتونين، وحمض الجاما أمينو بيوتيريك، ومادة الأسيتيل كولين، وهذه المواد تتفاعل بنسب معينة في ممرّات محددة، للقيام بتفاعلات شديدة التعقيد تؤدي إلى مشاعر ورغبات وتفكير وأحلام تنعكس جميعها في سلوك الشخص وتحدد شخصيته الاجتماعية، فما الغضب والانفعال والشعور بالاكتئاب أو القلق والخوف مثلاً سوى نتيجة تفاعلاتٍ لا تتوازن فيها  المواد الكيميائية، كما في الحالة الطبيعية السوية. 

 ويدرك أطباء العلاج النفسي أهمية مادة السيروتونين مثلاً، فعندما يكون مستوى هذه المادة منخفضاً فإن الشخص يصاب بالأرق، وقلة الثقة بالنفس، والسلبية، والاكتئاب، والانفعال، والتعجل والغضب، والرغبة في الأكل بكميات كبيرة، بينما لو كان مستوى مادة السيروتونين في أعلى درجاته فإن الإحساس العام يكون في أحسن حالاته، وهذا ما يحدث عندما نشعر بالحب مثلاً. 

والتفاعلات الكيميائية في المخ تترافق مع إشارات كهربائية فيما بين خلايا الدماغ أثناء التفكير وأثناء عمل الدماغ الآلي في توزيع أوامره على بقية أنسجة وأعضاء الجسد، مما يولّد حولها مجالاً مغناطيسياً دقيقاً للغاية. والمعروف علمياً أن الضوء والموجات الكهرومغناطيسية عامة لا تحتاج إلى وسيط مادي للانتشار، بل إن سرعة انتشارها تكون في ذروتها حين تنتشر في الفراغ، بغياب أي وسيط مادي. فهل يكون التخاطر محكوماً بموجات كهرومغناطيسية ناتجة عن نشاط الدماغ أثناء التفكير، أو أن هناك حقلاً موجياً آخر لا تعرفه الفيزياء؟ 

 العالم البريطاني جوزيف سينيل (1927) يقول عن ظاهرة التخاطر في كتابه «الحاسة السادسة»:  إنها تشبه عملية الاتصالات اللاسلكية المعروفة، فالعقل البشري يموج بالإشارات الكهربائية التي تنتقل دوماً بين المخ والأعصاب، وتربطه بأعضاء الجسم، وتبلغ هذه الإشارات حداً مناسباً يمكنها من أن تنتقل من دون الحاجة إلى الأسلاك (أي الأعصاب) فتسافر من عقل إلى عقل كموجة إلكترومغناطيسية.

وفي ثلاثينيات القرن الماضي، قام عالم النفس البريطاني وولفغانغ مزجر Wolfgang Metzger  بتجربة ما يسمّى بمفعول جانزفلد Ganzfeld (باللغة الألمانية تعني الحقل الكلّي) لمحاولة قياس قوة التخاطر بين شخصين. تقوم التجربة على استخدام بطاقات زنر Zener (بطاقات من الألوان أو الأشكال المختلفة)، إذ ينظر إلى أحدها شخص ما ويفكر بنقل الصورة ذهنياً لشخص آخر بالانتظار مغمض العينين. وكانت نسبة النجاح (حوالي 20 في المائة) أكبر من النسبة التي تنتج عن النجاح العشوائي بحسب علم الاحتمالات. 

 

الدراسات‭ ‬السوفييتية‭ ‬على‭ ‬الدماغ‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين

 عندما بدأت وكالة الاستخبارات الأمريكية، في بداية خمسينيات القرن العشرين تجاربها المرعبة على الدماغ بغية التحكم بالعقل البشري في ما عرف فيما بعد بمشروع «م. ك أُلترا» (MK.Ultra) كان الاتحاد السوفييتي السابق قد سبق الأمريكيين في هذه المهمة منذ عقود. وفي تقرير حديث للباحث كيرنباخ في «مركز البحوث الألماني للعلوم البيئية وتطوير الروبوت»، أنفق النظام السوفييتي ما يوازي مليارات الدولارات في أبحاث وبرامج هدفت للتحكم في العقل والسلوك البشريين.  ويضيف كيرنباخ، نقلاً عن أليكس نيومن مراسل مجلة «الأمريكي الجديد» (ذا نيو أميريكان) أن كبار المسؤولين الروس، بمن فيهم الرئيس فلاديمير بوتين،  لا ينفكون يضغطون على مراكز الأبحاث الروسية المتخصصة بغية استثمار التطور التكنولوجي الحديث لإنجاز التحكم بالعقل البشري خدمة للأغراض العسكرية.  

 وانطلاقاً من المعلومات القليلة المتوافرة عن أبحاث سرية غير عادية هائلة لا تزال طي الكتمان في أرشيف وكالة الاستخبارات السوفييتية السابقة منذ عام 1917، وجد كيرنباخ  تجارب ودراسات لتحليل «الانبعاثات البيولوجية» من المخ، ودراسات أخرى حول المفاعيل البيولوجية للموجات الكهرومغناطيسية على النظام العصبي. كما وجد أن النظام السوفييتي كان يستخدم تقنيات مختلفة لمحاكاة الدماغ البشري والتحكم به، مثل زرع إلكترودات كهربائية في أمكنة مختلفة من المخ لدراسة استجابة الشخص المستهدف لشحنات كهربائية خفيفة، و«السايكوترونيكس» Psycotronics أي استخدام الموجات الكهرومغناطيسية وفوق الصوتية  للتأثير على دماغ وأعصاب الشخص المستهدف،  و«الباراسايكولوجي» Parapsychology أي مجال القدرات الخارقة التي لم يعرف العلم تفسيراً لها حتى الآن مثل التخاطر Telepathy والتنبّؤ Clairvoyance والقدرة على تحريك الأشياء بالتركيز العقلي فقط psychokinesis.   

  ومنذ أواسط تسعينيات القرن العشرين، سرت كثير من الشائعات التي غذّت نظريات المؤامرة حول أبحاث سرية في الحروب النفسية. ونشطت جماعات في روسيا أو في الولايات المتحدة الأمريكية تدّعي أن حكوماتهم تستعمل الأسلحة السايكوترونيكية ضدهم لتعذيبهم ورصد تحركاتهم والتحكم بنشاطهم الدماغي. ورغم أن مثل هذه الادعاءات قد استنكرت من قبل علماء النفس واعتبرت من قبيل الهلوسة الجماعية، فإنها تشير إلى الشكوك حول القدرة المتزايدة على التدخل في الوظائف الطبيعية للدماغ البشري.

‭ ‬اختراع‭ ‬لبناني‭ ‬يستخدم‭ ‬خوذة‭ ‬‮«‬بلوس‭ ‬وان‮»‬

 وفي تطبيق حديث لمحاكاة موجات الدماغ البشري، قام أربعة شبان لبنانيين (طلاب في المرحلة الثانوية) باستخدام خوذة المجسّات الكهرومـــغـــنــاطــيسية الــخـــاصـــــة بـــتـــــكنولوجيا «إلكتروأنسفالوغرافي» (إي.إي.جي)، التي باتت متوافرة في أسواق الألعاب الإلكترونية، لتحويل الإشارات الصادرة من الدماغ إلى أوامر ترسل لاسلكياً إلى كرسي المعوّق الكهربائي عبر كمبيوتر أُعدّ لهذه الغاية. وهكذا استطاع الطالب الذي عرض التجربة تحريك الكرسي إلى الأمام وإلى الوراء بأوامر دماغية فقط، دون الاستعانة بأي لمسة أخرى من يديه أو رجليه، كما استعان بغمزات عينيه اليمنى واليسرى للاستدارة بالكرسي يميناً أو يساراً، مستعيناً بمجساتٍ زرعت في الخوذة على ممر أعصاب التحكم بالعينين. والجدير بالذكر نيل المخترعين اللبنانيين هؤلاء ميدالية ذهبية على اختراعهم هذا في معرض سيول الدولي للاختراعات في كوريا الجنوبية في أواخر عام 2014. 

 لكن الاختراع اللبناني لا يعدو كونه محاولة ناجحة لنقل أوامر الدماغ إلى آلة إلكتروميكانيكية، وليس إلى دماغ بشري آخر. وهي تحتاج إلى العملية العكسية لإتمام التخاطر.  

 

تجربة‭ ‬هارفرد‭: ‬أول‭ ‬تخاطر‭ ‬اصطناعي‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشر‭!‬

  في اختبار حديث العام الفائت 2014، جعل العلماء شخصين يتراسلان بكلمة واحدة عبر الإنترنت مستخدمين أدمغتهم وخوذاً إلكترونية ليس إلا. إنها أول عملية تخاطر أفكار اصطناعية إلكترونية علمية يمكن شرحها وإعادة تجربتها، كما تعتبر الخطوة الأولى من مسيرة الألف ميل التي ينتظر تطويرها بشكل متسارع. وقد شارك في إنجاح هذا المشروع العلمي باحثون رئيسيون من جامعة هارفرد، إضافة إلى باحثين من جامعة برشلونة ومؤسسة ستارلاب الإسبانية ومجموعة اكسيليوم روبوتيكس الفرنسية. وفي تقريرهم الذي أطلقوا عليه «بلوس ون» PLOS ONE سمى الباحثون اختراعهم «إنجاز أول رابط موجي بين دماغين بشريين».

 وللتمكن من ذلك استخدم الباحثون تقانة معروفة، لكن بطرق مختلفة، فمن جهة الإرسال استخدموا جهاز قراءة الأفكار الكهربائي، وتسمّى هذه التكنولوجيا «إلكتروأنسفالوغرافي» (إي.إي.جي)، ومن جهة الاستقبال، استخدم الباحثون جهاز تحفيز مغناطيسي للدماغ المستقبل.

 

كيف‭ ‬أجريت‭ ‬عملية‭ ‬التخاطر‭ ‬الاصطناعية؟

كان الاختبار من عدة خطوات، بدأت بإنشاء لغة رقمية ثنائية القاعدة  لكتابة كلمات سهلة، فلكتابة كلمتي «هولا» و«تشاو» استخدم الباحثون رقمي «صفر» و«واحد» في خمس خانات رقمية لكل حرف أبجدي. مثلاً كلمة «هولا»: 

هـ = «صفر  صفر  واحد  واحد  واحد»

و =  «صفر  واحد  واحد  صفر  واحد»

ل =  «صفر  واحد  صفر  واحد  صفر»

ا =  «صفر  صفر  صفر  صفر  صفر» 

 بعد ذلك قام الباحثون بتوصيل خوذة الإلكترودات الخاصة بمحاكاة الموجات الدماغية للشخص المرسل. فعندما يفكر المرسل بتحريك يديه فإن موجات دماغية تنطلق من أسفل جمجمته، أما حين يفكر بتحريك رجليه فإن موجات دماغية أخرى تنطلق من الأعلى. لذلك فإن جهاز التحسس، الكهرومغناطيسي «إي.إي.جي» يلتقط هذه الموجات من المكانين المختلفين ويميزهما ويعطيهما رقمين مختلفين، صفراً أو واحداً. بعد ذلك يقوم الجهاز بإرسال الشفرة الصادرة بواسطة مرسل «بلوتوث» إلى جهاز كمبيوتر قريب، يقوم بدوره بإرسالها عبر شبكة الإنترنت إلى أي مكان في العالم.  

  أما عند الشخص المتلقّي، فيقوم كمبيوتر بإعادة تحويل اللغة الرقمية إلى ومضات مغناطيسية تطلقها خوذة الاستقبال فتنتج إشارات كهربائية في مخ المستقبِل مؤثّرة على نشاطه العادي. وتتسبب الموجة المغناطيسية في أن يبصر الدماغ ومضة ضوئية، دون أن يكون هناك فعلياً أي إثارة ضوئية مرئية بعيون الشخص المتلقّي. هذه الظاهرة الغريبة للإبصار تدعى علمياً «فوسفين»،  ويعرف المتلقي أن الوميض يعني «واحداً» واللاوميض يعني «صفراً»، مما يمكنه من ترجمة الومضات المستقبَلة، إذن الأرقام 1 و0 – إلى كلمات (هولا أو تشاو في تجربة الباحثين)، وهكذا سميت العملية بأكملها «تخاطر» أو توارد أفكار. 

   

العملية‭ ‬بمجملها‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬تسمية‭ ‬التخاطر

  لكن نجاح هذا الاختبار لا يعني أننا أصبحنا قريبين من القدرة على قراءة أفكار الواحد للآخر، أولاً لأن عملية إرسال الرسالة كانت معقدة جداً، وغير عملية، ففي هذه العملية، كانت سرعة «التواصل» لا تتعدى 2 بِت في الدقيقة، مقارنة بسرعة الإنترنت في الولايات المتحدة الأمريكية التي تبلغ اليوم 200 ميغابِت في الثانية الواحدة! وقد احتاجت العملية إلى حوالي 70 دقيقة لكي يوصل شخصٌ لآخر كلمةً واحدة: «هولا». 

... ولكن هل ستصبح العملية مفيدة؟

 من الصعب التفكير في جدوى هذه العملية برمتها – أكثر من ساعة من الزمن، وخوذتان إلكترونيتان غريبتان، والمحاكاة عبر لغة رقمية - ضوئية مشفّرة، كل هذا من أجل إيصال كلمة واحدة! فهل يمكن أن تصبح يوماً ما أكثر عملية وأكثر جدوى؟! 

 التجربة برمتها ليست سوى بحث يراد منه برهنة إمكانية إنجاح الفكرة عملياً. وفي المستقبل سوف تكون بالطبع التكنولوجيا ومستعملوها أكثر ملاءمة للتواصل بالرسائل الدماغية عبر الإنترنت. وهناك باحثون آخرون قاموا باستخدام تكنولوجيا مختلفة لقراءة نشاط الدماغ ومحاولة معرفة الأشكال التي ينظر إليها شخص ما، أو الأشياء التي يفكر فيها مثل مبنى أو سيارة أو كتاب... وهناك دراسة أخرى استخدمت فيها أقطاب كهربائية زرعت في أمكنة مختلفة من جمجمة شخص ما ووُصّلت إلى رأس فأر للتأثير عليه بالتواصل مع فأر آخر... مثل هذه الدراسات والتجارب المرفقة تحتاج إلى تعمق أكبر بفهم وجوه النشاط الدماغي وتكنولوجيا أقل تعقيداً لمحاكاتها. 

وتتواصل الأبحاث والتجارب لتطوير أنواع من أجهزة محاكاة الدماغ، بحيث تكون أصغر وأذكى وأكثر حساسية. وسوف تشهد هذه الأجهزة مزيداً من التطور مع القفزات المتسارعة في مجال علوم الكمبيوتر والإلكترونيك، خاصة في صناعة الشرائح الإلكترونية التي تزداد صغراً وسعةً في الوقت نفسه. كما أن البشر قد يلاقون هذه التكنولوجيا في منتصف الطريق، عندما يتعلمون التحكم بأفكارهم بطريقة أفضل، وتفسير الجرعات المغناطيسية الاصطناعية بشكل أفضل. وربما قد لا يضطر البشر إلى ترجمة الكلمات التي يراد إرسالها إلى لغة رقمية، ربما يفكرون بطريقة لفظ الكلمات المعبّرة، والتركيز الدماغي على أوامر النطق في الأعصاب السمعية.   

 لا شيء يبدو أكيداً أو حتمياًّ. فربما لن تصبح هذه المحاولة للتخاطر الاصطناعي ذات جدوى علمية أو عملية مقبولة، وربما عكس ذلك، قد نصل إلى يوم يكون فيه التخاطر أسهل من كتابة الرسائل البريدية أو إرسال الرسائل الإلكترونية. وما جرى في هذه التجربة الأولى ليس سوى خطوة مبكرة ليس إلا.  

ويبقى التخاطر أحد ألغاز العقل البشري، وقد بات معروفاً أن أموراً مثل التواصل الروحي والحب والعاطفة تزيد من احتمال التخاطر، وكأن هناك عالماً روحياًّ خفياًّ لا تعرفه العلوم الفيزيائية .