لي جونغ سانغ وأشرف أبواليزيد فنان يحتفظ برسومه خمسون مليون كوري!

لي جونغ سانغ  وأشرف أبواليزيد فنان يحتفظ برسومه  خمسون مليون كوري!

يحمل أكثر من خمسين مليون كوري رسوم الفنان لي جونغ سانغ، ليس لأنه عضو الأكاديمية الوطنية للفنون في بلادهم وحسب، ولا لأنه مؤرخ للتاريخ فقط، بل لأن عملتين ورقيتين من بنكنوت جمهورية كوريا تحملان رسومه وتوقيعه. 
في سن السابعة والثلاثين رسم الفنان لي جونغ سانغ وجه المعلم والإصلاحي الكونفوشيوسي الشهير يولجوج لي جي (1536-1584 ميلادية) لورقة النقود الكورية من فئة 5 آلاف وون، وبعد ذلك التاريخ بعقود، وفي سن الواحدة والسبعين رسم وجه والدة ذلك المعلم، السيدة المربية شن سا إم دانج، لفئة 50 ألف وون، وهو أمر قياسي لم يتحقق لفنان سواه. يقول لي جونغ سانغ: «المال هو الكائن الحي الذي يكثف ثقافة الأمة والتاريخ الخاص بها، وليس مجرد كائن يخدم الرغبات الدنيوية». 
خارج العاصمة سيئول، وفي ضاحية هادئة يقع مرسمه كزهرة لوتس في بحيرة تحيطها أوراق الورد الخضراء، يزوره محاوره محرر «العربي» أشرف أبواليزيد بصحبة صديقهما الناشر والإعلامي لي سانج كي، ليدور الحوار لأكثر من ساعتين حول الفن والتاريخ.
على جدران المرسم يعمل لي جونغ سانغ على مشروع فني لتاريخ دخول المسيحية إلى شبه الجزيرة الكورية، لوحات ضخمة، تختزل مشاهد ذلك التاريخ لاضطهاد الكاثوليك في القرن الثامن عشر، جداريات تشعرك بحجمها أنك جزء منها، حين تقف إلى جوارها، فبرغم أحادية لونها، تشعرك بأنها تفيض بمشاعر سخية الألوان. حين نتأمل ما بين تاريخ ذلك الاضطهاد، وتاريخ اليوم الذي تمت فيه الزيارة، وكان يصادف زيارة بابا الفاتيكان إلى العاصمة الكورية، 17 أغسطس 2014، ندرك مدى التحول الكبير في المجتمع الكوري الحديث، وهو تحول واكب، كذلك، تحولاً اقتصادياً هائلاً تسارعت وتيرته في السنوات الثلاثين الماضية. 

< أرى أنكم تعملون على مشروع تاريخي ضخم، متى يُنجز؟ وأين تخططون لعرضه؟
 - دعني أولاً، أشرح لك التاريخ والغرض من هذا المعرض. 
في القرن السادس عشر، عاش في شبه الجزيرة الكورية الشاعر والعالم البارز يون سون دو، وكان حفيدُه رساماً مثلي أيضاً، ولكن دو يون سو، لم يترك أي صورة لجده، ومنذ سنوات جاءني أحفاده يطلبون مني رسم صورة جدهم السيد يون سون دو، وقالوا إنهم انتظروا 500 سنة ليتحقق لهم ذلك.
كنت أميل إلى رفض هذا الطلب، نظراً لحالتي الصحية، ولكنني أردت أن أحاول رسم صورة الجد مع منهج علمي جديد، أطبقه في رسومي. طلبت من أحفاد السيد يون تزويدي ببيانات جدهم عن طريق بقاياه في قبره! قلت لهم يمكنني رسم صورة دقيقة للغاية للسيد يون سون دو بواسطة البيانات التي يوفرها رفاته. وقد اعتقدت أنهم سيرفضون طلبي لأنهم لن يرغبوا في نبش قبر سلفهم العظيم، لكنهم وافقوا! ولهذا السبب قبلت طلبهم، وكانت صورة يون سون دو التي رسمتُها هي أول صورة ثلاثية الأبعاد في كوريا الجنوبية. 
استغرق الأمر حوالي 4 سنوات لإتمام هذه الصورة، كان ذلك الوقت مطلوباً لإنجاز صورة تحتاج إلى 4 عناصر، تاريخية وفنية وأدبية، فضلاً عن العنصر الرابع وهو القيمة الروحية. من الصعب أن يفهم ذلك عامة الناس... إن رسم صورة حقيقية يحتاج من الرسام إلى أن يلم بالموضوع من جوانبه كافة، هذا يعني أنني بحاجة إلى أن يكون يون سون دو معي أثناء رسمي للوحته، ويعني أنني بحاجة إلى توجيه روحي منه.
يأخذ الأمر سنة على الأقل لإنهاء هذه العملية الروحية، ومن المهم أن تعود لتصبح نفسك مرة أخرى لكي يتم إنجاز العمل، والأمر يتطلب بعض الوقت للعودة لذاتك، لأنك إذا بقيت متقمصاً موضوعك فسوف تصبح في نهاية المطاف مريضاً به.
بعد أربع سنوات من العمل، وُضعت صورة السيد يون سون دو ضمن نصوص الكتب المدرسية وعرضت في متحف يون سون دو، وكان أحفاد السيد يون راضين جداً بلوحتي، فبمساعدة من العلم، أمكنني رسم صورة دقيقة للغاية. 
بعد إتمام المشروع زاد مرضي، وبقيت في المستشفى لمدة 4 أشــهر، كــنت مريضاً جداً، ولكن لم يدرك أي طبيب سر هذا المرض الذي ألم بي، في وقت لاحق، قيل إنني كنت أعاني من مرض الكاتب... آنذاك شعرت وكأني أيامي انتهت. 
حينما كنت في المستشفى ظللت أسأل نفسي «لماذا لا يوجد متحف للشهداء الكاثوليك في كوريا الجنوبية؟»، «لماذا لا يوجد فنان يساعد في إنشاء المتحف؟»، أنا ابن بلدة ييسان، في إقليم تشونغ تشيونغ، ومن المعروف لدينا وجود العديد من الشهداء والقديسين، في مسقط رأسي. 
أعتقد أن الأديان التي لها أشكال فنية مختلفة مثل اللوحات والمنحوتات تبقى طويلاً في حياتنا، ولكن مع عدم وجود الأديان تتلاشى الفنون... للبوذية والكاثوليكية أشكال عديدة من الفنون. هناك العديد من الفنانين لكلتا الديانتين أيضاً، في الكنائس الكاثوليكية، فنون مقدسة، ولكن الكنائس البروتستانتية أزالت كل أشكال الفنون، لأنهم يعتقدون أن الفنون هي الشيطان، لطالما اعتقدت أن الفنون هي روح الصلاة، ولذا شعرت بوجوب وجود متحف للفنون الكاثوليكية.
حاولت أن أجد من يستطيع أن يبني متحفاً كهذا، وأردت أن أهب كل جهدي الفني وموهبتي في خدمة هذا المتحف، لكنني لم أجد شخصاً واحداً يساعدني. 
فجأة، وقع التفكير في مسقط رأسي بلدة «سين- ري»، أخبروني عندما كنت طفلاً، أن 400 مؤمن بالكاثوليكية استشهدوا هناك. لم يكن في بلدة سين - ري شيء يذكر هؤلاء الناس بشهدائهم... أخيراً وجدت شخصاً هب لمساعدتي في بناء متحف للشهداء الكاثوليك، كانت في الواقع عرابة زوجتي، ذهبت إلى الكنيسة الكاثوليكية، وسألت السيدة «هي هوا» مساعدتي في بناء المتحف، قلت إن عليها فقط دفع تكاليف المواد والعمالة وليس تكلفة الفن، قلت لها إنها ليست مضطرة لدفع كلفة لوحاتي جميعها... فوجئت لأنها عرفت أن لوحاتي غالية الثمن. 
كان هدفي هو رسم 15 جدارية كبيرة الحجم، أراد البعض لهذا المتحف أن يتم فتحه قبل زيارة البابا حتى يتمكنوا من دعوة البابا إليه، لكنني قلتُ «أنا لا أريد التسرع لأن البابا سيأتي، الأمر يستغرق وقتاً طويلاً».
< متى سيتم فتح المتحف؟ 
- عملت لمدة 8 أشهر، وسيتم الكشف عن أول متحف في كوريا الجنوبية لشهداء الكاثوليكية في مطلع العام المقبل، أفترض أنه سيكون جاهزاً في بداية العام المقبل، إن بلدة سين- ري، رطبة جداً وتفتقر إلى الموارد، وبالتالي فإننا في هذا المتحف لن نكون قادرين على تشغيل نظام تكييف الهواء لمدة 24 ساعة مثل المتاحف الأخرى، لذلك أكرس وقتي لإنجاز لوحات ذات متانة عالية، لأنها تحتاج إلى تحمل مثل هذه الظروف. 
< أعلم أنك رسمت صورتين لورقتي بنكنوت كوري.. كيف حدث هذا؟ 
 - (أخذ الفنان لي جونغ سانغ، مغلفاً ذا لون ذهبي فاتح، يحمل صورته مع العملتين الورقيتين ونظيرتيهما الذهبيتين التذكاريتين، وبدأ يوقع لي مع حفظ رقميهما المسلسلين، ويحكي قصة رسمه للعملتين اللتين يتداولهما سكان بلاده).
ذهبتُ إلى كلية الفنون الجميلة في جامعة سيئول الوطنية قبل 50 عاماً. لقد اعتقدت أن الجامعة الوطنية مثل مدرستي لديها أسس للحفاظ على تقاليد الفن التي أبدعها أسلافنا، ولكن دورات الكلية كانت تركز على الفنون الغربية وأهملت بالمقابل الفنون التقليدية. 
عندما كنت طالباً جامعياً، أردت حقاً أن أتعلم كيفية رسم صورة لملك كوري، سمعت أن هناك فناناً رسم صورة لآخر ملوك سلالة تشوسون، كان ذلك الشخص هو كيم يون- هو، قال لي السيد كيم حين ذهبت إليه: «أنت أول طالب من جامعة سيئول الوطنية تأتي لتتعلم مني!»، وأضاف أنه «ليس عليك أن تدفع مقابل الدروس». 
أخبرني السيد كيم بأنه سوف يعلمني تقاليد فن سلالة تشوسون إذا اتبعت تعليماته. شعرت بالفخر لسماع ذلك، وحين بدأت التباهي بهذا أمام الآخرين وبخني من حولي من الناس حين أعلنت لهم رغبتي في أن أكون طالباً بمدرسة فن تشوسون، قالوا إنني أتعاون مع حكومة موالية لليابانيين، لذلك جئت إلى السيد كيم بعد أن تخرجت في الكلية دون أن أخبر أحداً.
في العام 1978 كان هناك اتجاه لإصلاح العملة في كوريا وكان آخر من رسم صورة الملك الكوري هو كيم يون- هو، وقد رسم طلابه عملتي الألف وون، والعشرة آلاف وون... كان اختيار الفنان الذي يرسم العملة الكورية أمراً بالغ الصعوبة والحساسية، إذ تحقق الحكومة في السجلات المالية والأيديولوجية للرسام، كما أنه يجب أن يحمل سجلاً نظيفاً خالياً من الجرائم، وأن يكون كبير السن، فهذا يقلل من احتمال أن يرتكب جريمة لاحقاً. وإذا ثبت جرم أي فنان رسم العملة الكورية، ولو بالانحياز إلى كوريا الشمالية، فإنه سيتم التخلص من كل ورقة بنكنوت تحمل رسومه.
نموذج مشروع ورقة الخمسة آلاف وون كانت مرسومة بالفعل بريشة كيم، لكن الصورة في أوراق البنكنوت تحتاج إلى أن يكون وجهها ناحية الداخل بشكل متناظر لمنع النقود المزيفة، لذلك قرر كيم رسم صورة جديدة. ثم حدث أن وقع مريضاً، فقام أستاذ من جامعة هونجيك برسم صورة مقترحة أخرى ولكن جُن المسؤولون لأن الصورة لم تكن تشبه أبدًا يي آي. 
لم يكن هناك سوى حل واحد وهو تكليف الطالب الذي درس على يدي الفنان كيم، وكان لي ذلك، لعدة أشهر، حققت الحكومة في سيرتي ومسيرتي، على الرغم من أنني كنت أعمل بوظيفة مرموقة، وأسكن بيتاً من القش، وحين وجدت الحكومة أن سجلي لا تشوبه شائبة، تم اختياري كرسام، قال أستاذي كيم إن لوحته تبدو مقتصدة العناصر جداً بالنسبة لورقة نقدية، لذلك اقترح أن أبحث عن إثراء البورتريه، مسترشداً بالصورة التي رسمها هو نفسه. 
 < ما الشيء المميز في رسمك لهذه الصورة؟ 
- هي صورة مجهرية جداً. إنها تظهر الشخصية بواسطة آلاف من النقاط الحبرية الدقيقة، صورة وجه كوري تركز على إظهار الشخصية، قال كونفوشيوس «الجمال يأتي حين يصبح إنسانياً»، وهذا يعني أن المرء يحتاج إلى الصدق واللطف ليكون جميلاً، كل فنان يجب أن يعرف هذا، يظن الناس أن «التنقيطية» أو «النقطية» جاءت من العالم الغربي، ولكن في الواقع استخدم أجدادنا بالفعل «النقطية» لتصوير عضلات الإنسان. 
 < أنت عضو في الأكاديمية الوطنية للفنون من جمهورية كوريا... أخبرني عن دورك بالجمعية؟
 - أن تكون عضواً في الأكاديمية الوطنية للفنون في جمهورية كوريا هدف كثير من الفنانين. لكن ربح كثير من الجوائز أو نشر كثير من الأطروحات لا يؤهل المرء ليكون عضواً بالأكاديمية. لتكون عضواً، عليك أن يكون عمرك على الأقل 65 سنة، وأن يكون لديك ما بين 40 إلى 50 عاماً من الخبرات في مجال الفنون لاعتبارك عضواً خلال عملية التصويت، أنت بحاجة للحصول على تصويت الأغلبية لتكون عضواً، أيضاً، أي عضو يفعل ما يشين سمعة الأكاديمية يتم طرده خارجها. حالياً هناك حوالي 80 عضواً، أرأس قسم الفن، وتتم إعادة تعيين رئيس مجلس الإدارة كل عام، أحاول أن أبذل كل ما بوسعي لأساعد المشهد الفني في كوريا، وأعضاء الأكاديمية يساعدون مجتمع الفن من خلال إعطاء المحاضرات ونشر الكتب والأطروحات، ولكن بعض الناس ينتقدون أعضاءنا لتوقف نشاطهم بممارسة الفن، يعتقدون أن أعضاءنا يكتفون بمجرد الجلوس في المكاتب لا يفعلون أي شيء، وهذا افتراض خاطئ جداً. هناك عديد من الأعضاء الذين تجاوزوا التسعين كرسوا ​​جهودهم لدعم الفن، وأنا أعلم أن عديداً من الفنانين الشباب يريدون الانضمام للأكاديمية، لكن المجال محدود جداً لقبول أعضاء جدد. 
بجانب شهرته كصاحب رسمي ورقتي 50 ألف وخمسة آلاف وون، يعد الفنان الكبير الذي يلقب باسم إليانغ أول تشكيلي كوري جنوبي على قيد الحياة يُدعى للرسم في متحف اللوفر، فالفنان يرسم متكئاً على وعيه بالتاريخ، بدءاً بتجربته في حركة الطلاب، 19 أبريل 1960، وبينما يركز فنانون مجايلون له في الشرق على رسم المشاهد التقليدية التي تصلح لكل زمان، اختار هو منهجاً فريداً لواقع تاريخي يحقق به ويوثقه حين رسم لوحة جدارية ضخمة على ورق الهان بطول 72 متراً، عرض اللوفر مبلغاً ضخماً لاقتناء تلك اللوحة، لكنه رفض، وقال إنه نتيجة غزو فرنسا لكوريا في العام 1866م سرقت لوحة «رقصة سيم جي كيونغ»، ويجب أن تعاد تلك اللوحة... نحن لدينا روح فنية متجذرة ليست تظهر في الاستياء وحسب ولكن في النكتة وفي التسامح، بالتالي هناك ضرورة ملحة لتصحيح الوعي الصحيح لثقافتنا وتاريخنا. 
< منذ 1964 زرتم جزيرتي أولينج دو ودكدو 43 مرة، ترسمون البقعة نفسها من المكان نفسه ألف مرة ومرة، إنها رسوم متسلسلة تعبر عن حبكم الشديد للمكان:
- فنانو اليابان لم يرسموا جبل تاكيشيما (الكوري) بقدر ما رسموا جبل فوجي (الياباني) وتثبت أنهم احتلوا البلاد عسكرياً ولكنهم فشلوا في استعمارها ثقافياً، وأود أن أستمر في رسم دوكدو التي تعد جزءاً من حدودنا الحامية لترابنا.