الأفوه الأودي

الأفوه الأودي

هو صلاءة بن عمرو بن مالك بن عوف بن سعد العشيرة من مذحج، لقّب بالأفوه لأنه كان غليظ الشفتين ظاهر الأسنان.
روى الأصبهاني عن الكلبي قال: إن الأفوه من كبار الشعراء القدماء في الجاهلية، وذكر بعض المؤرخين أنه أدرك المسيح ، وقيل هو أول من قصّد القصيدة.

ذكره الأستاذ عبدالعزيز الميمي في مقدمة كتابه «الطرائف الأدبية»، وهو أستاذ الأدب العربي بجامعة (عليكرة) في الهند... اعتنى بالكتاب ثم طبعه الأستاذ أحمد أمين في القاهرة في 31 أكتوبر 1973م.
تُهْدى الأُمور لأهل الرأي إن صَلُحت
وإن تولت فبالأشرار تنقاد
في افتتاح مجلس الأمة الكويتي الأول بتاريخ 29/1/1963، ألقى المغفور له الشيخ عبدالله السالم، خطاب الافتتاح، وهو النطق السامي، خاطب فيه أعضاء مجلس الأمة والشعب الكويتي بهذه الحِكم البليغة انتقاها من شاعر جاهلي قديم هو الأفوه الأودي، وهو من حكماء العرب الأقدمين، أدرك أن لكل أمة أفراداً، هم أصحاب القرار, وهم الذين يقودون أمتهم نحو المسالك الآمنة برأيهم السديد:
تُهْدى الأُمور لأهل الرأي إن صَلُحت
وإن تولّت فبالأشرار تنقاد
لا يصلحُ الناسُ فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جُهالهم سادوا
نعم كل أمة تهدى إلى الرشد إن تولاها أهل الرأي والحكمة... وإن ذهب أهل الرأي وجاء الرعـــاع الجهـــلة السفهاء الذين لا رأي لهــــم فإن الأمة ستنقاد بالأشرار، حكمة الشاعر الأفوه الأودي التي استعان بها الشيخ عبدالله السالم الصباح هي في غاية الرشد، خاطب الأعضاء المنتخبين أن يكون فيهم أهل رأي وصلاح ليقودوا الأمة إلى الأمر السديد والحكمة عن تأن وتفكر، وفي غالب الأمور يكون الرأي هو المنقذ وقد يُستعان بالقوة إن دعت الأمور.
هذا هو الشاعر أبوالطيب المتنبي يقول:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهي المكان الثاني
والفوضى عند اختلاف الرأي تقود الأمة إلى طريق الضلال والضياع هكذا قال الأفوه الأودي:
لا يصلحُ الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جُهالهم سادوا
وفي التاريخ الإنساني الكثير من الشواهد على تولّي الجيوش قــــيادة الأمــــم والشعوب دون الاستعانة بأهل الــــرأي، وتصرفهم هذا لا يبني حضارة، بـــل يحــــث على تـــغــــيير، فتتصادم القوى حتى تتحطم ببعضها وتذهب ريحهم. الجهّال قد يسودون عن طريق جُهال آخرين قد اخترقوهم أو اختاروهم، عندها ينتج فراغ في الوعي الاجتماعي وقد تولد الجهل جهلاء، ويظهر من يمثلهم وهم يحيطون به بأعداد هائلة يفوقون غيرهم، ويظهر بجانبهم قلة من العقلاء وأصحاب الرأي قد لا تكون لهم الغلبة عند التصويت وقياس الآراء وقد تكون الغلبة لغير أهل الرأي. لذا، فإن التجارب الديمقراطية في بلدان شرقية تواجه أزمات لعدم توافر الوعي الديمقراطي وانخفاض نسبة الثقافة.
والجهال قد يسودون عن طريق جهال آخرين قد اختاروهم... والديمقراطية كالمنخل الذي يقذف الدقيق النقي ويمنع الشوائب من أن تختلط مع الدقيق المصفى. لذا تكثر في الانتخابات بعض الشوائب التي يختارها أمثالهم غير الأسوياء وهذه رائعة الأفوه الأودي:
البيتُ لا يُبتنى إلا له عمدٌ
ولا عماد إذا لم تُرْس أوتاد
فإن تجمّع أوتادٌ وأعمدةٌ
وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جُهالهم سادوا
تُهدى الأمور بأهل الرأي ما صَلُحت
وإن تولَّت فبالأشرار تنقاد
إذا تولى سراة القوم أمرهم
نما على ذاك أمرُ القوم فازدادوا
ذكر أحمد بن عبدربه الأندلسي صاحب كتاب: «العقد الفريد» حكاية عن هذه الأبيات نقلاً عن حماد الراوية قال: أرسل إليّ أبومسلم ليلاً فراعني ذلك ومضيت إليه فلما دخلت تركني حتى سكن جأشي ثم سألني: ما الشعر الذي فيه أوتاد؟ قلت من قائله أصلح الله الأمير؟ قال: لا أدري حتى تذكرت قول الأفوه الأودي فقلت:
البيتُ لا يُبتنى إلا له عمدٌ
ولا عماد إذا لم تُرْس أوتاد
فإن تجمع أوتادٌ وأعمدةٌ
وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
أساس التغيير نحو كسب الديمقراطية هو الثقافة والعلوم... وقد تكون عند شعوب ودساتير وقوانين، ولكن الالتزام بها لا يجدي إلا مع رقي الثقافة والعلوم العصرية التي ترفع من قدر الإنسان.