أبرزها أكاديميا وبوابة البحث العلمي الشبكات الاجتماعية العلمية على الإنترنت

أبرزها أكاديميا وبوابة البحث العلمي الشبكات الاجتماعية العلمية  على الإنترنت

قليلة جداً هي المادة العلمية التي قد يتشاركها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي العرب، مقارنة بما يتداولونه ويبثونه على صفحاتهم الشخصية من مواد سياسية واجتماعية وثقافية. وهو مؤشر طبيعي على قلّة الاهتمام بالعلوم لدى الفرد العربي حتى في أوساط النخب والمثقفين. وربما لذلك قد يجد الباحث العلمي نفسه غريباً جداً في مجتمع التواصل الاجتماعي العربي، خصوصا إذا كانت لديه اهتمامات علمية ويرغب في نقاشها مع باحثين متخصصين. 

يبدو أن الأوساط العلمية في الغرب قد بدأت تنتبه إلى هذه المشكلة، وهو ما أدى  ببعض المجموعات من المهتمين إلى التفكير في إنشاء شبكات تواصل علمية، أي إنشاء بيئة اتصال إلكترونية أو افتراضية مثل الفيس بوك، ولكنها متخصصة فقط في العلوم وفي التواصل بين الباحثين والعلماء وطلبة البحث العلمي في أرجاء العالم. 
ولكن قبل تناول هذه الوسائط الجديدة بالتأمل وإلقاء الضوء عليها، ربما من المناسب الإشارة إلى أن مثل هذه الشبكات لا تزال بعيدة تماماً عن اهتمام العرب الذين لا تزال غالبيتهم تهتم بالسياسة أولاً وأخيراً. وربما  يعود الالتفات إلى المواد السياسية بطبيعة الحال إلى طبيعة التغيرات الساخنة التي تمور بها المنطقة والعالم، لكن حتى لو عدنا بالذاكرة قليلاً إلى فترة ما قبل الانتفاضات العربية والحراك السياسي الهائل الذي شهدته المنطقة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، لوجدنا أن العلوم أيضاً آنذاك لم يكن لها وجود يذكر بين الاهتمامات المشتركة لمستخدمي الشبكات الاجتماعية سواء «تويتر»، أو «فيس بوك» أو سواهما من وسائل التواصل. إذ كانت المواد الفنية والثقافية هي الطاغية جنباً إلى جنب مع مواد التسلية الخفيفة والأغنيات والموسيقى والنكات الساخرة.  ويختلف الأمر كثيراً عند مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي في الغرب، لأن أي شخص مهتم بالعلوم سيجد روابط أو حسابات على وسيط اجتماعي مثل «تويتر» بالمئات إما لعلماء غربيين أو باحثين من الأوساط العلمية، أو لمجلات علمية، أو لجهات بحثية علمية تمتلك مئات الأبحاث العلمية التي تقوم بالترويج لها عبر تويتر. 

شبكات علمية غربية فقط
بالتالي فشبكات التواصل الاجتماعية للمتخصصين في العلوم في الغرب تعد مجتمعاً افتراضياً نشيطاً، يمكن لمتتبعه أن يتوافر على العديد من المواد العلمية التي تتراوح ما بين أحدث أخبار الاكتشافات في مجالات مثل الفيزياء والطاقة النووية والكيمياء والأحياء والطب وغيرها، وصولا إلى المقالات البحثية العلمية الشديدة التخصص في هذه المجالات وفي غيرها مما قد يتراوح بين علوم الفضاء أو النانوتكنولوجي أو غيرهما. 
مع ذلك فإن طبيعة التفاعل هنا قد لا تزيد على نوع من البث وإعادة البث لمواد علمية لإتاحة فرصة الاشتراك في قراءتها والاستفادة منها لنطاق أوسع من الجمهور من مستخدمي شبكات التواصل، إذ إن شبكة اتصال مثل «تويتر» مثلاً، بإمكاناتها المحدودة في إيجاد مساحة للإسهاب في التعبير عن أي فكرة بسبب قلة عدد الحروف المخصصة لكل تغريدة لا تصلح كثيراً لبناء مجتمع علمي تفاعلي يحتاج إلى مساحة خاصة للبحث والتأمل.  فهل يعني ذلك أن وسيطاً آخر مثل «الفيس بوك» قد يكون مناسباً أكثر للباحثين العلميين في التواصل حول منجزاتهم والقضايا التي تشغلهم ويودون بحثها؟ 

البحث عن بيئة علمية آمنة
ربما، ولكن عدداً من الباحثين العلميين لا يرون في وسائط التواصل الاجتماعي التقليدية بيئة آمنة لتحقيق الهدف من التواصل الاجتماعي بينهم وبين العلماء، على سبيل المثال الدكتورة كيم كوب، أستاذة علوم البيئة الأمريكية، التي تعيش في أتلانتا، ترى أن هناك أسباباً عديدة لا تجعل استخدام الشبكات الاجتماعية مناسبة للباحثين العلميين من بينها: ضيق الوقت، وعدم إمكان نشر نتائج علمية يصل إليها الباحث على المشاع في بيئة قد تعرض النتائج للسرقة أو الاقتباس، أو خطورة الاضطرار إلى التبسيط الشديد في التناول بسبب طبيعة الوسيط نفسه، والتخوف من احتمال اضطرار الباحث في مثل هذه الوسائط إلى أن يتخذ سمتاً لا يناسبه، كأن يتحول إلى «محامي» يدافع عن بحثه العلمي ويبرر نتائجه، أو أن يبدو الباحث كأنه «يروج» لنفسه وهو ما يتعارض مع قيم الباحثين العلمية. 
وربما تكون هذه المآخذ معبرة عن تخوف قطاع واسع من العلماء والباحثين العلميين بالفعل لاستخدام وسائط الاتصال كوسيلة للتفاعل العلمي في ما بينهم. 
لكن في الوقت نفسه، ومع الأخذ في الاعتبار أن هناك مجتمعات لا توجد بها أوساط علمية متميزة مثل بلادنا العربية أو بعض دول إفريقيا وغيرها، قد تصبح الوسائط الاجتماعية فيها مسألة ثمينة جداً لباحث علمي شاب يرغب في تطوير مادة أو بحث علمي يعمل عليه ويرغب في استكماله، لكن يفتقر للأدوات المناسبة والمراجع، بل وحتى للمتخصصين في مجال بحثه لو كــــان دقيقاً، ومع قلة الإمكانات والقدرة على السفر مثلاً ألا يمكن لوسيط اجتماعي علمي متخصص أن يوفر له الحل السحري لبعض أو لكثير من المشكلات التي تواجهه؟  في تقرير نشرته مجلة Nature العلمية المتخصصة أخيراً نتعرف على قصة باحث شاب يدعى إيمانويل نايمِكا نادي، الذي كان في حاجة ماسة إلى مساعدة لتحديد التسلسل الجيني لبعض الفطريات المسبِّبة للأمراض المقاوِمة للأدوية. وكطالب دكتوراه يدرس علم الأحياء الدقيقة في نيجيريا، لم تتوافر لديه الخبرة أو المعدات التي يحتاج إليها. لكنه توصل إلى شبكة تواصل اجتماعي متخصصة للعلماء والباحثين كانت قد أنشئت قبل فترة من بداية بحثه في عام 2011، وهذه الشبكة تدعى بوابة البحث العلمي أو Research Gate، وهو موقع شبكات اجتماعية مجانية للأكاديميين، حيث أرسل بضع رسائل بريد إلكتروني. عندما وصله رَدّ من عالِم الوراثة الإيطالي أورازيو روميو؛ نشأ تعاون دولي بين الباحثَين. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، عمل العالِمان معًا على الالتهابات الفطرية في إفريقيا، حيث يقوم نادي ـ الذي يعمل الآن في جامعة ولاية بلاتو في بوكوس ـ بشحن عيِّناته إلى روميو في جامعة مسّينا لتحليلها. «لقد كانت علاقة مثمرة»، كما يقول نادي، رغم أنهما لم يلتقيا قط.
هذا النجاح لهذه الشبكة العلمية يعد سبقاً أعقب العديد من محاولات إنشاء شبكات علمية اجتماعية لم تحظ بنجاح يذكر، وتتضمن قائمة المحاولات الفاشلة لإطلاق «فيسبوك للعلوم» جهودًا مثل «ساينتيست سولوشنز»، و«ساي لينكس»، و«إبرنيكوس»، و«2كوّلاب»، و«Nature نِتوورك»، (تديرها الشركة الناشرة لدورية Nature).   
فما قصة هذه الشبكة الاجتماعية العلمية؟ 

«ريسرش جيت»
يروي «إيجاد ماديش»، طبيب سابق واختصاصي فيروسات من برلين، هذه القصة كمجرد مثال واحد من أمثلة نجاح بوابة ريسِرش جيت التي أسَّسها مع اثنين من أصدقائه قبل سنوات. نشأ الموقع أساسًا كنسخة للعلماء من شبكة فيسبوك، أو شبكة «لِينْكِدْإنْ» (Linkedin).
«ريسرش جيت» ReseachGate هي شبكة  أسست في العام 2008، وتعد بمنزلة  أداة تعاون مجانية موجهة للباحثين العلميين من جميع تخصصات العلوم. وتوفر تطبيقات شبكية بما في ذلك البحث الدلالي (بحث لملخصات كاملة)، تبادل الملفات، تقاسم قاعدة البيانات للمنشورات (مثل مكاتب اندنوت EndNote)، منتديات، مناقشات منهجية، مجموعات... إلخ. باستطاعة المشتركين أيضاً إنشاء مدونة خاصه بهم في الشبكة. وقد جمعت شبكة ريسرش جيت منذ تأسيسها قاعده مستخدمين لأكثر من 1.400.000 باحث من 192 بلداً.
من بين الأدوات الأخرى التي ابتكرتها الشبكة:  محرك بحث دلالي يستعرض الموارد الداخلية في الشبكة وقواعد بيانات رئيسية خارجية للأبحاث بما في ذلك NASA Library ،arXiv ،CiteSeer ،PubMed...وغيره للوصول إلى الأبحاث. وقد تم تطوير محرك البحث لتحليل سلسلة من المصطلحات المستخدمة في عمليات البحث أطول من كلمات البحث القياسية، أي تحليل خلاصات كاملة بفكرة زيادة المصطلحات للحصول على نتائج أكثر دقة.
كما أنه يتم استخدام النوع نفسه من المطابقة الدلالية في الشبكة لمساعدة الأعضاء بالتواصل في ما بينهم من خلال تحليل المعلومات المقدمة في بروفيل المستخدم، فيتم اقتراح مجموعات، وأعضاء وأبحاث تناسب اهتمامات المستخدم. يوجد أكثر من 1100 مجموعه تم إنشاؤها في الشبكة. ويمكن لهذه المجموعات أن تكون مفتوحة لجميع المستخدمين أو يتم إعدادها كمجموعات خاصة مغلقة على منشئيها. كما يمكن لأي عضو إنشاء مجموعة جديدة في أي وقت. كل مجموعة تحتوي على برامج تعاونية، على سبيل المثال، أداة مشاركة تسمح للمستخدمين بأن يتعاونوا مع زملائهم في كتابة وتحرير الوثائق، وأدوات أخرى تتضمن جدولة مواعيد وخيارات للتصويت والمسح الدراسي. العديد من المنظمات العلمية والمؤتمرات الدولية تستخدم الشبكة  كموقع للتواصل والتعاون ووضع قوائم تفاصيل متعددة. 
في العام 2009 دخلت هذه الشبكة  ثورة إتاحة الوصول إلى الأبحاث المنشورة Open Access  وهي أداة تساعد الباحثين والعلماء على تحميل أبحاث ومنشورات سابقة مع احترام قوانين واتفاقات حقوق التأليف والنشر، يمكن الحصول على كل هذه الأبحاث والمنشورات ضمن الموارد الداخلية للشبكة التي يمكن لمحرك الباحث الدلالي إيجادها بسهولة. وباستطاعة المستخدمين قراءة وتحميل هذه المنشورات مجاناً.

دعم كبير
توظِّف الشركة حاليًا 120 شخصًا، وفي يونيو الماضي أعلنت أنها حصلت على 35 مليون دولار أمريكي من مستثمرين، من بينهم أغنى شخص في العالم، بيل جيتس، وهو دعم نقدي توَّج جولتين سابقتين من الاستثمار، لم يُكشف عنهما. ووفقاً لتقرير مجلة Nature تقول ليزلي يوان، التي ترأس فريق عمل في مجال التشبيك والبرمجيات المبتكرة للعلماء في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو: «لقد أثار ذلك دهشتنا. كان لسان حالنا يقول: مَنْ هؤلاء الرجال؟ كيف يحصلون على كل هذا المال؟».
وهو دليل بارز على النجاح الذي تمكنت من تحقيقه هذه الشبكة الاجتماعية المهمة في عالم البحث العلمي اليوم، وهو نجاح شهدت لها به شبكة أخرى منافسة، وهي أكثر شيوعاً واستخداماً في عالمنا العربي، ربما لأن استخدامها ليس مقصوراً على المجالات العلمية، بل المجالات البحثية الأكاديمية في أغلب التخصصات وهي شبكة أكاديميا  Academia.edu. 

شبكة «أكايميا»
شبكة أكاديميا أسست أيضاً في العام 2008، لتكون شبكة تواصل اجتماعي بين الأكاديميين في أرجاء العالم، على يد مؤسسها ريتشارد برايس Richard Price الذي تمكن من جمع 600 ألف دولار من جهات استثمارية ومتبرعين لتأسيس الشبكة التي يبلغ عدد مستخدميها اليوم 11 مليون مستخدم مسجل، وتتيح لمستخدميها تداول الأوراق البحثية التي ينتجونها، والأبحاث العلمية في مجالات البحث العلمي والأبحاث في مجالات الآداب والفلسفة والعلوم الإنسانية، وقد ارتفعت قيمة المساهمات التي حصلت عليها عدة أضعاف تقدر بما يزيد على 20 مليون دولار. 
من بين مواقع التواصل الاجتماعي ذات الصلة أيضاً موقع يعرف باسم «مندلي» Mendeley، ومقره لندن، وهو برنامج لسطح المكتب،أي تطبيق يمكن تحميله على الهواتف النقالة أو أجهزة الكمبيوتر ،  لإدارة وتبادل الأوراق البحثية مع اكتشاف البيانات البحثية والتعاون عبر الإنترنت. ويجمع هذا الموقع بين خاصتين أساسيتين هما  التعامل مع ملفات بي دي اف (PDF) وتنظيم وإدارة المراجع البحثية، وهو يتوافر لمختلف أنظمة التشغيل من «ويندوز ماك» و«لينكس». وقد تم الإعلان في 23 سبتمبر 2013 عن صدور تطبيقات لمندلي تعمل على أجهزة أيفون والآيباد. يوفر مندلي لمستعمليه خدمة بتوفير 2 جيجابايت مساحة مجانية للتخزين وحفظ جميع البيانات الأساسية من مراجع وملفات عند التسجيل في الموقع الرسمي.
أما مجلة Nature فتشير في تقرير لها إلى أن الموقع يدّعي عضوية تبلغ 3.1 مليون شخص. وقد أُطلق الموقع أصلًا كبرنامج لإدارة وتخزين الوثائق، لكنه يشجع التشبيك الاجتماعي الخاص والعام. وفي العام 2013، استحوذت مؤسسة «السيفيير» العملاقة للنشر ـ ومقرها أمستردام ـ على الشركة مقابل 45 مليون جنيه إسترليني (76 مليون دولار أمريكي).  
لعل هذه الشبكات الاجتماعية الثلاث الآن هي أبرز شبكات التواصل الاجتماعي العلمية التي توفر التواصل البحثي والعلمي بين الباحثين، والتي نأمل أن يلتحق بها المزيد من المستخدمين العرب، فربما كان لها العديد من المزايا التي قد توفر لهم التعاون أو البحث أو المساعدة في مجالات تخصصهم. 
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن مثل هذه التطبيقات الشبكية الجديدة أضافت في ما يبدو اهتماماً بفكرة تطبيقات التفاعل العلمي والبحثي، وأضافت تقنيات تفاعلية لفكرة التحرير العلمي وهو ما سنلقي الضوء عليه في هذه الزاوية العدد المقبل.