الثقافة العربية.. وزمن العولمة

 الثقافة العربية.. وزمن العولمة

طالعت مقال الدكتورة ريتا عوض.. في العدد 642 مايو 2012 تحت عنوان (نحو نهضة ثقافية عربية في عصر العولمة) وطروحات المقال تطرقت لنقاط عدة.. لكن التساؤل المطروح:

1 - هل تعليمنا العربي يؤسس فكرًا ثقافيًا، وحينما كنت طالبًا منذ عقود عدة، تعايشت مع نظام تعليمي بنّاء، فكانت المحصلة، امتلاك جيلي الرؤية الثقافية، والتربوية والتعليمية مع حب القراءة والاطلاع، والاهتمام بدور المكتبة، وفي الزمن ذاته كان المعلمون ذوي علم وفير، وخلق كريم، كما تعايشنا مع جيل الآباء وسعوا لامتلاك أبنائهم خصائص الشخصية السوية، لأن التعليم للأبناء أمل للآباء، لتحقيق وعي حضاري بلغة العلم والتعلم.

2 - وكانت التربية تعد الغاية والهدف لإصلاح حركة المجتمع العربي، والتربية ليست ترفًا، إنما ضرورة لتحقيق النضج العلمي للإنسان وتقدمه الاجتماعي، وحضارة أي مجتمع بحاجة لامتلاك لغة الثقافة.

كما امتلك جيل الآباء والوسط خصائص الحب والمودة، والرحمة والإخاء، بعكس حركة الجيل الحالي، الذي أصبحت أهدافه مادية ونفعية، من أجل العيش في رفاهية مادية، وذات الجيل لم يعان مثلما عانى الأجداد والآباء من انخفاض مستويات المعيشة.

3 - والتساؤل: أين التنمية الثقافية؟ وهي التي تحقق التنمية البشرية، بل والثقة في النفس، وضعف الثقافة لا يصنع مستقبلاً، والأمة في عصر العولمة بحاجة لمناخ النقد، وقبول الرأي والرأي الآخر، لما فيه صالح المجتمع، وحتى تتم تنمية مدارك الإنسان لتحقيق ذاته، وتكوينه تكوينًا كاملاً.

4 - والعقيدة الإسلامية اهتمت بالبعد الثقافي، لتفعيل رؤى التوجه الصحيح، وعالم اليوم أصبح يتحرك بمحاور ثقافية وإعلامية يجب عدم التقليل من شأنها، والإنسان يكتسب نحو 90% من تجاربه ومعارفه ومعلوماته عن طريق حاستي السمع والبصر.

وعقيدة الإسلام تقبل كل تطور إنساني.

5 - لو نظرنا بتأمل لملامح النهضة الثقافية والتعليمية للإنسان الياباني، نجد فكرًا تعليميًا يساهم في تشغيل العقل، والإلمام بالمعارف والعلوم المتطورة، ومتابعة البحوث والتجارب التربوية وتوظيف نتائجها تعليميًا وثقافيًا، ولذلك نهضت اليابان ولم تتأثر بزمن عصر العولمة، لأنها استطاعت أن تقدم لسوق العمل الكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع البعد التقني، لأن التعليم هو الذي يحقق مقومات النهوض، ولكل مجتمع بعد علمي وثقافي، والعلم تراكم معرفي، والثقافة استمرار ووعي حر.

6 - والأمة العربية أصبحت داخل منظومة عالمية تؤثر وتتأثر بخطوطها التي تضم نادي العولمة، وتضم نوادي: البلدان النووية، اتفاقيات الجات، السبعة الكبار، الشركات العملاقة متعددة الجنسيات، وأندية أصحاب المليارات، والدعاية والإعلام، والإيزو في مجال الصناعة، وبلدان غزو الفضاء بالأقمار الاصطناعية.

ومن هنا قوة الأمة تتشكّل من العلم، والثقافة، ويجب عدم تجاهل الثقافة العلمية وطريقها شاق وطويل، ولها ماض وحاضر ومستقبل، وهناك ثورة الفيزيقاء والكيمياء والبيولوجيا.

لذلك فالصراع في فكر العولمة بين عالمين: الأول ينتج، والثاني يستهلك، أي بين فكر يبدع وبما يحقق تقدمه، وفكر لا يملك قيمة المحافظة على هويته.

ومستقبل الأمة مرهون بقيمة امتلاك أبنائها خصائص التقدم. ومن هنا رصيد الأمة الثقافي والفكري والتكنولوجي السبيل لمواجهة العولمة.

وفكر العولمة إن كان يصب في خانة الأقوياء قوة باعتبارهم الأكثر تقدمًا، فلننظر لمفارقات عدة في أكثر من صعيد.. فنجد:

أ - 20% من سكان العالم يعانون من ويلات: الفقر والجوع والمرض.

ب - مليار إنسان يعانون من سوء التغذية.

جـ - سقوط حركة البلدان النامية في فلك سياسات صندوق النقد الدولي.

7 - العولمة كفكر لم تبدأ من الصفر، لكنها نتاج سياسات أفرزتها مستجدات عالمية حتى أصبحت بلدان الأمة العربية تواجه منظومة كونية تحمل تناقضات فكر العولمة عقائديًا.. وسياسيًا.. وثقافيًا.. وأخلاقيًا.. فكر له مفاهيمه وطروحاته، حتى أصبح الدفاع عن الهوية من النقاط الشائكة.

كما أن حركة بلدان عالم اليوم تفتقد روح الحوار البنّاء، ومن هنا ارتفعت حدة الصراعات بين البلدان، بل أصبحت المؤسسات الدولية مثل: مجلس الأمن أو الأمم المتحدة تدار وفق رؤى آليات النظام العالمي الجديد.

كما أن هدف العولمة امتلاك فضاء جغرافي وسياسي واقتصادي وثقافي أوسع من أجل تحقيق السيطرة الدولية بكل صورها وأشكالها الاستعمارية القديمة وتلك الأشكال تطورت أفكارها وتم تحديثها.

8 - الأمة يلزمها امتلاك علم وثقافة، ومعرفة وتنظيم، وذهنية العقل العربي لا تختلف عن ذهنية العقل الآخر، ولكن الفارق ما بين الأمة والآخر، كيفية التحرك بخطط بنّاءة طويلة وقصيرة المدى بوعي وإتقان وجودة، والتقدم في حركة أي مجتمع لا يدوم، وكذلك التأخر لا يستمر، لكن استنهاض القدرات هو الذي يحقق النجاحات المرجوّة.

والله عز وجل قسم الأرزاق، والمواهب العلمية والعملية والفطرية والمكتسبة لكل خلقه، ولكل إنسان قدرات وطاقات وإمكانات، والإنسان يحمل أمانة، والأمانة يجب أن تستغل في عمارة الكون واكتشاف سننه، والله عز وجل زوّد الإنسان بالعلم والمعرفة.

وأول خطاب إلهي دعا للعلم، وما تحتاج إليه الأمة لمواجهة فكر العولمة توظيف الإمكانات البشرية والمادية والطبيعية لمواجهة الأخطار المستقبلية.

9 - والتساول: مع فكر العولمة، هل يستطيع العرب تحقيق موقع متقدم بخريطة تكتلات عالم اليوم؟ وهل سياسات بلدان الأمة تتقارب خطوطها؟ وهل حقق العرب امتلاك النقلة الثقافية المرجوّة، وعلى النخب الثقافية العربية التحرك بنقطة ضوء لتحقيق انطلاقة ثقافية، لأن الثقافة الجادة ترتقي بمشاعر الإنسان، والإنسان في زمن ثقافة العولمة يجاهد نفسه، ويصارع ذاته، ومعركة الحياة الدنيا سجال، والتاريخ سجال، والزمن زمن بناء وتطور، والتاريخ تصنعه الخصائص الذاتية لأي مجتمع بأبعاده الجغرافية والسكانية والمادية.

10 - الكلمة الثقافية ضرورة حياتية.. فهل نحن عربيًا نهتم بالقراءة؟ والقراءة قيمة حضارية من أجل النظر والتأمل في فهم كل ما يحيط بالعقل، والقراءة كفكر، أصبح الشباب العربي يجهل قيمتها، وتاهت الأخلاقيات والقيم لغياب قيمة الثقافة والعلم، بالرغم من أن الكلمة لغة تمتلك مقومات النهوض، وعدو العقل اتباع الهوى والكبر والرفاهية المفرطة.

11 - الأمة العربية حاضرها بحاجة لرؤى لفتح الأذهان للارتواء الفكري والثقافي لأن مفهوم الصحوة يعني حسن تأهيل العقل العربي، والثقافة الجادة مطالبة بالتحرك في أرض الواقع، وتحقيق النهضة معالمها واضحة، وعدم تحقيق النهضة بسبب ضيق الأفق، وتاريخ الأمة لا ينحصر في حقبة الماضي فقط، كما أن العقل لا يعرف الجمود، والثقافة تنتقل من جيل لآخر.

12 - ثقافة الأمة ثقافة غنية، وقيم الأمة بتواصل خطوط أبنائها من أجل تحقيق روح الإبداع والعطاء، وتراث الأمة الأدبي والثقافي والوجداني بنّاء، ولذلك كيف نحصن ثقافة النشء العربي بإنتاج ثقافة تدعو للتأمل والإبداع والتفكير والفهم والتحليل، حتى لا تسقط اللغة العربية بالانكفاء نحو التغريب والثقافة تمثل وعاء ينهل منه النشء الصفات والقيم السلوكية.

ومرحلة سن النشء من أخطر المراحل التي تساهم في تكوين الشخصية لأنها تختزن كل المؤثرات، وكل أمة تنشد صنع التقدم هي التي تحقق من تعليمها وثقافتها قوة.

من تلك النقاط أرى أن أي مشروع ثقافي عربي يجب أن يرتكز على نقاط محورية بنّاءة ولا يتشكل من ثقافة شكلية أو سطحية، والثقافة تشكّل البعد الأساسي في ملامح أي مجتمع بغض النظر عن حجمه ودرجة تطوره وإمكاناته، والفارق شاسع بين الحقيقة والزيف، فهل نحسن من تنظيم أنفسنا للتخلص من حالة الاستلاب... ومتى؟ تساؤل يبحث عن إجابة.. والله الموفق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

يحيى السيد النجار
دمياط - مصر