الحُصَري يحاور سلامة موسى

الحُصَري يحاور سلامة موسى

‭ ‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬أمام‭ ‬عملاقين‭ ‬من‭ ‬عمالقة‭ ‬الفكر‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬يمثل‭ ‬طرفاً‭ ‬مناقضاً‭ ‬للطرف‭ ‬الآخر‭  ‬في‭ ‬الرأي،‭ ‬لكن‭ ‬المناخ‭ ‬الحاكم‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بعصر‭ ‬النهضة‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يحفل‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الآراء‭ ‬والأفكار‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬بعضها‭ ‬موقفاً‭ ‬مناقضاً‭ ‬ومضاداً‭ ‬لطرف‭ ‬آخر،‭ ‬يظل‭ ‬الخلاف‭ ‬محصوراً‭ ‬في‭ ‬‮«‬الكلمة‮»‬،‭ ‬وسيادة‭ ‬‮«‬الحوار‮»‬‭ ‬بالأفكار،‭ ‬وتلك‭ ‬علامة‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬التحضّر‭.‬

نحن‭ ‬إذ‭ ‬نعرض‭ ‬لصورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬حوارات‭ ‬نبتغي‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ننبه‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬مشرفة‭ ‬للاختلاف‭ ‬بين‭ ‬الآراء،‭ ‬فمهما‭ ‬تباينت‭ ‬وتضادت،‭ ‬قلّما‭ ‬نجد‭ ‬دعوة‭ ‬للإقصاء‭ ‬والنفي،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الإعدام،‭ ‬سواء‭ ‬بشكله‭ ‬المعنوي‭ ‬أو‭ ‬المادي،‭ ‬حتى‭ ‬أننا‭ ‬نتذكر‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬علمانياً‭ ‬متطرفاً‭ ‬مثل‭ ‬إسماعيل‭ ‬مظهر‭ ‬كتب‭ ‬دراسة‭ ‬عنوانها‭ ‬الماذا‭ ‬أنا‭ ‬ملحد؟ب،‭ ‬فلا‭ ‬تُرفع‭ ‬عليه‭ ‬الدعاوى،‭ ‬ولا‭ ‬تصدر‭ ‬فتاوى‭ ‬بإهدار‭ ‬دمه،‭ ‬وإنما‭ ‬يبادر‭ ‬صاحب‭ ‬فكر‭ ‬مغاير‭ ‬وهو‭ ‬محمد‭ ‬فريد‭ ‬وجدي،‭ ‬ليعبر‭ ‬عن‭ ‬موقفه‭ ‬المغاير‭ ‬بدراسة‭ ‬عنوانها‭ ‬الماذا‭ ‬أنا‭ ‬مسلم؟ب‭.‬

  ‬ولا‭ ‬نقصد‭ ‬بالحوار‭ ‬في‭ ‬قضيتنا‭ ‬الحالية‭ ‬بين‭ ‬ساطع‭ ‬الحصري‭ ‬وسلامة‭ ‬موسى‭ ‬توافر‭ ‬أركان‭ ‬الحوار‭ ‬كلها،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬جملة‭ ‬آراء‭ ‬ساقها‭ ‬الحصري،‭ ‬ضمّنها‭ ‬كتابه‭ ‬اأحاديث‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬والاجتماعب،‭ ‬مناقشاً‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬كتبه‭ ‬سلامة‭ ‬موسى،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مواجهة‭ ‬شخصية‭ ‬مباشرة‭.‬

  ‬وساطع‭ ‬الحصري،‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬العجيبة‭ ‬حقا،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬قد‭ ‬توافرت‭ ‬له‭ ‬ظروف‭ ‬تجعله،‭ ‬لا‭ ‬زعيماً‭ ‬مرموقاً‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬االقومية‭ ‬العربيةب‭ ‬فترة‭ ‬حياته،‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭ ‬عام‭ ‬1968،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬عاش‭ ‬هذه‭ ‬العروبة‭ ‬في‭ ‬نشأته‭ ‬وتكوينه،‭ ‬حيث‭ ‬توزع‭ ‬بين‭ ‬عدة‭ ‬بيئات‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭: ‬فقد‭ ‬انتمى‭ ‬إلى‭ ‬عائلة‭ ‬أصلها‭ ‬من‭ ‬الحجاز،‭ ‬ولكنه‭ ‬وُلد‭ ‬في‭ ‬صنعاء‭ ‬باليمن،‭ ‬وتقلبت‭ ‬حياته،‭ ‬تعلماً‭ ‬وتعليماً‭ ‬وعملاً‭ ‬بين‭ ‬القاهرة،‭ ‬والأستانة،‭ ‬ودمشق،‭ ‬وبغداد،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬موقع‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬اسائحب‭ ‬لفترة‭ ‬قصيرة،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬عنصراً‭ ‬قيادياً‭ ‬يعيش‭ ‬سنوات،‭ ‬ويحتل‭ ‬موقعاً‭ ‬مرموقاً،‭ ‬ويترك‭ ‬بصمات‭ ‬مؤثرة،‭ ‬تستمر‭ ‬زمناً‭ ‬طويلاً‭.‬

  ‬وسلامة‭ ‬موسى،‭ ‬مصري‭ ‬اقحب،‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬النادرة،‭ ‬مثل‭ ‬عباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد،‭ ‬ممن‭ ‬لم‭ ‬يتلقوا‭ ‬قدراً‭ ‬ولو‭ ‬متوسطاً‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬معاهده‭ ‬النظامية‭ ‬المعروفة،‭ ‬بل‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬التثقف‭ ‬الذاتي،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬لدى‭ ‬الكثرة‭ ‬الغالبة‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬ومفكري‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭.‬

  ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬الحصري‭ ‬موغلاً‭ ‬في‭ ‬التشيع‭ ‬للاتجاه‭ ‬القومي‭ ‬العربي،‭ ‬كان‭ ‬موسى‭ ‬موغلاً‭ ‬في‭ ‬تشيعه‭ ‬لاتجاه‭ ‬التغريب‭.‬

  ‬كان‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬قد‭ ‬دُعي‭ ‬إلى‭ ‬محاضرة‭ ‬ألقاها‭ ‬بالجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬ونشرتها‭ ‬جريدة‭ ‬السياسة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يرأس‭ ‬تحريرها‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬هيكل،‭ ‬عن‭ ‬اأسس‭ ‬التجديد‭ ‬الاجتماعيب‭.‬

  ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الجهة‭ ‬الداعية‭ ‬جامعة‭ ‬اأمريكيةب،‭ ‬فإن‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬أي‭ ‬حرج‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متشيعاً‭ ‬له،‭ ‬وهو‭ ‬االاشتراكيةب،‭ ‬فيؤكد‭ ‬أن‭ ‬العامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬هو‭ ‬القوة‭ ‬الدافعة‭ ‬والمهيمنة‭ ‬على‭ ‬جملة‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬وقائع،‭ ‬وما‭ ‬يسير‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬تنظيمات‭ ‬وتطورات،‭ ‬وهي‭ ‬المقولة‭ ‬الماركسية‭ ‬الشهيرة‭.‬

  ‬وهو‭ ‬يفسر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ذ‭ ‬ولايزال‭ ‬طبعاً‭ - ‬من‭ ‬فروق‭ ‬هائلة‭ ‬بيننا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬بإرجاعها‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬التقدم‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فحيثما‭ ‬يكون‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع،‭ ‬يكون‭ ‬نهوض‭ ‬وتطور‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭ ‬المجتمعية‭.‬

  ‬من‭ ‬هنا‭ ‬استنتج‭ ‬سلامة‭ ‬موسى،‭ ‬أننا‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬تجديداً،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬والأخلاق،‭ ‬فلا‭ ‬مفر‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نُحدث‭ ‬تجديداً‭ ‬مسبقاً‭ ‬في‭ ‬الحال‭ ‬الاقتصادي‭.‬

  ‬وهنا‭ ‬ينسب‭ ‬الحصري‭ ‬رأي‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ - ‬بحق‭ - ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الماركسية،‭ ‬التي‭ ‬وُسمت‭ ‬أحياناً‭ ‬بالمادية‭ ‬التاريخية،‭ ‬وكذلك‭ ‬االجبر‭ ‬الاقتصاديب‭.‬

  ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬مجرد‭ ‬امرةب‭  ‬يذهب‭ ‬فيها‭ ‬موسى‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المذهب،‭ ‬وقد‭ ‬أشار‭ ‬الحصري‭ ‬إلى‭ ‬سبق‭ ‬كتابة‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬عن‭ ‬التشيع‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬الهلال،‭ ‬وإن‭ ‬حملت‭ ‬بعض‭ ‬التخفيف،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬حتم‭ ‬وجزم‭ ‬في‭ ‬فاعلية‭ ‬العامل‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وإنما‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬أولويته،‭ ‬وأسبقيته،‭ ‬وقوة‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬تفوق‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتراف‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى‭.‬

  ‬وهنا‭ ‬نجد‭ ‬الحصري‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬قوة‭ ‬العامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وفاعليته،‭ ‬لكن‭ ‬ينكر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬العامل‭ ‬الوحيد،‭ ‬كما‭ ‬ثبت‭ ‬أخيراً‭ ‬بعد‭ ‬تجربة‭ ‬تطبيق‭ ‬النظرية‭ ‬الماركسية‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬سبعين‭ ‬عاماً،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬مناقشات‭ ‬وحوارات‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الكثرة‭ ‬الغالبة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬قدر‭ ‬وقيمة‭ ‬وفاعلية‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭.‬

  ‬لكن‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬وجد‭ ‬أمامه‭ ‬في‭ ‬وقائع‭ ‬التطور‭ ‬الحضاري‭ ‬مثالاً‭ ‬قد‭ ‬يهز‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬يقين‭ ‬بالنسبة‭ ‬للفاعلية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬حضارة‭ ‬الإغريق‭ ‬قديماً‭ ‬من‭ ‬تألق‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينكره‭ ‬أحد،‭ ‬حيث‭ ‬نظرات‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سقراط،‭ ‬وأفلاطون،‭ ‬وأرسطو،‭ ‬وغيرهم،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬لديهم‭ ‬اآلاتب،‭ ‬كما‭ ‬ظهر‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬تأثير‭ ‬وفاعلية‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬الحديثة،‭ ‬تطبع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬القديم‭ ‬بالسرعة‭ ‬والازدهار،‭ ‬والانتشار،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬هذا؟

  ‬هنا‭ ‬يشير‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬اعبيدب‭ ‬كانوا‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬مقام‭ ‬الآلات‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭.‬

  ‬لكن‭ ‬الحصري‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يلاحق‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬بما‭ ‬ينقضه،‭ ‬بالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العبيد‭ ‬كانوا‭ ‬منتشرين‭ ‬في‭ ‬الكثرة‭ ‬الغالبة‭ ‬من‭ ‬البلدان،‭ ‬فلِمَ‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬بها‭ ‬حضارة‭ ‬مثل‭ ‬حضارة‭ ‬الإغريق؟

  ‬إن‭ ‬السر‭ ‬وراء‭ ‬مأزق‭ ‬هذا‭ ‬التفسير،‭ ‬هو‭ ‬الانحباس‭ ‬في‭ ‬ركن‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬الحياة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الركن‭ ‬الاقتصادي‭.‬

  ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬غير‭ ‬المباشر‭ ‬بين‭ ‬الحصري‭ ‬وسلامة‭ ‬موسى‭ ‬حول‭ ‬فاعلية‭ ‬العامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬الأمم،‭ ‬والتقدم‭ ‬البشري،‭ ‬حسمته‭ ‬الوقائع‭ ‬التاريخية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬شهدناها‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬عند‭ ‬تحطيم‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬مجموعتي‭ ‬منظومة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يُعرف‭ ‬بالمنظومة‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬والمنظومة‭ ‬الغربية‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬ثم‭ ‬تُوج‭ ‬الأمر‭ ‬بتفكيك‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسمى‭ ‬االاتحاد‭ ‬السوفييتيب‭.‬

  ‬قضية‭ ‬أخرى‭ ‬ناقشها‭ ‬الحصري،‭ ‬كان‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬قد‭ ‬أثارها‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬مجلة‭ ‬كان‭ ‬يصدرها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬عقود‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وهي‭ ‬االرابطة‭ ‬الشرقيةب،‭ ‬حيث‭ ‬أظهر‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬معارضته‭ ‬الحادة‭ ‬لمن‭ ‬كان‭ ‬ينسب‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬الرابطة‭ ‬الشرقية،‭ ‬حاكماً‭ ‬عليها‭ ‬بالتخلف‭ ‬والرجعية،‭ ‬وأن‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬أن‭ ‬ترنو‭ ‬بأبصارها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬حيث‭ ‬الغرب‭ ‬عامة‭ ‬وأوربا‭ ‬خاصة،‭ ‬وهي‭ ‬الفكرة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬ألح‭ ‬عليها‭ ‬الدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬امستقبل‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬مصرب‭.‬

  ‬وكان‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬قد‭ ‬أرجع‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬من‭ ‬تخلف‭ ‬بلدان‭ ‬الشرق،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حضارته‭ ‬ازراعيةب،‭ ‬بينما‭ ‬حضارة‭ ‬الغرب‭ ‬اصناعيةب،‭ ‬فالزراعة،‭ ‬في‭ ‬تصوره‭ ‬بطبيعتها‭ ‬راكدة‭ ‬لا‭ ‬تتقدم،‭ ‬وإن‭ ‬تقدمت،‭ ‬فإنها‭ ‬تتقدم‭ ‬ببطء‭ ‬شديد،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للصناعة،‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬تطورها‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬قفزات،‭ ‬وبسرعات‭ ‬مذهلة‭.‬

  ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬قد‭ ‬شهد‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬الزراعة‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬للقرن‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬اقتحام‭ ‬التقنيات‭ ‬العلمية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬والتي‭ ‬بُنيت‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬علمية‭ ‬متقدمة‭ ‬أيضا،‭ ‬فضلاً‭ ‬عما‭ ‬عاشته‭ ‬العلوم‭ ‬البيولوجية‭ ‬من‭ ‬طفرات‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬الوراثية،‭ ‬وآثارها‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬حصرها،‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬سلالات‭ ‬نباتية‭ ‬وحيوانية‭ ‬جديدة،‭ ‬وتضاعف‭ ‬الإنتاج،‭ ‬مما‭ ‬أكد‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬المقبول‭ ‬القول‭ ‬بحضارة‭ ‬زراعية‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬حضارة‭ ‬صناعية،‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬وتعدد‭ ‬وتنوع‭ ‬صور‭ ‬االغزوب‭ ‬الصناعي،‭ ‬لعالم‭ ‬الزراعة‭.‬

  ‬ودعم‭ ‬الحصري‭ ‬رأيه‭ ‬بإحصاءات‭ ‬متعددة‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭ ‬التي‭ ‬تشيع‭ ‬فيها‭ ‬الزراعة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنها‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة،‭ ‬مثل‭ ‬إيطاليا،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وهولندا‭ ‬وبولندا‭ ‬وغيرها‭.‬

  ‬ويخلص‭ ‬الحصري‭ ‬إلى‭ ‬قولة‭ ‬حق‭ ‬نتفق‭ ‬معه‭ ‬فيها‭ ‬بأن‭ ‬حالة‭ ‬الركود‭ ‬والجمود‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬الأدب‭ ‬والزراعة،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬لوازمهما،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬التحول‭ ‬والتقدم‭ ‬أيضاً‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬الخصائص‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تفارق‭ ‬الصناعة‭ ‬والعلم،‭ ‬فالتجدد‭ ‬والجمود،‭ ‬لا‭ ‬ينتج‭ ‬أي‭ ‬منهما‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬العلم‭ ‬أو‭ ‬الأدب‭ ‬وحدهما،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬الزراعة‭ ‬أو‭ ‬الصناعة،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يتعاطاها‭ ‬ويتوغل‭ ‬بها‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الصناعة‭ ‬سريعة‭ ‬التحول‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الزراعة،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬ينهض‭ ‬دليلاً‭ ‬قوياً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصناعة‭ ‬تكون‭ ‬دائمة‭ ‬التحول،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الزراعة‭ ‬تكون‭ ‬دائمة‭ ‬الركود‭.‬

  ‬وكان‭ ‬أعجب‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬سلامة‭ ‬موسى،‭ ‬زعمه‭ ‬بأن‭ ‬الأدب‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬الزراعة،‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬التطور‭ ‬والتقدم،‭ ‬وهو‭ ‬قول‭ ‬غريب‭ ‬حقاً،‭ ‬لا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للحصري‭ ‬وحده،‭ ‬وإنما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكثيرين‭ ‬منا،‭ ‬فالنهضة‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬مبدأ‭ ‬نشأتها‭ ‬كانت‭ ‬تحفل‭ ‬بأعمال‭ ‬أدبية‭ ‬شكلت‭ ‬اعلامةب‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬التطور‭ ‬الحضاري،‭ ‬ويضيق‭ ‬المقام‭ ‬عن‭ ‬مجرد‭ ‬الإشارة‭ ‬العابرة‭ ‬إلى‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭.‬

  ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬نفسها،‭ ‬كانت‭ ‬صفحات‭ ‬الأدب‭ ‬فيها‭ ‬زاهرة،‭ ‬وثرية،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬لم‭ ‬يصفها‭ ‬أحد‭ ‬بأنها‭ ‬حضارة‭ ‬صناعية‭.‬

  ‬ويضع‭ ‬الحصري‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬أبرز‭ ‬العوامل،‭ ‬وهو‭ ‬البنية‭ ‬المجتمعية‭ ‬نفسها،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها،‭ ‬وعلاقات‭ ‬الأبنية‭ ‬الداخلية‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض،‭ ‬ومدى‭ ‬حرية‭ ‬الحركة‭ ‬المتاحة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬المناخ‭ ‬العام،‭ ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬ذلك‭ ‬أيضاً‭ ‬مدرسة‭ ‬افرانكفورتب،‭ ‬صاحبة‭ ‬النظرية‭ ‬النقدية‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭. ‬وينتقد‭ ‬الحصري‭ ‬أحد‭ ‬عناصر‭ ‬البنية‭ ‬المجتمعية،‭ ‬مركزاً‭ ‬عليها‭ ‬مبضع‭ ‬التحليل‭ ‬والنقد،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬موضوع‭ ‬المرأة‭ ‬العربية،‭ ‬حتى‭ ‬أواسط‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬شاعت‭ ‬نظرة‭ ‬متدنية‭ ‬للمرأة،‭ ‬تحرمها‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بدور‭ ‬رائد‭ ‬وملحوظ‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬شيوع‭ ‬الأمية‭ ‬بينها،‭ ‬وانعزالها‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ابيئة‭ ‬مُربيةب‭ ‬وامُثقفةب،‭ ‬وفرصة‭ ‬لاكتسابها‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمفاهيم‭ ‬اللازمة‭ ‬لحسن‭ ‬التفاعل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

  ‬ولا‭ ‬يتوقف‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬عن‭ ‬أطروحاته‭ ‬المباينة‭ ‬والمناقضة‭ ‬لكثير‭ ‬مما‭ ‬تعارف‭ ‬عليه‭ ‬الناس،‭ ‬ولعل‭ ‬أبرز‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬استثارت‭ ‬الحصري،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬كانت‭ ‬تسمى‭ ‬بـاالحديثب،‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬الماضي،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬يرضى‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬أسرى‭ ‬الماضي،‭ ‬يريدون‭ ‬عودته‭ ‬كما‭ ‬هو،‭ ‬لوهم‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نتقدم‭ ‬إلا‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬السبيل،‭ ‬وبين‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التاريخ،‭ ‬كما‭ ‬ذهب‭ ‬ابن‭ ‬خلدون،‭ ‬اللعظة‭ ‬والاعتبارب،‭ ‬وهي‭ ‬الوظيفة‭ ‬التي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يلاحظها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أقوام‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬القديمة،‭ ‬وأحداث‭ ‬غابرة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬ذكر‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬كان‭ ‬مشفوعاً‭ ‬دائماً‭ ‬بدعوة‭ ‬للاتعاظ‭ ‬والتفكر،‭ ‬والاعتبار‭... ‬وأمة‭ ‬تهمل‭ ‬تاريخها،‭ ‬لهي‭ ‬أشبه‭ ‬بإنسان‭ ‬يفقد‭ ‬ذاكرته؟‭!‬

  ‬ومن‭ ‬أبلغ‭ ‬عبارات‭ ‬الحصري‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬نذهب‭ ‬إليه‭ ‬قوله‭ ‬إن‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نغير‭ ‬أسلوب‭ ‬نظرتنا‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ،‭ ‬لا‭ ‬تحويل‭ ‬أذهاننا‭ ‬عنه‭!!‬

  ‬إن‭ ‬التاريخ‭ ‬الأوربي‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬االسخافاتب‭ ‬التي‭ ‬ركز‭ ‬على‭ ‬مثلها‭ ‬سلامة‭ ‬موسى،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬العربي،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬الأوربيين‭ ‬يهملون‭ ‬دراسة‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬أي‭ ‬خطة‭ ‬تخطوها‭ ‬أمة‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬أمر‭ ‬سيرها‭ ‬ويصح،‭ ‬إلا‭ ‬بالاستفادة‭ ‬مما‭ ‬سبق‭ ‬من‭ ‬خطوات،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكرر‭ ‬الأخطاء،‭ ‬ويكون‭ ‬البلاء‭ ‬الحقيقي،‭ ‬هو‭ ‬ذ‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ - ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬عند‭ ‬حد‭ ‬التغني‭ ‬والإشادة‭ ‬بأمجاد‭ ‬الماضي،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬القول‭ ‬المأثور،‭ ‬الذي‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الفتى‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬قال‭: ‬أبي،‭ ‬ولكن‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يقول‭: ‬ها‭ ‬أنا‭ ‬ذا‭!!‬

  ‬وكان‭ ‬سلامة‭ ‬موسى‭ ‬قد‭ ‬ساق‭ ‬أمثلة،‭ ‬بحيث‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نشرع‭ ‬في‭ ‬خطط‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الأخلاق‭ ‬والآداب‭ ‬والعلوم،‭ ‬مثل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الزواج،‭ ‬وجب‭ ‬ألا‭ ‬نلتفت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يفعله‭ ‬أسلافنا‭ ‬قبل‭ ‬ألف‭ ‬عام،‭ ‬وإذا‭ ‬كتبنا‭ ‬في‭ ‬الأدب،‭ ‬وجب‭ ‬ألا‭ ‬نذكر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يرتئيه‭ ‬الجاحظ‭ ‬أو‭ ‬الجرجاني،‭ ‬أما‭ ‬في
‭ ‬العلوم،‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬أننا‭ ‬نحرث‭ ‬أرضاً‭ ‬
بكراً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لبلادنا،‭ ‬لم‭ ‬تشقها‭ ‬بعد‭ ‬سكة‭ ‬المحراث‭!!‬

  ‬وعود‭ ‬على‭ ‬ذي‭ ‬بدء‭... ‬ليس‭ ‬الجوهري‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬مجرد‭ ‬العلم‭ ‬بما‭ ‬قاله‭ ‬سلامة‭ ‬موسى،‭ ‬وما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬ساطع‭ ‬الحصري‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه،‭ ‬وإنما‭ ‬يهمنا‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬نشعر‭ ‬ببعض‭ ‬الخجل‭ ‬أن‭ ‬يتحاور‭ ‬مفكران،‭ ‬بالكلمة‭ ‬والمنطق،‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬القرن،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬أوطاننا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬تواضع‭ ‬التقدم‭ ‬المعرفي‭ ‬والحضاري،‭ ‬بينما‭ ‬يشيع‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬اليوم،‭ ‬أيضاً،‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬مذهلة‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬الحضارى،‭ ‬من‭ ‬يتحاور‭ ‬بألفاظ‭ ‬خشنة،‭ ‬كأضعف‭ ‬الإيمان،‭ ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نحل‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬أصلاً‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مرتبة‭ ‬من‭ ‬مراتب‭ ‬الإيمان‭! ‬أما‭ ‬أشهره،‭ ‬فهو‭ ‬التحاور‭ ‬بالتكفير‭ ‬أو‭ ‬التخوين،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إزاحة‭ ‬التحاور‭ ‬بالكلمات‭ ‬ليحل‭ ‬محل‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬تحاور‭ ‬بالسكين‭ ‬والمتفجرات‭! >‬