أندورا

أندورا

يستقطب حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية كل أربع سنوات كثيراً من المشاهدين، لما فيه من استعراضات باهرة وإيقاعات بشرية هادرة تعكس كثيراً من ثقافة وفنون البلد المستضيف، تنتهي بلحظات الترقب الشديد للكيفية التي ستضاء بها الشعلة الأولمبية بصورة أكثر إدهاشاً وتميزاً عن الدورات السابقة.
ويبقى استعراض طابور وفود الدول المشاركة الحدث الذي يحظى باهتمام خاص من المشاهدين، لأن الجميع ينتظرون رؤية علم بلادهم في الحدث الرياضي الأكبر على سطح الكرة الأرضية، وحتى ذلك الموعد تتكرر النقاشات كل أربع سنوات حول مواقع الدول التي يسمع اسمها للمرة الأولى، وقد تتشعب لتصل إلى جلسة حوارية عن بلد ومنطقة بعيدة لم تكن يوماً ضمن المنهج، وفي ظل وجود «العلّامة جوجل» تصبح عملية البحث أكثر إمتاعاً وقيمة مضافة إلى حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية.
في الشهر الماضي وقعت أحداث في إسبانيا تخص انفصال إقليم كتالونيا، والخبر ليس هنا، ولكن عندما تم تكثيف الأضواء على خريطة إسبانيا وموقع كتالونيا فيها، ظهرت إمارة أندورا الصغيرة (تبلغ مساحتها 468 كلم، وسكانها أقل من 90 ألف نسمة)، وتقع فوق الحدود الفرنسية - الإسبانية، وإنني متأكد من أن اسم أندورا من الأسماء التي تم البحث عنها في «جوجل» خلال افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، ومتأكد أيضاً من أن موقعها الجغرافي العجيب أثار كثيراً من الأسئلة. 
إن أندورا وغيرها من الدول الصغيرة الموجودة في مناطق بارزة مثل القارة الأوربية، يجب أن تحظى بمساحة أكبر في دروس التاريخ والجغرافيا، ليس بسبب حجمها، ولكن بسبب كمّ الدهاء والتشعّب السياسي الذي أبقاها على الخريطة  وسط بحر متلاطم من المتغيرات والمغيّرين... هل تعلمون مثلاً أن أندورا حصلت على الاستقلال عام 1278، وبقيت شبه معزولة عن أهم الأحداث في أوربا، مثل الحرب الأهلية في إسبانيا والحربين العالميتين الأولى والثانية؟
قد تلعب الجغرافيا والحصون الحصينة دوراً في حماية المدن أو الدول، ولكن مع التطورات الكبيرة في آلة الحرب خلال القرن الماضي، انتهى عصر الحصون ومناعة قمم الجبال، وربما يقال إن بعض المناطق لا تمثل أي قيمة استراتيجية من الناحية العسكرية أو فائدة اقتصادية، لذلك لم تتعرض أندورا لكثير من المحاولات لضمها، ولكن منذ متى كان لأصحاب المشاريع التوسعية، مثل هتلر، حدود يمكن التوقف عندها؟، لقد ابتلع فرنسا بأكملها وترك أندورا على حالها!
إن التاريخ يحمل بين صفحاته عديداً من القصص التي لم تحظ بكثير من الاهتمام، بالرغم من تشابكها مع قصص أخرى، والآن حان الوقت لمزيد من البحث والاكتشاف بدلاً من التسليم بما هو موجود والقول بأن قصص العالم نفدت، وأدب الرحلات انتهى مفعوله ■