الدواء والأسرة

يعتبر الدواء من أهم ضروريات الحياة، حيث يستخدم في علاج الأمراض والوقاية منها والتشخيص العلاجي لبعضها، كما يستخدم في أغراض أخرى مثل منع الحمل، ويأتي الدواء في حياة الإنسان في المرتبة الثانية بعد الغذاء، وقد دأب الإنسان، منذ فجر التاريخ، على البحث والتنقيب عن مسببات الأمراض وسبل المقاومة والعلاج.
للدواء وجهان، وجه مضيء يتمثل في علاج الآلام والأمراض، ووجه مظلم ناجم عن الاستعمال الخاطئ للدواء، أو جهل المريض لجوانب استعمال الدواء، أو تناول أطعمة معينة مع الدواء تسبب أضراراً فادحة، فعند تناول المريض بعض الأطعمة التي تحتوي على الثيرامين، مثل الجبن القديم أو الأسماك المملحة تحدث له رعشة وهلوسة وتشنجات وطفح جلدي وإصابات بالكبد، ورغم ظهور أدوية الكورتيزون منذ أكثر من عقدين من الزمن، فإن لها أعراضاً جانبية خطيرة جداً، منها تساقط شعر الرأس عند الأنثى، ونمو شعر باقي أجزاء الجسم وظهور الحساسية الجلدية وترقق العظام.
وقد قدم د. عز الدين الدنشاري للمكتبة العربية أحدث كتبه بعنوان «الدواء والأسرة» الصادر حديثاً بالهيئة المصرية العامة للكتاب بمصر. والدكتور الدنشاري يعمل أستاذاً للفارماكولوجي (علم الأدوية والسموم) بكلية الصيدلة بجامعة القاهرة، كما يعمل أستاذاً زائراً وباحثاً بجامعات إنجلترا والسويد والسودان والأردن والسعودية وليبيا، وله 22 مؤلفاً باللغة العربية تناولت أضرار التدخين والمخدرات والتلوث البيئي والغذاء والعوامل المؤثرة على الأجنة، وقد عمل مستشاراً لمنظمة الصحة العالمية لبضع سنوات.
كتاب «الدواء والأسرة» مكون من ثمانية فصول، الأول منها حول مصادر الدواء ومشكلاته وأضراره، والثاني عن الوسائل المختلفة لاستخدام الدواء، والثالث يضم إرشادات للاستخدام الأفضل للدواء، والرابع حول الدواء والتدخين والخمور أثناء الحمل والرضاعة، والخامس عن أدوية لها تاريخ، والسادس يتكلم عن سوء استخدام بعض الأدوية والطريق للإدمان، والسابع عن ميكروبات لصناعة الأدوية البيولوجية، أما الفصل الثامن الأخير، فقد خصَّصه للجينوميات الدوائية ومنع الحساسية للدواء والأعراض الجانبية الأخرى.
مصادر الدواء ومشكلاته وأضراره
بعد أن اكتظت الأسواق بهذا الكم الضخم من الأدوية المصنعة كيميائياً، واستعملت في الوقاية والعلاج، كان من الطبيعي أن تظهر مشكلات عديدة ومتنوعة بسبب استعمال الآلاف من هذه الأدوية، وبعد أن كان الدواء سلاحاً ضد المرض أصبح في حالات كثيرة أداة مدمِّرة تتسبب في إصابة الإنسان بأمراض وعاهات وتشوهات.
تنقسم مصادر الأدوية إلى ما يلى:
أدوية نباتية
وهي ما يطلق عليها الأدوية العشبية، وفيها يستخدم جزء من النبات مثل البذور أو الثمار أو الأوراق، وتشهد البرديات التي يرجع تاريخها إلى 1600 عام قبل الميلاد على أن قدماء المصريين برعوا في علاج الأمراض بالنباتات، وهناك ما يزيد على 700 وصفة علاجية تشمل تحضير الدواء النباتي وكيفية إعطائه للمريض.
أدوية من أصل حيواني
تحتوي هذه المجموعة على الهرمونات، مثل الإنسولين الذي يستخدم في علاج مرضى السكر، ويستخلص هذا الهرمون من البنكرياس وهرمونات الغدة الدرقية، وتشمل هذه المجموعة زيت السمك وعسل النحل وغيرهما من المنتجات الحيوانية.
أدوية من أصل معدني
تضم هذه المجموعة الأملاح المعدنية، مثل أملاح الحديد والرصاص والزنك والفسفور والكالسيوم والبوتاسيوم والذهب.
أدوية تنتجها الكائنات الدقيقة
يعتبر البنسلين، الذي اكتشفه عالم الميكروبولوجي الإنجليزي فلمنج عام 1928م، هو أول دواء تنتجه الكائنات الحية الدقيقة، حيث توصَّل إلى أن فطر البنسليم Benicilleum يقضي على بكتيريا من إحدى الفصائل التي تسبب الأمراض بسبب إنتاج فطر لمادة أطلق عليها البنسلين، وهو أول مضاد حيوي عرفته البشرية، وكان سبباً في اكتشاف عديد من المضادات الحيوية وتصنيعها مثل الأستربتومايسين والكلورامفينيكول والتتراسيكلين والإمبسلين.
أدوية مصنَّعة كيميائياً
تشمل هذه المجموعة الآلاف من الأدوية التي تعتبر الأكثر استعمالاً الآن، وتتسابق شركات الأدوية في تصنيعها وتطويرها.
الإسبرين
يعتبر الإسبرين من أكثر مسكنات الألم خطورة على الحمل والجنين، وقد أجريت دراسة في أستراليا عام 1975م على النساء الحوامل اللائي يتعاطين الإسبرين بصفة مستمرة خلال الحمل ووجد أنهن ينجبن أطفالاً ناقصي الوزن، وهناك زيادة واضحة في نسبة وفيات الأطفال بعد الولادة، وأكدت دراسات أخرى في عديد من الدول أن تناول الإسبرين بصفة منتظمة خلال الحمل يؤدي إلى إصابة الحامل بفقر الدم والنزف المهبلي قبل الولادة، ويطيل مدة الحمل، واستعمال الإسبرين أثناء الولادة يؤدي إلى ارتفاع نسبة الصبغة الصفراوية Bilirubin في دم المولود، وهذا يؤدي إلى إصابة المريض بأمراض بالغة الخطورة في المخ، قد تؤدي إلى موت المولود أو إعاقته عقلياً.
المضادات الحيوية
كثير من المضادات الحيوية ينتقل من دم الأم إلى الجنين، وتعتبر مجموعة المضادات الحيوية من التتراسيكلين والكلورامفينيكول والأستربتومايسين ومركبات السلفا من الأدوية التي تمثل خطورة على الجنين، فمركبات تتراسيكلين قد تسبب إصابات في كبد الأم وكليتها، كما يؤدي استعمالها خلال الثلثين الثاني والثالث من الحمل إلى سوء تكوين أسنان الجنين، وقد تسبب هذه الأدوية سوء تكوين عظام الجنين.
الهرمونات
يؤدي استعمال الهرمونات خلال الحمل إلى حدوث تشوهات في الجنين قد تصل إلى حد الخطورة وتعذر العلاج، وتعتبر هرمونات الذكورة والأنوثة من أخطر الهرمونات على الأجنة، فهرمون التستوسيترون Toescosterone وهرمون الأنوثة برجروجستيرون Brogesterone ومشتقاتهما تسبب تشوهات في الأعضاء التناسلية، ويؤدي استعمال هرمون الأنوثة أستروجين Estrogen أو مشتقاته مثل إستلبيستيرول Stilbesterol خلال شهور الحمل لزيادة احتمال الإصابة بسرطان عنق الرحم عند بلوغ المولودة سن 17 سنة ■