بنـوك النفايـات
تعتبر مبادرة بنوك النفايات في المدارس من المبادرات المؤثرة في سياق تربية الأطفال على حب الطبيعة واحترامها، وصداقة البيئة، وغرس مبادئ الاستدامة ومفاهيمها، كالتقليل من إنتاج المخلفات، وإعادة استخدام الموارد والمنتجات وإعادة تدويرها. ويمكن أن يقود مثل هذا النموذج التربوي إلى تكوين ثقافة نظافة وتمكين اقتصادي على مستوى الدولة.
من الأمثلة البارزة في هذا الصدد ما يجري في بعض مدارس إندونيسيا، حيث يجلب الطلاب معهم كل يوم ما يمكن إعادة تدويره من النفايات المنزلية، ليتم إيداعه في بنك النفايات بالمدرسة، الذي عادة ما تديره لجنة تتألف من طلاب ومعلمين من المدرسة تكون مسؤولة عن المحاسبة والعلاقات العامة وأوجه النشاط المختلفة لتنظيف وجمع النفايات ووزنها، وتنظيم معارض لمعروضات معاد تدويرها.
ويحصل المودعون في المقابل على نقاط تحدد على ضوء حجم النفايات ونوعها. ويمكن للطلاب استبدال النقاط بعد فترة من الزمن بنقود، أو بأدوات مدرسية مصنوعة من مواد معاد تدويرها، مثل الحقائب أو الأضابير وسواها. وهكذا يوفر المودعون الصغار دخلاً من النفايات، ويحافظون في الوقت نفسه على بيئاتهم نظيفة وجميلة وصحية.
وفي إطار برنامج لرفع الوعي بأهمية عملية إعادة التدوير وأثرها الإيجابي، تدمج موضوعات ذات علاقة في المناهج. ويتدرب الطلاب على ابتكار أشغال يدوية من المواد القابلة للتدوير التي أودعوها بأنفسهم في البنك، ما يعزز لديهم التفكير الإبداعي عندما يفكرون في كيفية تجميع الأجزاء وتحويلها لأشياء جديدة ومفيدة.
تحويل المجتمعات
تأتي مبادرة بنوك النفايات في المدارس كنموذج مصغر لبرنامج أكبر تتبناه وزارة البيئة الإندونيسية، بدأ بصدور قانون في عام 2012 بخصوص إدارة النفايات، استهدف في البداية التغلب على مشكلة القمامة، لكنه سرعان ما تحوَّل إلى وسيلة لتوعية الناس من الناحية البيئية، والدعوة إلى التقليل من التلوث. وأصبح بعد ذلك وسيلة لتأمين مصدر دخل قومي، لاسيما أن نشر مثل هذه البنوك خطة طموح، فمن المتوقع تأسيس عشرات البنوك في كل مدينة ومنطقة من مئات المدن والمناطق عبر البلاد. ويمكن أن تستوعب هذه البنوك آلاف العاملين، وتتعامل مع ملايين الأطنان من النفايات سنوياً.
ولنجاح البرنامج، تم الترويج لفكرة تصنيف القمامة في البيوت، وتلقى الأهالي توعية وتدريباً في ما يتعلق بمفهوم التدوير والتعامل مع النفايات وتصنيفها، ولاسيما المواد البلاستيكية التي يتم بيعها لمصانع البلاستيك لتتم إعادة تدويرها. كما قام البرنامج بتوزيع أكياس لجمع العبوات والصحف وغير ذلك، وتم تسعير المواد. وكما هي الحال في المدارس، تودع النقود في الحساب الشخصي ببنك النفايات حتى يتمكن المودعون من سحبها في ما بعد. وفي خطوة لاحقة، توسع البرنامج بتدريب الأهالي على التصنيع من المواد القابلة للتدوير. واستطاعوا إبداع منتجات متنوعة عبارة عن حقائب، وصنادل، وأشياء أخرى جميلة ومفيدة.
فكرة بنك
ترجع حكاية تأسيس بنك إعادة التدوير، الذي يكافئ الخيارات اليومية الذكية نحو مستقبل مستدام في أمريكا، إلى عام 2001، حيث كانت مدينة نيويورك تفكر في إلغاء برنامجها الخاص بإعادة التدوير لعدم جدواه، ولاحظ باتريك فيتز، طالب الحقوق بجامعة فوردهام، عدم وجود حافز اقتصادي حقيقي يشجع الناس على إعادة التدوير؛ فأعد مسودة لنموذج أعمال يحفز الناس على إعادة التدوير. وفي 2003، اتصل بصديقه القديم رون جونين Gonen الذي كان حينها يعد للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال بجامعة كولومبيا؛ ووضع الاثنان خطة بنك التدوير، وأكملا إجراءات تأسيس الشركة.
ومع حلول العام التالي 2004 تم إطلاق أول برنامج مكافآت إعادة التدوير في فيلادلفيا. وللبنك الذي يقع مركزه الرئيس في نيويورك اليوم شراكات واسعة مع عدد من الشركات والمجتمعات في أنحاء أمريكا، يتعاون الجميع على خفض انبعاث الكربون من الصوبات بتدابير مثل تشجيع النقل الجماعي؛ وتحفيز الناس على عيش أساليب حياة أكثر استدامة بربطهم ببرنامج مكافآت تمنح في ضوء تقديم أفكار وحلول ومعلومات خاصة بالاستدامة، وفي ضوء وزن المخلفات المعاد تدويرها في صورة نقاط تتحول إلى نقود تستخدم في الشراء عبر متجر البنك للمنتجات المستدامة على الخط. ويجد المتصفح للموقع Recyclebank.com ما يرشده عن البرامج الجديدة لمقايضة النقاط كالحصول على خدمات أو خصومات خاصة.
ولدى البنك اليوم برامج عديدة، مثل برنامج المدارس الخضراء الذي يقوم على خطوات تبدأ بتقديم طلبات من جانب المدارس للقيام بمشروعات مستدامة لها آثار إيجابية على الطلاب، والأداء المستدام في المدارس والمجتمعات المحيطة، وذلك بتكلفة في حدود 2500 دولار للمشروع؛ ثم يتم اختيار أفضل 50 مشروعاً بعرضها على الموقع ودعوة الأعضاء لمنحها نقاطاً تتحول إلى دولارات تتبرع بها الشركات الداعمة. وللترويج للمشروعات، يساعد الطلاب والمدارس في دعوة الأصدقاء والأقارب للحصول على عضوية البنك، ليتمكنوا من الحصول على النقاط. وإلى جانب المنحة المالية التي تنالها المشروعات الفائزة، تحصل المدارس على إمدادات من الورق لعام كامل، من شركة دوماتر Domater، المصنعة للورق والمهتمة بقضايا الاستدامة، والمشجعة لروح التجديد والابتكار وإعادة التدوير وتقليل الهدر، والاهتمام بالحدائق والمحافظة على المياه واستخدام الورق المبدع. ونجح البنك في ما بين عامي 2007و2014 في تقديم تمويل يصل إلى نصف مليون دولار استفادت منه 150 مدرسة.
شطب المخلفات
تعطي هذه النماذج من بنوك النفايات أمل شطب كلمة مخلفات من قاموس الأجيال القادمة عن طريق ضمان عدم وجودها في المقام الأول بمحاكاة الطبيعة التي تعتبر جميع النواتج المصاحبة لأي عملية من عمليات الإنتاج مدخلاً لعمليات أخرى، وهو ما يُعرف بمدخل من المهد إلى المهد - بدلاً من المهد إلى اللحد - وهو نظام تخطيط يحرص على عدم وجود مخلفات، ويعيد التفكير في جميع جوانب المنتج من التصميم حتى الاستخدام، وإعادة التدوير. ويتطلع إلى مستقبل بلا مخلفات، أو بقدر قليل منها، ولاسيما بالنسبة للدول المتقدمة كأمريكا وكندا - أمريكا وحدها تنتج 243 طناً من المخلفات الصلبة التي تشمل بقايا الطعام، والأوراق، والبلاستيك والمنسوجات والمعادن والزجاج، من المساكن والمحال التجارية والمؤسسات وفقاً لإحصائيات 2009 - وما يثلج الصدر وجود مؤشرات لتوقف المخلفات عن الزيادة في ما بين عامي 2000 و2007 بعد إعادة التفكير فيها وإدارتها بشكل جديد.
كان التخلص من المخلفات في الماضي بترتيب أماكن لدفنها على أطراف المجتمعات؛ وعندما أدرك القائمون على هذه العملية حقيقة أن أماكن الدفن محدودة، صار الحرق هو الحل، ولاسيما مع ظهور مصطلح التشافي Recovery الذي يعني شفاء الطاقة من المخلفات في عملية الحرق بعد ظهور تكنولوجيا جديدة لمعالجة تحويل المخلفات إلى طاقة. ثم جاءت الدعوات إلى إعادة التدوير التي حلت جزءاً من المشكلة، غير أنها لم تعالج الأسباب، فإعادة التدوير عملية قد تنقل الفوضى من مكان إلى آخر، ولا تمنع تراكم المخلفات، ولهذا برزت دعوات كالتقليل من الاستهلاك، وإعادة الاستخدام، وشجعت دعوات أخرى، ولاسيما مع بداية التسعينيات، في محاولة لتغيير سلوك التعامل مع المخلفات؛ حتى ظهرت إستراتيجيات جديدة تستهدف إعادة التفكير وإعادة التصميم لتفادي إنتاج مخلفات من الأساس. وباتت المجتمعات المستدامة تدير مخلفاتها في ضوء إطار إعادة التفكير بقيادة لاعبين أساسيين، مثل قطاع الصناعة، والمؤسسات والمساكن التي عادة ما تنتج أكبر قدر من المخلفات.
أمثلة جيدة
من الأمثلة الجيدة ما قامت به شركة سوبارو للسيارات، حيث أعادت تصميم عملياتها، وأعادت النظر في بيع منتجاتها المصاحبة بصورة مبدعة، مستخدمة عدداً من الإستراتيجيات كإعادة مواد التغليف للموردين، وإعادة استخدام المواد داخلياً، وتغيير بعض العمليات لتخفيض مقدار المخلفات الناتجة؛ إضافة إلى إرسال بعض المخلفات للمعالجة، ولكن ضمن خطة طموح للوصول إلى التخلص تماماً من أماكن دفن النفايات. كما بادرت شركة تويوتا بالمشاركة في تأسيس مجتمع قليل الكربون ومنسجم مع الطبيعة، قائم على إعادة التدوير وحماية البيئة، وذلك بوضع مجموعة من الخطط للتقليل من الأثر البيئي في جميع مراحل دورة حياة المركبات من التطوير والتصنيع والإنتاج واللوجستيات والمبيعات والتعامل مع المخلفات الصناعية وإعادة التدوير، حتى تشجيع الإدارة البيئية.
وتساهم برامج دولية في دعم مشروعات إدارة النفايات، مثل برامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP التي من ضمنها برنامج TRWMP، الذي بدأ في 2005 كعملية صغيرة للتخلص من نفايات التسونامي والزلازل، وأصبح اليوم من البرامج الاستراتيجية الناجحة للإدارة المستدامة للنفايات الصلبة يدعمه صندوق متعدد المتبرعين. وختاماً، تؤكد نماذج بنوك النفايات والمشروعات المشابهة على حقائق وشعارات مثل: «ما تعتبره قمامة يمكن أن يكون كنزاً بالنسبة لشخص آخر»، ما قد يجعلنا نفكر قبل أن نرمي شيئاً في حاوية القمامة؛ ويذكرنا بوصايا التقليل من إنتاج النفايات، وإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير ■