العالم العربي في القرن العشرين

العالم العربي في القرن العشرين

صدر‭ ‬حديثاً‭ (‬يوليو‭ ‬‭ ‬2015‭) ‬عن‭ ‬دار‭ ‬كولهمر،‭ ‬كتاب‭ ‬للبروفيسور‭ - ‬أودو‭ ‬شتاينباخ‭ - ‬المدير‭ ‬السابق‭ ‬لمعهد‭ ‬الشرق‭ ‬في‭ ‬هامبورج‭ ‬‭ ‬ألمانيا‭. ‬يقول‭ ‬شتاينباخ‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭ ‬‮«‬إن‭ ‬مسار‭ ‬قرن‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإنسانية‭ ‬نادراً‭ ‬ما‭ ‬يتطابق‭ ‬مع‭ ‬التسلسل‭ ‬الزمني‭ ‬المستمر‭ ‬للقرن‭. ‬وليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬تشمل‭ ‬وحدات‭ ‬زمنية‭ ‬ترابطاً‭ ‬للأحداث‭ ‬والسياقات‭ ‬التاريخية‭. ‬هذا‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‮»‬‭. ‬

انتمت‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المجال‭ ‬العربي‭ ‬ذ‭ ‬هنا‭: ‬بين‭ ‬الأطلسي‭ ‬والمحيط‭ ‬الهندي‭ ‬ذ‭ ‬ولو‭ ‬أيضاً‭ ‬مع‭ ‬كثافة‭ ‬مختلفة‭ ‬ذ‭ ‬إلى‭ ‬إمبراطورية‭ ‬كبيرة،‭ ‬ضمت‭ ‬بعداً‭ ‬عربياً‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬ثقافي‭ ‬محدد‭ ‬وسياسي‭ ‬هامشي‭. ‬تمددت‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬بضم‭ ‬سورية‭ ‬وفلسطين‭ ‬وكذلك‭ ‬مصر‭ ‬وبلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين‭ ‬وشبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬واليمنذ‭ ‬ماعدا‭ ‬غرب‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬الأبعد،‭ ‬المغرب‭ ‬حالياً‭ - ‬إلى‭ ‬الإمبراطورية‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬اللغات‭ ‬والثقافات‭ ‬بقيت‭ ‬السلطة‭ ‬والإدارة‭ ‬وكذلك‭ ‬الجيش‭ ‬والقانون‭ ‬أساساً‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬العثمانيين‭. ‬ويقول‭ ‬الكاتب‭: ‬فقط‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬بدأ‭ ‬تأثير‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬إظهار‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬أولاً‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الثقافي‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬السياسي‭. ‬إن‭ ‬التمدد‭ ‬الأوربي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إطلاق‭ ‬الحركات،‭ ‬التي‭ ‬أكدت‭ ‬الخصوصية‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المركز‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬كونستانتينوبل‭.‬

خضع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأدنى‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭. ‬مع‭ ‬انهيار‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬بنهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬وجد‭ ‬العرب‭ ‬أنفسهم‭ ‬أمام‭ ‬تحدٍ‭ ‬مزدوج‭:‬

‭- ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬وضعهم‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬تغير‭ ‬من‭ ‬الأساس‭.‬

‭- ‬مشاركتهم‭ ‬مع‭ ‬مجتمعات‭ ‬الشعوب‭ ‬الإسلامية‭ ‬لإيجاد‭ ‬إجابة‭ ‬للحداثة‭ ‬الثقافية‭ ‬والحضارية‭ ‬التي‭ ‬نبعت‭ ‬أصولها‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬ولاحقاً‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬أيضاً‭.‬

ويرى‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬يمكن‭ ‬تقسيمه‭ ‬إلى‭ ‬مرحلتين‭ ‬ممتدتين‭:‬

‭- ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الأوربية،‭ ‬خاصة‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ (‬وكذلك‭ ‬إيطاليا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬أيضاً‭).‬

‭- ‬سعي‭ ‬النخبة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تكونت‭ ‬أثناء‭ ‬سيطرة‭ ‬القوى‭ ‬الأوربية،‭ ‬إلى‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬خاص‭ ‬داخل‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭. ‬وهذا‭ ‬السعي‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬داخل‭ ‬الديناميات‭ ‬الوطنية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬اتسم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬باختراق‭ ‬نفوذ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وتَشكل‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭. ‬إن‭ ‬سعي‭ ‬القوتين‭ ‬العظميين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السيطرة‭ ‬العالمية،‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬تأثيره‭ ‬البالغ‭ ‬على‭ ‬التطور‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي‭ ‬للبلدان‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭.‬

 

تحت‭ ‬لواء‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية

بعد‭ ‬عرضنا‭ ‬المقتضب‭ ‬للمقدمة،‭ ‬تأتي‭ ‬الفصول‭ ‬من‭ ‬1‭ - ‬4،‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬فيها‭ ‬شتاينباخ‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬وتطور‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬وهو‭ ‬يعني‭ ‬بذلك‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬المنضوية‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يتابع‭ ‬الكاتب‭ ‬عرضه‭ ‬التفصيلي‭ ‬لكل‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬يسبق‭ ‬ذلك‭ ‬بثلاث‭ ‬فقرات‭ ‬تاريخية‭ ‬كمدخل،‭ ‬بعناوين‭:‬

‭- ‬الطريق‭ ‬الطويل‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬ذالمقدمات،‭ ‬النهضة‭ ‬الفكرية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1914‭ ‬والحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬والإمبريالية‭ ‬الأوربية‭. ‬ويكتب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬‮«‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬قد‭ ‬اقترنت‭ ‬بنهاية‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية،‭ ‬فهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬مرحلة‭ ‬ساعة‭ ‬الصفر‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬وبداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬برزت‭ ‬الشروط‭ ‬والديناميات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تكشف‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬وكان‭ ‬لذلك‭ ‬أبعاد‭ ‬خارجية‭ ‬تتعلق‭ ‬بمجموعة‭ ‬السلطات‭ ‬الدولية،‭ ‬وأخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بمواجهة‭ ‬النخبة‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬ضغط‭ ‬التحديث‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬أوربا‭. ‬لقد‭ ‬بدأ‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬لبلاد‭ ‬العرب،‭ ‬الذي‭ ‬بشرت‭ ‬به‭ ‬أوربا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1798،‭ ‬حسب‭ ‬مواجهة‭ ‬سياسة‭ ‬القوي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‮»‬‭. ‬ثم‭ ‬يتعرض‭ ‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وحملة‭ ‬نابليون‭ ‬على‭ ‬مصر،‭ ‬ودور‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬باشا‭ ‬أثناء‭ ‬فترة‭ ‬حكمه‭ ‬الطويلة‭ ‬بوضع‭ ‬الأسس‭ ‬لبناء‭ ‬دولة‭ ‬حديثة‭. ‬إنشاء‭ ‬الجيش‭ ‬وتنمية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وتحديث‭ ‬التقنية‭ ‬وإرسال‭ ‬الشباب‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬ثم‭ ‬يتعرض‭ ‬إلى‭ ‬الثورة‭ ‬العرابية‭.‬

 

الأفكار‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬النخبة

ويواصل‭ ‬فيشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التطور‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬مواجهة‭ ‬النخبة‭ ‬مع‭ ‬الأفكار‭ ‬والأيديولوجيات‭ ‬والتيارات‭ ‬الثقافية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬جذورها‭ ‬إلى‭ ‬أوربا‭. ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬ومنطقة‭ ‬الهلال‭ ‬الخصيب،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬تتأثر‭ ‬منطقة‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬بذلك‭. ‬ويشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬ناصيف‭ ‬اليازجي‭ ‬باعتباره‭ ‬أبا‭ ‬النهضة‭ ‬الثقافية،‭ ‬كما‭ ‬يقول،‭ ‬وكذلك‭ ‬بطرس‭ ‬البستاني‭ ‬وأحمد‭ ‬لطفي‭ ‬السيد،‭ ‬ومحاولة‭ ‬الطهطاوي‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬والإسلامية‭. ‬وكانت‭ ‬المعتقدات‭ ‬الإسلامية‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭ ‬للأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭. ‬

كما‭ ‬يكتب‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬والإمبريالية‭ ‬الأوربية‭ ‬فيسرد‭ ‬تاريخ‭ ‬الاستعمار‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬كما‭ ‬يتناول‭ ‬تاريخ‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬كل‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الاستقلال،‭ ‬مستعرضاً‭ ‬التطورات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬المختلفة‭ ‬وإحصائيات‭ ‬مهمة‭ ‬للقارئ‭ ‬الألماني،‭ ‬مثل‭: ‬مساحة‭ ‬الأرض‭ ‬وعدد‭ ‬السكان‭ ‬ونظام‭ ‬الحكم‭ ‬واللغة‭ ‬المتداولة‭ ‬واللغة‭ ‬الرسمية‭ ‬ونوع‭ ‬العقيدة‭ ‬والأقليات‭ ‬الدينية‭ ‬والتركيبة‭ ‬السكانية‭ (‬الإثنية‭) ‬وتاريخ‭ ‬الاستقلال‭ ‬والناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬ومتوسط‭ ‬العمر‭ ‬المتوقع‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬الفصلين‭ ‬الخامس‭ ‬والسادس،‭ ‬‮«‬القرن‭ ‬العشرون‭ ‬ذ‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬أين»؟‭ ‬و«الدول‭ ‬العربية‭ ‬والسياسة‭ ‬الدولية‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‮»‬،‭ ‬فيتناول‭ ‬أحداث‭ ‬الصراع‭ ‬الشرقي‭ ‬الغربي‭ ‬وسياسة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وألمانيا‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭. ‬ونقوم‭ ‬هنا‭ ‬بعرض‭ ‬الفصلين‭ ‬بتكثيف‭ ‬شديد،‭ ‬فهو‭ ‬تاريخ‭ ‬حديث‭ ‬ومعروف‭ ‬للقارئ‭ ‬العربي‭ ‬المطلع‭.‬

فنهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬تعني،‭ ‬وأيضاً‭ ‬بالنظرة‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬مقطعاً‭ ‬عميقاً‭. ‬فالبلدان‭ ‬العربية‭ ‬أصبحت‭ ‬متجذرة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬تمثله‭ ‬كتلتان‭: ‬أمريكا‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضعفت‭ ‬القوى‭ ‬الأوربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسيطر‭ ‬إمبريالياً‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬كما‭ ‬يستعرض‭ ‬المواجهة‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭ ‬العظميين‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران‭ ‬وتوغل‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬نتيجة‭ ‬لمسار‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬ومع‭ ‬اندلاع‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والعرب‭ ‬عام‭  1948،‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬للسياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬والمد‭ ‬الثوري‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬ومؤتمر‭ ‬باندونج‭ - ‬أبريل‭ ‬1955،‭ ‬وشخصية‭ ‬عبدالناصر‭ ‬الكارزماتية‭ ‬ودخول‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬أفغانستان‭ ‬مُحارباً‭ ‬وخروجه‭ ‬منها‭ ‬مجبراً‭. ‬ثم‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬وتأثيرهما‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬والصراع‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

 

بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوربي

وقد‭ ‬شهد‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬تحول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬الوحيدة‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬ومع‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الجديد‭ ‬ظهر‭ ‬الهبوط‭ ‬المثير‭ ‬لتأثير‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

وحول‭ ‬سياسة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬يشير‭ ‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عصر‭ ‬الإمبريالية‭ ‬الأوربية‭ ‬أصبح‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه،‭ ‬ولكن‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬ذ‭ ‬السياسية‭ ‬جعلا‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬والساحل‭ ‬الجنوبي‭ ‬والشرقي‭ ‬للبحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬‮«‬جاراً‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجنبه‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬وزن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬الضعيف‭ ‬كفاعل‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬فإنه‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬المثمر‭ ‬في‭ ‬المجالين‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والأمني‭.‬

وفي‭ ‬فقرة‭ ‬ألمانيا‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬يقول‭ ‬شتاينباخ‭: ‬كان‭ ‬المجال‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا‭ ‬يمثل‭ ‬مشهداً‭ ‬سياسياً‭ ‬جانبياً،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬للعرب‭ ‬فإن‭ ‬ألمانيا‭ ‬شاركت‭ ‬بشكل‭ ‬عابر‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬مصيرهم‭ ‬السياسي‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬وربما‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭- ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬العلاقات‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬العربي‭ ‬مراراً‭ ‬عن‭ ‬الصداقة‭ ‬الألمانية‭ - ‬العربية‭. ‬يقول‭: ‬قلما‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬الألمانية‭ ‬ذ‭ ‬العربية‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬ولكنه‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬التقارب‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬بين‭ ‬بروسيا‭ ‬والإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬ذ‭ ‬سياسياً‭ ‬واقتصادياً‭ ‬وحربياً‭. ‬ووقوف‭ ‬ألمانيا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭. ‬ومع‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬كانت‭ ‬الأحلام‭ ‬لسلطة‭ ‬سياسية‭ ‬ألمانية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬قد‭ ‬قُبرت‭. ‬وفي‭ ‬العهد‭ ‬النازي‭ ‬كانت‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العربي‭ ‬تحتل‭ ‬أهمية‭ ‬هامشية‭ ‬أيضا‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬ظهرت‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1933‭ ‬آثار‭ ‬بينة‭ ‬للأفكار‭ ‬الفاشية‭ ‬والنازية‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬المجال‭ ‬العربي‭ ‬ذ‭ ‬وان‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭ ‬ذ‭ ‬وتكونت‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ولبنان‭ ‬وسورية‭ ‬والعراق‭ ‬مجموعات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسياسية‭ ‬وأحزاب‭ ‬متفتحة‭ ‬على‭ ‬الأفكار‭ ‬الفاشية‭. ‬ولكنهم‭ ‬لم‭ ‬يلعبوا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ ‬ولا‭ ‬بعده‭. ‬ويشير‭ ‬إلى‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬ألمانيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬بجمهورية‭ ‬ألمانيا‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتفاعلت‭ ‬ألمانيا‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العربي‭ ‬منذ‭ ‬2011‭ ‬بـتحفظ‭. ‬وكان‭ ‬التفاعل‭ ‬في‭ ‬المقدمة،‭ ‬اتخاذ‭ ‬التدابير‭ ‬تحت‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬شراكة‭ ‬التحول‮»‬،‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المؤسسات‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬تشجيع‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والنظام‭ ‬والقانون‭.‬

وتأتي‭ ‬خاتمة‭ ‬الكتاب‭ ‬بالفصل‭ ‬السابع‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‮»‬،‭ ‬يبين‭ ‬فيها‭ ‬الكاتب،‭ ‬أن‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬للعرب‭ ‬أثبت‭ ‬لاحقاً‭ ‬ذ‭ ‬كقرن‭ ‬انتقالي‭ ‬ذ‭ ‬مقروناً‭ ‬بالتجربة‭ ‬والخطأ‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مسار‭ ‬الطريق‭ ‬مستقيماً‭ ‬للأوربيين‭ ‬أيضاً،‭ ‬لنظام‭ ‬جديد‭ ‬لقارتهم‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬النظام‭ ‬الشرعي‭ ‬عبر‭ ‬القرون‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1918‭. ‬ولكن‭ ‬بتكوين‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي،‭ ‬وضُع‭ ‬الأساس‭ ‬لنظام‭ ‬جديد،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الشكوك‭ ‬لمستقبل‭ ‬واعد‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬فيه‭ ‬العرب‭ ‬منذ‭ ‬انهيار‭ ‬النظام‭ ‬العثماني‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1918‭.‬

 

النهوض‭ ‬مرتان؛‭ ‬الفشل‭ ‬مرتان،‭ ‬هل‭ ‬سوف‭ ‬تنجح‭ ‬المحاولة‭ ‬الثالثة؟

السياسة‭ ‬التي‭ ‬تضع‭ ‬حدود‭ ‬الدول‭ ‬المرسومة‭ ‬موضع‭ ‬تساؤل،‭ ‬تفقد‭ ‬بوصلتها،‭ ‬وتكوين‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬سورية‭ ‬الكبرى‭ ‬ذ‭ ‬العراق‭ ‬ذ‭ ‬تركيا‭ ‬كان‭ ‬بالتأكيد‭ ‬إشكالياً‭ ‬ولم‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬تطلعات‭ ‬وتوقعات‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬للمواطنين‭ ‬في‭ ‬زمنها،‭ ‬ولكنها‭ ‬أعطت‭ ‬الشرعية‭ ‬لعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬وكانت‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬أساس‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬الدولة‮»‬‭. ‬ويرى‭ ‬شتاينباخ‭ ‬أن‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬فوضى‭ ‬شاملة،‭ ‬ليس‭  ‬للمنطقة‭ ‬نفسها‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وللنظام‭ ‬الدولي‭ ‬بكامله‭ ‬ولتأثيره‭ ‬البالغ‭ ‬أيضا،‭ ‬خصوصاً‭ ‬على‭ ‬الجار‭ ‬الأوربي‭.‬

وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬عدم‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬بالمطلق،‭ ‬وإنما‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬بموافقة‭ ‬المواطنين،‭ ‬وهو‭ ‬يشير‭ ‬بذلك‭ ‬إلى‭ ‬القضيتين‭: ‬الكردية‭ ‬والفلسطينية‭. ‬فإسرائيل‭ ‬نفسها‭ ‬نتاج‭ ‬عملية‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الخارج‭. ‬وحل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لايزال‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭: ‬حل‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭ ‬أو‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭. ‬ومادام‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬حل‭ ‬للصراع‭ ‬الفلسطيني‭ - ‬الإسرائيلي،‭ ‬فستبقى‭ ‬فلسطين‭ ‬جرحاً‭ ‬متقيحاً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعرض‭ ‬استقرار‭ ‬نظام‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬عموماً‭ ‬وأيضاً‭ ‬استقرار‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬والمجتمعات‭ ‬إلى‭ ‬الخطر‭. ‬وأيضاً‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أوربا‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬وِفق‭ ‬مطالب‭ ‬الأطراف‭ ‬وأسس‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭. ‬

ويقودنا‭ ‬شتاينباخ‭ ‬عبر‭ ‬فصول‭ ‬كتابه‭ ‬إلى‭ ‬مسار‭ ‬خصب‭ ‬ومثير،‭ ‬مُتتبعاً‭ ‬تاريخ‭ ‬وتطور‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ومشيراً‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬جابه‭ ‬المسار‭ ‬من‭ ‬إخفاق‭ ‬كبير‭ ‬ونجاح‭ ‬جزئي‭ ‬دون‭ ‬فقدان‭ ‬الأمل‭ ‬إلى‭ ‬مسار‭ ‬جديد‭ ‬وأفق‭ ‬واعد‭. ‬

والكتاب‭ ‬يمثل‭ ‬وثيقة‭ ‬تاريخية‭ ‬وسياسية‭ ‬مهمة،‭ ‬معروضة‭ ‬بتفصيل‭ ‬وإسهاب‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬الكاتب‭ ‬‮«‬نظراً‭ ‬للمساحة‭ ‬المتاحة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عرض‭ ‬مسار‭ ‬التاريخ‭ ‬مقتصراً‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬الأساس‭ ‬الرئيسة‭ ‬ومعتمداً‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬البحث‭ ‬والاستغناء‭ ‬عن‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬المثيرة‭ ‬للدجل‮»‬‭. ‬والكتاب‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬لأساتذة‭ ‬وطلاب‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬تخصصات‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬والتاريخ‭ ‬والاجتماع‭ ‬وللقارئ‭ ‬الألماني‭ ‬المطلع،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الببليوغرافيا‭ ‬التي‭ ‬احتلت‭ ‬61‭ ‬صفحة،‭ ‬مصدر‭ ‬قيم‭ ‬ومهم‭ ‬لمن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتعمق‭ ‬في‭ ‬المادة‭. ‬ونوجه‭ ‬التحية‭ ‬والتهنئة‭ ‬لهذا‭ ‬العالم‭ ‬الجليل‭ ‬الذي‭ ‬لايزال‭ ‬باحثاً‭ ‬جاداً‭ ‬ومهموماً‭ ‬وملتصقاً‭ ‬ومتعاطفاً‭ ‬مع‭ ‬قضايانا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وإفريقيا‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬مديراً‭ ‬لمعهد‭ ‬الشرق‭ ‬في‭ ‬هامبورج‭ ‬واستقباله‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬العرب‭ ‬ومنهم‭ ‬أساتذة‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬الخرطوم‭ ‬