سلام الله على أهل «سرنديـب»

سلام الله على أهل «سرنديـب»

ورشة‭ ‬بناء‭ ‬كبيرة‭ ‬تشيّد‭ ‬جبالاً‭ ‬من‭ ‬الأمل،‭ ‬فوق‭ ‬ركام‭ ‬ذكريات‭ ‬أليمة‭ ‬خلفتها‭ ‬حقبة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الاحتراب‭ ‬الداخلي،‭ ‬صبغت‭ ‬سماء‭ ‬الجزيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬بالكدر‭ ‬والعبوس،‭ ‬سريلانكا‭ ‬أرض‭ ‬الشاي‭ ‬وأشجار‭ ‬جوز‭ ‬الهند‭ ‬والشمس‭ ‬الدفيئة،‭ ‬تنهض‭ ‬بشموخ‭ ‬الأسد‭ ‬الذي‭ ‬اختارته‭ ‬رسماً‭ ‬لعلم‭ ‬البلاد،‭ ‬ساعية‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬تريده‭ ‬بلون‭ ‬درجات‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬الذي‭ ‬يكسو‭ ‬الجبال‭ ‬المزروعة‭ ‬بالشاي‭. ‬جزيرة‭ ‬الياقوت‭ ‬أو‭ ‬سرنديب‭ - ‬كما‭ ‬سماها‭ ‬العرب‭ ‬قديماً‭ - ‬تقف‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬صلبة‭ ‬قوامها‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬البحري‭ ‬وعطف‭ ‬الطبيعة‭ ‬الباذخ‭ ‬بموارد‭ ‬لامتناهية،‭ ‬وأخيراً‭ ‬حالة‭ ‬مستقرة‭ ‬من‭ ‬التعايش‭ ‬بين‭ ‬مكوناتها‭ ‬المتنافرة‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬والعرق‭ ‬والثقافة‭. ‬داخل‭ ‬ورشة‭ ‬سريلانكا‭ ‬الكبيرة،‭ ‬اخترنا‭ ‬الترحال‭ ‬داخل‭ ‬حياة‭ ‬المسلمين‭ ‬فيها،‭ ‬والتقاط‭ ‬صور‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬وجودهم‭ ‬وسط‭ ‬المحيط‭ ‬البوذي،‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬كولومبو‭ ‬إلى‭ ‬قرية‭ ‬بيروالا‭ ‬ثم‭ ‬العودة‭ ‬مجدداً‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬البداية‭... ‬كولومبو‭.‬

معزوفة‭ ‬سباق‭ ‬الحياة

وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬مطار‭ ‬كولومبو‭ ‬وسط‭ ‬ظلمة‭ ‬حالكة‭ ‬لم‭ ‬تبدّدها‭ ‬غير‭ ‬أنوار‭ ‬مدرج‭ ‬الهبوط،‭ ‬كانت‭ ‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬هبوطها‭ ‬التدريجي‭ ‬ترفع‭ ‬أغطية‭ ‬الظلام‭ ‬واحداً‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬حتى‭ ‬تلمّس‭ ‬قائدها‭ ‬أنوار‭ ‬المدرج‭ ‬ليهبط‭ ‬بنا‭ ‬معلناً‭ ‬نهاية‭ ‬الرحلة‭ ‬الجوية‭ ‬وبدء‭ ‬الرحلة‭ ‬الأرضية‭.‬

مرت‭ ‬إجراءات‭ ‬ختم‭ ‬جواز‭ ‬السفر‭ ‬وتسلُّم‭ ‬الأمتعة‭ ‬سريعاً،‭ ‬ولو‭ ‬امتد‭ ‬الوقت‭ ‬قليلاً‭ ‬حتى‭ ‬تشرق‭ ‬الشمس‭ ‬لسعدنا‭ ‬بذلك،‭ ‬فما‭ ‬أجمل‭ ‬ترقب‭ ‬المدن‭ ‬وهي‭ ‬تتهيأ‭ ‬لبدء‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬طريقهم‭ ‬طلباً‭ ‬للرزق‭! ‬وما‭ ‬أبهى‭ ‬من‭ ‬التلصّص‭ ‬على‭ ‬الشوارع‭ ‬وهي‭ ‬تغتسل‭ ‬في‭ ‬الصباحات‭ ‬الباكرة‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬مرهق‭ ‬من‭ ‬الدهس‭ ‬المتواصل‭! ‬عند‭ ‬بوابة‭ ‬الخروج‭ ‬بدّد‭ ‬تلاحم‭ ‬لهفات‭ ‬الشوق‭ ‬بالمشتاقين‭ ‬هدأة‭ ‬الهزيع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬الفجر،‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬تبدّد‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬بفعل‭ ‬ابتعادنا‭ ‬المتسارع‭ ‬عن‭ ‬المطار‭ ‬لتبتلعنا‭ ‬ظلمة‭ ‬كولومبو‭ ‬الخرساء‭.‬

لا‭ ‬شيء‭ ‬يرى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬ضفتي‭ ‬الطريق‭ ‬غير‭ ‬أضواء‭ ‬خافتة‭ ‬تنير‭ ‬طريقنا،‭ ‬ولم‭ ‬يدُر‭ ‬بخلدي‭ ‬أن‭ ‬الخرس‭ ‬المحيط‭ ‬بنا‭ ‬يحمل‭ ‬لي‭ ‬هدية‭ ‬ثمينة‭ ‬أدخلتني‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬أسعى‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مقدمات،‭ ‬لم‭ ‬يحن‭ ‬الوقت‭ ‬لسردها،‭ ‬ولكنها‭ ‬ستأتي‭ ‬بعد‭ ‬دقائق‭.‬

بدأت‭ ‬معزوفات‭ ‬عصافير‭ ‬الصباح‭ ‬المختبئة‭ ‬داخل‭ ‬كهوف‭ ‬الأشجار‭ ‬ذات‭ ‬الجذع‭ ‬العريض‭ ‬تعلن‭ ‬بداية‭ ‬سباق‭ ‬الحياة،‭ ‬نعيق‭ ‬الغربان‭ ‬المهتاج‭ ‬يغالب‭ ‬بقية‭ ‬الأصوات‭ ‬الرقيقة‭ ‬مؤكداً‭ ‬حضور‭ ‬الغراب‭ ‬كأكثر‭ ‬طائر‭ ‬يُمكن‭ ‬رؤيته‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭.‬

في‭ ‬بلدان‭ ‬القيادة‭ ‬االيمينيةب،‭ ‬أجلس‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬اعتدت‭ ‬عليه‭ ‬كمتفرج‭ ‬لا‭ ‬سائق،‭ ‬لأن‭ ‬نظام‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬بريطانيا‭ ‬والهند‭ ‬وأستراليا‭ ‬ونيوزيلندا‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬وماليزيا‭... ‬إلخ،‭ ‬نظام‭ ‬ايمينب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬الحذر‭ ‬الدائم،‭ ‬سواء‭ ‬لمن‭ ‬يريد‭ ‬تجربة‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬الأقدام‭ ‬عكس‭ ‬الاتجاهات‭ ‬التي‭ ‬اعتادها‭.‬

شيء‭ ‬من‭ ‬الاختلاف‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬لون‭ ‬السماء،‭ ‬الفجر‭ ‬يقترب‭ ‬والليل‭ ‬ينسحب‭ ‬بهدوء،‭ ‬كولومبو‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء‭ ‬بدت‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحاً‭ ‬ونحن‭ ‬نوقظ‭ ‬طرقها‭ ‬الخالية،‭ ‬أبلغني‭ ‬السائق،‭ ‬واسمه‭ ‬عبدالرزاق،‭ ‬أننا‭ ‬اقتربنا‭ ‬من‭ ‬مقر‭ ‬إقامتي،‭ ‬كانت‭ ‬نافذتي‭ ‬مفتوحة‭ ‬أشاهد‭ ‬منها‭ ‬الإعلانات‭ ‬التجارية‭ ‬المكتوبة‭ ‬باللغتين‭ ‬السنهالية‭ ‬والتاميلية،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء‭ ‬سمعت‭ ‬صوتاً‭ ‬أعرفه‭ ‬جيداً،‭ ‬كان‭ ‬واضحاً‭ ‬رغم‭ ‬تكسّر‭ ‬أحرفه‭ ‬العربية،‭ ‬لقد‭ ‬حان‭ ‬وقت‭ ‬الهدية‭ ‬الثمينة،‭ ‬إنه‭ ‬أذان‭ ‬الفجر‭ ‬الأول‭.‬

إن‭ ‬وقوع‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬أمر‭ ‬اعتيادي‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تقطنها‭ ‬غالبية‭ ‬إسلامية،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭ ‬التي‭ ‬يقدّر‭ ‬عدد‭ ‬المسلمين‭ ‬فيها‭ ‬بمليوني‭ ‬نسمة‭ ‬مقابل‭ ‬ثمانية‭ ‬عشر‭ ‬مليوناً‭ ‬غالبيتهم‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬البوذيين،‭ ‬يعتبر‭ ‬مؤشراً‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬السائدة‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬السريلانكي،‭ ‬وفاتحة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬أبعاد‭ ‬وجذور‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬الفريدة،‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬ينته‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬فعندما‭ ‬دخلت‭ ‬غرفتي‭ ‬سمعت‭ ‬صوت‭ ‬الأذان‭ ‬الثاني‭ ‬مرفوعاً‭ ‬من‭ ‬مسجد‭ ‬آخر‭ ‬مجاور‭ ‬للفندق‭ ‬الذي‭ ‬أسكن‭ ‬فيه،‭ ‬بما‭ ‬يوحي‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬ينتظرنا‭.‬

 

مدينة‭ ‬غنية‭ ‬بالخيارات‭ ‬

بعد‭ ‬تكرار‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الدليل‭ ‬محمد‭ ‬يونس‭ ‬من‭ ‬إغلاق‭ ‬مؤقت‭ ‬لمذياع‭ ‬السيارة،‭ ‬أدركت‭ ‬ما‭ ‬ينتظرني،‭ ‬لقد‭ ‬أبدى‭ ‬يونس‭ ‬حرصاً‭ ‬شديداً‭ ‬على‭ ‬خفض‭ ‬صوت‭ ‬المذياع‭ ‬قبل‭ ‬المرور‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مسجد‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬طريقنا،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬وقت‭ ‬نشرة‭ ‬الأخبار،‭ ‬تلك‭ ‬الإشارة‭ ‬السريعة‭ ‬عنت‭ ‬لي‭ ‬الانتباه‭ ‬وتقييم‭ ‬المكان‭ ‬القادم‭ ‬بسرعة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أباغت‭ ‬يونس‭ ‬بطلب‭ ‬التوقف‭ ‬للنزول‭ ‬لالتقاط‭ ‬بعض‭ ‬الصور،‭ ‬هو‭ ‬أيضاً‭ ‬كان‭ ‬يبادلني‭ ‬الانتباه‭ ‬لأن‭ ‬مهمته‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬مكان‭ ‬مناسب‭ ‬للتوقف‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مزدحمة‭ ‬ليست‭ ‬بالأمر‭ ‬الهيّن،‭ ‬كنت‭ ‬وهو‭ ‬نخوض‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬نهارية‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬معالم‭ ‬مدينة‭ ‬كولومبو‭ ‬لنرى‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متاحاً‭ ‬وقت‭ ‬وصولي‭.‬

تستنشق‭ ‬كولومبو‭ ‬الهواء‭ ‬المنعش‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‭ ‬كل‭ ‬صباح،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أعطاها‭ ‬نفحة‭ ‬من‭ ‬الاعتدال‭ ‬في‭ ‬هوائها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬مغيب‭ ‬الشمس،‭ ‬أما‭ ‬فترة‭ ‬الظهيرة‭ ‬فيختلط‭ ‬فيها‭ ‬الهواء‭ ‬الساخن‭ ‬مع‭ ‬الرطوبة‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬حتى‭ ‬تميل‭ ‬زاوية‭ ‬الشمس‭ ‬نحو‭ ‬الأسفل‭ ‬وتستعيد‭ ‬نسمات‭ ‬الهواء‭ ‬برودتها‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬ينقص‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬المدن‭ ‬العصرية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بشبكة‭ ‬مواصلات‭ ‬واتصالات‭ ‬حديثة‭ ‬وفعالة،‭ ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬قوله‭ ‬عن‭ ‬كولومبو‭ ‬إنها‭ ‬مدينة‭ ‬نظيفة‭ ‬مرصوفة‭ ‬الشوارع‭ ‬ومظللة‭ ‬بالأشجار‭ ‬الكثيفة،‭ ‬وهي‭ ‬مدينة‭ ‬غنية‭ ‬بالخيارات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وهو‭ ‬الشرط‭ ‬الذي‭ ‬يميز‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬العاجزة‭ ‬عن‭ ‬تحفيز‭ ‬زوارها‭ ‬للبقاء‭ ‬فيها‭ ‬أياماً‭ ‬إضافية،‭ ‬والمدن‭ ‬التي‭ ‬تستوعب‭ ‬الزوار‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ميزانيتهم‭ ‬متواضعة،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬وجود‭ ‬االتكتكب‭ ‬كوسيلة‭ ‬مواصلات‭ ‬عنصراً‭ ‬حيوياً‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬المال‭ ‬والانتقال‭ ‬السلس‭ ‬داخل‭ ‬شرايين‭ ‬المدينة،‭ ‬أما‭ ‬الإقامة‭ ‬فهي‭ ‬متوافرة‭ ‬بالنجوم‭ ‬ومن‭ ‬غيرها‭.‬

كانت‭ ‬العلاقة‭ ‬الجدلية‭ ‬بين‭ ‬القديم‭ ‬الشامخ‭ ‬والحديث‭ ‬البرّاق‭ ‬محتدمة،‭ ‬المراكز‭ ‬التجارية‭ ‬المكيفة‭ ‬تقضم‭ ‬من‭ ‬مساحات‭ ‬الأسواق‭ ‬الشعبية‭ ‬المكشوفة،‭ ‬واللوحات‭ ‬الإعلانية‭ ‬الضخمة‭ ‬ظلت‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬المباني‭ ‬الهرمة،‭ ‬أما‭ ‬معاقل‭ ‬الإشعاع‭ ‬الروحي‭ ‬لمختلف‭ ‬الديانات‭ ‬فمازالت‭ ‬مزدهرة‭ ‬بالمؤمنين‭.‬

 

المسجد‭ ‬الأحمر‭ ‬في‭ ‬‮«‬بيتاه‮»‬

نعود‭ ‬مجدداً‭ ‬للدليل‭ ‬محمد‭ ‬يونس،‭ ‬الذي‭ ‬أعطاني‭ ‬خيارات‭ ‬عدة‭ ‬بخصوص‭ ‬المساجد‭ ‬والجوامع‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬كولومبو،‭ ‬أغلب‭ ‬ما‭ ‬رأيته‭ ‬كان‭ ‬مألوفاً‭ ‬ولا‭ ‬يقدم‭ ‬صورة‭ ‬تعكس‭ ‬عمق‭ ‬الوجود‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬سريلانكا،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجدت‭ ‬ضالتي‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬الأحمر‭ ‬بالمنطقة‭ ‬التجارية‭ ‬ابيتاهب،‭ ‬التي‭ ‬تعج‭ ‬بالمسلمين‭ ‬وأسواقهم‭ ‬المحيطة‭ ‬بالمسجد‭.‬

المسجد‭ ‬الأحمر‭ ‬الذي‭ ‬افتتح‭ ‬عام‭ ‬1909م،‭ ‬يعد‭ ‬تحفة‭ ‬معمارية‭ ‬تجتذب‭ ‬الأنظار‭ ‬لغرابة‭ ‬تصميمه‭ ‬ولونه‭ ‬المحصور‭ ‬بين‭ ‬لونين‭ ‬فقط‭ ‬الأبيض‭ ‬والأحمر،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تأثر‭ ‬مهندس‭ ‬البناء‭ ‬سابيو‭ ‬ليبي‭ ‬بالنمط‭ ‬المعماري‭ ‬الهندي‭ ‬ذ‭ ‬العربي‭.‬

ويمثل‭ ‬المسجد‭ ‬الأحمر‭ ‬في‭ ‬ابيتاهب‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬الوجود‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬كولومبو،‭ ‬وكذلك‭ ‬العلاقة‭ ‬المتينة‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬جنوب‭ ‬الهند،‭ ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬جمعة‭ ‬وبين‭ ‬صلاتَي‭ ‬الظهر‭ ‬والعصر‭ ‬توجهنا‭ ‬لزيارة‭ ‬المسجد‭ ‬الأحمر‭.‬

عندما‭ ‬توقفت‭ ‬بنا‭ ‬السيارة‭ ‬خلف‭ ‬المسجد،‭ ‬لم‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بهذا‭ ‬الاتساع‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬سرت‭ ‬نحو‭ ‬المدخل‭ ‬الرئيس‭ ‬وخلعت‭ ‬حذائي‭ ‬الرياضي‭ ‬وسلمته‭ ‬لرجل‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬أحذية‭ ‬المصلين،‭ ‬سألته‭: ‬هل‭ ‬التصوير‭ ‬مسموح‭ ‬به‭ ‬هنا؟‭ ‬ابتسم‭ ‬وأومأ‭ ‬برأسه‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬الموافقة،‭ ‬ثم‭ ‬رفع‭ ‬يده‭ ‬اليمنى‭ ‬مشيراً‭ ‬بسبّابته‭ ‬إلى‭ ‬لوحة‭ ‬كتب‭ ‬عليها‭ ‬سنة‭ ‬افتتاح‭ ‬المسجد‭ ‬الأحمر‭ (‬1909م‭). ‬

دخلنا‭ ‬باحة‭ ‬المسجد‭ ‬والتقطنا‭ ‬الصور‭ ‬وتبادلنا‭ ‬الأحاديث‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬روّاد‭ ‬المسجد‭ ‬الذين‭ ‬تعرفوا‭ ‬على‭ ‬مهمتنا‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭ ‬وأمدونا‭ ‬ببعض‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬آخر‭ ‬عمليات‭ ‬التوسعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسجد،‭ ‬حيث‭ ‬دشّنت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015م‭ ‬حملة‭ ‬تبرعات‭ ‬لاستكمال‭ ‬عمليات‭ ‬التوسعة‭ ‬دعت‭ ‬إليها‭ ‬الجمعية‭ ‬المعنية‭ ‬برعاية‭ ‬المسجد‭ ‬الأحمر،‭ ‬وقد‭ ‬جُمع‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لإتمام‭ ‬المطلوب،‭ ‬ويستوعب‭ ‬المسجد‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬ألف‭ ‬مصلٍ‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يستوعب‭ ‬عند‭ ‬بنائه‭ ‬ألفاً‭ ‬وخمسمائة‭ ‬فقط،‭ ‬ولا‭ ‬تعطي‭ ‬السلطات‭ ‬السريلانكية‭ ‬تراخيص‭ ‬لبناء‭ ‬مساجد‭ ‬جديدة،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تمانع‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬عمليات‭ ‬ترميم‭ ‬أو‭ ‬توسعة‭ ‬لزيادة‭ ‬الطاقة‭ ‬الاستيعابية‭ ‬للمساجد‭.‬

وتتلخص‭ ‬قصة‭ ‬بناء‭ ‬المسجد‭ ‬الأحمر‭ ‬في‭ ‬تزايد‭ ‬أعداد‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬ابيتاهب‭ ‬التجارية،‭ ‬وتنطق‭ ‬هكذا‭ ‬ابي‭ ‬تاهب،‭ ‬وقد‭ ‬أرادوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬مكاناً‭ ‬مناسباً‭ ‬يجمعهم‭ ‬لأداء‭ ‬الصلوات‭ ‬الخمس‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الصلاة‭ ‬فرادى،‭ ‬فأقدم‭ ‬تاجر‭ ‬مسلم‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬الهند‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬وأهداها‭ ‬لبناء‭ ‬المسجد‭ ‬الذي‭ ‬يعرف‭ ‬اليوم‭ ‬بالمسجد‭ ‬الأحمر،‭ ‬وقد‭ ‬بُني‭ ‬أول‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬طابقين‭ ‬ثم‭ ‬تواصلت‭ ‬عمليات‭ ‬التوسعة‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭ ‬وحتى‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬أخيراً‭ ‬عام‭ ‬2015م‭.‬

وعن‭ ‬عادات‭ ‬مسلمي‭ ‬سريلانكا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬سألنا‭ ‬مَن‭ ‬أحاطونا‭ ‬بمشاعرهم‭ ‬الفيّاضة‭ ‬فأجابونا‭ ‬بأن‭ ‬عاداتهم‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فجميع‭ ‬المطاعم‭ ‬التي‭ ‬يملكونها‭ ‬تغلق‭ ‬أبوابها‭ ‬حتى‭ ‬موعد‭ ‬أذان‭ ‬المغرب،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يستقبلون‭ ‬رمضان‭ ‬بالفرح‭ ‬والسرور‭ ‬وإشعال‭ ‬الأنوار‭ ‬وتحضير‭ ‬بعض‭ ‬الأطعمة،‭ ‬كما‭ ‬تجهز‭ ‬الساحات‭ ‬المحيطة‭ ‬بالمساجد‭ ‬بالمفروشات‭ ‬اللازمة‭ ‬استعداداً‭ ‬لتأدية‭ ‬صلاة‭ ‬التراويح‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬إقبالاً‭ ‬يفوق‭ ‬مساحة‭ ‬المساجد‭ ‬الداخلية‭.‬

 

‭ ‬حلم‭ ‬داخل‭ ‬علَم‭ ‬

حتى‭ ‬نبدأ‭ ‬بفهم‭ ‬طبيعة‭ ‬التنوّع‭ ‬الثقافي‭ ‬والعرقي‭ ‬والديني‭ ‬في‭ ‬سريلانكا،‭ ‬يمكن‭ ‬الانطلاق‭ ‬من‭ ‬محطتين،‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬مكوّنات‭ ‬العلم‭ ‬الرسمي‭ ‬للبلاد،‭ ‬والمحطة‭ ‬الثانية‭ ‬هي‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬لجزيرة‭ ‬سريلانكا‭ ‬وأهميته‭ ‬قديماً‭ ‬وحديثاً‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬مكانة‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬فيمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬خيار‭ ‬الطائفة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالوقوف‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬السريلانكية‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬التاميل‭ ‬عزّز‭ ‬مواقعهم‭ ‬وأوضاعهم‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬ولعل‭ ‬وصول‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬حنيفة‭ ‬محمد‭ ‬إلى‭ ‬رئاسة‭ ‬البرلمان‭ ‬السريلانكي‭ ‬أكبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وقد‭ ‬التقينا‭ ‬به‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬في‭ ‬المركز‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬كولومبو‭ ‬قبل‭ ‬وفاته‭ ‬بأسابيع،‭ ‬وأهدانا‭ ‬كتاباً‭ ‬يضم‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭.‬

‭ ‬يعتبر‭ ‬العلم‭ ‬السريلانكي‭ ‬الحالي‭ ‬بعثاً‭ ‬مطوراً‭ ‬للعلم‭ ‬الملكي‭ ‬القديم‭ ‬الذي‭ ‬أنهاه‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطاني‭ ‬عام‭ ‬1815م،‭ ‬بعد‭ ‬نجاحه‭ ‬في‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬أجزاء‭ ‬الجزيرة‭ ‬وآخر‭ ‬معاقلها‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬كاندي‭ ‬الواقعة‭ ‬وسط‭ ‬سريلانكا،‭ ‬ووضعت‭ ‬تفاصيل‭ ‬ذلك‭ ‬العلم‭ ‬لكي‭ ‬يعكس‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬والعرقي‭ ‬والديني‭ ‬الموجود،‭ ‬مع‭ ‬أفضلية‭ ‬واضحة‭ ‬للمكون‭ ‬السنهالي‭ ‬البوذي،‭ ‬كما‭ ‬يلخص‭ ‬ذلك‭ ‬العلم‭ ‬الحالة‭ ‬المأمولة‭ ‬للاستقرار‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بعد‭ ‬تفجّر‭ ‬الأوضاع‭ ‬بين‭ ‬أقلية‭ ‬التاميل‭ ‬الهندوسية‭ ‬والغالبية‭ ‬البوذية‭ ‬ودخول‭ ‬سريلانكا‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬طويلة‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2009م‭.‬

يشتمل‭ ‬علم‭ ‬سريلانكا‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬الأسد‭ ‬القابض‭ ‬بيمينه‭ ‬على‭ ‬سيف‭ ‬مشبّع‭ ‬بالرموز‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستثن‭ ‬حتى‭ ‬لحية‭ ‬الأسد،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يهمنا‭ ‬هو‭ ‬معنى‭ ‬الخطين‭ ‬العريضين‭ ‬الأخضر‭ ‬والبرتقالي‭ ‬على‭ ‬يسار‭ ‬العلم،‭ ‬اللذين‭ ‬أدخلا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الأقليتين‭ ‬الإسلامية‭ ‬ويمثلها‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر،‭ ‬والتاميلية‭ ‬ويمثلها‭ ‬اللون‭ ‬البرتقالي‭. ‬

وليس‭ ‬لهذا‭ ‬العلم‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬علم‭ ‬يلتمس‭ ‬شعارات‭ ‬ورموز‭ ‬الوحدة‭ ‬والتسامح‭ ‬أي‭ ‬جدوى‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬تطبيق‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬وأثر‭ ‬في‭ ‬النفوس،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬العلم‭ ‬السريلانكي‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬نشوب‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬يعتبر‭ - ‬في‭ ‬نظري‭ - ‬خطوة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬غالبية‭ ‬ساحقة‭ ‬تجاه‭ ‬أقليات‭ ‬مجهرية،‭ ‬ولكن‭ ‬مسار‭ ‬الأحداث‭ ‬والألغام‭ ‬التي‭ ‬زرعها‭ ‬المحتل‭ ‬أوصلهم‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬الصدام‭ ‬الخشن‭ ‬بين‭ ‬شعور‭ ‬سنهالي‭ ‬متراكم‭ ‬بالظلم‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬وانتفاضة‭ ‬نمور‭ ‬التاميل‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬امتيازاتهم‭ ‬التي‭ ‬تمتعوا‭ ‬بها‭ ‬خلال‭ ‬أيام‭ ‬الاحتلال‭.‬

وكان‭ ‬البرتغاليون‭ ‬هم‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬زرع‭ ‬بذرة‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬السنهاليين‭ ‬والتاميل‭ ‬باعتمادهم‭ ‬لغة‭ ‬الأقلية‭ ‬التاميلية‭ ‬اللغة‭ ‬الرسمية‭ ‬للبلاد‭! ‬مع‭ ‬جهد‭ ‬تبشيري‭ ‬اتسم‭ ‬بالقسوة‭ ‬لنشر‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬بين‭ ‬البوذيين،‭ ‬وأكمل‭ ‬الهولنديون‭ ‬ومن‭ ‬بعدهم‭ ‬البريطانيون‭ ‬سياسة‭ ‬التمييز‭ ‬في‭ ‬المعاملة،‭ ‬مع‭ ‬لمسة‭ ‬خاصة‭ ‬للإنجليز‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬التركيبة‭ ‬السكانية‭ ‬لمصلحة‭ ‬التاميل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جلب‭ ‬المزيد‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬الهند‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬الشاي‭ ‬بعد‭ ‬تطور‭ ‬تلك‭ ‬الصناعة‭ ‬وزيادة‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الشاي‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

لقد‭ ‬بات‭ ‬العلم‭ ‬السريلانكي‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬نضارة‭ ‬وتعبيراً‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬التي‭ ‬حملها،‭ ‬وهو‭ ‬قاطرة‭ ‬للعبور‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭ ‬بقيادة‭ ‬الأسد‭ ‬القابض‭ ‬على‭ ‬السيف‭.‬

 

على‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬البحري‭ ‬

المحطة‭ ‬الثانية‭ ‬لفهم‭ ‬طبيعة‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬والعرقي‭ ‬والديني‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬موقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬كمحطة‭ ‬رئيسة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬البحري،‭ ‬وتتوسط‭ ‬كتلة‭ ‬اقتصادية‭ ‬ضخمة‭ ‬هي‭ ‬الصين‭ ‬شرقاً‭ ‬وموانئ‭ ‬جنوب‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬شرقاً‭ ‬ومن‭ ‬فوقها‭ ‬الهند‭ ‬بكل‭ ‬ثقلها،‭ ‬هذا‭ ‬الجسر‭ ‬الممتد‭ ‬بين‭ ‬حضارات‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬لم‭ ‬يحمل‭ ‬الحرير‭ ‬والتوابل‭ ‬والزعفران‭ ‬واللبان‭ ‬والقرفة‭ ‬والجلود‭ ‬وعشرات‭ ‬الأصناف‭ ‬من‭ ‬البضائع،‭ ‬بل‭ ‬حمل‭ ‬معه‭ ‬الأديان‭ ‬والأفكار‭ ‬والدعاة‭ ‬والغزاة‭.‬

‭ ‬وتتضاعف‭ ‬أهمية‭ ‬محطة‭ ‬سريلانكا‭ ‬وجميع‭ ‬محطات‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬تعطل‭ ‬خط‭ ‬الحرير‭ ‬البري‭ ‬نتيجة‭ ‬الحروب‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬الأمان‭ ‬الكافي‭ ‬لاستخدامه،‭ ‬ولولا‭ ‬ذلك‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬المميز‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬البحري،‭ ‬لعاشت‭ ‬سريلانكا‭ ‬حياة‭ ‬العزلة‭ ‬المضاعفة،‭ ‬عزلة‭ ‬الماء‭ ‬المحيط‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ناحية‭ ‬وعزلة‭ ‬الجغرافيا‭ ‬التي‭ ‬حرمتها‭ ‬من‭ ‬قرب‭ ‬الجيران‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬الحبل‭ ‬المرجاني‭ ‬الرفيع‭ ‬الذي‭ ‬يربطها‭ ‬مع‭ ‬الهند‭ ‬وشيء‭ ‬من‭ ‬القرب‭ ‬النسبي‭ ‬مع‭ ‬جزر‭ ‬المالديف،‭ ‬وبمعنى‭ ‬آخر‭ ‬لولا‭ ‬هبة‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬لما‭ ‬عرفت‭ ‬سريلانكا‭ ‬شيئاً‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬سوى‭ ‬ما‭ ‬يأتيها‭ ‬من‭ ‬نافذة‭ ‬الهند‭. ‬

بيروالا‭... ‬الجامع‭ ‬والجامعة‭ ‬

لا‭ ‬تختلف‭ ‬قصة‭ ‬وصول‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬سريلانكا‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬جزر‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬ولكن‭ ‬الجوهر‭ ‬واحد‭: ‬لم‭ ‬ينتشر‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭ ‬وماليزيا‭ ‬والمالديف‭ ‬والفلبين‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الحملات‭ ‬العسكرية،‭ ‬ولكن‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التجار‭ ‬والدعاة‭ ‬والمهاجرين‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬حضرموت‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بــ‭ ‬اهجرة‭ ‬الحضارمةب‭.‬

المحطة‭ ‬الأشهر‭ ‬للاستيطان‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭ ‬هي‭ ‬قرية‭ ‬بيروالا،‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬55‭ ‬كلم‭ ‬جنوب‭ ‬كولومبو،‭ ‬وتعد‭ ‬رمزاً‭ ‬للفترة‭ ‬التي‭ ‬هيمن‭ ‬العرب‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬التجارة‭ ‬البحرية،‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬نشأت‭ ‬علاقات‭ ‬قوية‭ ‬مع‭ ‬السنهاليين‭ ‬وملوكهم‭ ‬الذين‭ ‬رحبوا‭ ‬بالنشاط‭ ‬التجاري‭ ‬مع‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬منطق‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬السياسة،‭ ‬فمن‭ ‬يهيمن‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الطرق‭ ‬يهيمن‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬وتعلو‭ ‬كلمته‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وفي‭ ‬بيروالا‭ ‬نزل‭ ‬التجار‭ ‬والمهاجرون‭ ‬والدعاة،‭ ‬ومنها‭ ‬انتشروا‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬سريلانكا،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬استقر‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬الحاضر‭.‬

بيروالا‭ ‬تلك‭ ‬القرية‭ ‬المليئة‭ ‬بأشجار‭ ‬جوز‭ ‬الهند‭ ‬وتجارة‭ ‬الأحجار‭ ‬الكريمة،‭ ‬محطة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬رحلتنا،‭ ‬كونها‭ ‬تحتضن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المساجد‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬تؤرخ‭ ‬لوصول‭ ‬التجار‭ ‬المسلمين‭ ‬لتلك‭ ‬المنطقة‭ ‬بدليل‭ ‬مادي‭ ‬ملموس،‭ ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬فيها‭ ‬الجامعة‭ ‬النظيمية‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدنا‭ ‬على‭ ‬كتيبها‭ ‬كمرجع‭ ‬لأغلب‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬الوجود‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭.‬

قيل‭ ‬لنا‭ ‬عنها‭ ‬إن‭ ‬شهرتها‭ ‬تتمحور‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬الأحجار‭ ‬الكريمة‭ ‬وأعيانها‭ ‬من‭ ‬أغنى‭ ‬تجار‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬ومنهم‭ ‬صاحب‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬اشتق‭ ‬اسمها‭ ‬من‭ ‬اسمه‭ ‬وهو‭ ‬الشيخ‭ ‬نظيم،‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬إليها‭ ‬دخلنا‭ ‬زقاقاً‭ ‬غص‭ ‬بالناس‭ ‬عند‭ ‬بوابة‭ ‬تراءت‭ ‬لنا‭ ‬كمدخل‭ ‬لمسجد‭ ‬وتركناه‭ ‬خلفنا،‭ ‬وفي‭ ‬طريق‭ ‬العودة‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬نفسه،‭ ‬ولكن‭ ‬سرنا‭ ‬فيه‭ ‬بتمهل،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬الحشد‭ ‬سوى‭ ‬مكان‭ ‬باعة‭ ‬الأحجار‭ ‬الكريمة‭ ‬وقوفاً‭ ‬بلا‭ ‬محال‭ ‬أو‭ ‬عربات،‭ ‬فصال‭ ‬في‭ ‬فصال‭ ‬وجدل‭ ‬قلَّما‭ ‬ينتهي‭ ‬ببيع‭ ‬وشراء‭.‬

ذهبنا‭ ‬أولاً‭ ‬إلى‭ ‬كيتشيمالاي‭ ‬الذي‭ ‬بُني‭ ‬على‭ ‬الصخرة‭ ‬البيضاء‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي،‭  ‬كان‭ ‬موقعه‭ ‬محفزاً‭ ‬للسؤال‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬عندما‭ ‬هاج‭ ‬تسونامي؟‭ ‬سألت‭ ‬المشرف‭ ‬الذي‭ ‬أجابني‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬المسجد‭ ‬لم‭ ‬يتهدم‭ ‬ولكنه‭ ‬أصيب‭ ‬ببعض‭ ‬الأضرار‭ ‬نتيجة‭ ‬دخول‭ ‬ماء‭ ‬البحر‭ ‬لأرضية‭ ‬المسجد‭.‬

‭ ‬وأضاف‭: ‬بالفعل‭ ‬تهدمت‭ ‬مساجد‭ ‬أخرى‭ ‬قريبة‭ ‬منا،‭ ‬خرج‭ ‬إلينا‭ ‬إمام‭ ‬المسجد‭ ‬وهو‭ ‬شيخ‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬يدعى‭ ‬غانم‭ ‬علوي‭ ‬من‭ ‬أحفاد‭ ‬أحفاد‭ ‬عرب‭ ‬حضرموت‭ ‬الذين‭ ‬هاجروا‭ ‬إلى‭ ‬سرنديب،‭ ‬لم‭ ‬يتحدث‭ ‬كثيراً‭ ‬ولكنه‭ ‬رحّب‭ ‬بنا‭ ‬وجلس‭ ‬ليقرأ‭ ‬علينا‭ ‬ما‭ ‬تيسر‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬ثم‭ ‬سمح‭ ‬لنا‭ ‬بتصوير‭ ‬المسجد‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬أما‭ ‬المشرف‭ ‬فقد‭ ‬عاد‭ ‬إلينا‭ ‬ومعه‭ ‬ورقة‭ ‬كتبت‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬فيها‭ ‬معلومات‭ ‬مركزة‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬المسجد‭ ‬الأبيض‭ ‬أهمها‭ ‬أنه‭ ‬بُني‭ ‬قبل‭ ‬ثمانية‭ ‬قرون‭.‬

ومن‭ ‬المسجد‭ ‬توجهنا‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬النظيمية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬ينتظرنا‭ ‬هناك‭ ‬نائب‭ ‬مدير‭ ‬الجامعة‭ ‬د‭. ‬آغار‭ ‬محمد‭ ‬عبدالكريم،‭ ‬الذي‭ ‬أعطانا‭ ‬شرحاً‭ ‬وافياً‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬تلك‭ ‬الجامعة‭ ‬ورسالتها‭ ‬وأهدافها،‭ ‬كما‭ ‬أهداني‭ ‬كتيباً‭ ‬تضمن‭ ‬معلومات‭ ‬مهمة‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬وأحوال‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭.‬

الجامعة‭ ‬النظيمية‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬الجامعات‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وهي‭ ‬بيئة‭ ‬تعليمية‭ ‬متكاملة‭ ‬يتلقى‭ ‬فيها‭ ‬الطالب‭ ‬رعاية‭ ‬خاصة‭ ‬وفرصاً‭ ‬واعدة‭ ‬لتعلم‭ ‬مهارات‭ ‬متعددة‭ ‬تضمن‭ ‬له‭ ‬أفضلية‭ ‬القبول‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الديني‭ ‬الواضح،‭ ‬لا‭ ‬يتلقى‭ ‬طلابها‭ ‬العلوم‭ ‬الشرعية‭ ‬فقط،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يتعلمون‭ ‬لغات‭ ‬العمل‭ ‬والحياة‭ ‬مثل‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والسنهالية،‭ ‬أما‭ ‬الأولى‭ ‬فهي‭ ‬لغة‭ ‬عالمية،‭ ‬بينما‭ ‬الثانية‭ ‬فهي‭ ‬لغة‭ ‬الغالبية‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭ ‬وإجادتها‭ ‬تيسّر‭ ‬للطلاب‭ ‬المسلمين‭ ‬سهولة‭ ‬الاندماج‭ ‬معهم،‭ ‬ويوجد‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬معهد‭ ‬تكنولوجي‭ ‬لتعليم‭ ‬الحرف‭ ‬اليدوية‭.‬

وقد‭ ‬سلط‭ ‬د‭. ‬آغار‭ ‬محمد‭ ‬عبدالكريم‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الحيوي‭ ‬الذي‭ ‬يؤديه‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬والخصوصية‭ ‬التي‭ ‬يتمتعون‭ ‬بها‭ ‬داخل‭ ‬الدولة،‭ ‬فهم‭ ‬يديرون‭ ‬محاكمهم‭ ‬القضائية‭ ‬الخاصة‭ ‬بقضايا‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬ولديهم‭ ‬مدارس‭ ‬حكومية‭ ‬كثيرة،‭ ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬لهم‭ ‬بعض‭ ‬البرامج‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزيون،‭ ‬وأخيراً‭ ‬تعتبر‭ ‬أعياد‭ ‬المسلمين‭ ‬عطلات‭ ‬رسمية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬مشكلة‭ ‬اللغة‭ ‬هي‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬يواجهه‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬حيث‭ ‬إنهم‭ ‬يتكلمون‭ ‬بالتاميلية،‭ ‬وغالبية‭ ‬المؤلفات‭ ‬الإسلامية‭ ‬لعلماء‭ ‬سريلانكا‭ ‬كتبت‭ ‬بهذة‭ ‬اللغة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تعتبر‭ ‬اللغة‭ ‬السنهالية‭ ‬اللغة‭ ‬الرسمية‭ ‬للدولة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬الشباب‭ ‬المسلمين‭ ‬إلى‭ ‬تعلم‭ ‬السنهالية‭ ‬باعتبارها‭ ‬لغة‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬والعمل‭.‬

‭ ‬وتتجه‭ ‬الأنظار‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬ضخم‭ ‬لترجمة‭ ‬جميع‭ ‬المؤلفات‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬التاميلية‭ ‬إلى‭ ‬السنهالية‭ ‬ولكنه‭ ‬لايزال‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬لارتفاع‭ ‬التكاليف‭.‬

كنا‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ومجلة‭ ‬العربي،‭ ‬فبعد‭ ‬نهاية‭ ‬اللقاء‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬آغار‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬الكريم،‭ ‬خرجنا‭ ‬برفقة‭ ‬أحد‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬النظيمية‭ ‬ويدعى‭ ‬محمد‭ ‬مصباح‭ ‬لزيارة‭ ‬بعض‭ ‬الفصول‭ ‬الدراسية‭ ‬التي‭ ‬تدرس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ورؤية‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الطبيعة،‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬كان‭ ‬مخصصاً‭ ‬لتدريس‭ ‬اللغة‭ ‬السنهالية‭ (‬لغة‭ ‬الغالبية‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭) ‬الفصل‭ ‬الذي‭ ‬يليه‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬يشرحه
د‭. ‬علاء‭ ‬الدين‭ ‬منصور‭ ‬عبد‭ ‬الغفار‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬فكان‭ ‬فيه‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬يتناوله‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمود‭ ‬فتحي‭ ‬عليان‭ ‬لتلامذته،‭ ‬وهو‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬مصر‭.‬

بعد‭ ‬زيارة‭ ‬الفصول‭ ‬الدراسية‭ ‬ذهبنا‭ ‬إلى‭ ‬مكتبة‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الأربعين‭ ‬ألف‭ ‬كتاب،‭ ‬وقد‭ ‬أنشئت‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬البنك‭ ‬الإسلامي‭ ‬للتنمية‭ ‬ومقره‭ ‬مدينة‭ ‬جدة،‭ ‬تضم‭ ‬هذه‭ ‬المكتبة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬مناهج‭ ‬الجامعة‭ ‬وتوسيع‭ ‬دائرة‭ ‬معارف‭ ‬طلبتها،‭ ‬مساعد‭ ‬أمين‭ ‬المكتبة‭ ‬حسان‭ ‬سليمان‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬اصطحابنا‭ ‬إلى‭ ‬ركن‭ ‬المجلات‭ ‬الدورية‭ ‬كي‭ ‬يطلعنا‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬المكتبة‭ ‬من‭ ‬أعداد‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬إقبالاً‭ ‬متواصلاً‭ ‬من‭ ‬طلبتها‭ ‬الذين‭ ‬يجدون‭ ‬في‭ ‬لغتها‭ ‬العربية‭ ‬الميسرة‭ ‬عوناً‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬دراستهم‭.‬

يستند‭ ‬كتيب‭ ‬الجامعة‭ ‬النظيمية‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬إلى‭ ‬رواية‭ ‬ابن‭ ‬برزك‭ ‬عن‭ ‬زمن‭ ‬وصول‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬سريلانكا‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الخليفة‭ ‬
عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬‭. ‬وملخص‭ ‬رواية‭ ‬برزك‭ ‬ابن‭ ‬شهريار‭ ‬التي‭ ‬أوردها‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬اعجائب‭ ‬الهند‭... ‬برّه‭ ‬وبحره‭ ‬وجزائرهب،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خبر‭ ‬الإسلام‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬سريلانكا‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الخليفة‭ ‬عمر‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬أوفدوا‭ ‬إليه‭ ‬بعثة‭ ‬من‭ ‬شخصين،‭ ‬رسول‭ ‬وخادمه،‭ ‬تستطلع‭ ‬تعاليم‭ ‬الإسلام،‭ ‬وقد‭ ‬التقى‭ ‬ذلك‭ ‬الرسول‭ ‬بالخليفة‭ ‬وأخذ‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬إرساله‭ ‬لأجله،‭ ‬وفي‭ ‬طريق‭ ‬العودة‭ ‬فاضت‭ ‬روحه‭ ‬إلى‭ ‬بارئها‭ ‬فأكمل‭ ‬خادمه‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬تبليغ‭ ‬ما‭ ‬عرفه‭ ‬عن‭ ‬تعاليم‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬أهل‭ ‬سريلانكا‭.‬

وضمن‭ ‬الكتيب‭ ‬نفسه‭ ‬وردت‭ ‬إشارة‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬فتح‭ ‬بلاد‭ ‬السند،‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬استيلاء‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القراصنة‭ ‬من‭ ‬االديبلب‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬قرب‭ ‬مدينة‭ ‬كراتشي‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬السفن‭ ‬التابعة‭ ‬لمسلمي‭ ‬اسرنديبب‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬هدايا‭ ‬وركاب،‭ ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬خبرهم‭ ‬الحجاج‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬الذي‭ ‬أرسل‭ ‬إلى‭ ‬ملك‭ ‬الديبل‭ ‬اداهرب‭ ‬يطلب‭ ‬استرجاع‭ ‬ما‭ ‬أخذه‭ ‬القراصنة،‭ ‬ولكن‭ ‬اداهرب‭ ‬تعذر‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬سلطان‭ ‬له‭ ‬عليهم،‭ ‬فغضب‭ ‬الحجاج‭ ‬وأرسل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬عسكرية‭ ‬بموافقة‭ ‬الخليفة‭ ‬الأموي‭ ‬الوليد‭ ‬بن‭ ‬عبدالملك‭ ‬ولم‭ ‬تفلح،‭ ‬لكن‭ ‬الأخيرة‭ ‬بقيادة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬القاسم‭ ‬كللت‭ ‬بالنجاح‭ ‬وقتل‭ ‬الملك‭ ‬داهر‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬وفتحت‭ ‬بلاد‭ ‬السند‭ ‬بكاملها‭.‬

ولعبت‭ ‬العلاقات‭ ‬الوطيدة‭ ‬بين‭ ‬مسلمي‭ ‬سريلانكا‭ ‬وجنوب‭ ‬الهند‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬وانتشار‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬كما‭ ‬تحرص‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬استوطنوا‭ ‬الساحل‭ ‬الجنوبي‭ ‬الشرقي‭ ‬على‭ ‬تفقد‭ ‬أحوال‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬سريلانكا،‭ ‬ولعل‭ ‬قصة‭ ‬بناء‭ ‬المسجد‭ ‬الأحمر‭ ‬في‭ ‬ابيتاهب‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬ذكرها‭ ‬خير‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

وأخيراً‭ ‬انتهت‭ ‬رحلتنا‭ ‬إلى‭ ‬بيروالا،‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬صغر‭ ‬حجمها‭ ‬كانت‭ ‬غنية‭ ‬بالمعلومات‭ ‬ومحطة‭ ‬متوهجة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭.‬

 

مركز‭ ‬كولومبو‭ ‬الإسلامي‭ ‬

لم‭ ‬يتبق‭ ‬لنا‭ ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬غير‭ ‬زيارة‭ ‬مركز‭ ‬كولومبو‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وقد‭ ‬أجلنا‭ ‬زيارته‭ ‬بتوصية‭ ‬من‭ ‬سفير‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭ ‬السيد‭ ‬خلف‭ ‬بوظهير،‭ ‬حتى‭ ‬تتزامن‭ ‬زيارتنا‭ ‬مع‭ ‬احتفال‭ ‬يقيمه‭ ‬المركز‭ ‬بمناسبة‭ ‬تخريج‭ ‬دفعة‭ ‬جديدة‭ ‬قوامها‭ ‬62‭ ‬طالباً‭ ‬وطالبة،‭ ‬ولأجل‭ ‬الالتقاء‭ ‬مع‭ ‬شخصية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬السريلانكي‭ ‬الحديث‭ ‬هي‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬حنيفة‭ ‬محمد‭ ‬الذي‭ ‬سيحضر‭ ‬جانباً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الاحتفال‭ ‬رغم‭ ‬تقدمه‭ ‬في‭ ‬السن‭. ‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬بمنزلة‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬سعى‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬لتحقيقه‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬محطة‭ ‬محورية‭ ‬للبحوث‭ ‬والتنمية‭ ‬الثقافية‭ ‬الدينية‭ ‬ونشر‭ ‬الأدب‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وبعد‭ ‬طول‭ ‬عناء‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬ديسمبر‭ ‬1986م‭ ‬افتتاح‭ ‬مركز‭ ‬كولومبو‭ ‬الإسلامي‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬البنك‭ ‬الإسلامي‭ ‬للتنمية،‭ ‬بحضور‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬آنذاك‭ ‬جونيوس‭ ‬ريتشارد‭ ‬جيوردين‭ ‬كمنظمة‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬محددة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الهوية‭ ‬الدينية‭ ‬والثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للمسلمين‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭ ‬وتقديم‭ ‬أنشطة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أرجاء‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الاحتفال‭ ‬بميلاد‭ ‬النبي‭ ‬‭.‬

وقبل‭ ‬بداية‭ ‬الحفل‭ ‬بقليل‭ ‬جمعنا‭ ‬لقاء‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬الشيخ‭ ‬حنيفة‭ ‬وأعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬والسفير‭ ‬بوظهير،‭ ‬ودار‭ ‬حوار‭ ‬حول‭ ‬أوضاع‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬الإجابات‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الأمور‭ ‬بخير‭ ‬وأن‭ ‬حرية‭ ‬العبادة‭ ‬مكفولة‭ ‬والمساحة‭ ‬التي‭ ‬يتحرك‭ ‬فيها‭ ‬المسلمون‭ ‬جيدة،‭ ‬كان‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬متابعاً‭ ‬للحوار‭ ‬وعلى‭ ‬يساره‭ ‬تبدو‭ ‬صورة‭ ‬قديمة‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬يترأس‭ ‬إحدى‭ ‬جلسات‭ ‬البرلمان‭ ‬السريلانكي،‭ ‬كانت‭ ‬الصورة‭ ‬بمنزلة‭ ‬إجابة‭ ‬موازية‭ ‬للإجابات‭ ‬السابقة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نخرج‭ ‬من‭ ‬المكتب‭ ‬طلب‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬نسختين‭ ‬من‭ ‬سيرته،‭ ‬واحدة‭ ‬للسفير‭ ‬والثانية‭ ‬لي‭.‬

وتولى‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬حنيفة‭ ‬مناصب‭ ‬مهمة‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬أبرزها‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬البرلمان‭ ‬السريلانكي،‭ ‬وكان‭ ‬وزيراً‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬للأشغال‭ ‬والإسكان‭ ‬والنقل‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬تولى‭ ‬رئاسة‭ ‬بلدية‭ ‬كولومبو‭ ‬ومنصب‭ ‬عمدة‭ ‬المدينة،‭ ‬وقد‭ ‬سخّر‭ ‬معظم‭ ‬حياته‭ ‬لخدمة‭ ‬العمل‭ ‬الإسلامي‭ ‬والمسلمين‭ ‬في‭ ‬سريلانكا،‭ ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬كتابتنا‭ ‬لهذه‭ ‬الأسطر‭ ‬بلغنا‭ ‬نبأ‭ ‬وفاته،‭ ‬فله‭ ‬الرحمة‭ ‬والمغفرة‭.‬

 

هي‭ ‬اللحظة‭ ‬وفي‭ ‬المستقبل‭ ‬الخبر

كل‭ ‬ما‭ ‬فات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غير‭ ‬تسجيل‭ ‬اللحظة‭ ‬واستحضار‭ ‬التاريخ‭ ‬بقدر‭ ‬الحاجة،‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬أوحت‭ ‬وباحت‭ ‬لنا‭ ‬المعطيات‭ ‬عن‭ ‬أحوال‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬سريلانكا،‭ ‬فإننا‭ ‬نؤكد‭ ‬أنها‭ ‬معطيات‭ ‬اللحظة‭ ‬مع‭ ‬تسليمنا‭ ‬بوقوع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المضايقات‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الرهبان‭ ‬البوذيين‭ ‬للمسلمين‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬سابقة،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬العمل‭ ‬الممنهج‭ ‬الذي‭ ‬يستهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬معينة،‭ ‬اللحظة‭ ‬تؤكد‭ ‬وجود‭ ‬2000‭ ‬مسجد‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أرجاء‭ ‬سريلانكا،‭ ‬واللحظة‭ ‬جمعتنا‭ ‬مع‭ ‬أناس‭ ‬كثيرين‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬منهم‭ ‬ما‭ ‬يعكّر‭ ‬صفوها،‭ ‬إذاً‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬لنا‭ ‬غير‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬يكمن‭ ‬فيه‭ ‬الخبر،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬نتمنى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أجمل‭ ‬مما‭ ‬كان‭.‬

 

‭ ‬أيّ‭ ‬الأسماء‭ ‬تليق‭ ‬بك؟‭ ‬

سيلان،‭ ‬سرنديب،‭ ‬جزيرة‭ ‬الياقوت،‭ ‬زيلان،‭ ‬سيلاو،‭ ‬تابروباني‭... ‬سريلانكا،‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬الاسم‭ ‬الأخير‭ ‬هو‭ ‬النهائي،‭ ‬ولكن‭ ‬أي‭ ‬الأسماء‭ ‬تليق‭ ‬بالجزيرة‭ ‬الخضراء؟

بعكس‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬متوقعاً‭ ‬لم‭ ‬تندثر‭ ‬معظم‭ ‬الأسماء‭ ‬السابقة‭ ‬وبقي‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬كأسماء‭ ‬لشركات‭ ‬ومحال‭ ‬وعلامات‭ ‬تجارية،‭ ‬كان‭ ‬اسرنديبب‭ ‬أول‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬وجدتها‭ ‬باقية‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬فقد‭ ‬اختارته‭ ‬شركة‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬السريلانكية‭ ‬عنواناً‭ ‬مشعاً‭ ‬لمجلتها‭ ‬الشهرية‭ ‬كي‭ ‬يقرأه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬جلس‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬مقاعدها،‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬تكرر‭ ‬مع‭ ‬اسيلانب،‭ ‬ولكن‭ ‬بزخم‭ ‬أكبر،‭ ‬فلا‭ ‬يكاد‭ ‬يخلو‭ ‬مكان‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الاسم،‭ ‬فما‭ ‬السبب؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬الحنين؟‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬إشكالية‭ ‬الجمال‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحتمل‭ ‬اسماً‭ ‬أو‭ ‬وصفاً‭ ‬أو‭ ‬قصيدة‭ ‬واحدة؟

جمال‭ ‬سريلانكا‭ ‬وسحر‭ ‬ابتسامة‭ ‬ناسها‭ ‬أوقعاني‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬فيها،‭ ‬ملخصها‭ ‬الأسئلة‭ ‬التالية‭: ‬كيف‭ ‬لهذه‭ ‬الأرواح‭ ‬الجميلة‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬طريق‭ ‬السلاح‭ ‬والبارود‭ ‬والقتل؟‭ ‬وكيف‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬جعلوا‭ ‬من‭ ‬أنفسهم‭ ‬أنموذجاً‭ ‬للتعايش‭ ‬وومضة‭ ‬أمل‭ ‬بين‭ ‬أخبار‭ ‬العالم‭ ‬الكئيبة؟

فسلام‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬اسرنديبب‭ ‬وأهلها‭.

صورة‭ ‬من‭ ‬الأعلى‭ ‬تكشف‭ ‬بعض‭ ‬تفاصيل‭ ‬حداثة‭ ‬وعصرية‭ ‬مدينة‭ ‬كولومبو

صورة‭ ‬عامة‭ ‬للمسجد‭ ‬الأحمر‭ (‬افتتح‭ ‬1909م‭)  ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬منطقة‭  ‬‮«‬بيتاه‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬يمثل‭ ‬عمق‭ ‬الوجود‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬كولومبو‭ ‬والعلاقة‭ ‬المتينة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬مسلمي‭ ‬منطقة‭ ‬جنوب‭ ‬الهند‭ ‬الذين‭ ‬ساهم‭ ‬أحد‭ ‬تجارهم‭ ‬بشراء‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬بني‭ ‬عليها‭ ‬هذا‭ ‬المسجد‭ 

أستاذ‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬محمود‭ ‬عليان‭ ‬مستغرقاً‭ ‬هو‭ ‬وتلامذته‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬العناوين‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬على‭ ‬‮«‬السبورة‮»‬‭: ( ‬المسرح،‭ ‬الإنشاد،‭ ‬الأخبار،‭ ‬الخطابة،‭ ‬الكتابة،‭ ‬القصة‭ ) ‬

لا‭ ‬ينقص‭ ‬كولومبو‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬المدن‭ ‬العصرية‭ ‬فهي‭ ‬غنية‭ ‬بالخيارات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وتتمتع‭ ‬بشبكة‭ ‬مواصلات‭ ‬واتصالات‭ ‬حديثة‭ ‬وفعالة‭ ‬وحركة‭ ‬البناء‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬فيها‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬مدينة‭ ‬نظيفة‭ ‬مرصوفة‭ ‬الشوارع‭