اكتشاف لغة الإنسان الأول فوق جدرانها... كهوف عمرها 05 مليون سنة!

اكتشاف لغة الإنسان الأول فوق جدرانها... كهوف عمرها 05 مليون سنة!

فوق‭ ‬جدران‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الكهوف‭ ‬يقترب‭ ‬عمرها‭ ‬من‭  50‭ ‬مليون‭ ‬سنة،‭ ‬صنعتها‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬تكوينات‭ ‬الألبستر‭ ‬الكريستالي،‭ ‬تموج‭ ‬بالجمال‭ ‬الأسطوري‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬صحراء‭ ‬مصر‭ ‬الغربية،‭ ‬تصبح‭ ‬الرحلة‭ ‬إليها‭ ‬درباً‭ ‬من‭ ‬الإبداع،‭ ‬هناك‭ ‬حيث‭ ‬خط‭ ‬الإنسان‭ ‬الأول‭ ‬رسومات‭ ‬عمرها‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬سنة،‭ ‬استطاع‭ ‬العلماء‭ ‬فك‭ ‬رموزها‭ ‬أخيراً،‭ ‬وتصنيفها‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬اللغات‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬الإنسان،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬الهيروغليفية‭ ‬التي‭ ‬أبدعها‭ ‬الفراعنة،‭ ‬ولعل‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الشغف‭ ‬بهذه‭ ‬اللغة‭ ‬البالغة‭ ‬القدم،‭ ‬هو‭ ‬معرفة‭ ‬ماذا‭ ‬كتب‭ ‬إنسان‭ ‬ذلك‭ ‬العصر‭ ‬من‭ ‬عبارات‭ ‬أراد‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلينا‭ ‬عبر‭ ‬عجلة‭ ‬الزمن‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭.‬

العاشق‭ ‬لطعم‭ ‬الزمن،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬مبهوراً‭ ‬خلال‭ ‬رحلة‭ ‬عبر‭ ‬صحراء‭ ‬مصر‭ ‬الغربية،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬تلك‭ ‬الكهوف‭ ‬صاحبة‭ ‬التكوينات‭ ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬أبدعتها‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭.‬

وإذا‭ ‬التحقت‭ ‬بإحدى‭ ‬رحلات‭ ‬السفاري‭ ‬عبر‭ ‬الصحراء،‭ ‬فسوف‭ ‬تصل‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬كهف‭ ‬وادي‭ ‬سنور،‭ ‬جنوب‭ ‬مدينة‭ ‬بني‭ ‬سويف،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬الكهف‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬60‭ ‬قدماً‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬وقد‭ ‬قدر‭ ‬العلماء‭ ‬سنوات‭ ‬عمره‭ ‬بـ‭ ‬ 50 مليون‭ ‬سنة،‭ ‬ويبلغ‭ ‬طوله‭ ‬275‭ ‬متراً‭ ‬باتساع‭ ‬15‭ ‬متراً‭ ‬وارتفاع‭ ‬15متراً،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭ ‬نتيجة‭ ‬ذوبان‭ ‬خام‭ ‬الألبستر‭ ‬عبر‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬وما‭ ‬أحدثته‭ ‬المياه‭ ‬الجوفية‭ ‬التي‭ ‬تتجمع‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الأمطار‭ ‬وتتسرب‭ ‬إلى‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬مكونة‭ ‬شبكات‭ ‬من‭ ‬الأودية،‭ ‬وبهذا‭ ‬يتكون‭ ‬تجويف‭ ‬داخل‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالكهوف،‭ ‬ونظراً‭ ‬لوجود‭ ‬فراغ‭ ‬بين‭ ‬السطحين‭ ‬العلوي‭ ‬والسفلي‭ ‬بدأت‭ ‬تتكون‭ ‬الصواعد‭ ‬والهوابط،‭ ‬عندما‭ ‬تتسرب‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭ ‬وتصل‭ ‬إلى‭ ‬سقف‭ ‬الكهف،‭ ‬حيث‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬التنقيط‭ ‬قطرة‭ ‬قطرة،‭ ‬وعندما‭ ‬تتعرض‭ ‬هذه‭ ‬القطرات‭ ‬لحركة‭ ‬هواء‭ ‬الكهف‭ ‬الغني‭ ‬بثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬يتم‭ ‬تركيز‭ ‬مادة‭ ‬كربونات‭ ‬الكالسيوم‭ ‬حولها‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬حلقة‭ ‬تحيط‭ ‬بالقطرات‭ ‬المائية‭ ‬مكونة‭ ‬هذه‭ ‬الأجسام‭ ‬الكريستالية‭ ‬من‭ ‬الصواعد‭ ‬والهوابط‭ ‬داخل‭ ‬الكهف‭.‬

ويعد‭ ‬كهف‭ ‬اوادي‭ ‬سنورب‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الكهوف‭ ‬العالمية‭ ‬بتكويناته‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وبذلك‭ ‬يصبح‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭ ‬لوحة‭ ‬جيولوجية‭ ‬عالمية‭ ‬من‭ ‬الصواعد‭ ‬والهوابط‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬الألبستر‭ ‬الكريستالي،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تكوينات‭ ‬من‭ ‬االألماسب‭ ‬التي‭ ‬تسقط‭ ‬عليها‭ ‬الأشعة‭ ‬عاكسة‭ ‬تلك‭ ‬التكوينات‭ ‬الضوئية‭ ‬من‭ ‬ألوان‭ ‬الطيف‭ ‬على‭ ‬حدقة‭ ‬العين،‭ ‬لترسم‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬وذاكرة‭ ‬التاريخ‭ ‬لوحات‭ ‬فنية‭ ‬جيولوجية‭ ‬بديعة‭.‬

 

كهوف‭ ‬وادي‭ ‬صورا

تمضي‭ ‬الرحلة‭ ‬عبر‭ ‬الصحراء‭ ‬القاحلة،‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الزمان‭ ‬تقلبات‭ ‬مناخية‭ ‬يشرحها‭ ‬علماء‭ ‬الحفريات‭ ‬والجيولوجيا،‭ ‬والتي‭ ‬ضربت‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬منذ‭ ‬ملايين‭ ‬السنين،‭ ‬حيث‭ ‬مرت‭ ‬بعصور‭ ‬ثلاثة‭ ‬كانت‭ ‬قاعاً‭ ‬للبحر،‭ ‬ثم‭ ‬
عصور‭ ‬أربعة‭ ‬مطيرة،‭ ‬ثم‭ ‬صحراء‭ ‬جرداء‭ ‬وقد‭ ‬خلف‭ ‬ذلك‭ ‬كماً‭ ‬هائلاً‭ ‬من‭ ‬الحفريات‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬أرجائها،‭ ‬فتوجد‭ ‬شجرات‭ ‬المانجروف،‭ ‬والشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬وهياكل‭ ‬القروش‭ ‬البحرية‭ ‬والحيتان،‭ ‬وأيضا‭ ‬الديناصورات‭ ‬العملاقة‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬وزن‭ ‬الواحد‭ ‬منها‭ ‬80‭ ‬طناً‭.‬

 

كهف‭ ‬الأرواح‭ ‬الطائرة

تعتبر‭ ‬هضبة‭ ‬الجلف‭ ‬الكبير‭ ‬أكبر‭ ‬منتجع‭ ‬صحراوي‭ ‬لما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬فهذه‭ ‬الهضبة‭ ‬مترامية‭ ‬الأطراف،‭ ‬حيث‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬48‭ ‬ألف‭ ‬كم‭ ‬مربع،‭ ‬ولا‭ ‬تحتوي‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬رمال‭ ‬وجبال‭ ‬وصخور‭ ‬فقط‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬منها‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬عدا‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬التي‭ ‬تتكيف‭ ‬مع‭ ‬البيئة‭ ‬الصحراوية‭.‬

وخلال‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدى‭ ‬الألمان‭ ‬دراية‭ ‬كبيرة‭ ‬بالصحراء‭ ‬المصرية،‭ ‬ولأن‭ ‬الإنجليز‭ ‬كانوا‭ ‬يحتلون‭ ‬مصر،‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الألمان‭ ‬أن‭ ‬يستعينوا‭ ‬بأحد‭ ‬الأدلة‭ ‬الصحراوية‭ ‬الخبير‭ ‬في‭ ‬الأودية‭ ‬الصحراوية‭ ‬المصرية،‭ ‬ليرسم‭ ‬فكرة‭ ‬تطويق‭ ‬الجيوش‭ ‬الإنجليزية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الغربية،‭ ‬وقد‭ ‬استعانوا‭ ‬بالكونت‭ ‬األماسب‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يمدهم‭ ‬بمعلومات‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الأهمية‭ ‬ساعدت‭ ‬رومل‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬الليبية‭ ‬حتى‭ ‬االعلمينب‭.‬

وكان‭ ‬الكونت‭ ‬ألماس‭ ‬يجهز‭ ‬رحلة‭ ‬صحراوية‭ ‬كل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬مصطحباً‭ ‬معه‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الجمال‭ ‬والعبيد،‭ ‬متجهاً‭ ‬من‭ ‬الواحات‭ ‬الداخلة‭ ‬عبر‭ ‬الصحراء‭ ‬وقد‭ ‬وصلت‭ ‬رحلاته‭ ‬حتى‭ ‬وادي‭ ‬صورا،‭ ‬ووجد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكهوف‭ ‬المصورة‭ ‬بشكل‭ ‬رائع‭ ‬وغاية‭ ‬في‭ ‬الأهمية،‭ ‬فأسمى‭ ‬هذا‭ ‬الوادي‭ ‬باسم‭ ‬وادي‭ ‬صورا،‭ ‬وأطلق‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬الكهوف‭ ‬كهف‭ ‬السابحين‭ (‬وحالياً‭ ‬سمي‭ ‬بكهف‭ ‬الأرواح‭ ‬الطائرة‭).‬

 

وادي‭ ‬صورا

تمضي‭ ‬رحلات‭ ‬السفاري‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الصحراء‭ ‬القاحلة‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬وادي‭ ‬صورا،‭ ‬وسمي‭ ‬هذا‭ ‬الوادي‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم‭ ‬لانتشار‭ ‬صور‭ ‬إنسان‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬فيه‭. ‬والرحلة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬الواحات‭ ‬البحرية‭ ‬أو‭ ‬الفرافرة‭ ‬أو‭ ‬الداخلة‭ ‬عند‭ ‬منطقة‭ ‬أبومنقار،‭ ‬وبعد‭ ‬ثمانية‭ ‬أيام‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬الأودية‭ ‬الفسيحة،‭ ‬وفي‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬تتضح‭ ‬أمامنا‭ ‬منطقة‭ ‬كهوف‭ ‬وادي‭ ‬صورا،‭ ‬وهي‭ ‬منطقة‭ ‬مليئة‭ ‬بالرسوم‭ ‬الملونة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وتكاد‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬روعة‭ ‬وشهرة‭ ‬وجمالاً‭ ‬من‭ ‬كهوف‭ ‬لاسكو‭ ‬والتميرا،‭ ‬وتعد‭ ‬كهوف‭ ‬وادي‭ ‬صورا‭ ‬سجلاً‭ ‬مصوراً‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬البدائي،‭ ‬فقد‭ ‬شمل‭ ‬أحد‭ ‬الكهوف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألفي‭ ‬رسم‭ ‬ملون‭ ‬للإنسان‭ ‬وحياته‭ ‬ورقصاته‭ ‬وطقوسه‭ ‬الجنائزية‭ ‬وحملة‭ ‬القرابين،‭ ‬ومناظر‭ ‬الغزلان‭ ‬التي‭ ‬تشرب‭ ‬من‭ ‬البحيرات‭ ‬الصغيرة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الطقوس‭ ‬اليومية‭ ‬الجديدة‭ ‬مثل‭ ‬تطيير‭ ‬النعام،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النقوش‭ ‬التي‭ ‬تصور‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬سابح،‭ ‬ولذا‭ ‬سمي‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬الكهوف‭ ‬بكهف‭ ‬السابحين،‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬كانت‭ ‬النقوش‭ ‬لمناظر‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬حائر،‭ ‬أي‭ ‬الروح،‭ ‬ومازالت‭ ‬الرمال‭ ‬في‭ ‬كهف‭ ‬وادي‭ ‬صورا‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬آلاف‭ ‬المناظر‭ ‬المخبأة‭ ‬تحتها‭.‬

وعندما‭ ‬تقترب‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬نهايتها‭ ‬فإنها‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بجبل‭ ‬العوينات،‭ ‬ويوجد‭ ‬هذا‭ ‬الجبل‭ ‬بين‭ ‬التقاء‭ ‬الحدود‭ ‬المصرية‭ - ‬السودانية‭ - ‬الليبية،‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬جبل‭ ‬مساحته‭ ‬
25‭ ‬كم‭ ‬ينتشر‭ ‬به‭ ‬كم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬النقوش‭ ‬والرسوم‭ ‬الصخرية‭ ‬المهمة‭ ‬مثل‭ ‬االزراف‭ ‬والنعام‭ ‬والماعز‭ ‬والكباش‭ ‬والكبش‭ ‬الأروي‭ ‬والودان‭ ‬وكلاب‭ ‬الصيد‭ ‬وخلافهب‭.‬

 

مغارة‭ ‬ألكنترا

يمكن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المغارة‭ ‬أو‭ ‬الكهف‭ ‬الصغير‭ ‬بعد‭ ‬اليوم‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬الرحلة‭ ‬الشاقة‭ ‬للصحراء‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬الواحات‭ ‬البحرية‭ ‬حتى‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬مغارة‭ ‬ألكنترا‭ ‬وتطلق‭ ‬عليها‭ ‬مغارة‭ ‬القنطرة‭ ‬أحياناً،‭ ‬لأنها‭ ‬أشبه‭ ‬بالقنطرة‭ ‬التي‭ ‬يعبر‭ ‬عليها‭ ‬الناس‭ ‬فوق‭ ‬ممر‭ ‬مائي،‭ ‬وتحتوي‭ ‬هذه‭ ‬المغارة‭ ‬على‭ ‬نقوش‭ ‬ملونة‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬عين‭ ‬أجمل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬منها‭ ‬تصوير‭ ‬كمية‭ ‬من‭ ‬الأبقار‭ ‬البيضاء‭ ‬والزرقاء‭ ‬والحمراء‭ ‬رسمت‭ ‬بشكل‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الدقة،‭ ‬ولقد‭ ‬كان‭ ‬الفنان‭ ‬يعي‭ ‬تماماً‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬البقرة‭ ‬الأنثى‭ ‬والثيران‭ ‬بقرونها‭ ‬الواضحة،‭ ‬وتعد‭ ‬رسوم‭ ‬مغارة‭ ‬الكنترا‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬النقوش‭ ‬الملونة‭ ‬في‭ ‬هضبة‭ ‬الجلف‭ ‬الكبير،‭ ‬وتسجيلاً‭ ‬جلياً‭ ‬لطرق‭ ‬الفن‭ ‬البدائي‭.‬

 

كهف‭ ‬الأبيض

يعتبر‭ ‬كهف‭ ‬الأبيض‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الكهوف‭ ‬المصرية،‭ ‬ويوجد‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬سهل‭ ‬كراويين‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬45‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬كرز‭ ‬ومدينة‭ ‬الفرافرة،‭ ‬ويوجد‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭ ‬في‭ ‬تكوينات‭ ‬العصر‭ ‬الطباشيري‭ ‬المكون‭ ‬تكوينات‭ ‬الصحراء‭ ‬البيضاء،‭ ‬التي‭ ‬يرجع‭ ‬عمر‭ ‬هذه‭ ‬التكوينات‭ ‬فيها‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬مليون‭ ‬عام‭.‬

وفي‭ ‬أحد‭ ‬جبال‭ ‬هذه‭ ‬التكوينات‭ ‬الطباشيرية‭ ‬يوجد‭ ‬كهف‭ ‬الأبيض،‭ ‬ويطلق‭ ‬عليه‭ ‬الأُبيض‭ ‬ابضم‭ ‬الألفب‭ ‬نسبة‭ ‬لوجوده‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الجبال‭ ‬البيضاء‭.‬

وكشف‭ ‬خبراء‭ ‬الآثار‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬المعالم‭ ‬المهمة‭ ‬داخل‭ ‬الكهف،‭ ‬ومنها‭ ‬بصمة‭ ‬يد‭ ‬لإنسان‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭, ‬تعود‭ ‬ربما‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬آلاف‭ ‬عام،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬العثور‭ ‬بالكهف‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الندبات‭ ‬الحجرية‭ ‬الممثلة‭ ‬لبصمات‭ ‬حفريات‭ ‬ربما‭ ‬فقارية،‭ ‬وتتم‭ ‬دراستها‭ ‬حالياً،‭ ‬ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭ ‬حلقة‭ ‬وصل‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬البدائية‭ ‬لإنسان‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬بين‭ ‬الصحراء‭ ‬الغربية‭ ‬وسكانها‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬نهايات‭ ‬عصر‭ ‬السفانا‭ ‬وبدايات‭ ‬عصر‭ ‬الجفاف‭ ‬وانتقال‭ ‬التجمعات‭ ‬البشرية‭ ‬لإنسان‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬وادي‭ ‬النيل،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬نهايات‭ ‬الألف‭ ‬السادس‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭.‬

 

كهف‭ ‬الجارة

يعد‭ ‬كهف‭ ‬الجارة‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬الكهوف‭ ‬المصرية‭ ‬وأقدمها‭ ‬كشفاً،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭ ‬بواسطة‭ ‬جيرهارد‭ ‬روفلز‭ ‬عام‭ ‬1873،‭ ‬وذلك‭ ‬أثناء‭ ‬قيامه‭ ‬برحلة‭ ‬من‭ ‬واحة‭ ‬الكفرة‭ ‬وعين‭ ‬دو‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬مخترقاً‭ ‬الصحراء‭ ‬الغربية‭ ‬بالجمال،‭ ‬والتي‭ ‬استمرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬وكانت‭ ‬القوافل‭ ‬لا‭ ‬تمر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن‭ ‬نظراً‭ ‬لوعورتها،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬نظراً‭ ‬لتعرض‭ ‬قافلته‭ ‬لبعض‭ ‬العواصف،‭ ‬فقد‭ ‬اتجهت‭ ‬غرباً‭ ‬فشرقاً‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬الأماكن‭ ‬المسطحة،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬ملجأ‭ ‬من‭ ‬العواصف‭, ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬وجد‭ ‬الكهف‭ ‬احتمى‭ ‬به‭ ‬وكتبه‭ ‬في‭ ‬مذكراته‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬جيرهارد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أول‭ ‬المكتشفين‭ ‬حيث‭ ‬عثر‭ ‬د‭. ‬خالد‭ ‬سعد‭ ‬مدير‭ ‬آثار‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النقوش‭ ‬الصخرية‭ ‬داخل‭ ‬الكهف،‭ ‬التي‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬
20‭ ‬ألف‭ ‬عام،‭ ‬وهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬إنسان‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬كان‭ ‬يعلم‭ ‬جيداً‭ ‬هذا‭ ‬الكهف،‭ ‬واحتمى‭ ‬به‭ ‬ورسم‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬نقوشه‭ ‬الصخرية‭ ‬التي‭ ‬توضح‭ ‬الحياة‭ ‬البيئية‭ ‬المحيطة‭ ‬به،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬بلوغ‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭ ‬بسهولة،‭ ‬نظراً‭ ‬لوقوعه‭ ‬أسفل‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للعين‭ ‬المجردة‭ ‬ملاحظته،‭ ‬ودخوله‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فجوة‭ ‬ضيقة‭ ‬تستدعي‭ ‬الانحناء‭ ‬والتحرك‭ ‬على‭ ‬اليدين‭ ‬والركبتين‭ ‬لمسافة‭ ‬قصيرة،‭ ‬خلال‭ ‬نفق‭ ‬ضيق،‭ ‬وفور‭ ‬بلوغ‭ ‬فسحة‭ ‬الكهف‭ ‬سيلاحظ‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬الجانب‭ ‬الأيسر‭ ‬نحت‭ ‬لبقر‭ ‬ولإنسان،‭ ‬وهي‭ ‬منحوتات‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬تاريخياً‭. ‬والكهف‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬مائتي‭ ‬كيلومتر‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬الواحة‭ ‬البحرية،‭ ‬وهناك‭ ‬طريقتان‭ ‬لبلوغه،‭ ‬إما‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬الهضبة‭ ‬الجيرية‭ ‬التي‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬وادي‭ ‬النيل‭ ‬ومنخفضات‭ ‬الفرافرة‭ ‬والبحرية‭ ‬والداخلة،‭ ‬وإما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬واحة‭ ‬الحارة،‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬جنوب‭ ‬الباويطي‭ ‬بواحة‭ ‬البحرية،‭ ‬ثم‭ ‬التحرك‭ ‬بمحاذاة‭ ‬شرق‭ ‬غرود‭ ‬أبومحرق‭ ‬حتى‭ ‬بلوغ‭ ‬الكهف‭. ‬وهو‭ ‬يقع‭ ‬بالصحراء‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬هضبة‭ ‬الحجر‭ ‬الجيري‭ ‬بجوار‭ ‬مدق‭ ‬الجمال‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬واحة‭ ‬الفرافرة‭ ‬بمحافظة‭ ‬أسيوط‭ ‬بوادي‭ ‬النيل‭. ‬وتنتشر‭ ‬على‭ ‬جدرانه‭ ‬منحوتات‭ ‬للإنسان‭ ‬المصري‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬بهذه‭ ‬المنطقة‭ ‬
عندما‭ ‬كانت‭ ‬غنية‭ ‬بالمياه‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬
ثمانية‭ ‬آلاف‭ ‬وستمائة‭ ‬عام‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬وهي‭ ‬منحوتات‭ ‬تصور‭ ‬بشراً‭ ‬وحيوانات‭ ‬وفنون‭ ‬الصيد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭. ‬ومساحة‭ ‬قطاع‭ ‬جارة‭ ‬التي‭ ‬يقع‭ ‬بها‭ ‬الكهف‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬خمسة‭ ‬كيلومترات‭ ‬عرضاً‭ ‬في‭ ‬عشرة‭ ‬كيلومترات‭ ‬طولاً‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الحياة‭ ‬محتملة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬نظراً‭ ‬لتوافر‭ ‬كميات‭ ‬محدودة‭ ‬من‭ ‬المياه،‭ ‬والثابت‭ ‬أن‭ ‬المياه‭ ‬كانت‭ ‬وفيرة‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬السابقة‭ ‬لهذا‭ ‬التاريخ،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تكوينات‭ ‬الصواعد‭ ‬والهوابط‭ ‬من‭ ‬أملاح‭ ‬كربونات‭ ‬الكالسيوم‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭. ‬وهناك‭ ‬حالياً‭ ‬دراسات‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الآثار‭ ‬والتاريخ‭ ‬منصبة‭ ‬على‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬حضارة‭ ‬وادي‭ ‬النيل‭ ‬وحضارات‭ ‬سكان‭ ‬واحات‭ ‬الصحراء‭ ‬المصرية‭ ‬الغربية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬فحص‭ ‬المخلفات،‭ ‬مثل‭ ‬رؤوس‭ ‬الأسهم‭ ‬والحراب‭ ‬والخناجر‭ ‬الحجرية‭. ‬فعلى‭ ‬مسافة‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬كيلومتراً‭ ‬من‭ ‬غرود‭ ‬أبومحرق‭ ‬يقع‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭ ‬الذي‭ ‬اكتشف‭ ‬أعلاه‭ ‬أدوات‭ ‬ومخلفات‭ ‬الإنسان‭ ‬الأول،‭ ‬وثبت‭ ‬وجود‭ ‬تشابه‭ ‬مؤكد‭ ‬بين‭ ‬الخناجر‭ ‬الحجرية‭ ‬المكتشفة‭ ‬فيه‭ ‬وما‭ ‬اكتشف‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬فجر‭ ‬الحضارة‭ ‬الفرعونية‭ ‬بوادي‭ ‬النيل‭.‬

 

التعبيرات‭ ‬التصويرية

إذا‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬هذه‭ ‬الكهوف‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الزمان،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الرسومات‭ ‬التي‭ ‬تركها‭ ‬الإنسان‭ ‬الأول‭ ‬فوق‭ ‬جدرانها‭ ‬محل‭ ‬دراسات‭ ‬مهمة‭ ‬الآن،‭ ‬وآخرها‭ ‬رسالة‭ ‬دكتوراه‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرسومات‭ ‬كانت‭ ‬المحاولة‭ ‬الأولى‭ ‬للكتابة،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬اختراع‭ ‬االهيروغليفيةب‭, ‬وتقول‭ ‬الدراسات‭ ‬إن‭ ‬الإنسان‭ ‬الأول‭ ‬بدأ‭ ‬الحياة‭ ‬بمرحلة‭ ‬اجمع‭ ‬القوتب،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يسعى‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬جمع‭ ‬قوته‭ ‬اليومي،‭ ‬ثم‭ ‬تلتها‭ ‬مرحلة‭ ‬اإنتاج‭ ‬القوتب،‭ ‬التي‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬طفرات‭ ‬حققها‭ ‬الإنسان‭ ‬مثل‭ ‬استئناس‭ ‬الحيوان‭ ‬ومعرفة‭ ‬الزراعة‭ ‬وإشعال‭ ‬النار،‭ ‬وتحول‭ ‬من‭ ‬آكل‭ ‬اللحوم‭ ‬النيئة‭ ‬إلى‭ ‬اللحم‭ ‬المطهو‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬النار،‭ ‬وداخل‭ ‬الكهوف‭ ‬بدأ‭ ‬يظهر‭ ‬احتياج‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬الإشباع‭ ‬الفكري‭ ‬والذهني‭ ‬والفني‭ ‬وإلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الكون‭. ‬وعندما‭ ‬فكر‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يسجل‭ ‬أحداثه،‭ ‬كانت‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬هي‭ ‬المصدر‭ ‬الوحيد‭ ‬للإلهام،‭ ‬فهداه‭ ‬تفكيره‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬بعضاً‭ ‬مما‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬يعبر‭ ‬بالصورة‭ ‬عن‭ ‬المعاني‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬التعبير‭ ‬عنها،‭ ‬وجاءت‭ ‬العلامات‭ ‬ذات‭ ‬استخدام‭ ‬تصويري،‭ ‬أي‭ ‬معبرة‭ ‬عن‭ ‬صورتها،‭ ‬فإذا‭ ‬رسم‭ ‬إنساناً‭ ‬فإنه‭ ‬يقصد‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الإنسان،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أعضاء‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬وكذلك‭ ‬الطيور‭ ‬والزواحف‭ ‬والحشرات،‭ ‬وبمرور‭ ‬
الوقت‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬العلامات‭ ‬التصويرية‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬أفكاره،‭ ‬ولذلك‭ ‬أدخل‭ ‬دوراً‭ ‬صوتياً‭ ‬لهذه‭ ‬العلامات،‭ ‬لتعطي‭ ‬كل‭ ‬علامة‭ ‬صوتاً،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬نجح‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬أدوات‭ ‬للكتابة‭ ‬وكذلك‭ ‬استطاع‭ ‬استخلاص‭ ‬الألوان‭ ‬النباتية‭ ‬ليرسم‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬الكهوف‭ ‬والتي‭ ‬مازالت‭ ‬زاهية‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وتضمنت‭ ‬بعض‭ ‬الكهوف‭ ‬رسومات‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬مكنون‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان،‭ ‬حيث‭ ‬عبر‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬علاقته‭ ‬الأسرية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ترمز‭ ‬إليه‭ ‬رسومات‭ ‬للأسرة‭ ‬وأبناء‭ ‬ذلك‭ ‬الإنسان،‭ ‬يجلسون‭ ‬فوق‭ ‬رجليه‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حضنه،‭ ‬كما‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬علاقته‭ ‬بالمرأة‭ ‬وبالذات‭ ‬علاقاته‭ ‬الغرامية‭ ‬التي‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬رسومات‭ ‬يحتضن‭ ‬فيها‭ ‬المرأة‭.‬

 

أقدم‭ ‬لغات‭ ‬العالم

في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أحدث‭ ‬الدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬ناقشتها‭ ‬كرسالة‭ ‬للدكتوراه‭ ‬بكلية‭ ‬الآثار‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬للدكتور‭ ‬خالد‭ ‬سعد،‭ ‬تم‭ ‬استخراج‭ ‬قاموس‭ ‬لنشأة‭ ‬اللغة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬وعديد‭ ‬من‭ ‬العلامات‭ ‬التصويرية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬لغات‭ ‬العالم‭.‬

وقد‭ ‬أوضحت‭ ‬الدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬النقوش‭ ‬الصخرية‭ ‬والرسوم‭ ‬الملونة‭ ‬في‭ ‬الكهوف‭ ‬والمساقط‭ ‬الجبلية،‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬بخطها‭ ‬المقدس‭ (‬الهيروغليفي‭) ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬وليدة‭ ‬المصادفة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هي‭ ‬أقدم‭ ‬أنواع‭ ‬الخطوط‭ ‬التي‭ ‬استخدمها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭.‬

وأوضحت‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬النقوش‭ ‬الصخرية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬حكراً‭ ‬على‭ ‬مصر،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬وجد‭ ‬فيها‭ ‬إنسان‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الرسوم‭ ‬أرجعها‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬أحفاد‭ ‬إنسان‭ ‬االنيزروتالب‭.‬

كما‭ ‬أوضحت‭ ‬الدراسة‭ ‬المصرية‭ ‬أن‭ ‬المصريين‭ ‬القدماء‭ ‬هم‭ ‬أقدم‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬العلامة‭ ‬التصويرية‭ ‬كمكوّن‭ ‬لغوي،‭ ‬ثم‭ ‬أضافوا‭ ‬إليها‭ ‬دلالة‭ ‬صوتية‭ ‬اتحدوا‭ ‬عليها،‭ ‬فأصبح‭ ‬الرجل‭ ‬يسمى‭ ‬اأسب‭ ‬والسيدة‭ ‬اسيب‭ ‬فنقول‭ ‬اسي‭ ‬السيد،‭ ‬سي‭ ‬عمرب‭ ‬واستمرت‭ ‬استب‭ ‬فنقول‭ ‬است‭ ‬هانمب‭ ‬است‭ ‬البيتب‭ ‬است‭ ‬الدارب‭ ‬وهكذا‭.‬

وقد‭ ‬اعتمد‭ ‬علماء‭ ‬المصريات‭ ‬واللغة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬اللغوية‭ ‬والقواميس‭ ‬الخاصة‭ ‬باللغة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬مثل‭ ‬قاموس‭ ‬االلغة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمةب‭ ‬للسير‭ ‬آلان‭ ‬جاردنر‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬اقدم‭ ‬وأهم‭ ‬قواميس‭ ‬اللغة‭ ‬الفرعونية،‭ ‬وشمل‭ ‬هذا‭ ‬القاموس‭ ‬جميع‭ ‬الأشكال‭ ‬والعلامات‭ ‬التصويرية‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬الآثار‭ ‬المصرية‭.‬

وأوضحت‭ ‬دراسة‭ ‬النقوش‭ ‬الصخرية‭ ‬والرسوم‭ ‬الملونة‭ ‬في‭ ‬الكهوف‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬علماء‭ ‬الآثار‭ ‬وجود‭ ‬كم‭ ‬كبير‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬العلامات‭ ‬التصويرية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يجدها‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬العالم،‭ ‬ولم‭ ‬تدرج‭ ‬في‭ ‬دراسات‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬الآثار‭ ‬المصرية،‭ ‬وكانت‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬نشأة‭ ‬اللغة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬المقدسة‭ (‬الهيروغليفية‭)‬،‭ ‬وسمي‭ ‬هذا‭ ‬القاموس‭ ‬باسم‭ ‬اما‭ ‬قبل‭ ‬الهيروغليفيةب،‭ ‬الذي‭ ‬اكتشف‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬العلامات‭ ‬التصويرية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الفرعونية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬بذلك‭ ‬أقدم‭ ‬لغات‭ ‬العالم‭ .

فوق‭ ‬جدران‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الكهوف‭ ‬يقترب‭ ‬عمرها‭ ‬من‭  50‭ ‬مليون‭ ‬سنة،‭ ‬صنعتها‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬تكوينات‭ ‬الألبستر‭ ‬الكريستالي،‭ ‬تموج‭ ‬بالجمال‭ ‬الأسطوري‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬صحراء‭ ‬مصر‭ ‬الغربية،‭ ‬تصبح‭ ‬الرحلة‭ ‬إليها‭ ‬درباً‭ ‬من‭ ‬الإبداع،‭ ‬هناك‭ ‬حيث‭ ‬خط‭ ‬الإنسان‭ ‬الأول‭ ‬رسومات‭ ‬عمرها‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬سنة،‭ ‬استطاع‭ ‬العلماء‭ ‬فك‭ ‬رموزها‭ ‬أخيراً،‭ ‬وتصنيفها‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬اللغات‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬الإنسان،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬الهيروغليفية‭ ‬التي‭ ‬أبدعها‭ ‬الفراعنة،‭ ‬ولعل‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الشغف‭ ‬بهذه‭ ‬اللغة‭ ‬البالغة‭ ‬القدم،‭ ‬هو‭ ‬معرفة‭ ‬ماذا‭ ‬كتب‭ ‬إنسان‭ ‬ذلك‭ ‬العصر‭ ‬من‭ ‬عبارات‭ ‬أراد‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلينا‭ ‬عبر‭ ‬عجلة‭ ‬الزمن‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭.‬