مارجريت أوبانك: الأدب العربي جزء جوهري من الحضارة الإنسانية

نقدم في هذا الملف حواراً شاملاً مع أوبانك حول تجربتها، ورأيها في أدب العالم العربي، ومدى انتشار الأدب العربي اليوم في الغرب، مقارنة بما كان عليه الأمر في السابق، إضافة إلى شهادات من بعض الكتَّاب العرب حول الدور الذي لعبته ولاتزال أوبانك و«بانيبال» في دعم الأدب العربي في الغرب وللقارئ الغربي. وفي هذا الحوار نتعرّف على الأسباب التي دعت سيدة بريطانية مشغولة بالأدب الإنجليزي والفلسفة إلى الأدب العربي ليس قراءة فقط، بل وشغفاً جعلها راغبة في نشره لإوسع مجال ممكن.
< كيف بدأت علاقتك بالأدب العربي، وما الظروف التي جعلتك تتحمسين لدعم هذا الأدب في الغرب بشكل عام؟
- كنت محاطة منذ طفولتي برفوف من الكتب، فأنا ابنة رجل صحفي كان يعمل مديراً لتحرير صحيفة االأوبزفرب اللندنية، حيث كانت الكتب السياسية والفكرية والأدبية متوافرة في كل أرجاء المنزل. كان هناك كثير من كتب الشعر، أيضاً. وفي ما بعد حين درست الأدب الإنجليزي والفلسفة في جامعة ليدز، كان لدي عديد من الأصدقاء العرب، وخصوصاً من العراقيين والفلسطينيين. ومن المؤكد أنني تأثرت بهؤلاء الأصدقاء وأحببت أن أعرف المزيد عن العالم العربي، وبخاصة أنني كنت متعاطفة دائماً مع القضية الفلسطينية، وهو أمر لم يدفعني فحسب إلى قراءة الروايات العربية المترجمة إلى الإنجليزية، وإنما أيضاً إلى تلقي دروس في تعلم اللغة العربية. أتذكر أنني قرأت حينذاك أعمالاً مترجمة لنجيب محفوظ، إيتيل عدنان، إدوارد سعيد، نوال السعداوي، وبعض الترجمات الأخرى، التي كانت قليلة جداً. وهنا أستغل هذه الفرصة لأشكر المترجم الكبير دينيس جونسون ديفيز، الذي يعتبر رائد الترجمة من العربية إلى الإنجليزية.
< كيف نشأت فكرة «بانيبال»، وما الدور الذي تقومين به فيها، وكيف تطورت الفكرة تدريجياً؟
- في عام 1996 تعرفت إلى الكاتب العراقي صموئيل شمعون، الذي كان يعمل في جريدة عربية أسبوعية تصدر في لندن، كنا نتحدث عن الأدب باستمرار، وخصوصاً عن أسباب عدم توافر ترجمات للروايات العربية، هذه الأحاديث انتهت ذات يوم بسؤال: لماذا لا توجد مجلة مختصة في ترجمة الأدب العربي؟ وهكذا قررنا أن نؤسس هذه المجلة، التي أسميناها ابانيبالب التي صدر العدد الأول منها في فبراير1998، ومنذ ذلك الحين تصدر المجلة بانتظام، ثلاث مرات في العام.
ما دوري؟ حسناً. منذ البدء قسّمنا العمل في ما بيننا، يقوم صموئيل بقراءة واختيار المواد والتواصل مع المؤلفين، وبعد إرسالها إلى الترجمة، يبدأ عملي في برمجة المواد ومراجعة الترجمات وتحريرها لتكون صالحة للنشر. وبما أننا فريق صغير، ولا نملك المال لتشغيل أشخاص آخرين معنا، كنت أقوم بكل المهام الفنية والإدارية، مثل إخراج المجلة، وتوزيعها وعمل الاشتراكات والمراسلات.
< من خلال اطلاعك على تجارب أدبية عربية مترجمة واختلاطك بالوسط الأدبي العربي، ما تقييمك للأدب العربي بشكل عام، وما تقديرك لوضع الأدب العربي في خريطة الأدب العالمي؟
- أولاً لابد أن أقول إنني معجبة بالأدب العربي، وإلا لما كنت أنشئ مجلة تختص بترجمة الأدب العربي وترويجه عالمياً. من خلال قراءاتي الأولى وما أقرأه اليوم، لاحظت أن الجيل السابق من الأدباء العرب كان يكتب عن قضايا التحرر الوطني، أدب المقاومة، والصراع بين الريف والمدينة والعدالة الاجتماعية، بينما الروايات الراهنة الجديدة تمتلك مواضيع متنوعة جداً، ونسيجها غني جداً. هناك جرأة في طرح كثير من القضايا التي كانت محرمة في السابق، فضلاً عن أن الأدباء الذين ينتجون الأدب العربي الآن ينتمون إلى جميع الفئات العمرية.
لا شك في أن الأدب العربي جزء مهم من الأدب العالمي، وصار يلفت انتباه واهتمام الناشرين الغربيين الذين توصلوا إلى ضرورة سماع جميع أصوات العالم. فعندما يعبر الأديب عن روح الثقافة التي ينتمي إليها، فإنما يعبّر في الوقت ذاته عن صوت الإنسانية بشكل عام. لقد كتبت في افتتاحية العدد الأول من مجلة ابانيبالب في عام 1998، أن هذه المجلة الجديدة التي تُعنى بترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية ترتكز على ثلاثة أعمدة رئيسة، هي: أولا، الأدب العربي جزء جوهري من الثقافة العالمية والحضارة الإنسانية؛ وثانياً، ضرورة استمرار تعميق الحوار بين الثقافات المختلفة؛ وثالثاً، المتعة والتثقيف اللذان يحصل عليهما المرء من قراءة الشعر الجميل ومن قراءة الأعمال الإبداعية، ضروريان من أجل الوجود الإنساني.
< عبر خبرتك في التعرف على الأدب العربي المترجم، وكونك بريطانية تعرف ذائقة القارئ الغربي، والوسط الثقافي الغربي عموما، هل تعتقدين أن ما تبذلين من جهد، إضافة لجهود المؤسسات الداعمة للأدب العربي، أسهم في إحداث تغيير ما في إقبال القارئ الغربي على الأدب العربي؟
- لقد لعبت مجلة بانيبال دوراً كبيراً في إحداث تغيير هائل في مجال ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الإنجليزية، وعبر الإنجليزية إلى لغات أخرى، وللإجابة عن هذا السؤال، سوف أحتاج إلى مجال أوسع لتعداد ما أنجزناه. ولكن للاختصار، دعنا نقرأ ما كتبه الأكاديمي البريطاني والمترجم المعروف روجر ألين عن مجلة بانيبال: اأما بالنسبة للناطقين باللغة الإنجليزية فقد كان دور مجلة بانيبال محورياً وأساسياً في تعريف القراء الناطقين بالإنجليزية أولاً بأن الكتّاب العرب يكتبون أدباً ممتازاً، وثانياً بأن الأدب العربي هو عنصر فعّال ومساهم بشكل أساسي في التراث الأدبي والثقافي العالمي المعاصر. ومن دون إسهامات مجلة بانيبال، فإن عالم النشر كان سيواصل تقديم أعذاره الواهية والمكررة عن عدم وجود قراء وغير ذلك من أعذارب.
< هل تعتقدين أن حركة ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية تتناسب مع حجم هذا الأدب، وما المعوقات التي تحد من الإقبال على ترجمته؟
- هناك تطور هائل في ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى. بالنسبة للإنجليزية، عندما انطلقت ابانيبالب في فبراير1998، كان عدد الكتب التي تترجم إلى الإنجليزية يتراوح بين 6 و 10 كتب في عام، ولكننا حين احتفلنا في عام 2008 بالعيد العاشر للمجلة، كانت ترجمة الأدب العربي قد تغيرت بصورة ملحوظة، حيث بلغ عدد الأعمال المترجمة في تلك السنة من العربية إلى الإنجليزية 47 رواية، وهو أعلى رقم بلغته حتى اليوم.
نعم، هناك نمو مستمر في ترجمة الأدب العربي. لكن إذا تحدثنا عن الخيارات المترجمة، فإنني أقول لك إن ذلك يعتمد على الناشرين الغربيين أنفسهم واعتباراتهم، وهي خيارات قد لا تكون مرضية دائماً.
شيء آخر عزيزي إبراهيم، أريد أن أذكره هنا، وهو أنني من خلال وجودي في معارض الكتب العالمية ولقاءاتي مع ناشرين وأدباء من مختلف البلدان، سمعت كثيراً من الشكاوى حول قلة الترجمات من عديد من اللغات الأجنبية إلى الإنجليزية أو الألمانية وغيرهما. إذا نظرنا إلى اكمب الترجمات من الأدب العربي، فأعتقد أنه مناسب في الوقت الحاضر، وسوف يرتفع مع تطور الأدب العربي نفسه.
< في ظل الصورة الشائعة اليوم عن العرب كمصدرين للإرهاب، هل تغيرت الفكرة العامة عن الأدب العربي، هل يؤدي ذلك إلى انحسار الإقبال على أدب العرب أم العكس؟
- لقد لاحظت في الآونة الأخيرة أن ثمة اهتماماً من بعض الناشرين الغربيين الكبار، بأدباء جيدين من العالم العربي، وهذه المسألة في بداياتها الآن. في النهاية، أرى أن الناشرين الغربيين سيلجأون إلى الأدب الحقيقي، وليس فقط إلى ما يدغدغ تصوراتهم المسبقة.
وفي ظل هذا الوضع، يبقى الكتَّاب العرب الذين يكتبون بلغات أجنبية هم الأكثر شهرة في العالم الغربي، مثل راوي الحاج، ربيع علم الدين، أمين معلوف، طاهر بن جلون، جمال محجوب، أنطون شماس، هشام مطر، بوعلام صنصال، رفيق شامي، خالد مطاوع، وآخرين.
< من موقعك كمراقبة لخريطة واسعة من الأدب المكتوب بلغة واحدة، لكنه ينتمي لاثنتين وعشرين دولة، هل تشعرين أن هناك اختلافات في طبيعة النصوص السردية أو الشعرية بين البلدان التي تنتج هذه النصوص، وهل تشعرين أن الرواية العراقية مثلاً تختلف عن السورية أو المصرية أو السعودية؟
- هذا سؤال يحتاج إلى دراسة متأنية. بالنسبة إلي أستطيع أن أعرف هوية الكاتب من خلال وجبات الطعام أو أسماء الألبسة، طبعاً بالإضافة إلى االمكانب في الرواية. إن كانت ثمة اختلافات أخرى في النصوص الأصلية، فإن الترجمة اتقضيب على كثير منها، وإذا تبقى شيء ما، فإنه سيتبع أسلوب وهوية المترجم. هناك ترجمات إنجليزية بريطانية، وترجمات إنجليزية أمريكية، وبما أن مجلتنا تصدر من لندن، فإننا نضطر في أحيان كثيرة إلى تغيير كثير من المفردات والتعابير الأمريكية. منذ أيام قرأت قصيدة مترجمة من العربية إلى الإنجليزية، فعرفت فوراً أن المترجمة من أستراليا.
هناك شيء آخر يميز بين الروايات العربية، وهو الحوار. كثير من المؤلفين يستخدمون العامية في رواياتهم، هذه العاميات، المصرية والمغربية والعراقية، تتحول إلى اللغة الإنجليزية عند الترجمة.
< هل الجوائز الخاصة بالترجمة تدعم ترجمة الأدب العربي، وما رأيك في أثر الجوائز العربية الدولية مثل «البوكر» في دعم انتشار الأدب العربي بالغرب؟
- نعم، نعم لقد لعبت الجوائز دوراً كبيراً جداً، وخصوصاً الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية)، فهي منذ إنشائها في عام 2007، تمكنت من لفت انتباه الناشرين العالميين إلى الأدب العربي، ولا أبالغ إن قلت لك إن كثيراً من الناشرين صاروا ينتظرون الإعلان عن القائمة الطويلة والقصيرة. فالجائزة العالمية للرواية العربية تسهم في تحمل بعض نفقات الترجمة، وهذا يشجع كثيراً على نشر الأدب العربي.
مع الأسف الشديد يفتقر العالم العربي إلى صندوق لدعم ترجمة الأدب العربي إلى اللغات العالمية.
< ما خططك المستقبلية، وكيف ترين مستقبل «بانيبال»؟
- خططي يا صديقي إبراهيم أن أتقاعد في أسرع وقت! فمنذ 19 عاماً وأنا أعمل يومياً لإصدار هذه المجلة بإمكاناتنا البسيطة. عملت بحماسة، واستطعت أن أحقق كثيراً من أهداف المجلة، ولكن لكي تواصل المجلة عملها بنجاح، فإنها تحتاج إلى دماء شابة. أشعر أن دوري قد انتهى ولابد من جيل جديد يقود ابانيبالب. وأقول بكل صدق، مع وجود عديد من المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، فإن المجلة بحاجة إلى برنامج وخطط جديدة. سنعقد اجتماعاً موسعاً لهيئة التحرير وبعض أصدقاء المجلة وسندرس سبل تطويرها لتواصل دورها الحضاري .