ابْنُ الْفَارِضِ بَاكِيًا... تَعَقُّبٌ سِيمِيَائِيٌّ

ابْنُ الْفَارِضِ بَاكِيًا... تَعَقُّبٌ سِيمِيَائِيٌّ

يستشرف‭ ‬ابن‭ ‬الفارض‭ ‬مسيرته‭ ‬الطويلة‭ ‬بطول‭ ‬ديوانه‭ - ‬الذي‭ ‬رتبه‭ ‬بنفسه‭ ‬وجعل‭ ‬أوله‭ ‬اليائية‭ ‬وثانيه‭ ‬الذالية‭ - ‬بتعميمات‭ ‬رَحبة‭ ‬جميلة‭ ‬تسوق‭ ‬رمز‭ ‬البكاء‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬العِقد‭ ‬البلاغي‭ ‬لرسم‭ ‬الصور‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬سيمر‭ ‬عليها‭ ‬ويلونها‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬موضع‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬جديدة،‭ ‬ولا‭ ‬يَنْسَى‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬أكثرِ‭ ‬قصائده؛‭ ‬ولذا‭ ‬سنرى‭ ‬كيف‭ ‬تختلف‭ ‬قصائده‭ ‬على‭ ‬النَّهْل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الرمز‭ ‬وظلاله‭ ‬الجانبية،‭ ‬وتُغَيِّر‭ ‬كل‭ ‬قصيدة‭ ‬منه‭ ‬قليلاً‭ ‬حتى‭ ‬ينحرف‭ ‬انحرافاً‭ ‬يساعدها‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬دورها‭ ‬المقدَّر‭ ‬لها‭.‬

يشكل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التلون‭ ‬التبايُني‭ ‬بين‭ ‬الظلال‭ ‬الموحية‭ ‬والمعاني‭ ‬المتنامية‭ ‬توالداً‭ ‬سيميائياً‭ ‬لرمز‭ ‬البكاء‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الآفاق،‭ ‬به‭ ‬تتحول‭ ‬النظرة‭ ‬إليه‭ ‬مرة‭ ‬بعد‭ ‬مرة،‭ ‬وتختفي‭ ‬إيحاءات‭ ‬وتُولَد‭ ‬أخرى،‭ ‬وكل‭ ‬منها‭ ‬خارج‭ ‬من‭ ‬رَحِمِ‭ ‬سابقتها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬يبدو‭ ‬لمتأمله‭ ‬كفروع‭ ‬الشجرة‭ ‬المتخارجة‭ ‬بعضِها‭ ‬من‭ ‬بعض،‭ ‬وبذا‭ ‬تبدأ‭ ‬التعميمات‭ ‬الرحبة‭ ‬قائلاً‭ ‬فيها‭: ‬

هِيَ‭ ‬أَدْمُعُ‭ ‬الْعُشَّاقِ‭ ‬جَادَ‭ ‬وَلِيُّهَا

الْـــــــوَادِي‭ ‬وَوَالَى‭ ‬جُودُهَا‭ ‬الْأَلْوَاذَا

ليزداد‭ ‬الاقتراب‭ ‬بعدها‭ ‬من‭ ‬رمزية‭ ‬البكاء‭ ‬الحار‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا،‭ ‬ومن‭ ‬المفيد‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬محكوم‭ ‬بقاعدته‭ ‬الأثيرة‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬نَظْمِ‭ ‬السُّلُوك‭:‬

وَعُنْوَانُ‭ ‬شَأْنِي‭ ‬مَا‭ ‬أَبُثُّكَ‭ ‬بَعْضَهُ

وَمَا‭ ‬تَحْتَهُ‭ ‬إِظْهَارُهُ‭ ‬فَوْقَ‭ ‬قُدْرَتِي

وكذلك‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬اللامية‭ ‬المضمومة‭:‬

وَعُنْوَانُ‭ ‬مَا‭ ‬فِيهَا‭ ‬لَقِيتُ‭ ‬وَمَا‭ ‬بِهِ‭ ‬

شَقِيتُ‭ ‬وَفِي‭ ‬قَوْلِي‭ ‬اخْتَصَرْتُ‭ ‬وَلَمْ‭ ‬أَغْلُ

وهنا‭ ‬يَتَمثلُ‭ ‬الحزن‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬والسلوان‭ ‬شكلَ‭ ‬النجم‭ ‬الذي‭ ‬يَسقط‭ ‬في‭ ‬مغرب‭ ‬الشمس‭ ‬فيرمز‭ ‬للنهاية‭ ‬والفناء،‭ ‬ويَخْوِي‭ ‬خَيّا،‭ ‬كما‭ ‬يسبل‭ ‬المحب‭ ‬عينه‭ ‬دمعًا‭ ‬وصمتًا‭ ‬لفراق‭ ‬حِبِّه‭:‬

مُسْبِلًا‭ ‬لِلنَّأْيِ‭ ‬طَرْفًا‭ ‬جَادَ‭ ‬إِنْ

ضَنَّ‭ ‬نَوْءُ‭ ‬الطَّرْفِ‭ ‬إِذْ‭ ‬يَسْقُطُ‭ ‬خَيّْ

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬لأي‭ ‬شاعر‭ ‬أن‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬العين‭ ‬في‭ ‬معانيها‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬معجم‭ ‬العربية،‭ ‬فينعت‭ ‬عينه‭ ‬بعين‭ ‬الماء‭ ‬الجاري‭ ‬تكثيراً‭ ‬وتوقيعاً،‭ ‬بوصفها‭ ‬ملاذًا‭ ‬بلاغياً‭ ‬تنـزاح‭ ‬فيه‭ ‬دلالة‭ ‬الكلمات‭ ‬المعجمية‭ ‬تجاه‭ ‬مكان‭ ‬يقيني‭ ‬معروف‭ ‬لغوياً؛‭ ‬لتدلل‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬افتراضية‭ ‬صوفية‭ ‬مجهولة‭ ‬عند‭ ‬الأكثرين‭ ‬ممن‭ ‬لم‭ ‬يذق،‭ ‬يقول‭ ‬مشاكلاً‭: ‬

فَهَبُوا‭ ‬عَيْنَيَّ‭ ‬مَا‭ ‬أَجْدَى‭ ‬الْبُكَا

عَيْنَ‭ ‬مَاءِ‭ ‬فَهْيَ‭ ‬إِحْدَى‭ ‬مُنْيَتَيّْ

وتحتاج‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬المولدة‭ ‬لعين‭ ‬الماء‭ ‬الفائضة‭ ‬إلى‭ ‬استمرارية‭ ‬تدعم‭ ‬موقفها‭ ‬التخيلي؛‭ ‬فنجده‭ ‬يزيد‭:‬

أَبَدًا‭ ‬تَسِحُّ‭ ‬وَمَا‭ ‬تَشِحُّ‭ ‬جُفُونُهُ

لِجَفَا‭ ‬الْأَحِبَّةِ‭ ‬وَابِلًا‭ ‬وَرَذَاذَا

مَنَحَ‭ ‬السُّفُوحُ‭ ‬سُفُوحَ‭ ‬مَدْمَعِه‭ ‬وَقَدْ

بَخِلَ‭ ‬الْغَمَامُ‭ ‬بِهِ‭ ‬وَجَادَ‭ ‬وجَاذَا

وربما‭ ‬تطلَّب‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬أن‭ ‬يسند‭ ‬فيه‭ ‬فعل‭ ‬إجراء‭ ‬الدمع‭ ‬إلى‭ ‬سفح‭ ‬الجبل‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬رمز‭ ‬الخواء‭ ‬والقفْر،‭ ‬وفيه‭ ‬البعد‭ ‬والنأي‭ ‬عكس‭ ‬البهجة‭ ‬واللقاء،‭ ‬رابطاً‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬عينه‭ ‬تجود‭ ‬كرماً‭ ‬بهذا‭ ‬الدمع‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬بخل‭ ‬الغمام،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الجفاف‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬البادي،‭ ‬وتضر‭ ‬الحضري؛‭ ‬لأن‭ ‬منابع‭ ‬الحياة‭ ‬تجف‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬السقيا‭ ‬والزرع،‭ ‬فيجمع‭ ‬الصورة‭ ‬مع‭ ‬الصورة؛‭ ‬فتلد‭ ‬ذلك‭ ‬المزيج‭ ‬بين‭ ‬آلام‭ ‬الفراق،‭ ‬ولذائذ‭ ‬البث‭ ‬والإفضاء‭.‬

ويزيد‭ ‬الصورة‭ ‬تركيباً‭ ‬وتجريداً‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬المقلة‭ ‬الدامعة‭ ‬مقلتين‭ ‬على‭ ‬الأصل‭ ‬الخلقِيِّ‭ ‬للإنسان،‭ ‬ويتساءل‭ ‬عن‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يكفي‭ ‬لجريان‭ ‬الدموع،‭ ‬فإن‭ ‬غايةَ‭ ‬دمع‭ ‬الفراق‭ ‬انقطاعُهُ‭ ‬بسعادة‭ ‬اللقاء‭ ‬والوصال‭:‬

لَيْتَ‭ ‬شِعْرِي‭ ‬هَلْ‭ ‬كَفَى‭ ‬مَا‭ ‬قَدْ‭ ‬جَرَى؟

مُذْ‭ ‬جَرَى‭ ‬مَا‭ ‬قَدْ‭ ‬كَفَى‭ ‬مِنْ‭ ‬مُقْلَتَيّ

ليتابع‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬فكرة‭ ‬الغمام‭ ‬البخيل‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬تَمَــــثُّله‭ ‬هو‭ ‬للغمام‭ ‬بعينه؛‭ ‬ليخرج‭ ‬به‭ ‬الودق‭ ‬تناصًّا‭ ‬مع‭ ‬الآية‭ ‬القرانية‭: {... ‬فَتَرَى‭ ‬الْوَدْقَ‭ ‬يَخْرُجُ‭ ‬مِنْ‭ ‬خِلَالِهِ‭ ...} (‬سورة‭ ‬الروم‭/‬48‭) ‬فيقول‭:‬

فَمَا‭ ‬الْوَدْقُ‭ ‬إِلَّا‭ ‬مِنْ‭ ‬تَحَلُّبِ‭ ‬مَدْمَعِي

وَمَا‭ ‬الْبَرْقُ‭ ‬إِلَّا‭ ‬مِنْ‭ ‬تَلَهُّبِ‭ ‬زَفْرَتِي

وعلى‭ ‬ذكر‭ ‬الودق‭ ‬وما‭ ‬يُنْبِتُه‭ ‬تتنامى‭ ‬الصورة‭ ‬إلى‭ ‬نزول‭ ‬الدموع‭ ‬من‭ ‬عينيه‭ ‬كالماء‭ ‬من‭ ‬السحاب،‭ ‬مزاوجًا‭ ‬ذلك‭ ‬بحرارة‭ ‬صدره،‭ ‬ولهيب‭ ‬فؤاده؛‭ ‬قائلاً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭:‬

فَمِنْ‭ ‬فُؤَادِي‭ ‬لَهِيبٌ‭ ‬نَابَ‭ ‬عَنْ‭ ‬قَبَسٍ

وَمِنْ‭ ‬جُفُونِيَ‭ ‬دَمْعٌ‭ ‬فَاضَ‭ ‬كَالدِّيَمِ

الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يَجُرُّهُ‭ ‬لاستحضار‭ ‬قصة‭ ‬تاريخية‭ ‬قرآنية‭ ‬للنبي‭ ‬نوح‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬يفوته‭ ‬–‭ ‬كعادته‭ - ‬الاقتراب‭ ‬التجنيسيُّ‭ ‬بين‭ ‬النَّوْحِ‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬البكاء،‭ ‬واسمِ‭ ‬النبي‭ ‬‮«‬نُوح‮»‬‭ ‬والماء‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬قصته،‭ ‬ليصير‭ ‬النسيج‭ ‬المغزول‭ ‬شعريًّا‭ ‬للبكاء‭:‬

فَطُوفَانُ‭ ‬نُوحٍ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬نَوْحِي‭ ‬كَأَدْمُعِي

وَإِيقَادُ‭ ‬نِيرَانِ‭ ‬الْخَلِيلِ‭ ‬كَلَوْعَتِي

وَلَوْلَا‭ ‬زَفِيرِي‭ ‬أَغْرَقَتْنِيَ‭ ‬أَدْمُعِي

وَلَوْلَا‭ ‬دُمُوعِي‭ ‬أَحْرَقَتْنِيَ‭ ‬زَفْرَتِي

وتمتد‭ ‬الامتدادات‭ ‬الرابطة‭ ‬للنَّوح‭ ‬والبكاء‭ ‬إلى‭ ‬الزفرات‭ ‬التي‭ ‬تصاحب‭ ‬البكاء‭ ‬الحار،‭ ‬والنشيج‭ ‬المتسارع؛‭ ‬ليجسده‭ ‬صديقًا‭ ‬وفيًّا‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬التجريد‭ ‬المعهود‭ ‬عند‭ ‬ابن‭ ‬الفارض‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يصدم‭ ‬المتلقي‭ ‬به‭ ‬مرة‭ ‬واحدة،‭ ‬لكن‭ ‬يتركه‭ ‬يتخيل‭ ‬حدوثه‭ ‬ثم‭ ‬يفاجئه‭ ‬به‭ ‬بشكل‭ ‬أوفى‭ ‬وأنصع،‭ ‬يقول‭:‬

نَأَيْتُمْ‭ ‬فَغَيْرَ‭ ‬الدَّمْعِ‭ ‬لَمْ‭ ‬أَرَ‭ ‬وَافِيًا

سِوَى‭ ‬زَفْرَةٍ‭ ‬مِنْ‭ ‬حَرِّ‭ ‬نَارِ‭ ‬الْجَوَى‭ ‬تَغْلُو

فَسُهْدِيَ‭ ‬حَيٌّ‭ ‬فِي‭ ‬جُفُونِي‭ ‬مُخَلَّدٌ

وَنَوْمِي‭ ‬بِهَا‭ ‬مَيْتٌ،‭ ‬وَدَمْعِي‭ ‬لَهُ‭ ‬غُسْلُ

وهنا‭ ‬تبدأ‭ ‬فكرة‭ ‬الميت‭ ‬الذي‭ ‬يغسله‭ ‬الدمع،‭ ‬فمرة‭ ‬كان‭ ‬النومَ‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬البيتين‭ ‬السابقين،‭ ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬يصيرُ‭ ‬إنسانُ‭ ‬العينِ‭ ‬نفسُهُ‭ (‬البؤبؤ‭) ‬هو‭ ‬الميت،‭ ‬ولا‭ ‬ضير‭ ‬لأن‭ ‬التوليد‭ ‬السيميائي‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬لا‭ ‬يتابع‭ ‬الفكرة‭ ‬السابقة‭, ‬ولكن‭ ‬يرجع‭ ‬عنها‭ ‬خطوة‭ ‬أو‭ ‬خطوتين‭ ‬فيبدأ‭ ‬في‭ ‬فرع‭ ‬جديد‭ ‬يستمر‭ ‬منه‭ ‬التناسل،‭ ‬ويُبقي‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬السابقة‭ ‬منتعشة‭ ‬وحدها‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الطَّلْق‭ ‬بلا‭ ‬نَسْل،‭ ‬كفرع‭ ‬شجرة‭ ‬يُسْتَظَلُّ‭ ‬به،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يُرجَ‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يلد‭ ‬غيره،‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الارتجاعية‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التوليد‭ ‬السيميائي‭ ‬لتشاكلات‭ ‬رمز‭ ‬البكاء‭ ‬تحديداً‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬التائية‭ ‬الصغرى‭:‬

فَلَمْ‭ ‬يَرَ‭ ‬طَرْفِي‭ ‬بَعْدَهَا‭ ‬مَا‭ ‬يَسُرُّنِي

فَنَوْمِي‭ ‬كَصُبْحِي‭ ‬حَيْثُ‭ ‬كَانَتْ‭ ‬مَسَرَّتِي

وَقَدْ‭ ‬سَخَنَتْ‭ ‬عَيْنِي‭ ‬عَلَيْهَا‭ ‬كَأَنَّهَا

بِهَا‭ ‬لَمْ‭ ‬تَكُنْ‭ ‬يَوْمًا‭ ‬مِنَ‭ ‬الدَّهْرِ‭ ‬قَرَّتِ

فَإِنْسَانُهَا‭ ‬مَيْتٌ‭ ‬وَدَمْعِيَ‭ ‬غُسْلُهُ

وَأَكْفَانُه‭ ‬مَا‭ ‬ابْيَضَّ‭ ‬حُزْنًا‭ ‬لِفُرْقَتِي

وَلِيُتْبِعَ‭ ‬هذا‭ ‬التخــــيـــــيلَ‭ ‬زيــــادةً‭ ‬فــــــي‭ ‬التفــصـــيل‭ ‬تصير‭ ‬الأكفانُ‭ ‬العمى‭ ‬الذي‭ ‬يصيب‭ ‬العين‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬البكاء،‭ ‬مدعِّمًا‭ ‬بذلك‭ ‬فكرته‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬حرارة‭ ‬بكائه‭ ‬وشدته،‭ ‬ومتناصًّا‭ ‬بِمَشْبَهٍ‭ ‬من‭ ‬الْمَشَابِه‭ ‬مع‭ ‬بكاء‭ ‬سيدنا‭ ‬يعقوب‭ ‬على‭ ‬ابنه‭ ‬يوسف‭ (‬عليهما‭ ‬السلام‭) ‬لفراقه،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬فراق‭ ‬الأحباب،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬ذكره‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬العظيم‭: ‬‭{‬وَابْيَضَّتْ‭ ‬عَيْنَاهُ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْحُزْنِ‭ ‬فَهُوَ‭ ‬كَظِيمٌ‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬يوسف‭/‬84) ‬.