«بانيبال»... حجر أساس أدبي ومعرفي

«بانيبال»... حجر أساس أدبي ومعرفي

حين‭ ‬بلغني‭ ‬نبأ‭ ‬اعتزام‭ ‬مارجريت‭ ‬أوبانك‭ ‬إصدار‭ ‬مجلة‭ ‬تختصّ‭ ‬بترجمة‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية؛‭ ‬أشفقت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الوليد‭ ‬من‭ ‬مآلين‭: ‬أن‭ ‬يسير،‭ ‬أولاً،‭ ‬على‭ ‬منوال‭ ‬الدوريات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬التي‭ ‬تُعنى‭ ‬بالآداب‭ ‬الأجنبية،‭ ‬ولكنها‭ ‬تظلّ‭ ‬نخبوية‭ ‬حبيسة‭ ‬المكتبات‭ ‬الجامعية‭ ‬ومراكز‭ ‬الأبحاث،‭ ‬بعيدة‭ ‬بالتالي‭ ‬عن‭ ‬متناول‭ ‬القارئ‭ ‬العريض؛‭ ‬وثانياً،‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬النماذج‭ ‬المختارة‭ ‬للترجمة‭ ‬في‭ ‬إسار‭ ‬النصوص‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬أو‭ ‬المدرسية،‭ ‬ونتاجات‭ ‬مشاهير‭ ‬الكتّاب،‭ ‬فتنأى‭ ‬بذلك‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الفعلي‭ ‬الحيّ،‭ ‬وبخاصة‭ ‬تجارب‭ ‬الشباب‭

لكنّ‭ ‬العدد‭ ‬الأول،‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬1998،‭ ‬فاجأني‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مبهج‭ ‬تماماً،‭ ‬إذْ‭ ‬تضمّن‭ ‬حالة‭ ‬نادرة،‭ ‬وجديدة‭ ‬استطراداً،‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الموادّ‭: ‬فيه‭ ‬تجاورت‭ ‬قصيدة‭ ‬أدونيس‭ ‬مع‭ ‬قصائد‭ ‬أمجد‭ ‬ناصر،‭ ‬ومع‭ ‬صوتين‭ ‬يكتبان‭ ‬أصلاً‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬هما‭ ‬نتالي‭ ‬حنظل‭ ‬وخالد‭ ‬مطاوع؛‭ ‬كما‭ ‬تُرجمت‭ ‬قصص‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬المعلّم‭ ‬الكبير‭ ‬زكريا‭ ‬تامر،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬طارق‭ ‬الطيب‭ ‬وعبدالله‭ ‬صخي؛‭ ‬وحاور‭ ‬التحرير‭ ‬الشاعر‭ ‬العراقي‭ ‬سركون‭ ‬بولص،‭ ‬مثلما‭ ‬استذكر‭ ‬المسرحي‭ ‬السوري‭ ‬سعدالله‭ ‬ونوس‭.‬

الإصدارات‭ ‬اللاحقة‭ ‬سوف‭ ‬تنجز‭ ‬مستويات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬التوازن،‭ ‬إياه،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬الأعداد‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬أسماء‭ ‬فاعلة،‭ ‬مثل‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬وأدونيس‭ ‬وسعدي‭ ‬يوسف‭ ‬وزكريا‭ ‬تامر‭ ‬ودنيس‭ ‬جونسون‭ ‬دافيز؛‭ ‬أو‭ ‬الأعداد‭ ‬المكرّسة‭ ‬لآداب‭ ‬معظم‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬منفردة؛‭ ‬أو‭ ‬أدب‭ ‬المرأة‭ ‬العربية،‭ ‬والقصة‭ ‬القصيرة،‭ ‬وأدب‭ ‬السجون،‭ ‬والأدب‭ ‬العربي‭ - ‬الأمريكي‭... ‬وهذه‭ ‬الحصيلة‭ ‬ترافقت‭ ‬مع‭ ‬تشجيع‭ ‬وإطلاق‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬المترجمين‭ ‬متعددي‭ ‬الجنسيات؛‭ ‬كما‭ ‬انطوت‭ ‬على‭ ‬عنصر‭ ‬فنّي‭ ‬خاصّ‭ ‬تمثّل‭ ‬في‭ ‬إسناد‭ ‬صورة‭ ‬الغلاف‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬التشكيليين‭ ‬العرب،‭ ‬وإضفاء‭ ‬مسحة‭ ‬حيوية‭ ‬على‭ ‬الإخراج‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬الصورة‭ ‬والرسومات‭ ‬الداخلية‭. ‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬المشروع‭ ‬مبادرة‭ ‬تثاقفية‭ ‬تخصّ‭ ‬الترجمة‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬حجر‭ ‬أساس‭ ‬أدبياً‭ ‬ومعرفياً‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه؛‭ ‬يستحقّ‭ ‬تحية‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬الصديقة‭ ‬أوبانك،‭ ‬والفريق‭ ‬العامل‭ ‬معها‭ ‬كاملاً‭ .