مستر فرايدي... وداعاً

مستر فرايدي... وداعاً

 بينما كان هذا العدد من «العربي» على وشك الطباعة، دهمنا خبر وفاة عملاق المسرح والفن الكويتي الفنان عبدالحسين عبدالرضا، عن عمر يناهز الثامنة والسبعين بعد تدهور حالته الصحية.
 إن الحديث عن قامة بحجم هذا الفنان أمر بالغ الصعوبة رغم سهولته الظاهرة، فمثل هذا الفنان دخل في تفاصيل حياتنا والتصق بها بكامل إرادتنا، وما حوار هنا أو هناك يخلو من «قفشة» أو «لزمة» من توقيع أبوعدنان، وكأن اللغة عاجزة عن تفسير الأشياء من دون قاموسه الخاص.
 أما الصعوبة فتكمن في تعدد الزوايا الإبداعية والإنسانية في شخصية «بو عدنان»، وهو ما لا يمكن حصره في مقال واحد. لقد تمكن «أبوعدنان» خلال مسيرته التي امتدت إلى خمسين عاماً من ترك بصمات واضحة في الذاكرة الجمعية، ليس في الكويت فقط ولكن في منطقة الخليج بأكملها، فهو فنان متعدد المواهب، وثقله موزع بالقدر نفسه في المسرح والتلفزيون والإذاعة والتأليف والغناء، لذا يصعب أن نصنفه فنياً في خانة واحدة، كما أننا نبخس حقه عندما نقول إن فنه مخصص للكويت أو الخليج فقط، فهو من خلال مسرحية «باي باي عرب» قدم للجمهور العربي مسرحية عظيمة تناقش أحوالهم وانقساماتهم، كما خاض قبلها من خلال شخصية «مستر فرايدي أو شارد بن جمعة» في مسرحية «باي باي لندن» في عمق القضايا العربية في قالب كوميدي يوحي لنا من الخارج بأن المسرحية تخص كهلاً ثرياً لعوباً، ولكن هذا اللعوب مع نخبة من النجوم لم يتركوا قضية من قضايا العرب إلا وتناولوها بالنقد الساخر.
لقد تمكن صانع البسمة عبدالحسين عبدالرضا هو ورفاقه سعد الفرج وخالد النفيسي وعبدالعزيز النمش والمؤلف عبدالأمير التركي أواخر سبعينيات القرن الماضي من قهر حواجز الزمن في مسلسلهم الشهير «درب الزلق»، في خلطة عصيَّة على الاستنساخ أضحكت جيلها والأجيال التي أتت بعده، وحتى جيل الهواتف الذكية شعر بالانجذاب نفسه نحو «درب الزلق» وكأنه من صنع أيامهم.
إنني وغيري ممن أحبوا «أبوعدنان» وأعماله نجد العزاء، برغم الحزن على فراقه، في طوفان المحبة والتقدير لهذا الفنان، شعبياً ورسمياً، داخلياً وخارجياً، كما أن إطلاق اسمه على مسرح السالمية وهو على قيد الحياة مأثرة عظيمة خالفت العادة الدارجة في تكريم الرواد والأعلام بعد رحيلهم، أما الثالثة فهي ارتباط اسم عبدالحسين عبدالرضا بالفرح والأعياد لدى جمهور واسع، بدليل أن القنوات التلفزيونية الرسمية والخاصة تحرص كل الحرص على عرض مسرحياته تزامناً مع كل عيد أو عطلة نهاية أسبوع، فما نكاد ننتهي من مسرحية «على هامان يا فرعون» حتى تعلن قناة أخرى عن مسرحية «بني صامت» أو «ضحية بيت العز»، وكأنها تعرض للمرة الأولى، وفي بعض الأحيان نَحار بين الشاشات، فكلها «بو عدنان» بشخصيات متعددة.
في الختام، يمكننا القول إن الرسالة الرئيسة التي قدمها الفنان عبدالحسين عبدالرضا من خلال الفن هي أن الكوميديا فضاء متشعب قادر على استيعاب كثير من القضايا الجادة بكثير من الحرفية والالتزام دون الحاجة إلى الابتذال والانجراف في تيار التهريج.
رحم الله الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا بقدر ما أفرحنا، وغفر له بقدر ما أبهجنا .