عاشقة الأدب العربي الحديث

عاشقة الأدب العربي الحديث

لا‭ ‬أذكر‭ ‬متى‭ ‬كان‭ ‬لقائي‭ ‬الأول‭ ‬بها،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أذكره‭ ‬تماماً‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬تغدق‭ ‬عليَّ،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬لقاءٍ،‭ ‬ودّاً‭ ‬صافياً‭ ‬يربكني،‭ ‬ودّاً‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬البساطة‭ ‬والصدق‭ ‬والابتسام‭ ‬الذي‭ ‬يشع‭ ‬بوجهها‭ ‬وعينيها‭. ‬كأي‭ ‬كاتب‭ ‬عربي‭ ‬كان‭ ‬ولم‭ ‬يزل‭ ‬يسعدني‭ ‬نشر‭ ‬قصة‭ ‬أو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬لي‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬ولذا‭ ‬كنتُ‭ ‬سعيداً‭ ‬لحظة‭ ‬عانقت‭ ‬عيناي‭ ‬نشر‭ ‬قصص‭ ‬لي‭ ‬بترجمة‭ ‬الصديقة‭ ‬د‭.‬زهرة‭ ‬حسين،‭ ‬ود‭.‬ليلى‭ ‬المالح،‭ ‬ربما‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬العشر‭ ‬سنوات‭. ‬تلك‭ ‬الترجمات‭ ‬أخذتني‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬بانيبال‮»‬،‭ ‬لأكتشف‭ ‬جهداً‭ ‬ثقافياً‭ ‬مخلصاً‭ ‬قلّ‭ ‬مثيله‭. ‬مجلة‭ ‬فصلية‭ ‬ناطقة‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬وتهتم‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي‭ ‬الحديث؛‭ ‬شعراً‭ ‬وقصة‭ ‬ورواية‭ ‬وأبحاثاً‭ ‬ومسرحاً‭ ‬وسينما‭ ‬وتشكيلاً‭. ‬أدب‭ ‬ذو‭ ‬سوية‭ ‬إبداعية‭ ‬فنية‭ ‬عالية‭ ‬وبمرامٍ‭ ‬إنسانية‭ ‬النزعة‭ ‬والتوجه‭. ‬

اعتقدت‭ ‬لفترة‭ ‬أن‭ ‬خلف‭ ‬هذه‭ ‬المجلة‭ ‬الأنيقة‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬المترجمين‭ ‬والمحررين‭ ‬وإدارة‭ ‬تحرير،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬جهة‭ ‬رسمية‭ ‬أو‭ ‬شعبية‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬عالمية‭ ‬تصرف‭ ‬عليها‭ ‬مبالغ‭ ‬محترمة‭ ‬كي‭ ‬تأتي‭ ‬للقارئ‭ ‬بحلتها‭ ‬الرائعة‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬اكتشفته‭ ‬لاحقاً،‭ ‬أثار‭ ‬تعجّبي‭ ‬واستعجابي،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬السيدة‭ ‬مارجريت‭ ‬أوبانك‭ ‬وزوجها‭ ‬الأستاذ‭ ‬صموئيل‭ ‬شمعون،‭ ‬وحدهما‭ ‬وبجهدهما‭ ‬الذاتي‭ ‬وبنفقتهما‭ ‬الخاصة،‭ ‬يقفان‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الفذ‭ ‬والمتفرد‭ ‬والمخلص‭ ‬للأدب‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭.‬

ربما‭ ‬كانت‭ ‬مجلة‭ ‬ابانيبالب‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬ولع‭ ‬مارجريت‭ ‬وصموئيل‭ ‬بنصوص‭ ‬معينة،‭ ‬لكن‭ ‬تاريخاً‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬والاستمرار‭ ‬والتراكم‭ ‬المعرفي‭ ‬والإبداعي،‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬ابانيبالب‭ ‬معلماً‭ ‬لافتاً‭ ‬للإبداع‭ ‬العربي‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬جامعات‭ ‬أوربا‭ ‬واليابان‭ ‬وأمريكا،‭ ‬صار‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬المجلة‭ ‬في‭ ‬اتصاله‭ ‬ووصله‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي،‭ ‬ويعتمدها‭ ‬مصدراً‭ ‬أساسياً‭ ‬متفرداً‭ ‬لنتاج‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭.‬

مجلة‭ ‬ابانيبالب‭ ‬بجهد‭ ‬العزيزين‭ ‬اماجيب‭ ‬واسامب،‭ ‬وبتضحياتهما‭ ‬ومثابرتهما‭ ‬صارت‭ ‬معلماً‭ ‬ثقافياً‭ ‬عالمياً،‭ ‬وسفيراً‭ ‬للأدب‭ ‬والفن‭ ‬العربيين‭ ‬لدى‭ ‬العالم‭ ‬الآخر‭. ‬ومؤكد‭ ‬أن‭ ‬المجلة‭ ‬وعبر‭ ‬خبرة‭ ‬عريضة‭ ‬تجاوزت‭ ‬الخمس‭ ‬عشرة‭ ‬سنة،‭ ‬قد‭ ‬حفرت‭ ‬لنفسها‭ ‬سمعة‭ ‬أدبية‭ ‬وحضوراً‭ ‬ثقافياً‭ ‬عنوانه‭ ‬المصداقية‭ ‬ولغته‭ ‬الحداثة‭.‬

لقد‭ ‬حظيت‭ ‬المجلة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بموقع‭ ‬متميّز‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬لندن،‭ ‬يؤمن‭ ‬لها‭ ‬عملها‭ ‬اليومي‭ ‬في‭ ‬جوٍ‭ ‬مريح‭ ‬وعملي،‭ ‬لكن‭ ‬الواجب‭ ‬يتطلب‭ ‬منا‭ ‬نحن‭ ‬الأدباء‭ ‬والفنانين‭ ‬والمثقفين‭ ‬العرب،‭ ‬أفراداً‭ ‬ومؤسسات،‭ ‬المؤمنين‭ ‬بأهمية‭ ‬وجدوى‭ ‬الإبداع‭ ‬والثقافة،‭ ‬وأنهما‭ ‬الجسر‭ ‬الأوحد‭ ‬المتبقي‭ ‬لنا‭ ‬للتواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬العنف‭ ‬والتوحش‭ ‬الأعمى،‭ ‬يتطلب‭ ‬منّا‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المجلة‭ ‬وأن‭ ‬ندعم‭ ‬وجودها‭ ‬واستمرارها‭ ‬بشكل‭ ‬ملموس،‭ ‬وألا‭ ‬نبخل‭ ‬عليها‭ ‬بالمداد‭ ‬المالي‭ ‬السخي،‭ ‬الذي‭ ‬يؤمن‭ ‬بقاءها‭ ‬واستمرار‭ ‬عطائها‭ ‬الباهر‭.‬

الصديقان‭ ‬العزيزان‭ ‬مارجريت‭ ‬وصموئيل‭ ‬بعد‭ ‬توطد‭ ‬معرفتي‭ ‬بهما،‭ ‬وتكرر‭ ‬زياراتي‭ ‬للندن،‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنهما‭ ‬قد‭ ‬نذرا‭ ‬عمريهما‭ ‬للثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والمبدع‭ ‬العربي‭. ‬وأنهما‭ ‬ترجما‭ ‬ويترجمان‭ ‬عشقها‭ ‬عبر‭ ‬أعداد‭ ‬المجلة‭ ‬الأجمل،‭ ‬وأنهما‭ ‬أكثر‭ ‬إخلاصاً‭ ‬وحرصاً‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬ونتاج‭ ‬المبدع‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬العربية‭ ‬الرسمية‭ ‬والأهلية‭. ‬

إن‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬الصديقة‭ ‬العزيزة‭ ‬مارجريت‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلي‭ ‬تعني‭ ‬تقديم‭ ‬شكر‭ ‬وتقدير‭ ‬واجبين‭ ‬لسيدة‭ ‬إنجليزية‭ ‬كانت‭ ‬ولم‭ ‬تزل‭ ‬مخلصة‭ ‬للإبداع‭ ‬العربي‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬وأنها‭ ‬منذ‭ ‬تبدأ‭ ‬يومها‭ ‬باكراً‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬تأوي‭ ‬إلى‭ ‬فراشها‭ ‬لا‭ ‬يشغل‭ ‬بالها‭ ‬سوى‭ ‬مجلة‭ ‬ابانيبالب‭ ‬وكيفية‭ ‬تأمين‭ ‬صدور‭ ‬عددها‭ ‬المقبل‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬وجه‭.‬

لك‭ ‬يا‭ ‬اماجيب‭ ‬الغالية‭ ‬تحية‭ ‬تقدير‭ ‬وإعزاز،‭ ‬ولك‭ ‬دائماً‭ ‬تحية‭ ‬مودة‭ ‬خالصة،‭ ‬ولك‭ ‬أهمس‭ ‬بسرٍّ‭ ‬يخصني،‭ ‬فأنا‭ ‬وكلما‭ ‬دار‭ ‬ببالي‭ ‬الجهد‭ ‬المتفاني‭ ‬الذي‭ ‬تقومين‭ ‬به‭ ‬للمبدع‭ ‬العربي‭ ‬وللثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬أردد‭ ‬في‭ ‬نفسي‭: ‬أطال‭ ‬الله‭ ‬بعمر‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬الرائعة،‭ ‬وجعلها‭ ‬منارة‭ ‬نور‭ ‬وعطاء‭ ‬للإبداع‭ ‬العربي‭ ‬ووصله‭ ‬بالعالم‭ ‬الآخر‭ .