ملف فلسطين: بعد 62 عامًا على النكبة و44 عامًا على النكسة الفلسطينيون والدولة .. الشكل والمضمون!

ملف فلسطين: بعد 62 عامًا على النكبة و44 عامًا على النكسة الفلسطينيون والدولة .. الشكل والمضمون!
        

          ما الفرق بين ما قبل شهر سبتمبر وما بعده بالنسبة للشعب الفلسطيني الماضي من زمن طال نحو دولته؟
أغلب الظن، وبناء على المعطيات الدولية، فإن شهر سبتمبر لن يأتي بجديد، وسيكون استمرارًا لما قبله، إلا باستثناء متوقع من خلال أن يعاد الحديث عن وعد الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة في جلسة الجمعية العامة القادمة، وليس تنفيذ الوعد. وليس سرّا أن الولايات المتحدة والدول الفاعلة ستلتف على طلب الفلسطينيين بالاعتراف بالدولة في حدود الرابع من يونيو عام 1967!

 

          كان من المفروض أن تبدأ مفاوضات الحل النهائي، بعد من 3 إلى5 سنوات من البدء في الاتفاقية، فكان العام 1998 هو عام استحقاق حسم قضايا الحل النهائي، الذي من المفروض فيه أيضا إعلان دولة فلسطينية، وتحول سلطة الحكم الذاتي إلى سلطة دولة ذات سيادة!

          وحينما مرت 5 سنوات، ولم نبدأ بعد بالمفاوضات النهائية، ولولا الضغط الأمريكي على حكومة نتنياهو لما وقعت أصلاً اتفاقية الخليل، وقد انشغلنا كفلسطينيين في تطبيق بنود اتفاقية أوسلو، مطالبين إسرائيل بنبضات متتالية من الانسحابات؛ بمعنى أنه - مع الأسف - لم تطبق إسرائيل النبضات المتفق عليها، فجاء عام الاستحقاق 1998 - 1999 ونحن لم ننته بعد مما اتفقنا عليه مع دولة إسرائيل، التي سوغت وبررت عدم تنفيذ الانسحابات لأسباب أمنية!

          وحينما تم توقيع مذكرة واي ريفر، التي بموجبها كان من المفروض تنفيذ بقية النبضات المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي المتفق عليه حسب اتفاقية أوسلو أصلاً، كان قادة إسرائيل  يتحدثون عن نبضات واي ريفر كأنها بديل لقضايا الحل النهائي.

          إحباط سياسي لدى الفلسطينيين حصل، وانسجم ذلك مع سوء للإدارة والبناء المؤسساتي، وتأزّم الوضع السياسي في فلسطين وإسرائيل فدعا نتنياهو إلى انتخابات مبكرة فخسر حزبه، فتفاءلنا قليلاً بوصول إيهود باراك لحكومة إسرائيل، وكان ما كان من مفاوضات كامب ديفيد 2، عام 2000، وما لاقته من فشل بسبب العقد الإسرائيلية، ولم يمر سوى أسابيع حتى انطلقت الانتفاضة الثانية التي وظفتها إسرائيل توظيفًا سياسيًا ناجحًا من خلال حسم القضايا، وتتويج تفريغها لقضايا الحل النهائي.

          ومرت سنوات وإسرائيل تمعن في تفريغ قضايا الحل النهائي (الحدود، القدس، اللاجئين، المستوطنات، المياه،...) من مضامينها ومرجعياتها الدولية وصولا إلى مؤتمر أنابوليس الهش الذي دخله المفاوضون الإسرائيليون بتصريحات وقحة عن المواقف المعلنة الرافضة لبحث فعلي لتلك القضايا، واختزالها بشكليات لا تسمن ولا تغني من جوع. ثم كانت محطة أنابوليس التي في سياقها أعلن الرئيس بوش الابن عن وعده بإيجاد دولة فلسطينية قابلة للحياة. وما أن استأنفنا بحث قضايا الحل النهائي، عام 2007، حتى جمدتها منظمة التحرير بسبب استمرار الاستيطان.

          من عام 1999 حتى الآن.. سنوات عجاف سياسيًا، لم يتم فيها إنجاز على المستوى الفلسطيني، في حين بطشت إسرائيل بالقرارات الدولية، ورسخت احتلالها للأرض المحتلة كأمر واقع، متوجة ذلك ببناء جدار الفصل والضم العنصري الذي قضم أراضي كثيرة لمصلحة الاستيطان.

          تأجيل مستمر لمفاوضات الوضع النهائي فرّغ الدولة الفلسطينية من مضامينها.. وجعلها شكلاً هشًا.

          حول شكل الدولة الفلسطينية ومضمونها في طريق الفلسطينيين نحوها في سبتمبر القادم، التقت «العربي» نخبة من الفلسطينيين فكانت آراؤهم مبنية حول الشكل والمضمون.

          لقد تفاوتت آراء المستطلعة آراؤهم ما بين المؤيد لتكرار الإعلان وطلب الاعتراف الدولي (قلة) وبين غير المتحمس لذلك (أغلبية)، في حين ظهر تباين غير شديد في موضوع توافر مستلزمات الدولة.

          من الممثلين للرأي الأول المهندس ماهر يعقوب من طولكرم، الذي ينصح الرئيس الفلسطيني بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أراضي عام 1967، بالرغم من عدم حل قضايا الوضع النهائي، حيث يرى يعقوب أن التفاوض مستقبلاً يكون بين دولتين. أي يعلن عن إقامة دولة معترف بها دوليا وهي تستأنف التفاوض على القضايا النهائية. وهو يرى أن مستلزمات الدولة جاهزة، ولم يتبق سوى أمور رمزية كالعملة، فالدولة قائمة فعلا.

          ويضيف يعقوب أن فلسطين حين كانت تحت الانتداب البريطاني كانت من البلاد المصنفة A أي الأكثر تهيئة لتصبح دولة، وهذا كان قبل بضعة عقود فما بالك اليوم؟

          يشاركه الرأي شاكر الصفدي من نابلس، وهو يرى أن تأمل فتح الحدود وما سيكون له من آثار اقتصادية كفيل بأن يدعم وجود الدولة. وهو يأخذ السياحة العربية والعالمية كمثال على حيوية الاقتصاد الفلسطيني الذي سيكون عليه في حال نيل الاستقلال. فالملايين المتعطشة لزيارة فلسطين تنعش الاقتصاد الفلسطيني.

قائمة على الأرض

          القيادي الفلسطيني نبيل عمرو، بالرغم من أنه يرى الدولة قائمة فعلا على الأرض، فإنه  يرى أن الأهم هو وجود غطاء سياسي للدولة، وهذا يجب أن يتوافر من إسرائيل أولاً. الشعب يدرك أن العالم يريد دولة فلسطينية، ونصف الرأي العام الإسرائيلي مع الدولة، فالمهم هو مواصفات الدولة.

          وحول الموقف الأمريكي، ذكر أن الموقف الأمريكي هو مع الدولة، الخلاف ليس على المبدأ، بل على كيفية ولادة الدولة، وهذا يحتاج إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين بدعم دولي لتسهيل الاتفاق. أما في سبتمبر فيتوقع عمرو أن تكون جلسة الجمعية العامة بمنزلة تظاهرة تأييد للدولة.

          وعن قضايا الوضع النهائي، قال عمرو إنها تشكل جوهر الصراع ليس الفلسطيني - الإسرائيلي بل والعربي، فمسألة الحدود لها علاقة بالدول المحيطة، ومشكلة اللاجئين كذلك، وأنه لا يمكن القبول باللاءات، لا بدّ أن يكون هناك حل واقعي عملي يفرضه العالم.

          وحول خشية الفلسطينيين من الدولة المؤقتة، يعيد عمرو ذلك إلى خوف الطبقة السياسية الرسمية من تحول المؤقت إلى دائم. وحتى يذهب هذا التخوف لا بدّ من ضمانات دولية بألا يتحول المؤقت إلى دائم.

          أما شروط الدولة الاقتصادية، فرأى أن لدى الفلسطينيين إمكانات قيامها، بالرغم من وجود الحاجة للدعمين العربي والدولي. ويضيف أن «الاقتصاد سيتحسن من خلال سيطرة الفلسطينيين على الحدود وحرية دخول السياحة مثلاً وتطوير الزراعة وإيجاد علاقات مع الدول الصناعية.. «نحن شعب صغير وليس كبيرًا، ومستوانا الاقتصادي أفضل بكثير من غيرنا».

          وتفاءل عمرو بأن تحوّلات الربيع العربي يمكن أن تدفع بتسريع قيام الدولة الفلسطينية.

عقد كثيرة الاستيطان أسوؤها

          تضع الصحفية المقدسية شفيقة منصور الأرض كشرط لتحقق أي دولة، وفي الحالة الفلسطينية فإن الأرض ليست محتلة فقط، بل تعاني من الاستيطان الذي يعيق انفتاح الأرض على بعضها كأي أرض لأي دولة. وتضيف بأن إسرائيل نجحت في اعتبار وجود الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية أمرًا مقبولاً به، وأمرًا واقعًا، وفقط يحتاج تثبيته إلى إجراءات، حيث صار مضمونا لدى إسرائيل اقتطاع تلك الأرض من الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل.. وصار الخطاب حول المستوطنات هو من باب تكييف الحلول لتلائم الأمر الواقع الإسرائيلي، في حين يعوض الفلسطينيون بأراض في النقب تضم إلى غزة.. ولأن إسرائيل ماضية في غيها ونفيها لفلسطين، فقد تفتق ذهن باحثيها في مؤتمر هرتسليا الثامن عما صار يسمى رسميًا في الإعلام بتبادل الأراضي، والذي من خلاله تجاوز الباحثان عوزي أراد وجدعون بيغر حدود فلسطين التاريخية محل النزاع إلى الدول المحيطة، ليقص من هذه الدولة ويمنح تلك:

          ويقتصر التبادل المزعوم على منح الفلسطينيين مساحة من أراضي صحراء النقب، مقابل ضمّ الكتل الاستيطانية لإسرائيل، فمن هذا المنظور فإن الورقة الإسرائيلية تقترح تبادل الأراضي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بحيث تضم إسرائيل 3% من مساحة الضفة إليها، وتشمل الكتل الاستيطانية، منطقة الأغوار وصحراء الخليل، أو ما تطلق عليها «صحراء يهودا»، وهي المنطقة الممتدة على طول الحدود الشرقية لمحافظة الخليل حتى البحر الميت، وبالمقابل، يحصل الفلسطينيون على أراضٍ على طول الخط الأخضر، مع سكانها، أو من دونهم، والقصد هنا، مناطق في المثلث، منها: كفر قاسم، باقة الغربية، أم الفحم، وغيرها من البلدات العربية.

          وتضيف منصور: بالطبع لابد من صفقة واسعة بين دول المنطقة، وهي: فلسطين، إسرائيل، الأردن، مصر، لبنان، سورية، فالاقتراحات الإسرائيلية السابقة، تمنح الفلسطينيين أراضيَ في صحراء النقب، مقابل ضمّ الكتل الاستيطانية،  وذلك يعني السيطرة على مصادر المياه في الحوض الشرقي، والاستيلاء على سلّة الغذاء الفلسطينية، وهي الأراضي الزراعية الخصبة التي ضمّها الجدار، إضافة إلى منطقة الأغوار، في مقابل مساحات صحراوية قاحلة، وتختم حديثها متسائلة عن مستقبل أرض الدولة الفلسطينية في ظل هذه النوايا.

وماذا يعني حتى تجميد الاستيطان؟

          د. حسان العامودي طبيب في القدس، يرى أن الدولة الفلسطينية من المنظور الإسرائيلي ثلاثة معازل في شمال الضفة ووسطها وجنوبها، فالكتل الاستيطانية القائمة حالياً، بشكلها الجغرافي والديمغرافي لا تعني غير نسف أي إمكان أصلا لوجود دولة فلسطينية، فإذا أضفنا تهويد القدس، ويهودية الدولة، والاستيلاء على الأغوار فماذا يتبقى من الأرض المحتلة عام 1967؟

          ثلاثة معازل في شمال الضفة ووسطها وجنوبها، تعني بالتأكيد، إبقاء الأراضي الفلسطينية معزولة ضعيفة لا اتصال فعليًا بينها، ولا مع غزة التي يخطط لها أمر آخر هو بمنزلة نزع الأمل الأخير في وجود دولة فلسطينية كاملة السيادة في الضفة والقطاع.

          أما الحديث عن تجميد المستوطنات فهو أمر يثير السخرية، فقد امتلأت الأرض المحتلة بالمستوطنات، ولم يعد فيها أصلا أماكن ملائمة للاستيطان!

          القيادي أحمد غنيم من القدس أجاب عن التساؤل القائم حول كون استحقاق أيلول خيار الفلسطينيين لهذه المرحلة، حيث اعتبر تصريح الرئيس أوباما بأنه يريد ويرغب أن يرى فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة في سبتمبر 2011، أساسًا لهذا الاستحقاق، الذي يرتكز على أسس قانونية للتوجه للأمم المتحدة بثلاثة مداخل أساسية، وهي العامل السياسي والعامل القانوني والعامل الإجرائي.

          وأضاف أن الفلسطينيين لن يذهبوا للأمم المتحدة إلا إذا كانوا جاهزين ويملكون الأركان القانونية المتمثلة بمجموعة من القرارات الدولية التي تمكنهم من أن يكون لهم دولة في حدود عام 1967.

          أما في حال رفض طلب الاعتراف، فهو يرى أنه يجب تقديم طلب للأمم المتحدة لاستصدار قرار بالاعتراف بدولة فلسطينية بكامل عضويتها.

          في هذا السياق ففي الوقت الذي يدعو فيه القيادي الفلسطيني المعروف محمد بركة من فلسطينيي عام 1948 إلى تحرك شعبي واسع للتعاطف مع القضية، فإنه يعود إلى الواقعية السياسية بقوله إن الحل في النهاية يكون عن طريق المفاوضات. أما خيار الذهاب إلى الأمم المتحدة فيبقى قائمًا.

مستلزمات الدولة والمحاذير

          ولا تبتعد رشا عمر (تربوية من رام الله) عن التصورات الموضوعية والواقعة على الأرض، فليس هناك آليات لإرغام إسرائيل على الانسحاب من الأرض المحتلة.

          أما مستلزمات الدولة فترى أن إسرائيل كدولة محتلة تعيق النمو الفلسطيني، وفي حال الخلاص من الاحتلال فإن كثيرًا من الأمور ستتحسن، فالفلسطينيون كشعب يتحفز للعمل والعطاء، ويتوافر هنا العلم ورأس المال وقوة العمل الشابة.

          ورأت عمر أن الأولوية هي ضمان الحقوق وليس الانشغال بما هو شكلاني في مسألة الدولة. وتضيف: لا نريد دولة مسخًا، ولا دولة تحت الاحتلال. ودعت إلى تقوية الوحدة الوطنية ودعم المؤسسات خصوصًا التربية والصحة.

          ويشير  الباحث الاقتصادي محمد سالم من الخليل إلى محذورات الحديث عن الدولة، ويرى أن هناك نقصًا في مستلزمات وشروط إعلان الدولة، وهو ليس مع الإعلان في هذه المرحلة، ويدعو أولا إلى توفير لوازم الدولة، ليس في الصحة والتربية والتعليم بل وفي البنية التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي. ومادمنا غير مسيطرين على الحدود فلن نكون مهيأين لذلك، ويضيف أن فلسطين غير مهيأة اقتصاديًا للدولة. وهو بذلك يختلف عن آخرين ذكروا أن هناك جاهزية للدولة. ويضيف: كيف سيكون لدينا دولة من دون عاصمة؟

واللاجئون؟!

          «لست مع إعلان الدولة.. بل ما أريد هو ضمان حق العودة..». هذا ما انفعلت به الأديبة والتربوية زينب حبش اللاجئة من يافا والمقيمة في رام الله.

          وتوضح: حق العودة هو الذي يثبتني في الوطن، وهو أهم من كل التسميات، فليس طموحنا دولة معاقة.. دولة لا حول لها ولا قوة هي دولة مسخ يجب عدم الانشغال بها. وتتساءل كيف تكون دولة ومستوطنات وتوطين لاجئين خارج فلسطين.

          وتفضّل حبش الاحتلال على التفريط بحق العودة. وتؤكد على مضمون الحقوق لا الشكليات. وتنتظر اللحظة التاريخية التي تكون مناسبة لقيام دولة حية.

          وأضافت أن دولة من دون حق عودة ليست دولة، وأن التأخير لتحقيق دولة أفضل من واحدة مسخ. وتبدي معارضتها لأي اتفاق مرحلة يلغي حق العودة، في ظل أن ضغط العالم على إسرائيل غير مضمون.

طوباوية الدولة

          «قد تبدو الفكرة طوباوية، أو مغرقة في الركض وراء أوهام براجماتية، ولكنها استطاعت حتى الآن إثارة كل هذا الاهتمام المحلي، والعربي، والدولي». هذا ما علّق به الكاتب والمحلل السياسي أسامة العيسة من بيت لحم. العيسة الذي يعيش في مخيم الدهيشة على تماس مع المواطنين واللاجئين، لذا فهو يتحدث عن مشاعر الناس وأفكارهم.

          يقول: على الصعيد المحلي، ومن خلال استمزاجي اليومي لآراء مواطنين، فإنهم لا يأخذون الأمر على محمل الجد، ومنهم مَن يسخر منه، وهم يرون النشاط الاستيطاني المتسارع، وإجراءات الاحتلال المختلفة، وهي تغير طبيعة فلسطين، وتصنع تاريخا على أرضها، بقوة الحديد والنار.

          «معقول سيكون لدينا دولة..!» لا أحد يصدّق ذلك هنا، وفي الوقت ذاته لا يريد أحد أن يرى «دولة شكلية»، إعلانًا رمزيًا آخر، كما حدث مثلا عام 1988، وقبلها بعد النكبة، بإعلان دولة عموم فلسطين.

          ويضيف: وأمر آخر قد لا يكون أقل أهمية، في الهوجة الإعلامية حول الدولة، يمكن ملاحظته لدى ناس فلسطين، وهو عدم ثقتهم بالقيادة الفلسطينية، ويشعرون بأنها ستتراجع، عما أصبح يعرف باستحقاق أيلول، بغض النظر عن الموقف منه، وقد يكون الطلب من القيادة الفلسطينية، الانتباه لترميم علاقتها مع شعبها، غير واقعي، مع استمرار تراث من عدم أخذ مشاعر ومطالب الناس بالاعتبار. والنظر إليهم كأرقام ويُستخدمون كاحتياطي في الشعارات والهبَّات مثل: «ع القدس رايحين شهداء بالملايين».

          الذهاب قدما في «استحقاق أيلول» جاء تعبيرا عن مأزق ما عُرف بمسيرة السلام، التي لا تنتهي، ولم يعد مجديًا إجراء أي عمليات جراحية لها، سمعت الرئيس أبو مازن يقول قبل أشهر في بيت لحم: «قدمت كل ما طلبوه مني، والتزمت بخريطة الطريق وكل الاتفاقيات، ولا أعرف ماذا يريدون مني»؟

          القيادة تذهب الى هذا الاستحقاق وهي مأزومة، وربما تعلم، كما أرى، أن ذلك لا يمثل حلا استراتيجيا لصراع طال أكثر من اللازم، وأخشى في الوقت ذاته، أن يشكل تراجعا، عن قرارات دولية سابقة مثل قراري الجمعية العامة 3236 لعام 1974، و3376 لعام 1975 بشأن تأسيس لجنة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف (حق تقرير المصير، والدولة المستقلة كاملة السيادة، والعودة إلى الديار الأصلية).

          هذه القرارات هي التي تجعلنا نتمسك بما يسمى الشرعية الدولية، وأخشى أن يصبح هناك سقف جديد آخر للمطالب الفلسطينية وهي «استحقاق أيلول»: دولة شائهة على الورق، لا تتحقق، وإنما ستصبح عنوانا لأدبيات سياسية فلسطينية لعقود مقبلة، مع استمرار الصراع الذي يحتاج، من الجانب الفلسطيني، أولا وقبل كل شيء إلى قيادة من نوع آخر، غير تلك التي قادت شعبنا خلال القرن العشرين.

رغمًا عنهم!

          عبدالحكيم أبو جاموس موظف في السلطة الوطنية من نابلس يؤكد على أن إسرائيل كدولة محتلة لا تريد منح الفلسطينيين ما يرغبون به، لكنها ستكون مضطرة لذلك. وهي لا تستطيع الوقوف أمام إرادة الشعب الفلسطيني وإرادة العالم. لكنه يرى أن العالم يجب أن يمارس ضغوطه على إسرائيل أولاً.

          أما سبتمبر فوفقا لأبي جاموس، فإنه إذا لم تتحقق فيه وجود الدولة، فإن الشعب الفلسطيني سيكون في طريقه الحتمي نحو الحرية والاستقلال. فإمكاناتنا موجودة وهي تكبر، ودعم الأشقاء العرب عنصر أساسي سيساهم في توفير شروط الدولة.

          ما بين التفاؤل والتشاؤم والسخرية، ومطالبة العيسة بإيجاد قيادة جديدة، سيعبر الفلسطينيون سبتمبرهم كأنه آب ومن قبل كتموز.
-----------------------------------
* كاتب من القدس.

 

 

 

 

تحسين يقين