د. أيمن فؤاد السيد: انحسار النشر العلمي الجاد للتراث العربي

د. أيمن فؤاد السيد:   انحسار النشر العلمي الجاد للتراث العربي

كانت‭ ‬كلمات‭ ‬الدكتور‭ ‬عبادة‭ ‬كحيلة‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬صاحب‭ ‬فكرة‭ ‬كتاب‭ ‬البحوث‭ ‬المُهداة‭ ‬إلى‭ ‬الدكتور‭ ‬أيمن‭ ‬فؤاد‭ ‬السيد‭ ‬حاضرة‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬عندما‭ ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬حوار‭ ‬معه،‭ ‬حيث‭ ‬استهل‭ ‬مُقدمة‭ ‬الكتاب‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬أيمن‭ ‬فؤاد‭ ‬سيد‭ ‬أرَّخ‭ ‬فكان‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬التأريخ،‭ ‬وحقق‭ ‬فكان‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬التحقيق،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬الفنين‭ ‬والإجادة‭ ‬فيهما‭ ‬جدير‭ ‬بهما‭ ‬أن‭ ‬يعطيا‭ ‬لصاحبهما‭ ‬مكانة‭ ‬هو‭ ‬أهل‭ ‬لها،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬قوماً‭ ‬أكل‭ ‬الحسد‭ ‬قلوبهم،‭ ‬فمن‭ ‬انتسب‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬التأريخ‭ ‬قال‭: ‬‮«‬هو‭ ‬محقق‭ ‬وليس‭ ‬مؤرخاً‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬انتسب‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬التحقيق‭ ‬قال‭: ‬‮«‬هو‭ ‬مؤرخ‭ ‬وليس‭ ‬محققاً‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬نسي‭ ‬هؤلاء‭ ‬أو‭ ‬تناسوا‭ ‬أنه‭ ‬أرَّخ‭ ‬فجوَّد‭ ‬في‭ ‬التأريخ‭ ‬وحقق‭ ‬فجوَّد‭ ‬في‭ ‬التحقيق،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يجوِّدوا‭ ‬حين‭ ‬أرخوا‭ ‬وحين‭ ‬حققوا‮»‬‭.‬

‭ ‬ساهم‭ ‬أيمن‭ ‬فؤاد‭ ‬السيد‭ ‬في‭ ‬إثراء‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬تحقيق‭ ‬المخطوطات‭, ‬وأخذ‭ ‬من‭ ‬المُستشرقين‭ ‬منهج‭ ‬تحقيقها‭, ‬وأخلص‭ ‬فيه‭ ‬إخلاصاً‭ ‬كاملاً‭, ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المقدمات‭ ‬التي‭ ‬قدم‭ ‬بها‭ ‬تحقيقاته‭ ‬كافية‭ ‬وافية‭ ‬لمضمون‭ ‬المخطوط‭ ‬المُحقق‭,  ‬وعلمه‭ ‬واجتهاده‭ ‬أنصفاه‭ ‬ضد‭ ‬ظُلم‭ ‬البعض‭ ‬له‭, ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفرُّده‭ ‬في‭ ‬تحقيقاته‭ ‬وتمسكه‭ ‬بمبادئه‭. ‬التقيت‭ ‬أيمن‭ ‬فؤاد‭ ‬السيد،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭:‬

‭<‬‭ ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬النُّصوص‭ ‬القديمة‭ ‬الضائعة؟

‭- ‬يُعد‭ ‬ذلك‭ ‬أحد‭ ‬أهداف‭ ‬النشر‭ ‬النقدي‭ ‬للنصوص،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشر‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬نشره‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭, ‬وإعادة‭ ‬نشر‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬طبعات‭ ‬غير‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬بولاق‭ ‬والجوائب‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬المطابع،‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬نسخ‭ ‬اعتمدت‭, ‬والنشرات‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬لها‭ ‬نسخ‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬أو‭ ‬نفدت‭ ‬طبعاتها‭ ‬الأصلية‭ ‬الأولى،‭ ‬ثم‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬النصوص‭ ‬المفقودة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬إحاطة‭ ‬بالموضوع‭ ‬المعني‭ ‬واطلاعاً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نُشر‭ ‬منه،‭ ‬أو‭ ‬لايزال‭ ‬مخطوطاً‭ ‬منه‭ ‬وبالتالي‭ ‬يجعلنا‭ ‬نعتمد‭ ‬على‭ ‬المصادر‭ ‬الأصلية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬الوسيطة‭, ‬وهو‭ ‬عمل‭ ‬لا‭ ‬يتصدى‭ ‬له‭ ‬إلا‭ ‬شخص‭ ‬مهموم‭ ‬بقضية‭ ‬ويستطيع‭ ‬تتبع‭ ‬مصادرها‭ ‬ومظانها‭ ‬حتى‭ ‬يُعيد‭ ‬بناء‭ ‬النص‭ ‬القديم،‭ ‬مثال‭ ‬ذلك‭: ‬اللبناني‭ ‬ميخائيل‭ ‬عواد‭ ‬قام‭ ‬بنشر‭ ‬صفحات‭ ‬نصوص‭ ‬ضائعة‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الوزراء‮»‬‭ ‬للجهشياري‭, ‬بينما‭ ‬قمت‭ ‬بنشر‭ ‬نصوص‭ ‬ضائعة‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬المسبحي‭, ‬ابن‭ ‬المأمون‭, ‬ابن‭ ‬الطوير‭.‬

‭<‬‭ ‬مهنة‭ ‬التحقيق‭ ‬العلمي‭ ‬والنقدي‭ ‬للنصوص‭ ‬حالياً‭,‬‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬جيدة؟

‭- ‬برغم‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬تصدى‭ ‬لنشر‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭  ‬كان‭ ‬أغلبه‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬بقــــضايا‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬عمومه،‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬من‭ ‬الأكاديمييـــــن،‭ ‬فإن‭ ‬عطـــاءهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬يفوق‭ ‬بكثير‭ ‬عطاء‭ ‬الدارسين‭ ‬الأكاديميين‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬القيمة‭ ‬وخدمة‭ ‬النص‭ ‬أمثال‭: ‬محمد‭ ‬كرد‭ ‬علي،‭ ‬الشقيقين‭ ‬أحمد‭ ‬ومحمود‭ ‬شاكر‭, ‬محمد‭ ‬أبوالفضل‭ ‬إبراهيم‭, ‬السيد‭ ‬أحمد‭ ‬صقر‭, ‬محمد‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬عبدالحميد‭, ‬مصطفى‭ ‬جواد‭, ‬محمد‭ ‬بهجت‭ ‬الأثري‭, ‬فؤاد‭ ‬سيد،‭ ‬وربما‭ ‬يرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجامعات‭ ‬لا‭ ‬تعتبر‭ ‬النشر‭ ‬النقدي‭ ‬للنصوص‭ ‬عملا‭ ‬إبداعيا‭ ‬تعتمده‭ ‬لجان‭ ‬الترقيات،‭ ‬برغم‭ ‬أنه‭ ‬الباب‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬يدخل‭ ‬منه‭ ‬الباحث‭ ‬إلى‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية،‭ ‬ويتعرف‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الموسوعية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬فإن‭ ‬التحقيق‭ ‬العلمي‭ ‬والنقدي‭ ‬للنصوص‭ ‬يتطلب‭ ‬جهدا‭ ‬كبيرا‭ ‬ووقتا‭ ‬طويلا‭ ‬يجعل‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬يفضل‭ ‬كتابة‭ ‬مقالة‭ ‬في‭ ‬دورية‭ ‬علمية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتصدى‭ ‬لنص‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬مجلداته‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬مجلدات،‭ ‬برغم‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المستشرقين‭ ‬الذين‭ ‬اهتموا‭ ‬بنشر‭ ‬النصوص‭ ‬القديمة‭ ‬عندما‭ ‬سألتهم‭ ‬عن‭ ‬نشاطهم‭ ‬العلمي‭ ‬كانت‭ ‬إجابتهم‭ ‬أن‭ ‬أساتذتهم‭ ‬طلبوا‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬ينشروا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬نصين‭ ‬مهمين،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينخرطوا‭ ‬في‭ ‬دراستهم‭ ‬الأكاديمية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يوجه‭ ‬أو‭ ‬يُشرف‭ ‬على‭ ‬أمثال‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬قد‭ ‬انقضى‭ ‬برحيل‭ ‬جيل‭ ‬الرواد،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أقسام‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬تُخصص‭ ‬منهجا‭ ‬علميا‭ ‬للقواعد‭ ‬العلمية‭ ‬لتحقيق‭ ‬النصوص‭ ‬حتى‭ ‬يمكن‭ ‬تخريج‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬المُحققين‭. ‬وقد‭ ‬يمثل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬النُسخ‭ ‬الخطية‭ ‬من‭ ‬المخطوطات‭ ‬صعوبة‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬أسلوب‭ ‬التصوير‭ ‬الرقمي‭ ‬للنسخ‭ ‬الخطية‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬ييسر‭ ‬هذه‭ ‬المهمة،‭ ‬وخصوصا‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬كُتب‭ ‬مرجعية،‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬لبروكلمان‭, ‬‮«‬تاريخ‭ ‬التراث‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬لفؤاد‭ ‬سيزكين‭.‬

‭<‬‭ ‬حركة‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬أين؟

‭- ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬النشر‭ ‬العلمي‭ ‬الجاد‭ ‬للتراث‭ ‬العربي‭ ‬آخذاً‭ ‬في‭ ‬الانحسار،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تظهر‭ ‬فيه‭ ‬نشرات‭ ‬تجارية‭ ‬وغير‭ ‬علمية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬النصوص،‭ ‬وانصراف‭ ‬المحققين‭ ‬التجاريين‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬كُتب‭ ‬السحر‭ ‬والجماع‭ ‬وما‭ ‬شابهها‭ ‬ولم‭ ‬يوجهوا‭ ‬اهتمامهم‭ ‬إلى‭ ‬النشر‭ ‬العلمي‭ ‬الحقيقي‭ ‬للمصادر‭ ‬المعتبرة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬الأدب‭ ‬أو‭ ‬علم‭ ‬الكلام‭ ‬أو‭ ‬العلوم‭ ‬البحتة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المراكز‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬للتصدي‭ ‬لإخراج‭ ‬النصوص‭ ‬المُهمة‭ ‬والضخمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬إخراجها‭ ‬الناشرون‭ ‬التجاريون‭. ‬ولدينا‭ ‬مراكز‭ ‬ومؤسسات‭ ‬لتحقيق‭ ‬المخطوطات‭ ‬تتوافر‭ ‬بها‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المادية‭ ‬واللجان‭ ‬العلمية‭ ‬المُتخصصة‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬بالاختيار‭ ‬ووضع‭ ‬السياسات‭ ‬مثل‭: ‬مؤسسة‭ ‬الفرقان‭ ‬للتراث‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬لندن‭, ‬المعهد‭ ‬الألماني‭ ‬للأبحاث‭ ‬الاستشراقية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭, ‬المعهد‭ ‬الإسماعيلي‭ ‬في‭ ‬لندن‭, ‬مركز‭ ‬تحقيق‭ ‬التراث‭ ‬بدار‭ ‬الكتب‭ ‬المصرية‭, ‬وهذه‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬كاهلها‭ ‬عبء‭ ‬نشر‭ ‬التراث‭. ‬

‭<‬‭ ‬نال‭ ‬أيمن‭ ‬فؤاد‭ ‬السيد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجوائز،‭ ‬ما‭ ‬الجائزة‭ ‬التي‭ ‬تعتز‭ ‬بها؟

‭- ‬جائزة‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التراث‭ ‬العلمي‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬والتي‭ ‬تُعد‭ ‬بحق‭ - ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أطلقت‭ ‬عليها‭ - ‬نوبل‭ ‬العرب‭, ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬الخـطط‭ ‬والتـسـجيل‭ ‬الطبوغرافي‭ ‬للمدن‮»‬‭ ‬لعام‭ ‬2009‭, ‬وهناك‭ ‬زيارة‭ ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ ‬الفائزين‭ ‬السابقين‭ ‬بالجائزة،‭ ‬بهدف‭ ‬توطيد‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬المؤسسة‭ ‬والفائزين‭ ‬بجوائزها‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬مجالات‭ ‬العلوم‭ ‬والآداب،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إقامة‭ ‬اللقاءات‭ ‬والمحاضرات‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الكويت،‭ ‬ويعد‭ ‬ذلك‭ ‬شيئاً‭ ‬طيباً‭. ‬

‭<‬‭ ‬ما‭ ‬مشروعاتك‭ ‬الحالية؟

‭- ‬حاليا‭ ‬تحت‭ ‬الطبع‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬القاهرة‭: ‬خططها‭ ‬وتطورها‭ ‬العمراني‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬استغرق‭ ‬مني‭ ‬وقتا‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬إعداده،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬يتناول‭ ‬نشأة‭ ‬وتطور‭ ‬عواصم‭ ‬مصر‭ ‬الإسلامية‭ ‬مُنذ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الفسطاط‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وهو‭ ‬مزود‭ ‬بخرائط‭ ‬مساحية‭ ‬وتاريخية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ملف‭ ‬كامل‭ ‬للصور‭ ‬يُعد‭ ‬وصفاً‭ ‬مرئياً‭ ‬للقاهرة،‭ ‬وسوف‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬الهيئة‭ ‬المصرية‭ ‬للكتاب‭. ‬وهناك‭ ‬سلسلة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬مصادر‭ ‬مصر‭ ‬الإسلامية‮»‬‭ ‬وسوف‭ ‬تصدر‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬دار‭ ‬الكتب‭ ‬المصرية‭ ‬وهي‭ ‬إعادة‭ ‬نشر‭ ‬مع‭ ‬التحديث‭ ‬لكُتب‭: ‬‮«‬أخبار‭ ‬مصر‮»‬‭ ‬للمسبحي‭, ‬‮«‬السيرة‭ ‬المأمونية‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬مأمون‭, ‬‮«‬أخبار‭ ‬مصر‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬الميسر‭, ‬‮«‬نزهة‭ ‬المقلتين‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬الطوير‭, ‬‮«‬ممالك‭ ‬مصر‭ ‬والشام‭ ‬والحجاز‭ ‬واليمن‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬مسالك‭ ‬الأبصار‭ ‬في‭ ‬ممالك‭ ‬الأمصار‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬العُمري،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬نشر‭ ‬مع‭ ‬تحديث‭ ‬لكتاب‭ ‬‮«‬طبقات‭ ‬المعتزلة‮»‬‭ ‬لأبي‭ ‬قاسم‭ ‬البلخي‭, ‬والقاضي‭ ‬عبدالجبار‭, ‬والحاكم‭ ‬الجشمي‭.‬

‭<‬‭ ‬نصــيحة‭ ‬يُــسديها‭ ‬أيـــــمن‭ ‬فؤاد‭ ‬لـــــشباب‭ ‬المؤرخين؟

‭- ‬حتى‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ ‬تاريخا‭ ‬حقيقياً،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الوثائق‭ ‬والمصادر‭ ‬الأصلية‭, ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬مُلما‭ ‬بمظان‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬وما‭ ‬تضمنته‭ ‬من‭ ‬أحداث،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تصديت‭ ‬لنشر‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬مما‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬نشره‭ ‬من‭ ‬النصوص‭, ‬وأن‭ ‬تُعيد‭ ‬قراءة‭ ‬المصادر‭ ‬المُتاحة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬هذه‭ ‬المُعطيات‭, ‬ومناهج‭ ‬التفسير‭ ‬التاريخي‭ ‬للأحداث،‭ ‬مما‭ ‬يُتيح‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ ‬باطمئنان‭ ‬تفسيرا‭ ‬جديدا‭ ‬لأحداث‭ ‬العصر‭ ‬موضوع‭ ‬الدراسة‭. ‬وأنا‭ ‬شخصيا‭ ‬قُمت‭ ‬بذلك‭ ‬عندما‭ ‬أصدرت‭ ‬كتابي‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬الفاطمية‭ ‬في‭ ‬مصر‭- ‬تفسير‭ ‬جديد‮»‬‭ ‬و«القاهرة‮»‬،‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬‮«‬المواعظ‭ ‬والاعتبار‮»‬‭ ‬للمقريزي‭, ‬وكتاب‭ ‬‮«‬وصف‭ ‬مصر‮»‬‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬المعنية‭ ‬بالخطط‭ ‬وتواريخ‭ ‬الملوك‭.‬

‭<‬‭ ‬ما‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬فوجئت‭ ‬بها‭ ‬خلال‭ ‬تحقيقك‭ ‬للمخطوطات؟

‭- ‬أثناء‭ ‬قيامي‭ ‬بتحقيق‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬المواعظ‭ ‬والاعتبار‮»‬‭ ‬للمقريزي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬حُسن‭ ‬الحظ‭ ‬أن‭ ‬وقفت‭ ‬على‭ ‬المسودة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬المقريزي‭ ‬بخط‭ ‬يده‭ ‬للكتاب،‭ ‬وهي‭ ‬تمثل‭ ‬الشكل‭ ‬الأول‭ ‬لإخراج‭ ‬الكتاب‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكتمل‭ ‬صورته‭ ‬ويتعرف‭ ‬المؤلف‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬الجديدة،‭ ‬التي‭ ‬أتاحت‭ ‬له‭ ‬إعادة‭ ‬تبويب‭ ‬فصول‭ ‬الكتاب‭ ‬وتفسير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أحداثه،‭ ‬ثم‭ ‬وقفت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أصل‭ ‬المُجلد‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬إخراجه‭ ‬الأخير‭ ‬بخط‭ ‬المقريزي،‭ ‬ووجدت‭ ‬تطابقاً‭ ‬تاماً‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬النُسخ‭ ‬التي‭ ‬نُقلت‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الأصل‭ ‬بخط‭ ‬المؤلف‭ ‬الذي‭ ‬أوضح‭ ‬لنا‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬أضافها‭ ‬المقريزي‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬لاحقة،‭ ‬وتمكنت‭ ‬عن‭ ‬طريقها‭ ‬من‭ ‬تتبع‭ ‬مراحل‭ ‬مراجعة‭ ‬المقريزي‭ ‬لكتابه‭. ‬كذلك‭ ‬النسخة‭ ‬التي‭ ‬نُقلت‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬إسحاق‭ ‬النديم‭ ‬لكتاب‭ ‬‮«‬الفهرست‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬تمثل‭ ‬الأصل‭ ‬الذي‭ ‬اعتمده‭ ‬ابن‭ ‬النديم‭ ‬لكتابه‭ ‬والتي‭ ‬حرص‭ ‬الناسخ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يُحاكي‭ ‬فيها‭ ‬خط‭ ‬النديم‭ ‬وطريقته‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬معلوماته‭, ‬فالكتاب‭ ‬هو‭ ‬قائمة‭ ‬بكتب‭ ‬المؤلفين‭ ‬المختلفين‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬المختلفة‭ ‬وتطلب‭ ‬طريقة‭ ‬مُبتكرة‭ ‬في‭ ‬إخراجه،‭ ‬وحرص‭ ‬الناسخ‭ ‬على‭ ‬مُحاكاتها‭ ‬في‭ ‬النسخة‭ ‬التي‭ ‬نقلها‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬المؤلف‭.‬

‭<‬‭ ‬للبيئة‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬اتجاهك‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬تحقيق‭ ‬المخطوطات‭... ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬ذلك؟

‭- ‬توفي‭ ‬والدي‭ ‬فؤاد‭ ‬السيد‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬السابعة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬حينذاك‭, ‬وكان‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬يُشركني‭ ‬معه‭ ‬أثناء‭ ‬إجراء‭ ‬مُقابلات‭ (‬مُطابقة‭) ‬تجارب‭ ‬الطبع‭ ‬وكنت‭ ‬أقرأ‭ ‬من‭ ‬صورة‭ ‬المخطوط‭ ‬وأحيانا‭ ‬كان‭ ‬يتوقف‭ ‬أمام‭ ‬بعض‭ ‬المسائل‭ ‬المُعلقة‭, ‬وكيفية‭ ‬مُعاملاته‭ ‬مع‭ ‬المكتبات‭, ‬وأشركني‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬العقد‭ ‬الثمين‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البلد‭ ‬الأمين‮»‬‭ ‬لتقي‭ ‬الدين‭ ‬الفاسي‭ ‬المكي،‭ ‬وتعلمت‭ ‬كيفية‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬النسب‭, ‬المواضع‭, ‬المسائل‭ ‬التاريخية‭, ‬وتخريج‭ ‬الأحاديث‭. ‬كما‭ ‬كنت‭ ‬أحضر‭ ‬معه‭ ‬الجلسات‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تضم‭ ‬العمالقة‭: ‬شوقي‭ ‬ضيف‭, ‬رشاد‭ ‬عبدالمطلب‭, ‬خليل‭ ‬يحيى‭ ‬نامي‭, ‬محمود‭ ‬شاكر‭, ‬ناصر‭ ‬الدين‭ ‬الأسد‭, ‬محمود‭ ‬محمد‭ ‬الطناحي‭, ‬
عبدالفتاح‭ ‬الحلو‭, ‬ومن‭ ‬المستشرقين‭ ‬الألمان‭ ‬هانز‭ ‬رويمر‭, ‬هانز‭ ‬آرنست‭, ‬والفرنسي‭ ‬شارل‭ ‬كوينتس‭, ‬والأب‭ ‬قنواتي‭ ‬من‭ ‬مصر‭.‬

‭<‬‭ ‬مــــاذا‭ ‬عـــن‭ ‬رئـــاســـتك‭ ‬للجمعية‭ ‬المصرية‭ ‬للدراسات‭ ‬التاريخية؟

‭- ‬باعتبارها‭ ‬أول‭ ‬جمعيـة‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬يرجع‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬فإنها‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تنشيط‭ ‬دوريها‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أحرص‭ ‬عليه‭ ‬ومجلس‭ ‬إدارتها،‭ ‬كما‭ ‬أسعى‭ ‬إليه‭ ‬بكل‭ ‬جهد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنظيم‭ ‬الندوات‭ ‬والمواسم‭ ‬الثقافية،‭ ‬لتشمل‭ ‬مختلف‭ ‬مناحي‭ ‬التاريخ،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬دوريتها‭ ‬العلمية‭, ‬وإصدار‭ ‬كُتب‭ ‬خاصة‭ ‬مُلحقة‭ ‬بالمجلة‭, ‬وجعل‭ ‬ندوتها‭ ‬السنوية‭ ‬ذات‭ ‬صبغة‭ ‬دولية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاركة‭ ‬مؤرخين‭ ‬وأكاديميين‭ ‬ومتخصصين‭ ‬من‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭, ‬وموضوع‭ ‬الندوة‭ ‬السنوية‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة‭ ‬القادمة‭ (‬ربيع‭ ‬2015‭) ‬‮«‬المؤرخون‭ ‬العرب‭ ‬والدراسات‭ ‬التاريخية‭ ‬منذ‭ ‬إنشاء‭ ‬الجامعة‭ ‬المصرية‮»‬‭.‬

‭<‬‭ ‬موقف‭ ‬أو‭ ‬تصرف‭ ‬أسعدك‭ ‬خلال‭ ‬مشوارك‭ ‬العلمي؟‭ ‬

‭- ‬إصدار‭ ‬كتاب‭ ‬تذكاري‭ ‬ضم‭ ‬20‭ ‬بحثاً‭ ‬في‭ ‬684صفحة،‭ ‬بأقلام‭ ‬نُخبة‭ ‬من‭ ‬المؤرخين‭ ‬والمَحققين‭, ‬والآثاريين‭ ‬من‭ ‬تونس‭, ‬إيران‭, ‬اليمن‭, ‬لبنان‭, ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭, ‬ومصر‭, ‬وقيام‭ ‬زملائي‭ ‬وتلاميذي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الناشر‭ ‬محمد‭ ‬رشاد‭ ‬مدير‭ ‬الدار‭ ‬المصرية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬بتنظيم‭ ‬احتفالية‭ ‬بالمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬المصري‭ ‬للثقافة‭ ‬لهذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬ما‭ ‬أسعدني‭ ‬وأدخل‭ ‬البهجة‭ ‬إلى‭ ‬قلبي‭ .