افتقر للدقة العلمية «نظرية كل شيء»... فيلم يصور قصة حياة ستيفن هوكينغ

افتقر للدقة العلمية «نظرية كل شيء»...  فيلم يصور قصة حياة ستيفن هوكينغ

سيكون‭ ‬شيئاً‭ ‬جميلاً‭ ‬لو‭ ‬بذل‭ ‬منتجو‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬أموراً‭ ‬علمية‭ ‬جهوداً‭ ‬في‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬المفاهيم‭ ‬العلمية‭ ‬نصف‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يبذلونه‭ ‬مثلاً‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الأزياء‭ ‬وتصفيفات‭ ‬الشعر‭.‬

لقد‭ ‬تعبنا‭ ‬من‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬لكننا‭ ‬نشهد‭ ‬الآن‭ ‬تعاقباً‭ ‬غير‭ ‬عادي‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام،‭ ‬ونود‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬فيلماً‭ ‬لا‭ ‬يجعلنا‭ ‬نجز‭ ‬على‭ ‬أسناننا‭.‬

في‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬قــــدّم‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الجاذبية‮»‬‭ - ‬الذي‭ ‬فاز‭ ‬بسبع‭ ‬جوائــــز‭ ‬أوسكار‭ - ‬صوراً‭ ‬واقعيــــة‭ ‬بدرجـــة‭ ‬مذهــــلة‭ ‬للعتــــاد‭ ‬الفضائي‭ ‬وانعدام‭ ‬الوزن‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬لكنه‭ ‬أخفق‭ ‬في‭ ‬أبسط‭ ‬قواعد‭ ‬الميكانيكا‭ ‬المدارية‭. ‬وأخيراً،‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬فيلمَيْن‭ ‬يتمحوران‭ ‬حول‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء،‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬‮«‬نظرية‭ ‬كل‭ ‬شيء‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬مستهل‭ ‬حياة‭ ‬الفيزيائي‭ ‬البريطاني‭ ‬والمؤلف‭ ‬الأكثر‭ ‬مبيعاً‭ ‬ستيفن‭ ‬هوكينغ‭ ‬وأزمنته‭ ‬المبكرة،‭ ‬والثاني‭ ‬‮«‬بين‭ ‬النجوم‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬من‭ ‬إخـــــراج‭ ‬وتأليف‭ ‬الأخوين‭ ‬كريســتوفر‭ ‬وجوناثان‭ ‬نولان،‭ ‬ويدور‭ ‬حول‭ ‬سفر‭ ‬رواد‭ ‬الفضاء‭ ‬عبر‭ ‬ثقب‭ ‬دودي‭ ‬للعثور‭ ‬على‭ ‬موطن‭ ‬جديد‭ ‬للبشرية‭ (‬الشيء‭ ‬المثير‭ ‬هنا‭ ‬أنه‭ ‬مستوحى‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬أحد‭ ‬أقدم‭ ‬أصدقاء‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬وهو‭ ‬كِب‭ ‬ثورن،‭ ‬الأستاذ‭ ‬بمعهد‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬للتكنولوجيا‭).‬

يتميز‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬نظرية‭ ‬كل‭ ‬شيء‮»‬‭ ‬بمزايا‭ ‬كثيرة،‭ ‬فإيدي‭ ‬ريدماين‭ ‬يستحق‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬حالياً‭ ‬من‭ ‬ترويج‭ ‬له‭ ‬لترشيحه‭ ‬لنيل‭ ‬جائزة‭ ‬الأوسكار‭ ‬عن‭ ‬براعته‭ ‬المذهلة‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬دور‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬وتصوير‭ ‬الآثار‭ ‬الضمورية‭ ‬المتواصلة‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬مرض‭ ‬التصلب‭ ‬الضموري‭ ‬الجانبي‭ (‬المعروف‭ ‬أيضاً‭ ‬باسم‭ ‬مرض‭ ‬لو‭ ‬غيريغ‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬المرض‭ ‬الذي‭ ‬تصدى،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوعية‭ ‬به‭ ‬ودعم‭ ‬بحوثه،‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المشاهير‭ ‬لتحدي‭ ‬‮«‬دلو‭ ‬الثلج‮»‬‭ ‬أخيراً‭.‬

إن‭ ‬ملايين‭ ‬الأشخاص‭ ‬وعشاق‭ ‬العلوم‭ ‬الذين‭ ‬قرأوا‭ ‬كتب‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬وتوافدوا‭ ‬على‭ ‬محاضراته‭ ‬وشاهدوه‭ ‬في‭ ‬مسلسلات‭ ‬‮«‬عائلة‭ ‬سيمبسون‮»‬‭ ‬و«ستار‭ ‬تريك‮»‬‭ ‬و«نظرية‭ ‬الانفجار‭ ‬الكبير‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يعرفوه‭ ‬قط‭ ‬إلا‭ ‬كشخص‭ ‬أسير‭ ‬كرسيّ‭ ‬مدولب‭ ‬يتحدث‭ ‬بصوت‭ ‬روبوتي؛‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعرفونه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬دائماً‭ ‬هكذا‭ ‬ونزل‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬مذنّب،‭ ‬كـ‭ ‬‮«‬فينوس‮»‬‭ ‬التي‭ ‬انساقت‭ ‬إلى‭ ‬كوكبنا‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬نصف‭ ‬صَدَفة‭.‬

اتسم‭ ‬أداء‭ ‬السيد‭ ‬ريدماين‭ ‬بالدقة‭ ‬البالغة،‭ ‬من‭ ‬تجسيد‭ ‬أصابع‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬المشلولة‭ ‬المتغضنة‭ ‬إلى‭ ‬تصوير‭ ‬النضارة‭ ‬المازحة‭ ‬التي‭ ‬تضيء‭ ‬وجهه‭ - ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬جامد‭- ‬عندما‭ ‬يستعذب‭ ‬نكتة‭ ‬أو‭ ‬فكاهة‭. ‬والذروة‭ ‬الدرامية‭ ‬عندما‭ ‬ينقر‭ ‬بفأرة‭ ‬فتنساب‭ ‬الكلمات‭ ‬‮«‬My name is Stephen Hawking‮»‬‭ (‬اسمي‭ ‬ستيفن‭ ‬هوكينغ‭) ‬من‭ ‬سماعة‭ ‬خارجية‭ ‬بلكنة‭ ‬أمريكية‭ ‬روبوتية،‭ ‬هي‭ ‬لحظة‭ ‬إبداع‭ ‬عبقري‭ ‬تجعل‭ ‬أعيننا‭ ‬تفيض‭ ‬بالدمع‭.‬

 

تشويه‭ ‬علمي

لكن‭ ‬الفيلم‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬أي‭ ‬جوائز‭ ‬بسبب‭ ‬اللامبالاة‭ ‬بتشويه‭ ‬عمل‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬العلمي،‭ ‬ما‭ ‬يترك‭ ‬المشاهدين‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬بالضبط‭ ‬لماذا‭ ‬يتمتع‭ ‬بهذه‭ ‬الشهرة‭ ‬الكبيرة،‭ ‬فبدلاً‭ ‬من‭ ‬بيان‭ ‬كيف‭ ‬قوض‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬الأفكار‭ ‬التقليدية‭ ‬عن‭ ‬المكان‭ ‬والزمان،‭ ‬نجد‭ ‬الفيلم‭ ‬يتزلف‭ ‬إلى‭ ‬الأحاسيس‭ ‬الدينية‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬عمل‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ،‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يقوله‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬وجود‭ ‬الرب،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬شيء‭ ‬قليل‭ ‬جداً‭.‬

ما‭ ‬يُحسب‭ ‬للفيلم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتحاشى‭ ‬تناول‭ ‬الأجزاء‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يسلط‭ ‬عليها‭ ‬ضوء‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ،‭ ‬فهو‭ ‬مستند‭ ‬إلى‭ ‬مذكرات‭ ‬زوجته‭ ‬الأولى‭ ‬جين‭ ‬وايلد‭ ‬التي‭ ‬نُشرت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬سفر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭... ‬حياتي‭ ‬مع‭ ‬ستيفن‮»‬،‭ ‬وتمثل‭ ‬أحد‭ ‬كتابيْن‭ ‬وضعتهما‭ ‬جين‭ ‬وتصور‭ ‬فيهما‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬وقوعها‭ ‬في‭ ‬حبّ‭ ‬عبقري‭ ‬متزايد‭ ‬الإعاقة‭ ‬والشهرة‭ ‬ثم‭ ‬رعايتها‭ ‬إيّاه‭. ‬ترتبط‭ ‬جين‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بقائد‭ ‬الكورس‭ ‬في‭ ‬كنيستها،‭ ‬أما‭ ‬ستيفن‭ ‬فيرحل‭ ‬مع‭ ‬ممرضته‭ ‬إلين‭ ‬ميسون،‭ ‬التي‭ ‬تزوجها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ثم‭ ‬طلقها‭.‬

يقال‭ ‬إن‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬72‭ ‬سنة‭ ‬أعطى‭ ‬موافقته‭ - ‬وإن‭ ‬على‭ ‬مضض‭ - ‬على‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬سيلقي‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الشخصي‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الأشياء‭ ‬الشجاعة‭ ‬التي‭ ‬فعلها‭ ‬هوكينغ،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬أشجعها،‭ ‬أن‭ ‬يعهد‭ ‬بقصة‭ ‬حياته‭ ‬إلى‭ ‬زوجة‭ ‬سابقة‭.‬

سمح‭ ‬الدكتــــور‭ ‬هوكيــــنغ‭ ‬للمنتجـــــين‭ ‬باســتخــدام‭ ‬تســـجيلات‭ ‬فعلية‭ ‬لصــــوته‭ ‬الأيقــــوني،‭ ‬وبعد‭ ‬رؤيـــته‭ ‬الفيـــلم‭ ‬قالها‭ ‬صريحــــة‭: ‬‮«‬صادق‭ ‬بوجه‭ ‬عام‮»‬،‭ ‬حـــسبما‭ ‬قال‭ ‬المخـــرج‭ ‬جيمـــس‭ ‬مارش،‭ ‬الذي‭ ‬فاز‭ ‬بجائزة‭ ‬أوسكار‭ ‬سنة‭ ‬2008‭ ‬عن‭ ‬فيلمه‭ ‬الوثائقي‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬فوق‭ ‬السلك‮»‬‭.‬

 

تناقضات‭ ‬تاريخية

لكن‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬العلم،‭ ‬يجعلنا‭ ‬الفيلم‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬مقاومة‭ ‬الجز‭ ‬على‭ ‬أسناننا،‭ ‬هيا‭ ‬بنا‭ ‬ننس‭ ‬للحظة‭ ‬أننا‭ ‬نرى‭ ‬الشخصيات‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القصة‭ ‬جالسين‭ ‬في‭ ‬ندوة‭ ‬بلندن‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ - ‬وهي‭ ‬تلك‭ ‬الهوات‭ ‬الثقالية‭ ‬السحيقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬قعر‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفلت‭ ‬منها‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬حتى‭ ‬الضوء‭ - ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُسَك‭ ‬ذلك‭ ‬المصطلح‭ ‬بسنوات،‭ ‬المحزن‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬التناقضات‭ ‬التاريخية‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬شيء‭ ‬حتمي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬تصوير‭ ‬شعبي‭ ‬لميدان‭ ‬علمي‭ ‬مستغلق‭ ‬كالفيزياء‭ ‬الفضائية‭.‬

لكن‭ ‬الأمر‭ ‬يزداد‭ ‬سوءاً‭ ‬عند‭ ‬تخطي‭ ‬بعض‭ ‬المشاهد‭ ‬والسنوات‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مشهد‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬الذي‭ ‬يتهيأ‭ ‬ليأوي‭ ‬إلى‭ ‬الفراش،‭ ‬وهو‭ ‬يحدق‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬فحم‭ ‬متوهجة‭ ‬في‭ ‬المستوقد‭ ‬فتنتابه‭ ‬خيالات‭ ‬ثقوب‭ ‬سوداء‭ ‬تفور‭ ‬وتتسرب‭ ‬منها‭ ‬الحرارة‭.‬

الشيء‭ ‬التالي‭ ‬الذي‭ ‬نتعرف‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬لجمهوره‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قاعات‭ ‬المحاضرات‭ ‬بجامعة‭ ‬أكسفورد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ - ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬مما‭ ‬تقوله‭ ‬الأساطير‭ ‬والنظريات‭ ‬السابقة‭ - ‬لا‭ ‬تبقى‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬بل‭ ‬تتسرب‭ ‬منها‭ ‬الجزيئات‭ ‬وتنكمش‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬تنفجر،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُقْدم‭ ‬مدير‭ ‬الجلسة،‭ ‬متذمراً‭ ‬مما‭ ‬يقال،‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬نهاية‭ ‬الجلسة،‭ ‬واصفاً‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬بـ«الهراء‮»‬‭.‬

 

إشعاع‭ ‬هوكينغ

التنبؤ‭ ‬بإشعاع‭ ‬هوكينغ،‭ ‬كما‭ ‬يسمى،‭ ‬هو‭ ‬أعظم‭ ‬إنجازات‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ،‭ ‬وهو‭ ‬الإنجاز‭ ‬الذي‭ ‬سيفوز‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬لم‭ ‬يتأت‭ ‬نتيجة‭ ‬لحظة‭ ‬إلهام‭ ‬أثناء‭ ‬التحديق‭ ‬في‭ ‬المستوقد،‭ ‬وبرواية‭ ‬القصة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬يكون‭ ‬المنتجون‭ ‬زيّفوا‭ ‬اللحظة‭ ‬الأشد‭ ‬دراماتيكية‭ ‬في‭ ‬مشواره‭ ‬العلمي‭.‬

كان‭ ‬هوكينغ‭ ‬قد‭ ‬استلهم‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬ألكسي‭ ‬ستاروبنسكي‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬وجاكوب‭ ‬بيكنشتاين‭ ‬في‭ ‬برنستون‭ ‬كي‭ ‬يحاول‭ ‬تقرير‭ ‬خواص‭ ‬الثقوب‭ ‬السود‭ ‬الميكروسكوبية،‭ ‬وقد‭ ‬تطلب‭ ‬ذلك‭ ‬حساباً‭ ‬مرهقاً‭ ‬سيجمع‭ ‬بين‭ ‬النظرية‭ ‬الكمومية‭ ‬وجاذبية‭ ‬أينشتين،‭ ‬وهما‭ ‬ركيزتان‭ ‬ثنائيتان‭ ‬للفيزياء‭ ‬النظرية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنهما‭ ‬كانتا‭ ‬حتى‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬غير‭ ‬متوافقتين‭ ‬رياضياً‭.‬

استغرق‭ ‬الأمر‭ ‬شهوراً،‭ ‬وكان‭ ‬أصدقاؤه‭ ‬وزملاؤه‭ ‬أثناءها‭ ‬متيقنين‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬سيفشل‭... ‬فتحوا‭ ‬أمامه‭ ‬الكتب‭ ‬الدراسية‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الكمومية‭ ‬ثم‭ ‬مضوا،‭ ‬متسائلين‭ ‬عما‭ ‬سيخرج‭ ‬به،‭ ‬هذا‭ ‬إن‭ ‬خرج‭ ‬بشيء‭. ‬عندما‭ ‬اكتشف‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬أن‭ ‬التأثيرات‭ ‬الكمومية‭ ‬ستجعل‭ ‬الثقوب‭ ‬السود‭ ‬تسرب‭ ‬الحرارة‭ ‬والجزيئات،‭ ‬سار‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬كل‭ ‬تخميناته‭ ‬وتوقعاته،‭ ‬فأمضى‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬منعزلاً‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬موضع‭ ‬خطئه،‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يحبس‭ ‬نفسه‭ ‬داخل‭ ‬حمام‭ ‬كي‭ ‬يفكر،‭ ‬كانت‭ ‬ظلال‭ ‬اللايقين‭ ‬والعشوائية‭ ‬التي‭ ‬حبيت‭ ‬بها‭ ‬الطبيعة‭ ‬على‭ ‬أصغر‭ ‬المقاييس‭ ‬ستثقب‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العملية‭ ‬سطح‭ ‬الثقب‭ ‬الأسود‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬لا‭ ‬يُخترق،‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬اكتشافه‭ ‬ذو‭ ‬شأن‭ ‬كبير‭ ‬جداً،‭ ‬لأنه‭ ‬يعني‭ ‬ضمناً،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يعنيه،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الفضاء‭ ‬ثلاثي‭ ‬الأبعاد‮»‬‭ ‬وهم‭.‬

مع‭ ‬الأسف‭ ‬لم‭ ‬يتضمن‭ ‬الفيلم‭ ‬أياً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأمور،‭ ‬هذا‭ ‬التصرف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬تأريخ‭ ‬سيئ‭. ‬المعادلات‭ ‬المسجلة‭ ‬على‭ ‬السبورة‭ ‬تبدو‭ ‬أصلية‭ (‬الأفلام‭ ‬بارعة‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬تفاصيل‭ ‬التصميمات‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معتاد،‭ ‬الأمر‭ ‬تنقصه‭ ‬الصورة‭ ‬الكبيرة،‭ ‬المسار‭ ‬المتعرج‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬والتنافس،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬الاحتراب‭ ‬الذي‭ ‬يمضي‭ ‬فيه‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬والفيلم‭ ‬بإغفاله‭ ‬أشخاصاً‭ ‬مثل‭ ‬الدكتور‭ ‬بيكنشتاين‭ ‬والدكتور‭ ‬ستاروبنسكي‭ ‬يعزز‭ ‬قالب‭ ‬العبقري‭ ‬الأوحد،‭ ‬ذلك‭ ‬القالب‭ ‬الجامد‭ ‬الراسخ‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬وجوائز‭ ‬نوبل‭.‬

 

عالم‭ ‬وكاهنة

وفي‭ ‬حالة‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬إعاقته‭ ‬تعزز‭ ‬هذا‭ ‬القالب‭ ‬الجامد،‭ ‬ما‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬سائر‭ ‬العالم،‭ ‬ولاسيما‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬في‭ ‬الإيحاء‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬مقولة‭ ‬تصدر‭ ‬عنه،‭ ‬وكأنها‭ ‬آتية‭ ‬من‭ ‬كاهنة‭ ‬دِلفي‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إليها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المصادر،‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬فيلسوفة‭ ‬ومعلمة‭ ‬للفيلسوف‭ ‬وعالم‭ ‬الرياضيات‭ ‬فيثاغوراس‭ (‬580‭ - ‬500‭ ‬ق‭.‬م‭).‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الفيلم‭ ‬يحط‭ ‬من‭ ‬قدر‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬نفسه،‭ ‬تلك‭ ‬الشهور‭ ‬من‭ ‬الحسابات‭ ‬المكثفة‭ ‬التي‭ ‬يقتضيها‭ ‬تحويل‭ ‬إلهام‭ ‬إلى‭ ‬نظرية‭ ‬حقيقية،‭ ‬بجعله‭ ‬يبدو‭ ‬هيناً،‭ ‬فالعلم‭ ‬ليس‭ ‬بالشيء‭ ‬الهين،‭ ‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأنداد‭ ‬أينشتاين‭ ‬من‭ ‬بيننا،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬بمتعة‭.‬

‮«‬نظرية‭ ‬كل‭ ‬شيء‮»‬‭ ‬مجرد‭ ‬فيلم،‭ ‬وينبغي‭ ‬أن‭ ‬يسرنا‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ينال‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬من‭ ‬آلة‭ ‬الشاشة‭ ‬الكبيرة‭ ‬الصانعة‭ ‬للنجوم،‭ ‬وأنه‭ ‬حتى‭ ‬الثقوب‭ ‬السود‭ ‬صارت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬الثقافي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يجعلنا‭ ‬نشعر‭ ‬بالسرور،‭ ‬فالفيلم‭ - ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الدكتور‭ ‬هوكينغ‭ - ‬‮«‬صادق‭ ‬بوجه‭ ‬عام‮»‬‭, ‬لكن‭ ‬كنا‭ ‬نود‭ ‬أن‭ ‬يلتزم‭ ‬صناع‭ ‬الفيلم‭ ‬بمستوى‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬الحجية‭ .