ظاهرة برامجه التلفزيونية «الطهي» بنكهة السياسة

ظاهرة برامجه التلفزيونية «الطهي» بنكهة السياسة

يقف‭ ‬الطاهي‭ - ‬السمينُ‭ ‬في‭ ‬الغالبِ‭ ‬–‭ ‬بملابسِه‭ ‬البيضاءِ‭ ‬الأنيقةِ،‭ ‬وبشموخٍ‭ ‬وثقةٍ‭ ‬يجذبان‭ ‬إليه‭ ‬عدسة‭ ‬الكاميرا‭ ‬التي‭ ‬تمرَّسَ‭ ‬على‭ ‬اقتناصِ‭ ‬زواياها‭ ‬بمهارة،‭ ‬تهبطُ‭ ‬الكاميرا‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬الاستديو‭ ‬المُتخِذ‭ ‬شكلَ‭ ‬المطبخ،‭ ‬تستقر‭ ‬أمام‭ ‬وجه‭ ‬نجمِ‭ ‬البرنامجِ‭ ‬الذي‭ ‬يرحِّبُ‭ ‬بها‭ ‬بابتسامةٍ‭ ‬مُصْطنعةٍ‭ ‬مرفودةً‭ ‬بعباراتِ‭ ‬الترحيبِ‭ ‬بالسَّادةِ‭ ‬المُشاهِدين‭ ‬الذين‭ ‬صاروا‭ ‬حافظين‭ ‬لهذه‭ ‬الافتتاحيةِ‭ ‬التي‭ ‬ستتضمَّنُ‭ ‬قائمةَ‭ ‬طعامِ‭ ‬اليوم‭ ‬المُوزَّعَة‭ ‬بين‭ ‬الحَاذِقِ‭ ‬والحُلو،‭ ‬مُشفِعاً‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬بتحديدِ‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصالِ‭ ‬المُتعدِّدةِ‭ ‬التي‭ ‬يُمْكِن‭ ‬للجماهير‭ ‬استعمالَها‭ ‬للتواصلِ‭ ‬الحيِّ‭ ‬معه،‭ ‬خاتِماً‭ ‬افتتاحيته‭ ‬بدعوةِ‭ ‬جماهيرِه‭ ‬لاستمرارِ‭ ‬متابعتهم‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬الفاصلِ‭ ‬الإعلاني‭. ‬

صار‭ ‬المشهد‭ ‬السابق‭ ‬أحد‭ ‬المشاهد‭ ‬اليومية‭ ‬المألوفة‭ ‬للمشاهد‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬ألفى‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬وجيزة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬الطهي‭ ‬التلفزيونية‭ ‬الموزعة‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية،‭ ‬أو‭ ‬المجمعة‭ ‬في‭ ‬قناة‭ ‬واحدة‭ ‬تم‭ ‬تخصيصها‭ ‬لهذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬كممارسة‭ ‬استثنائية‭ ‬في‭ ‬الهيكلة‭ ‬التلفزيونية‭. ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬التلفزيونية‭ ‬أمراً‭ ‬معتاداً‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الكثافة‭ ‬الكمية‭ ‬والكيفية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬زمني‭ ‬ضيق‭ ‬لا‭ ‬يجاوز‭ ‬السنتين،‭ ‬قد‭ ‬دفعتا‭ ‬المتلقي‭ ‬الحصيف‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬تساؤل‭ ‬مشروع‭ ‬حول‭ ‬أسباب‭ ‬هذا‭ ‬الحضور‭ ‬الناجز‭ ‬لهذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬البرامج،‭ ‬وعوامل‭ ‬نجاحها‭ ‬اللافت‭ ‬وعلاقة‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬بملابسات‭ ‬السياق‭ ‬المؤطر‭ ‬لها،‭ ‬والذي‭ ‬تغلغلت‭ ‬فيه‭ ‬السياسة‭ ‬بعناصرها‭ ‬كافة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭. ‬إننا‭ ‬هنا‭ ‬نسعى‭ ‬لفهم‭ ‬طبيعة‭ ‬هذا‭ ‬التمدد‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬لبرامج‭ ‬الطهي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاتكاء‭ ‬على‭ ‬المؤشرات‭ ‬‏التي‭ ‬يطرحها‭ ‬السياق‭ ‬الجامع،‭ ‬وإن‭ ‬تجاوز‭ ‬المدار‭ ‬المباشر‭ ‬‏وحلَّق‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬المدار‭ ‬الأوسع‭ ‬برحابته‭ ‬المفهومية‭ ‬وعمقه‭ ‬الجدلي‭.‬‏

 

الطهي‭ ‬والسياسة‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬واحدة

يبدو‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬الجانبي‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬إحدى‭ ‬الممارسات‭ ‬الساخرة‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬فلسفتها‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬علاقة‭ ‬مماثلة‭ ‬بين‭ ‬شيئين‭ ‬يبدوان‭ ‬مختلفين‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬محدد‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬تدنية‭/‬تخفيض‭ ‬قيمة‭ ‬أحدهما‭ ‬بربطه‭ ‬بالطرف‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬يحتل‭ ‬مرتبة‭ ‬أقل‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي‭ ‬الشائع،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجاهة‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬فإننا‭ ‬نعتذر‭ ‬لأصحابه‭ ‬عن‭ ‬تخييبنا‭ ‬لتوقعاتهم‭ ‬الرصينة‭ ‬ومجاوزتنا‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭ ‬اللفظية‭ ‬لمصلحة‭ ‬الواقع‭ ‬بمؤشراته‭ ‬الدالة‭ ‬وشواهده‭ ‬التاريخية‭.‬

فالواقع‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يكذب‭ ‬–‭ ‬وإن‭ ‬تجمَّل‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ - ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬علاقة‭ ‬راسخة‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬بمؤامراتها‭ ‬ودسائسها‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬والطهي‭ ‬بعناصره‭ ‬المتعددة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭  ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬المؤرخين‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬الطعام‭ ‬بوصفه‭  ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬الأدوات‭ ‬السياسية‭ ‬إنجازاً‭ ‬والتي‭ ‬يفيد‭ ‬منها‭ ‬المتنافسون‭ ‬السياسيون‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مآربهم‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المعايير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬وإن‭ ‬ادعى‭ ‬الساسة‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭.‬

فعلى‭ ‬مدار‭ ‬تاريخ‭ ‬قيام‭ ‬الممالك‭ ‬وانهيارها‭ ‬وتولي‭ ‬الحكام‭ ‬المختلفين‭ ‬مقاليد‭ ‬أمور‭ ‬ممالكهم‭ ‬ودولهم‭ ‬وتخليهم‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬تخليها‭ ‬عنهم،‭ ‬كان‭ ‬الطعام‭ ‬عنصراً‭ ‬متغلغلاً‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬بشكل‭ ‬لافت،‭ ‬باعتباره‭ ‬المسار‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسلكه‭ ‬المتطلعون‭ ‬للسلطة‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الحكام‭ ‬الذين‭ ‬تحصنوا‭ ‬خلف‭ ‬أسوار‭ ‬قصورهم‭ ‬العالية‭ ‬وأحاطوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬بمجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الفرسان‭ ‬الشجعان‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬دائماً‭ ‬للتضحية‭ ‬بحياتهم‭ ‬فداء‭ ‬لملكهم‭... ‬كلمة‭ ‬السر‭ ‬إذن‭ ‬كانت‭ ‬المطبخ،‭ ‬ويكفي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬مطالعة‭ ‬تاريخ‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬امتداداتها‭ ‬الجغرافية‭ ‬والثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الطعام‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الأبواب‭ ‬السحرية‭ ‬التي‭ ‬يدلف‭ ‬منها‭ ‬المتنافسون‭ ‬للنيل‭ ‬من‭ ‬خصومهم‭ ‬السياسيين،‭ ‬فحوادث‭ ‬موت‭ ‬الملوك‭ ‬والحكام‭ ‬والرؤساء‭ ‬عبر‭ ‬تناول‭ ‬طعامهم‭ ‬المفضل‭ ‬المدسوسة‭ ‬فيه‭ ‬جرعة‭ ‬قاتلة‭ ‬من‭ ‬السم‭ ‬الزعاف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تحصى،‭ ‬ولا‭ ‬يستثنى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬مملكة‭ ‬أو‭ ‬دولة،‭ ‬فمن‭ ‬إخناتون‭ ‬الفرعوني‭ ‬إلى‭ ‬أرسيس‭ ‬الفارسي‭ ‬إلى‭ ‬جين‭ ‬هوي‭ ‬تي‭ ‬الصيني‭ ‬إلى‭ ‬أريك‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬السويدي‭ ‬إلى‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬العربي‭... ‬إلخ،‭ ‬تنوعت‭ ‬أسماء‭ ‬الضحايا،‭ ‬وظل‭ ‬الطاهي‭ ‬الخائن‭ ‬أو‭ ‬المخدوع‭ ‬وطهيه‭ ‬سببين‭ ‬رئيسين‭ ‬في‭ ‬طي‭ ‬صفحة‭ ‬تاريخية‭ ‬وبدء‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭. ‬وقد‭ ‬أدرك‭ ‬الحكام‭ ‬منذ‭ ‬القدم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤديه‭ ‬شهوة‭ ‬الطعام‭ ‬من‭ ‬موت‭ ‬محقق،‭ ‬فاستحدثوا‭ ‬وظيفة‭ ‬المتذوق‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬أداة‭ ‬الاختبار‭ ‬الناجحة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬منجاة‭ ‬للسياسي‭ ‬من‭ ‬مكيدة‭ ‬دبرها‭ ‬له‭ ‬حاسدوه،‭ ‬ولعل‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬‮«‬بوتين‮»‬‭ ‬هو‭ ‬آخر‭ ‬هؤلاء‭ ‬الحكام‭ ‬تمسكاً‭ ‬بوظيفة‭ ‬المتذوق‭ ‬في‭ ‬العلن‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬التاريخية‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والطهي‭ ‬تتعضد‭ ‬عبر‭ ‬مظاهر‭ ‬سيميولوجية‭ ‬متعددة‭ ‬تعتني‭ ‬بالفهم‭ ‬التأويلي‭ ‬لها،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬القيمية‭ ‬الوظيفية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬السياسي‭ ‬والطاهي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المجتمع‭ ‬تتحقق‭ ‬عبر‭ ‬قدرة‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬على‭ ‬استقطاب‭ ‬الجماهير،‭ ‬بحيث‭ ‬يغدو‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬المؤيدين‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬الأول‭ ‬لكل‭ ‬منهما،‭ ‬وبقدر‭ ‬نجاح‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الطاهي‭ ‬في‭ ‬مغازلة‭ ‬الجماهير،‭ ‬يتحقق‭ ‬نجاحه‭ ‬ويضمن‭ ‬لنفسه‭ ‬مستقبلاً‭ ‬واعداً،‭ ‬ولا‭ ‬يرتبط‭ ‬الأمر‭ ‬بما‭ ‬يقدمه‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬فقط‭ ‬لجماهيره،‭ ‬بل‭ ‬يرتبط‭ ‬بآلية‭ ‬التقديم‭ ‬كذلك،‭ ‬فالسياسي‭ ‬البارع‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬سقراط‭ ‬كان‭ ‬يتعلم‭ ‬البراعة‭ ‬في‭ ‬التلاعب‭ ‬بالألفاظ‭ ‬حتى‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬للجماهير،‭ ‬فيحول‭ ‬ببلاغته‭ ‬البخل‭ ‬إلى‭ ‬حرص‭ ‬والتبذير‭ ‬إلى‭ ‬كرم‭ ‬والنفاق‭ ‬إلى‭ ‬مجاملة‭ ‬والوقاحة‭ ‬إلى‭ ‬صراحة،‭ ‬والسياسي‭ ‬البارع‭ ‬أيضاً‭ ‬هو‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬رؤيته‭ ‬بملفوظ‭ ‬جذاب،‭ ‬واعياً‭ ‬أن‭ ‬طريقة‭ ‬التقديم‭ ‬الجيدة‭ ‬والمنمقة‭ ‬المتناغمة‭ ‬مع‭ ‬طموحات‭ ‬المتلقين‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬شفيعاً‭ ‬له‭ ‬حال‭ ‬عجزه‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬وعد‭ ‬به،‭ ‬كذلك‭ ‬الطاهي‭ ‬الذي‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬رائحة‭ ‬الطعام‭ ‬الشهي‭ ‬ومذاقه‭ ‬المميز‭ ‬غير‭ ‬كافيين‭ ‬لإرضاء‭ ‬طموح‭ ‬الجماهير،‭ ‬فالتزيين‭ ‬أو‭ ‬‮«‬التفنيش‮»‬‭ ‬بمصطلح‭ ‬الطهاة‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬المقدم،‭ ‬فالطاهي‭ ‬المحنك‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬العين‭ ‬تتذوق‭ ‬قبل‭ ‬اللسان،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬ممارسة‭ ‬بعض‭ ‬مظاهر‭ ‬التلاعب‭ ‬كإعداد‭ ‬الطعام‭ ‬بشكل‭ ‬مسبق‭ ‬والتذرع‭ ‬بضيق‭ ‬الوقت‭ ‬أمام‭ ‬الجماهير‭ ‬لاستخدام‭ ‬هذا‭ ‬الطعام‭ ‬المعد‭ ‬سلفاً‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬بخداعهم‭ ‬الجماهير‭ ‬ببرامج‭ ‬انتخابية‭ ‬مكررة‭ ‬ومسروقة‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الترويج‭ ‬للذات‭ ‬والنيل‭ ‬من‭ ‬الخصوم‭ ‬بطريقة‭ ‬ناعمة،‭ ‬لا‭ ‬يكشفان‭ ‬عن‭ ‬تضخم‭ ‬الإحساس‭ ‬بالذات،‭ ‬ويشكلان‭ ‬أداة‭ ‬يستعين‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬السياسي‭ ‬والطاهي،‭ ‬فكلاهما‭ ‬لا‭ ‬يعيب‭ ‬على‭ ‬خصومه‭ ‬بطريقة‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬الأحيان‭ ‬معظمها،‭ ‬ليس‭ ‬بوازع‭ ‬أخلاقي‭ ‬شخصي‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬حرص‭ ‬نفعي‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬خسارة‭ ‬طبقة‭ ‬من‭ ‬الجماهير‭ ‬يشكل‭ ‬المعيار‭ ‬الأخلاقي‭ ‬عنصراً‭ ‬رئيساً‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬اختيارها‭ ‬تؤيده‭ ‬أو‭ ‬تدعمه‭ ‬أو‭ ‬تتابعه،‭ ‬فيحاول‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬السياسي‭ ‬والطاهي‭ ‬أن‭ ‬يتصيد‭ ‬أخطاء‭ ‬الآخرين‭ ‬بتقديم‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬أو‭ ‬طريقة‭ ‬مضادة‭ ‬أو‭ ‬مبتكرة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬تنظيماً‭ ‬تفضح‭ ‬المستوى‭ ‬المتدني‭ ‬المقدم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الخصم،‭ ‬وتشكل‭ ‬الإشارات‭ ‬والتلميحات‭ ‬والتعريض‭ ‬أدوات‭ ‬بالغة‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭. ‬التوابل‭ ‬هي‭ ‬كلمة‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬الطهي،‭ ‬وبقدر‭ ‬معرفة‭ ‬الطاهي‭ ‬بمقدار‭ ‬ونوعية‭ ‬التوابل‭ ‬المقدمة‭ ‬في‭ ‬الطعام‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬تفوقاً‭ ‬في‭ ‬مذاق‭ ‬طعامه‭ ‬وتنوعاً‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬نوعية‭ ‬المطابخ‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬التوابل‭ ‬عنصراً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬تصنيفها‭. ‬والتوابل‭ ‬السياسية‭ ‬تتنوع‭ ‬أيضاً‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬جودة‭ ‬التوابل‭ ‬العربية‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬الحملات‭ ‬الصليبية‭ ‬على‭ ‬الشرق،‭ ‬فإن‭ ‬السياسي‭ ‬يضع‭ ‬توابله‭ ‬في‭ ‬حواراته‭ ‬وأخباره،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬وضع‭ ‬الفلفل‭ ‬الحار‭ ‬بنفسه‭ ‬في‭ ‬طبقه‭ ‬السياسي‭ ‬بتسريب‭ ‬بعض‭ ‬الأخبار‭ ‬الكاذبة‭ ‬عنه‭ ‬حتى‭ ‬تتاح‭ ‬له‭ ‬الفرصة‭ ‬لتفنيدها‭ ‬كخطوة‭ ‬مهمة‭ ‬لكسب‭ ‬تعاطف‭ ‬الجماهير‭ ‬واقتناص‭ ‬إعجابهم‭ ‬وشفقتهم‭.‬

 

بين‭ ‬السياسة‭ ‬والمطبخ

إذا‭ ‬كانت‭ ‬السياسة‭ ‬هي‭ ‬فن‭ ‬الممكن،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬القاعدة‭ ‬الثابتة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ثوابت‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬فإن‭ ‬السياسة‭ ‬حاولت‭ ‬استغلال‭ ‬الجماهيرية‭ ‬العريضة‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الطاهي‭ ‬في‭ ‬الترويج‭ ‬للمواقف‭ ‬السياسية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬الأزمات‭ ‬والتخبط‭ ‬السياسي،‭ ‬حيث‭ ‬بدا‭ ‬الطاهي‭ ‬مغازلاً‭ ‬لمشاعر‭ ‬جماهيره‭ ‬ومروجاً‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬ذاته‭ ‬لمذهب‭ ‬سياسي‭ ‬محدد‭ ‬يتم‭ ‬اختزاله‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬أشخاص‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬مسكوت‭ ‬عنه‭ ‬مفاده‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬أطهو‭ ‬إذن‭ ‬أنا‭ ‬ومذهبي‭ ‬السياسي‭ ‬موجودان‮»‬‭!.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬وعي‭ ‬أصحاب‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ - ‬بحكم‭ ‬تمرسهم‭ ‬في‭ ‬مخاطبة‭ ‬ذهنية‭ ‬الجماهير‭- ‬بطبيعة‭ ‬جمهورهم‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬العامل‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬فقد‭ ‬أدرك‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬القنوات‭ ‬أن‭ ‬المتلقي‭ ‬العربي‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬يشعر‭ ‬بإحباط‭ ‬شديد‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬النزاعات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يعتدها‭ ‬بحكم‭ ‬ميراث‭ ‬تاريخي‭ ‬ثقيل‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬مشاركة‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬الحراكات‭ ‬السياسية‭ ‬بوصفه‭ ‬أمراً‭ ‬ديكورياً‭ ‬أو‭ ‬شكلياً،‭ ‬ألفى‭ ‬هذا‭ ‬المواطن‭ ‬المنفي‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬السياسة‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬غارقاً‭ ‬في‭ ‬لججها،‭ ‬وبفضل‭ ‬محدودية‭ ‬خبرته‭ ‬السياسية‭ ‬شعر‭ ‬بالسعادة‭ ‬لمشاركته‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬بدايته،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ثقل‭ ‬الشعور‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬وعدم‭ ‬اعتياد‭ ‬هذا‭, ‬الدور‭ ‬وزوال‭ ‬بريق‭ ‬اللعبة‭ ‬الجديدة،‭ ‬بدأ‭ ‬يتسرب‭ ‬إليه‭ ‬الإحساس‭ ‬بالقلق‭ ‬الذي‭ ‬تضاعف‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬الموجِّهات‭ ‬السياسية‭ ‬الممثلة‭ ‬في‭ ‬أشخاص‭ ‬أو‭ ‬مؤسسات‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬القرارات‭ ‬أو‭ ‬المواقف،‭ ‬بحيث‭ ‬غدت‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬منهلاً‭ ‬له‭ ‬لتحديد‭ ‬موقفه‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬الأحداث،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يصبو‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬راحة،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬نبالغ‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬ازداد‭ ‬سوءاً‭ ‬لتعارض‭ ‬مواقف‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬الاتصالية،‭ ‬وتحكم‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موجهاتها،‭ ‬فلا‭ ‬يكاد‭ ‬المتلقي‭ ‬البسيط‭ ‬يقتنع‭ ‬بوجهة‭ ‬نظر‭ ‬هذه‭ ‬القناة‭ ‬حتى‭ ‬يلفي‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬قناة‭ ‬أخرى‭ ‬تتبنى‭ ‬وجهة‭ ‬مضادة‭ ‬وتستدعي‭ ‬معها‭ ‬مبرراتها‭ ‬المنطقية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشكلي،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬الجماهير‭ ‬العريضة‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يسميها‭ ‬البعض‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الكنبة‮»‬‭ ‬تفقد‭ ‬ثقتها‭ ‬بالسياسة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تجلب‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬الحيرة‭ ‬والتشتت‭. ‬

وهنا‭ ‬بدأ‭ ‬المواطن‭ ‬غير‭ ‬المعتاد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجدالات‭ ‬السياسية‭ ‬والإشكاليات‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬طوق‭ ‬نجاة‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أتون‭ ‬السياسة‭ ‬بمرفقاتها‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬‮«‬توك‭ ‬شو‮»‬‭ ‬ووسائل‭ ‬إعلامية‭ ‬موجهة،‭ ‬وطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬الرياضة‭ ‬ملاذه‭ ‬الأخير،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬أبت‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تضيِّق‭ ‬عليه‭ ‬دائرة‭ ‬الصراع،‭ ‬فتسببت‭ ‬الصراعات‭ ‬السياسية‭ ‬والفوضى‭ ‬المصاحبة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬تعليق‭ ‬الأنشطة‭ ‬الرياضية‭ ‬ومصاحباتها‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬رياضية‭ ‬تتغذى‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬وتشبع‭ ‬رغبة‭ ‬الجماهير‭ ‬في‭ ‬الإحساس‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬الأحداث،‭ ‬وهنا‭ ‬تتصاعد‭ ‬الأزمة‭ ‬وتتعقد‭ ‬خيوط‭ ‬اللعبة‭ ‬وتختفي‭ ‬المنافذ‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينفلت‭ ‬منها‭ ‬المتلقي‭.‬

وهنا‭ ‬تأتي‭ ‬برامج‭ ‬الطهي‭ ‬التلفزيونية‭ ‬لتحقق‭ ‬الهدف‭ ‬المبتغى‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المتلقي‭ ‬النافر‭ ‬من‭ ‬لعبة‭ ‬السياسة‭ ‬وجدلها‭ ‬وصخبها‭ ‬فقط،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬خدمة‭ ‬مصالح‭ ‬أصحاب‭ ‬المواقف‭ ‬السياسية‭ ‬ممثلين‭ ‬في‭ ‬أصحاب‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬المتغلغلين‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمصالح‭ ‬اقتصادية،‭ ‬فقد‭ ‬سعى‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬تغذية‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬ببغض‭ ‬السياسة‭ ‬لدى‭ ‬طبقة‭ ‬عريضة‭ ‬من‭ ‬الجماهير،‭ ‬رغبةً‭ ‬في‭ ‬إبعاد‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬عن‭ ‬ملعب‭ ‬السياسة‭ ‬وإلهائها‭ ‬بمساحة‭ ‬تلفزيونية‭ ‬تجد‭ ‬فيها‭ ‬نفسها‭ ‬وترى‭ ‬بعينها‭ ‬منجزاً‭ ‬يتحقق‭ (‬الطعام‭) ‬تسعد‭ ‬برؤيته‭ ‬وهو‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬التحضير‭ ‬إلى‭ ‬طور‭ ‬الكائن‭ ‬المكتمل،‭ ‬لتمارس‭ ‬لاحقاً‭ ‬متعة‭ ‬التجريب‭ ‬المرتبطة‭ ‬بنجاح‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬شيء‭. ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬الإيجابي‭ ‬يعمق‭ ‬من‭ ‬ارتباط‭ ‬هذه‭ ‬الجماهير‭ ‬بهذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬البرامج،‭ ‬ويُحدث‭ - ‬في‭ ‬الآن‭ ‬نفسه‭ - ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬القطيعة‭ ‬المعرفية‭ ‬بين‭ ‬الجماهير‭ ‬والسياسة‭ ‬اللعينة،‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الساسة‭ ‬المدعومين‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬إعلامية‭  ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬بسهولة‭ ‬بتأييد‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتابعين‭ ‬الذين‭ ‬صاروا‭ ‬أكثر‭ ‬ترويضاً‭ ‬واستعداداً‭ ‬للخضوع‭ ‬لعملية‭ ‬التوجيه‭ ‬السياسي‭ ‬التي‭ ‬غدت‭ ‬أيسر‭ ‬بفضل‭ ‬ما‭ ‬أصابهم‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الخمول‭ ‬الذهني‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬استراحة‭ ‬المحارب‭ ‬السابقة‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬الحميمة‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والطهي‭ ‬تطرح‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬التفسيرات‭ ‬حول‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬المطبخ‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬حالت‭ ‬سطوته‭ ‬التداولية‭ ‬دون‭ ‬فهمه‭ ‬بعمق‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬علاقة‭ ‬التداخل‭ ‬والتشابك‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬العالمين‭ ‬اللذين‭ ‬مهما‭ ‬بدا‭ ‬بعدهما‭ ‬فهما‭ ‬قريبان‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التشارك‭ .