الضحك والبكاء وتحليلهما من منظور نفسي

الضحك والبكاء  وتحليلهما من منظور نفسي

يؤكد‭ ‬الخبراء‭ ‬النفسيون‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬زادت‭ ‬الضغوط‭ ‬احتاجت‭ ‬التركيبة‭ ‬النفسية‭ ‬إلى‭ ‬التخفيف‭ ‬بوسائل‭ ‬عدة،‭ ‬ومنها‭ ‬الأحلام‭ ‬والابتسام‭ ‬والمرح‭ ‬والضحك‭ ‬والفكاهة‭ ‬والمزاح‭... ‬إلخ،‭ ‬وكلها‭ ‬أمور‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬بالتناقض‭ ‬الدائم،‭ ‬فالنفس‭ ‬البشرية‭ ‬تمل‭ ‬دوماً‭ ‬الجد‭ ‬والصرامة،‭ ‬ولذا‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬سبيل‭ ‬الفكاهة‭ ‬للتنفيس‭ ‬عما‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬وواقع،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬التنفيس‭ ‬مؤقتاً،‭ ‬ليعيد‭ ‬التوازن‭ ‬النفسي،‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أداء‭ ‬أفضل‭ ‬وبهجة‭ ‬تنتج‭ ‬عن‭ ‬انقباض‭ ‬العضلات‭ ‬وتفريغ‭ ‬التوتر‭ ‬الجسمي‭ ‬والنفسي،‭ ‬وتدل‭ ‬الدراسات‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬والابتسام‭ ‬والمرح‭ ‬وما‭ ‬شابهها‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تعدل‭ ‬المزاج‭ ‬وأن‭ ‬تخفف‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والقلق،‭ ‬أما‭ ‬البكاء،‭ ‬فهو‭ ‬خبرة‭ ‬سيكولوجية‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬البشر‭ ‬جميعاً‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مراحل‭ ‬حياتهم‭.‬

‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬شيوع‭ ‬خبرة‭ ‬البكاء‭ ‬لدى‭ ‬جميع‭ ‬الناس،‭ ‬فإن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬على‭ ‬البكاء،‭ ‬أو‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬أثيرت‭ ‬حوله،‭ ‬كانت‭ ‬قليلة‭ ‬للغاية،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬البكاء‭ ‬خبرة‭ ‬سيكولوجية‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬مؤلمة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬والإنسان‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يبتعد‭ ‬عما‭ ‬يؤلمه‭ ‬سواء‭ ‬بقصد‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قصد،‭ ‬والحقيقة‭ ‬الفعلية‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬كلاً‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬والبكاء‭ ‬آية‭ ‬من‭ ‬آيات‭ ‬رب‭ ‬السماوات‭ ‬والأرض‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬العزيز‭ {‬وَأَنَّهُ‭ ‬هُوَ‭ ‬أَضْحَكَ‭ ‬وَأَبْكَى‭}‬‭ (‬43‭ ‬–‭ ‬النجم‭)‬،‭ ‬ويقول‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أيضاً‭ {‬أَزِفَتِ‭ ‬الْآزِفَةُ‮ ‬‭(‬57‭) ‬لَيْسَ‭ ‬لَهَا‭ ‬مِنْ‭ ‬دُونِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬كَاشِفَةٌ‮ ‬‭(‬58‭) ‬أَفَمِنْ‭ ‬هَذَا‭ ‬الْحَدِيثِ‭ ‬تَعْجَبُونَ‮ ‬‭(‬59‭) ‬وَتَضْحَكُونَ‭ ‬وَلَا‭ ‬تَبْكُونَ‭}‬

‭(‬57‭ ‬–‭ ‬60‭ ‬النجم‭).‬

 

الضحك‭ ‬مفيد‭ ‬للنفس‭ ‬والجسد

يعرف‭ ‬الضحك‭ ‬بأنه‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التعبير‭ ‬يظهر‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬مرح‭ ‬أو‭ ‬فرح،‭ ‬وهو‭ ‬يوصف‭ ‬كذلك‭ ‬بأنه‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬فسيولوجي‭ ‬نتيجة‭ ‬للمرور‭ ‬بخبرة‭ ‬ما،‭ ‬مثل‭ ‬سماع‭ ‬نكتة‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬سماع‭ ‬مداعبة‭ ‬ما،‭ ‬ويؤكد‭ ‬خبراء‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬أن‭ ‬مشاهدة‭ ‬البرامج‭ ‬المضحكة‭ ‬والوسائط‭ ‬الكوميدية‭ ‬مفيدة‭ ‬للصحة‭ ‬النفسية‭ ‬والجسدية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭, ‬ويعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأساليب‭ ‬العلاجية‭ ‬العامة‭, ‬وقد‭ ‬بيَّن‭ ‬التحليل‭ ‬النفسي‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬يشبه‭ ‬الحلم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تحلله‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والممنوعات،‭ ‬وأنه‭ ‬يرفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الأداء‭ ‬العقلي،‭ ‬ومن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالمعلومات‭ ‬أطول‭ ‬فترة‭ ‬ممكنة،‭ ‬ويقوي‭ ‬الذاكرة،‭ ‬وأن‭ ‬فائدة‭ ‬دقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬تعادل‭ ‬فائدة‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ساعة‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬الاسترخاء‭.‬

والضحك‭ ‬له‭ ‬مؤثرات‭ ‬إيجابية‭ ‬وقيمة‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الأمراض،‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬التعافي‭ ‬بسرعة،‭ ‬فقد‭ ‬أثبتت‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬أفضل‭ ‬دواء،‭ ‬وأن‭ ‬مجرد‭ ‬التطلع‭ ‬إلى‭ ‬حدث‭ ‬إيجابي‭ ‬مضحك‭ ‬أو‭ ‬مشاهدة‭ ‬تجربة‭ ‬مضحكة‭ ‬يعزز‭ ‬جهاز‭ ‬المناعة‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان،‭ ‬ويقلل‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬التوتر‭ ‬العصبي،‭ ‬وأيضاً‭ ‬يخفض‭ ‬من‭ ‬إفراز‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بحالات‭ ‬القلق‭ ‬والتوتر‭ ‬والاكتئاب‭.‬

 

الضحك‭ ‬ممارسة‭ ‬عدوانية‭!‬

هـــناك‭ ‬نظـــريـــــات‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬ممارسة‭ ‬عدوانية‭ ‬في‭ ‬جوهرها،‭ ‬حيث‭ ‬يحس‭ ‬الضاحك‭ ‬بأن‭ ‬المضحوك‭ ‬منه‭ ‬أقل‭ ‬منه‭ ‬شأناً‭ ‬وأقل‭ ‬قيمة،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬استعلاء‭ ‬وشعور‭ ‬بالتفوق‭ ‬يعوض‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬النقص،‭ ‬وتلك‭ ‬العدوانية‭ ‬ليست‭ ‬مذمومة‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬تعمد‭ ‬إلى‭ ‬إيذاء‭ ‬مشاعر‭ ‬الآخرين‭ ‬وجرحهم،‭ ‬وهي‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الضحك‭ ‬والإضحاك‭ ‬ومتعارف‭ ‬عليها‭ ‬على‭ ‬أنهـــا‭ ‬مــــزاح‭ ‬وفكـــــاهة‭ ‬وليــــست‭ ‬أمراً‭ ‬جدياً،‭ ‬ويفسر‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬المفارقة‭ ‬والتناقض‭ ‬وغير‭ ‬المتوقع‭ ‬أو‭ ‬المضخم‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المألوف‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭ ‬والتفاهم‭ ‬الاعتيادي‭.‬

 

الضحك‭ ‬له‭ ‬أثر‭ ‬المسكن

والضحك‭ ‬له‭ ‬نفس‭ ‬أثر‭ ‬المسكن‭ ‬للألم‭ (‬الأندروفين‭) ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬كمورفين‭ ‬طبيعي‭ ‬فى‭ ‬حالات‭ ‬الألم‭ ‬الشديد،‭ ‬وله‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬التنفس،‭ ‬تدعى‭ ‬التنفس‭ ‬التحولي،‭ ‬وهي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬الإنسان‭ ‬يتنفس‭ ‬تنفساً‭ ‬بطيئاً‭ ‬متلاحقاً‭ ‬وبشكل‭ ‬سريع‭ ‬كي‭ ‬يزيد‭ ‬معدل‭ ‬الأكسجين‭ ‬الداخل‭ ‬إلى‭ ‬الجسم‭, ‬الذي‭ ‬بدوره‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬حجم‭ ‬الرئتين‭ ‬ويسهم‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬عملية‭ ‬تبادل‭ ‬الأكسجين‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬التنفس،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬ينظم‭ ‬الدورة‭ ‬الدموية‭ ‬وضغط‭ ‬الدم،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬هرمونات‭ ‬الجسم‭ ‬الخاصة‭ ‬بالشعور‭ ‬بالسعادة‭ ‬وتخفيف‭ ‬الألم،‭ ‬والضحك‭ ‬في‭ ‬حدوده‭ ‬المعقولة‭ ‬يحرك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬عضلة‭ ‬في‭ ‬الجسم،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬عضلة‭ ‬في‭ ‬الوجه،‭ ‬ليشعر‭ ‬بعده‭ ‬الإنسان‭ ‬بانتعاش‭ ‬وشعور‭ ‬خفي‭ ‬بالسعادة‭ ‬والفرح،‭ ‬والضحك‭ ‬عرف‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬فعل‭ ‬اجتماعي‭.‬

والمعروف‭ ‬علمياً‭ ‬حتى‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬فسيولوجيا‭ ‬الأعصاب‭ ‬الحديثة‭ ‬تربط‭ ‬الضحك‭ ‬بتنشيط‭ ‬القشرة‭ ‬الأمامية‭ ‬الوسطى‭ ‬للدماغ،‭ ‬التي‭ ‬تفرز‭ ‬مادة‭ ‬الأندروفين،‭ ‬وتؤكد‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬مرتبط‭ ‬بالجزء‭ ‬الأيسر‭ ‬للمخ،‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الجسم‭ ‬يفرز‭ ‬هرمون‭ ‬‮«‬الدوبامين‮»‬‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬الشعور‭ ‬بالنشوة‭ ‬والبهجة،‭ ‬فيتدفق‭ ‬الدم‭ ‬إلى‭ ‬القلب‭ ‬بنسبة‭ ‬زيادة‭ ‬تبلغ‭ ‬نحو‭ ‬اثنتين‭ ‬وعشرين‭ ‬في‭ ‬المائة‭.‬

 

البكاء‭ ‬لغة‭ ‬عالمية

جعل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬البكاء‭ ‬ظاهرة‭ ‬نفسية‭ ‬عامة‭ ‬ومشتركة‭ ‬لدى‭ ‬جميع‭ ‬البشر،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬ألوانهم‭ ‬وأشكالهم‭ ‬وألسنتهم‭ ‬ومذاهبهم‭ ‬وبيئاتهم،‭ ‬والبكاء‭ ‬لغة‭ ‬عالمية‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬الألسن‭ ‬أو‭ ‬الثقافات‭ ‬أو‭ ‬البيئات،‭ ‬فالجميع‭ ‬يبكي‭ ‬بالطريقة‭ ‬نفسها‭ ‬للأسباب‭ ‬نفسها‭ ‬غالباً،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬للدموع‭ ‬وظيفة‭ ‬فسيولوجية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬ترطيب‭ ‬العين‭ ‬وتليين‭ ‬حركتها‭ ‬أثناء‭ ‬النظر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬وزيادة‭ ‬مقاومتها‭ ‬للعدوى،‭ ‬فإن‭ ‬لها‭ ‬أيضاً‭ ‬وظيفة‭ ‬نفسية،‭ ‬حيث‭ ‬ينصح‭ ‬الخبراء‭ ‬النفسيون‭ ‬بالبكاء،‭ ‬وينصحون‭ ‬أيضاً‭ ‬بترك‭ ‬العنان‭ ‬للدموع‭ ‬عند‭ ‬التعرض‭ ‬لمواقف‭ ‬نفسية‭ ‬صعبة‭ ‬أو‭ ‬توتر‭ ‬عصبي‭ ‬كبير،‭ ‬لأن‭ ‬الدموع‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬بالذات‭ ‬تجلب‭ ‬الراحة‭ ‬النفسية،‭ ‬بل‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬التوتر‭ ‬النفسي‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬العصبي‭ ‬على‭ ‬صاحبها‭.‬

 

البكاء‭ ‬استغاثة

يرتبط‭ ‬البكاء‭ ‬غالباً‭ ‬بالضعف،‭ ‬فهــــما‭ ‬مـــتلازمان،‭ ‬ســـواء‭ ‬كــــان‭ ‬الضـــعف‭ ‬مرضاً‭ ‬أو‭ ‬وفاة‭ ‬عزيـــز‭ ‬أو‭ ‬أزمة‭ ‬أو‭ ‬غـــير‭ ‬ذلـــــك،‭ ‬لأن‭ ‬البكاء‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬يعتبر‭ ‬استغاثــــة،‭ ‬فالصــغــــير‭ ‬عندما‭ ‬يبكي‭ ‬ويرتــــفـــع‭ ‬صوته‭ ‬ويجهش‭ ‬بالبكاء‭ ‬فإنه‭ ‬يــســتـــغـــيث،‭ ‬وينـــجح‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يحرك‭ ‬فــــي‭ ‬الأم‭ ‬كل‭ ‬عواطف‭ ‬الأمومة‭ ‬الــــتي‭ ‬تهــــرع‭ ‬لحمايــــته،‭ ‬ويقول‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬إن‭ ‬صرخة‭ ‬الطفل‭ ‬تفتح‭ ‬قلب‭ ‬الأم،‭ ‬فمن‭ ‬فضـــــل‭ ‬الله‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬جعلنا‭ ‬نبكي‭ ‬حتى‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬الحماية‭ ‬والرعاية‭ ‬والعطف‭.‬

وقد‭ ‬دلت‭ ‬الدراسات‭ ‬النفسية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الثالثـــة‭ ‬يبــكي‭ ‬في‭ ‬حضور‭ ‬أمه‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يبكي‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بمفـــرده،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬يكونون‭ ‬هادئين‭ ‬فإذا‭ ‬ظهرت‭ ‬الأم‭ ‬بكوا،‭ ‬وهذا‭ ‬معناه‭ ‬أن‭ ‬البكاء‭ ‬له‭ ‬وظــيــفة،‭ ‬فإذا‭ ‬انقطعت‭ ‬صلة‭ ‬البكاء‭ ‬بوظيفته‭ ‬انقطع‭ ‬البكاء،‭ ‬فالمقصود‭ ‬بالبكاء‭ ‬تحريك‭ ‬الآخرين،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الآخرون‭ ‬غير‭ ‬موجودين‭ ‬فإن‭ ‬البكاء‭ ‬يفقد‭ ‬وظيفته‭ ‬ويختفي،‭ ‬والإنسان‭ ‬عندما‭ ‬يبكي‭ ‬فإنه‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬ضعفه‭ ‬واحتياجه‭ ‬إلى‭ ‬الأمان‭ ‬والراحة،‭ ‬فلا‭ ‬يجد‭ ‬غير‭ ‬الدموع‭ ‬تنفيساً‭ ‬عما‭ ‬يعانيه‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬نفسي‭ ‬وضغوط‭ ‬عصبية‭. ‬

لذلك‭ ‬وضع‭ ‬قدماء‭ ‬المصريين‭ ‬تقاليد‭ ‬الجنائز‭ ‬عند‭ ‬الوفاة،‭ ‬حيث‭ ‬يجتمع‭ ‬الناس‭ ‬ويبكون‭ ‬ويستبكون‭ ‬ويحمس‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضاً،‭ ‬وبذلك‭ ‬تكون‭ ‬الجنائز‭ ‬فرصة‭ ‬لتفريغ‭ ‬شحنات‭ ‬انفعالية‭ ‬عند‭ ‬كثيرين،‭ ‬ومازال‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬العادات‭ ‬سائداً‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية،‭ ‬وخاصة‭ ‬بين‭ ‬النساء‭.‬

 

سلوك‭ ‬صحي‭ ‬وعلاج‭ ‬سريع

البكاء‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التفريغ‭ ‬والتفريج‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬يريح‭ ‬أعصاب‭ ‬المرأة‭ ‬ويجعلها‭ ‬أصح‭ ‬وأسلم‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬اعتاد‭ ‬ألا‭ ‬يبكي‭ ‬بحكم‭ ‬التربية،‭ ‬فيجب‭ ‬على‭ ‬الأم‭ ‬ترك‭ ‬الطفل‭ ‬يبكي‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تخفيف‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬العصبي‭ ‬لديه،‭ ‬والبكاء‭ ‬سلوك‭ ‬صحي‭ ‬وعلاج‭ ‬سريع‭ ‬لأغلب‭ ‬المتاعب‭ ‬النفسية،‭ ‬والمؤكد‭ ‬علمياً‭ ‬وعملياً‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬أكثر‭ ‬بكاء‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬بسبب‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬الغدد‭ ‬الدمعية‭ ‬لديها‭.‬

 

الالتقاء‭ ‬والتجاوب

بات‭ ‬مؤكداً‭ ‬صعوبة‭ ‬الإحاطة‭ ‬بجميع‭ ‬أشكال‭ ‬وصور‭ ‬البكاء‭ ‬لدى‭ ‬جميع‭ ‬البشر،‭ ‬والبكاء‭ ‬ظاهرة‭ ‬نفسية‭ ‬تتنوع‭ ‬مظاهرها‭ ‬وأسبابها‭ ‬ووظائفها‭ ‬بتنوع‭ ‬واختلاف‭ ‬نفسيات‭ ‬البشر‭ ‬ذاتهم،‭ ‬وبكاء‭ ‬الشخص‭ ‬عند‭ ‬وفاة‭ ‬عزيز‭ ‬عليه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الضعف‭ ‬واليأس،‭ ‬ومعناه‭ ‬انعدام‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬ما‭ ‬ينقذ‭ ‬الموقف،‭ ‬وغرضه‭ ‬اللاشعوري‭ ‬استدرار‭ ‬عطف‭ ‬الآخرين،‭ ‬فقريب‭ ‬المتوفى‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يكون‭ ‬متأثراً‭ ‬وحزيناً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يبكي‭ ‬عادة‭ ‬وهو‭ ‬بمفرده،‭ ‬فإذا‭ ‬التقى‭ ‬مع‭ ‬قريب‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬صديق‭ ‬بكى‭ ‬الاثنان‭ ‬معاً،‭ ‬فالبكاء‭ ‬يظهر‭ ‬عادة‭ ‬بالالتقاء‭ ‬الذي‭ ‬يصاحبه‭ ‬التجاوب‭ ‬بين‭ ‬الأشخاص‭.‬

وعند‭ ‬رؤية‭ ‬الآخــرين‭ ‬يبكون‭ ‬يتملكنا‭ ‬ميل‭ ‬إلى‭ ‬البكاء،‭ ‬ونبــكي‭ ‬فـــي‭ ‬الغالـــب‭ ‬بالفعل،‭ ‬وهكذا‭ ‬تصطخب‭ ‬الجنـــائــــز‭ ‬ويجـــتـــمع‭ ‬النــــاس‭ ‬لـــلبكاء،‭ ‬مع‭ ‬أنهم‭ ‬يقولـــون‭ ‬إن‭ ‬كلاً‭ ‬يبكي‭ ‬على‭ ‬حاله‭ ‬أو‭ ‬مأساته‭ ‬الخاصة،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬البكاء‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬السيكولوجية‭ ‬الشائعة‭ ‬لدى‭ ‬جميع‭ ‬البشر،‭ ‬فإنه‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬ظاهرة‭ ‬نفسية‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ظاهرة‭ ‬صحية‭ ‬أو‭ ‬مرضية،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تنوع‭ ‬أشكال‭ ‬البكاء‭ ‬وتعدد‭ ‬صوره‭ ‬وألوانه‭ ‬ودرجاته‭ ‬ووظائفه‭.‬

 

دموع‭ ‬الفرح‭!‬

قد‭ ‬يظن‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬البكاء‭ ‬دائماً‭ ‬قرين‭ ‬الحزن‭ ‬واليأس،‭ ‬ولكنه‭ ‬قد‭ ‬ثبت‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬فهناك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬البكاء‭ ‬لا‭ ‬يظهر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الفرح‭ ‬الشديد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعـــرف‭ ‬بــــدمــــوع‭ ‬الفرح،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬كــــثـــيراً‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬عندما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أسماعه‭ ‬خبر‭ ‬سعيد‭ ‬أو‭ ‬فرحــــة‭ ‬غـــامرة،‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬السعادة‭ ‬ســـــوى‭ ‬البكاء‭ ‬وسيلان‭ ‬الدموع،‭ ‬وبكاء‭ ‬الفرح‭ ‬خبرة‭ ‬شعورية‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬حياتهم،‭ ‬وتكون‭ ‬الدموع‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬والغبطة‭! ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬العجيب‭ ‬أن‭ ‬يقترن‭ ‬الفرح‭ ‬بالبكاء،‭ ‬والسعادة‭ ‬بالدموع،‭ ‬ولكنها‭ ‬حكمة‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬أضحك‭ ‬وأبكى‭ ‬وأمات‭ ‬وأحيا،‭ ‬كما‭ ‬يكون‭ ‬بكاء‭ ‬الإنسان‭ ‬نتيجة‭ ‬إيمانه‭ ‬بعظمة‭ ‬الله‭ ‬وجلاله‭ ‬وخوفاً‭ ‬من‭ ‬قدرته‭ ‬وارتجافاً‭ ‬من‭ ‬عذابه‭.‬

 

بكاء‭ ‬الندم

يعرف‭ ‬بكاء‭ ‬الندم‭ ‬بأنه‭ ‬أشد‭ ‬أنواع‭ ‬البكاء‭ ‬مرارة‭ ‬وقسوة‭ ‬على‭ ‬النفس،‭ ‬فهو‭ ‬يعتبر‭ ‬اعترافاً‭ ‬بالعجز‭ ‬والذنب‭ ‬والتقصير‭ ‬وظلم‭ ‬النفس‭ ‬أو‭ ‬الغير،‭ ‬فالعبد‭ ‬المذنب‭ ‬عندما‭ ‬يتوب‭ ‬يبكي‭ ‬ندماً‭ ‬على‭ ‬ذنبه،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الفقهاء‭ ‬جعلوا‭ ‬البكاء‭ ‬ندماً‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬التوبة‭ ‬وقبولها،‭ ‬واعتبروا‭ ‬جمود‭ ‬العين‭ ‬دليلاًً‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الصدق‭ ‬في‭ ‬التوبة،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يندم‭ ‬الإنسان‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬فهو‭ ‬يندم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يفعلها،‭ ‬ويندم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يفعله‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬عليه‭ ‬فعلها،‭ ‬وهو‭ ‬يندم‭ ‬على‭ ‬ضياع‭ ‬الفرص‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬هباء،‭ ‬ويندم‭ ‬على‭ ‬ضياع‭ ‬عمره‭ ‬منه‭ ‬بلا‭ ‬طائل‭ ‬ويندم‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬السيئات‭.‬

والإنسان‭ ‬قد‭ ‬يندم‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬أهله،‭ ‬وهو‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بالبكاء،‭ ‬ودموعه‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬دليل‭ ‬الندم،‭ ‬وقد‭ ‬نبه‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الغافل‭ ‬المسرف‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬يبكي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قدم‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يضحك،‭ ‬فيقول‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬العزيز‭ {‬فَرِحَ‭ ‬الْمُخَلَّفُونَ‭ ‬بِمَقْعَدِهِمْ‭ ‬خِلَافَ‭ ‬رَسُولِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬وَكَرِهُوا‭ ‬أَنْ‭ ‬يُجَاهِدُوا‭ ‬بِأَمْوَالِهِمْ‭ ‬وَأَنْفُسِهِمْ‭ ‬فِي‭ ‬سَبِيلِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬وَقَالُوا‭ ‬لَا‭ ‬تَنْفِرُوا‭ ‬فِي‭ ‬الْحَرِّ‭  ‬قُلْ‭ ‬نَارُ‭ ‬جَهَنَّمَ‭ ‬أَشَدُّ‭ ‬حَرًّا‭  ‬لَوْ‭ ‬كَانُوا‭ ‬يَفْقَهُونَ‮ ‬‭(‬81‭) ‬فَلْيَضْحَكُوا‭ ‬قَلِيلًا‭ ‬وَلْيَبْكُوا‭ ‬كَثِيرًا‭ ‬جَزَاءً‭ ‬بِمَا‭ ‬كَانُوا‭ ‬يَكْسِبُونَ‭}‬
‭) ‬81‭ ‬–‭ ‬82‭ ‬التوبة) ‬.