الأصول الفصيحة للهجة جبالة في الشمال المغربي

الأصول الفصيحة للهجة جبالة  في الشمال المغربي

صدر‭ ‬أخيراً‭ ‬عن‭  ‬منشورات‭ ‬سليكي‭ ‬أخوين‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬فصل‭ ‬في‭ ‬اللسانيات‭ ‬التاريخية‭: ‬الأصول‭ ‬العربية‭ ‬الفصيحة‭ ‬للهجات‭ ‬قبائل‭ ‬جبالة‭ ‬بالشمال‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬علمي‭ ‬التأثيل‭ ‬والدلالة‮»‬‭ ‬للباحث‭ ‬المغربي‭ ‬عبداللطيف‭ ‬الوهابي،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭  ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬إلا‭ ‬بوضعه‭ ‬في‭ ‬سياقة‭ ‬التاريخي‭ ‬والمعرفي،‭ ‬فهو‭ ‬كتاب‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬علم‭ ‬اللسانيات‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬عنوانه،‭ ‬وقد‭ ‬عرف‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬العلم‭ ‬مراحل‭ ‬متعددة‭ ‬أهمها‭:‬

‭< ‬مرحلة‭ ‬الدراسة‭ ‬اللغوية‭ ‬التي‭ ‬اختلطت‭  ‬بالفلسفة‭ ‬والمنطق‭ ‬وعلم‭ ‬الكلام،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الاهتمام‭ ‬منصباً‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدال‭ ‬والمدلول،‭ ‬أهي‭ ‬علاقة‭ ‬طبيعة‭ ‬أم‭ ‬مواضعة؟‭ ‬كما‭ ‬اهتمت‭ ‬بطبيعة‭ ‬اللغة‭ ‬أهي‭  ‬قياس‭ ‬أم‭ ‬سماع؟‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬محاولات‭ ‬تقعيد‭ ‬ومعيرة‭ ‬بعض‭ ‬اللغات‭ ‬الكبرى‭ ‬وخاصة‭ ‬اليونانية‭ ‬واللاتينية‭.‬

‭< ‬مرحلة‭ ‬اللسانيات‭ ‬المقارنة‭ ‬والتاريخية‭ (‬الدياكرونية‭) ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬اكتشاف‭ ‬اللغة‭ ‬السنسكريتية‭ ‬وظهور‭ ‬نظريات‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬أوربا،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬لامارك‭ ‬وداروين‭.‬

مرحلة‭ ‬اللسانيات‭ ‬البنيوية‭ ‬مع‭ ‬فردناند‭ ‬دوسوسير‭ (‬1916‭) ‬الذي‭ ‬ركز‭ ‬على‭ ‬الوصف‭ ‬التزامني‭ ‬للغة‭ ‬وفق‭ ‬منهــــج‭ ‬أحـــدث‭ ‬ثورة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬اللسانيات،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭.‬

وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬اللسانيات‭ ‬مع‭ ‬دوسوسير‭ ‬تهتم‭ ‬بدراسة‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬ولذاتها،‭ ‬فتم‭ ‬إهمال‭ ‬اللسانيات‭ ‬التاريخية‭ ‬وحدث‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬القطيعة‭ ‬الابستمولوجية،‭ ‬لكن‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬حملته‭ ‬اللسانيات‭ ‬البنيوية‭ ‬هو‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬تلكم‭ ‬النظرة‭ ‬المعيارية‭ ‬للغة،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬الاهتمام‭ ‬مقتصراً‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬اللغات‭ ‬المعيارية‭ ‬والأدبية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تمّ‭ ‬الاهتمام‭ ‬بكل‭ ‬اللغات،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬معيارية‭ ‬أم‭ ‬غير‭ ‬معيارية،‭ ‬قديمة‭ ‬أم‭ ‬حديثة،‭ ‬لغة‭ ‬حضارة‭ ‬أم‭ ‬بداوة‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬انتقل‭ ‬التصنيف‭ ‬الحديث‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬ولهجة‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المستويات‭ ‬المنوعة‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ظهر‭ ‬علم‭ ‬اللهجات،‭ ‬وأصبحت‭ ‬أمام‭ ‬اللسانيين‭ ‬مادة‭ ‬خصبة‭ ‬بسبب‭ ‬طبيعتها‭ ‬الشفوية،‭ ‬المجال‭ ‬المفضل‭ ‬للسانيات‭.‬

تعرف‭ ‬اللهجة‭ ‬عموماً‭ ‬بأنها‭ ‬نمط‭ ‬محلي‭ ‬يستعمله‭ ‬أفراد‭ ‬جماعة‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬معينة،‭ ‬لكني‭ ‬أتحفظ‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬دقته،‭ ‬وقد‭ ‬حاول‭ ‬لسانيون‭ ‬وضع‭ ‬شروط‭ ‬كثيرة‭ ‬فتحدثوا‭ ‬عن‭ ‬الاختصار‭ ‬والتاريخية‭ ‬والإرث‭ ‬الأدبي‭ ‬والتفاهم‭ ‬والواقعية‭... ‬لكنني‭ ‬أؤكد‭ ‬معيار‭ ‬التقعيد‭ ‬والهيبة‭ ‬والاعتبار،‭ ‬ومعيار‭ ‬الحدس‭ (‬إحساس‭ ‬المتكلمين‭ ‬بمثل‭ ‬لغوي‭ ‬أعلى،‭ ‬فإذا‭ ‬سألنا‭  ‬مثلا‭ ‬المغربي‭ ‬أو‭ ‬المصري‭ ‬أو‭ ‬الكويتي‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬بها‭ ‬فسيخبرنا‭ ‬أنه‭ ‬يتحدث‭ ‬العربية‭).‬

ليس‭ ‬موضوع‭ ‬اللهجات‭ ‬موضوعاً‭ ‬جديداً،‭ ‬فقد‭ ‬تحدث‭ ‬عنه‭ ‬القدماء‭ ‬في‭ ‬ثنايا‭ ‬مؤلفاتهم‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬مستقلة‭  ‬مثل‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬ما‭ ‬تلحن‭ ‬فيه‭ ‬العامة‮»‬‭ ‬للكسائي‭ ‬و«لحن‭ ‬العامة‮»‬‭ ‬للمازني،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬لحن‭ ‬العامة‮»‬‭ ‬للزبيدي‭ ‬و‮«‬الفاخر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تحلن‭ ‬فيه‭ ‬العامة‮»‬‭ ‬للمفضل‭ ‬بن‭ ‬سلمة‭ ‬و«أدب‭ ‬الكاتب‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬قتيبة‮»‬‭ ‬و«المعرب‮»‬‭ ‬للجوالقي،‭ ‬ومن‭ ‬المؤلفات‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬لحن‭ ‬العوام‮»‬‭ ‬للزبيدي‭ ‬الإشبيلي‭ ‬الأندلسي‭ ‬و«الفوائد‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬لحن‭ ‬العامة‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬جزي‭ ‬الكلبي‭ ‬الغرناطي‭... ‬ولكن‭ ‬الغالب‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬هو‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬اللهجات‭ ‬ككيان‭ ‬ناقص‭ ‬وغير‭ ‬مكتمل،‭ ‬وقد‭ ‬استمر‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬المعاصرين،‭ ‬وهذا‭ ‬الموقف‭ ‬السلبي‭ ‬راجع‭ ‬في‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬سببين‭:‬

المعاني‭ ‬السلبية‭ ‬للجذر‭ ‬‮«‬ل‭.‬هـ‭.‬ج‮»‬‭ ‬في‭ ‬‮«‬العربية‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬ثلاثة‭ ‬محددات‭ ‬للهجة‭ ‬عند‭ ‬العربي‭ ‬وهي‭:‬

أ‭:  ‬طريقة‭ ‬الاكتساب‭:‬‭ ‬فاللهجة‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬التي‭ ‬جبل‭ ‬عليها‭ ‬الطفل‭ ‬وتعلَّمها‭ ‬في‭ ‬محيطه‭ ‬الأسري‭ ‬والاجتماعي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تدخُّل‭ ‬مقصود‭ (‬لهج‭ ‬الفصيل‭ ‬ثدي‭ ‬أمه‭: ‬رضعه‭).‬

ب‭- ‬الطبيعة‭  ‬التكوينية‭:‬‭ ‬اللهجة‭ ‬خليط‭ ‬غير‭ ‬منسجم‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬واللهجات‭ (‬لهوج‭ ‬الشيء‭ ‬خلطه،‭ ‬ولهوج‭ ‬الأمر‭ ‬خلطه‭ ‬ولم‭ ‬يبرمه‭). ‬

ج‭- ‬القيمة‭ ‬الاجتماعية‭:‬‭ ‬اللهجة‭ ‬منوعة‭ ‬ناقصة‭ ‬لم‭ ‬تنضج‭ ‬بعد،‭ ‬وترادف‭ ‬اللحن‭ (‬لهوج‭ ‬الطعام‭ ‬طبخه‭ ‬ولم‭ ‬ينضجه‭).‬

ثم‭ ‬دعوة‭ ‬المستشرقين‭ ‬ومن‭ ‬والاهم‭ ‬من‭ ‬العرب،‭ ‬كسلامة‭ ‬موسى‭ ‬وسعيد‭ ‬عقل،‭ ‬إلى‭ ‬إحلال‭ ‬اللهجات‭ ‬محل‭ ‬الفصحى،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬خفي‭ ‬مع‭ ‬الفصحى‭ ‬عوض‭ ‬التكامل‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬التاريخ‭.‬

فقد‭ ‬اهتم‭ ‬المستشرقون‭  ‬باللهجات‭ ‬العربية،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬مصر،‭ ‬وأسست‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬لدراسة‭ ‬اللهجات‭ ‬منها‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للغات‭ ‬والحضارات‭ ‬الشرقية‮»‬‭ ‬و«مدرسة‭ ‬فتيان‭ ‬اللغات‮»‬‭ ‬و«المدرسة‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬الاستعراب‭ ‬الفرنسي‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أنجز‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬منها‭ ‬‮«‬أصول‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬العامية‭ ‬والفصحى‮»‬‭ ‬للفرنسي‭ ‬de savarie،‭ ‬وبحث‭ ‬‮«‬لغة‭ ‬نجد‭ ‬الحالية‮»‬‭ ‬لهيس‭ ‬hess،‭ ‬و«في‭ ‬لغة‭ ‬الجزائر‮»‬‭ ‬لهوداس‭ ‬و«في‭ ‬العربية‭ ‬ولهجاتها‮»‬‭ ‬للاندبرج‭. ‬أما‭ ‬اللهجات‭ ‬المغربية‭ ‬فقد‭ ‬حظيت‭ ‬هي‭ ‬أيضاً‭ ‬بدراسات‭ ‬أرجعها‭ ‬كانتينو‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الـ‭ ‬19،‭ ‬وبالضبط‭ ‬إلى‭ ‬الباحثين‭ ‬الألمان‭ ‬والفرنسيين‭ ‬والإسبان،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬دراسات‭ ‬كاملة،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬مسخَّرة‭ ‬لتعليم‭ ‬العسكريين‭ ‬والمدنيين‭ ‬الذين‭ ‬استقروا‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬ويمكن‭ ‬تقسيمها‭ ‬إلى‭ ‬قسمين‭:‬

‭< ‬قسم‭ ‬اهتم‭ ‬باللهجات‭ ‬المغربية‭ ‬عموماً،‭ ‬ومنها‭ ‬دراسة‭ ‬هاريس‭ ‬the phonemes of‭ ‬Moroccan Arabic‭ ‬ودراسة‭ ‬كانتيونو‭ ‬reflexion sur la phonologie de l’arabe Marocaine‭ ‬ووليام‭ ‬مارسي‭ ‬textes arab de tanger‭. ‬

‭< ‬قسم‭ ‬اهتم‭ ‬باللهجات‭ ‬المحلية،‭ ‬وخاصة‭ ‬عمل‭ ‬ليفي‭ ‬بروفنصال‭ ‬‮«‬نصوص‭ ‬عربية‭ ‬ورغة‭: ‬لهجات‭ ‬جبالة‮»‬‭ ‬وكولن‭ ‬colin‭ ‬‮«‬ملاحظات‭ ‬حول‭ ‬اللهجة‭ ‬العربية‭ ‬لشمال‭ ‬منطقة‭ ‬تازة‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬تابع‭ ‬المستشرقون‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬اللغويين‭ ‬العرب‭ ‬أهمهم‭ ‬إبراهيم‭ ‬أنيس‭ ‬‮«‬في‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬درس‭ ‬لهجة‭ ‬القاهرة،‭ ‬وتمَّام‭ ‬حسان‭ ‬الذي‭ ‬درس‭ ‬لهجة‭ ‬عدن،‭ ‬وزاد‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬المجامع‭ ‬اللغوية‭ ‬العربية‭ ‬إنجاز‭ ‬دراسات‭ ‬علمية‭ ‬للهجات‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وقرار‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬عام‭ ‬1955‭ ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمام‭ ‬باللهجات‭ ‬خدمة‭ ‬للفصحى‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬اللغوي‭. ‬

أما‭ ‬الدراسات‭ ‬المغربية‭ ‬الخالصة‭ ‬فقد‭ ‬انطلقت‭ ‬مع‭ ‬هيمنة‭ ‬الدرس‭ ‬اللساني‭ ‬المعاصر‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬المغربية،‭ ‬نخص‭ ‬بالذكر‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬فونولوجيا‭ ‬ومورفولوجيا‭ ‬الفاسية‭ ‬القديمة‮»‬‭ ‬لعبدالعزيز‭ ‬حليلي،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬قضايا‭ ‬لسانية‭: ‬اللهجة‭ ‬البيضاوية‮»‬‭ ‬لأمينة‭ ‬أفنان،‭ ‬والملاحظ‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬اتخذت‭ ‬مناهج‭ ‬تزامنية،‭ ‬وأهملت‭ ‬الدراسات‭ ‬التعاقبية‭ ‬التاريخية،‭ ‬باستثناء‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬القليلة‭ ‬مثل‭ ‬كتاب‭ ‬محمد‭ ‬الحلوي‭ ‬‮«‬الفصحى‭ ‬في‭ ‬العامية‭ ‬المغربية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬دراسة‭ ‬لسانية،‭ ‬بسبب‭ ‬غلبة‭ ‬الانطباعية‭ (‬فلا‭ ‬يحدد‭ ‬مصادره‭ ‬المعجمية‭)‬‭ ‬وفقر‭ ‬مادته‭ (‬حوالي‭ ‬781‭ ‬مدخلاً‭) ‬وعدم‭ ‬تحديده‭ ‬للمتن‭ ‬اللغوي‭ (‬شملت‭ ‬الدراسة‭ ‬كل‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‭ ‬المغربية‭).‬

أما‭ ‬الكتاب‭ ‬الحالي‭ ‬فهو‭ ‬بحق‭ ‬يشكل‭ ‬انعطافاً‭ ‬بمعنى‭ ‬الكلمة‭ ‬للدراسات‭ ‬اللسانية‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬لأنه‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬جديد،‭ ‬فالمعروف‭ ‬أن‭ ‬الدراسات‭ ‬اللسانية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬لحاجة‭ ‬ملحة،‭ ‬بل‭ ‬لمسايرة‭ ‬المدارس‭ ‬الغربية،‭ ‬ولهذا‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬بناء‭ ‬نماذج‭ ‬شاملة‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬استمرار‭ ‬هيمنة‭ ‬سيبويه‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬النحوي‭ ‬العربي،‭ ‬فمازالت‭ ‬القواعد‭ ‬هي‭ ‬نفسها،‭ ‬ولا‭ ‬يتغير‭ ‬إلا‭ ‬نوع‭ ‬الورق‭ ‬وشكل‭ ‬الكتب‭.‬

أما‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬فقد‭ ‬نبه‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالدراسات‭ ‬التاريخية‭ ‬للهجات‭ ‬العربية‭ ‬لأغراض‭ ‬عملية،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬بدأت‭ ‬تهتم‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الدراسات،‭ ‬لكن‭ ‬الكتاب‭ ‬الحالي‭ ‬لا‭ ‬يكتفي‭ ‬بالتنظير،‭ ‬بل‭ ‬يقدم‭ ‬نموذجاً‭ ‬ملموساً‭ ‬للنتائج‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إليها‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الدراسات،‭ ‬وأهمها‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬الخدمة‭ ‬الجليلة‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬جانبين‭: ‬

الجانب‭ ‬الأول‭: ‬إغناء‭ ‬المعجم‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬بكلمات‭ ‬نُسي‭ ‬أصلها‭ ‬الفصيح‭ ‬رغم‭ ‬دقتها‭ ‬التعبيرية،‭ ‬أو‭ ‬بكلمات‭ ‬أبدعتها‭ ‬اللهجات،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تلكم‭ ‬الكلمات‭ ‬المصوغة‭ ‬وفق‭ ‬قواعد‭ ‬الصرف‭ ‬العربي‭.‬

الجانب‭ ‬الثاني‭: ‬إصلاح‭ ‬درس‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬العربية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬بإدراج‭ ‬كلمات‭ ‬فصيحة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الدارجة‭ ‬التي‭ ‬يستعملها‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تحصل‭ ‬له‭ ‬صدمة‭ ‬اللقاء‭ ‬الأول‭. ‬فلماذا‭ ‬يستعمل‭ ‬المدرس‭ ‬المغربي‭ ‬مثلاً‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬ذهب‮»‬‭ ‬دون‭ ‬‮«‬مشى‮»‬‭ ‬و«سقط‮»‬‭ ‬دون‭ ‬‮«‬طاح‮»‬‭ ‬و«الأطفال‮»‬‭ ‬دون‭ ‬‮«‬العيال‮»‬‭ ‬و«قبيح‮»‬‭ ‬دون‭ ‬‮«‬خائب‮»‬‭ ‬و«صلب‮»‬‭ ‬دون‭ ‬‮«‬قاسح‮»‬‭ ‬و«أزعجتني‮»‬‭ ‬دون‭ ‬‮«‬صدعت‭ ‬رأسي‮»‬‭ ‬و«مملوء‮»‬‭ ‬دون‭ ‬‮«‬عامر‮»‬‭ ‬رغم‭ ‬أنّ‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬فصيحة‭ ‬ومستعملة‭ ‬في‭ ‬الدارجة‭. ‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذا،‭ ‬يتميز‭ ‬الكتاب‭ ‬ببنائه‭ ‬المحكم‭ ‬ومعماره‭ ‬المتقن،‭ ‬حيث‭ ‬تتعالق‭ ‬الفصول‭ ‬وتترابط‭ ‬في‭ ‬نسق‭ ‬متقن،‭ ‬هكذا‭ ‬ينتقل‭ ‬الباحث‭ ‬متدرجاً‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬العربية‭ ‬القديم،‭ ‬مروراً‭ ‬إلى‭ ‬وضعيتها‭ ‬في‭ ‬العصرين‭ ‬الأموي‭ ‬والعباسي،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬انتشارها‭ ‬في‭ ‬رقعة‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬الواسعة،‭ ‬شارحاً‭ ‬بدقة‭ ‬أسباب‭ ‬ظهور‭ ‬اللهجات،‭ ‬متتبعاً‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الدارسون‭ ‬والباحثون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬أصول‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‭ ‬المغربية‭ ‬وأنواعها،‭ ‬واقفاً‭ ‬بتفصيل‭ ‬عند‭ ‬اللهجة‭ ‬الجبلية،‭ ‬ذاكراً‭ ‬أهم‭ ‬التحولات‭ ‬الصوتية‭  ‬والدلالية‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬الكلمات‭ ‬الفصيحة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعرض‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬التفصيل‭ ‬لمادته‭ ‬المعجمية،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبداللطيف‭ ‬الوهابي‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬صنَّف‭ ‬الباحثين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يكتفون‭ ‬بالمشهور‭ ‬من‭ ‬الأقوال،‭ ‬بل‭ ‬حاول‭ ‬جاهداً‭ ‬تجاوز‭ ‬المألوف‭ ‬وتقديم‭ ‬المبتكر‭ ‬الجديد،‭ ‬وهي‭ ‬صفات‭ ‬لا‭ ‬يملكها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬تمرس‭ ‬بالبحث‭ ‬العلمي‭ ‬ووطَّن‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬كد‭ ‬الذهن‭ ‬وإتعاب‭ ‬الجسد،‭ ‬خدمة‭ ‬للحقيقة‭ ‬العلمية،‭ ‬فنجده‭ ‬مثلاً‭ ‬يخالف‭ ‬الشائع‭ ‬في‭ ‬أصل‭ ‬كلمة‭ ‬جبالة،‭ ‬حيث‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬إرجاع‭ ‬هذه‭ ‬التسمية‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬جبلة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬التي‭ ‬قدم‭ ‬منها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الفاتحين‭ ‬العرب‭. ‬

كما‭ ‬يتميز‭ ‬الكتاب‭ ‬بمسألتين‭ ‬أساسيتين‭ ‬هما‭ ‬الاستقصاء‭ ‬والشمولية،‭ ‬وهذا‭ ‬ظاهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وقوفه‭ ‬عند‭ ‬التحولات‭ ‬الصوتية‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬الكلمات‭ ‬الفصيحة‭ ‬في‭ ‬اللهجة‭ ‬الجبلية،‭ ‬كترك‭ ‬الإعراب‭ ‬وغمط‭ ‬الحركات‭ ‬والإبدال‭ ‬والزيادة‭ ‬والترخيم‭... ‬وكذا‭ ‬التحولات‭ ‬الدلالية‭ ‬التي‭ ‬مست‭ ‬النسق‭ ‬الفصيح‭ ‬كتضييق‭ ‬المعنى‭ ‬وتوسيعه‭ ‬وانتقاله‭ ‬واستعمال‭ ‬اللفظ‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬معناه‭ ‬الفصيح‭ ‬أو‭ ‬العكس‭... ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬تأمل‭ ‬كلمات‭ ‬قلما‭ ‬ننتبه‭ ‬إليها‭ ‬فجاء‭ ‬بالطريف‭ ‬والعجيب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬منها‭ ‬كلمة‭ (‬وخّ‭ ‬أي‭ ‬توخّى‭ ‬وبش‭ ‬أي‭ ‬بشأن‭)‬،‭ ‬أما‭ ‬الشمولية‭ ‬فتتجلى‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬الكاتب‭ ‬تأثيل‭ ‬معجم‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬تستعمل‭ ‬فيها‭ ‬جبلية‭ ‬بني‭ ‬عروس‭ ‬من‭ ‬النبات‭ ‬والأعشاب‭ ‬والأشجار‭ ‬والمناخ‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الدينية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والتجارة‭ ‬والنظافة‭ ‬واللباس،‭ ‬إلى‭ ‬الجسد‭ ‬وأعضائه‭ ‬ومن‭ ‬عالم‭ ‬الحيوان‭ ‬والمطبخ‭ ‬إلى‭ ‬معجم‭ ‬الضرب‭ ‬والشتم‭ ‬والشجار‭ ‬والخصومة،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الأمراض‭ ‬وطرق‭ ‬العلاج‭.‬

 

راهنية‭ ‬الموضوع‭ ‬وأهميته

يأتي‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأصوات‭ ‬المنادية‭ ‬بتدريس‭ ‬اللهجات‭ ‬والدوارج،‭ ‬وارتفاع‭ ‬أصوات‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تختزل‭ ‬المغرب‭ ‬المتعدد‭  ‬الثقافات‭ ‬في‭ ‬أنموذج‭ ‬واحد‭ ‬يحكمه‭ ‬نزوع‭ ‬عرقي‭ ‬مدعم‭ ‬بخطاب‭ ‬أكاديمي،‭ ‬ليؤكد‭ ‬التقارب‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬اللهجة‭ ‬والفصحى،‭ ‬وأنّ‭ ‬ما‭ ‬يعتبر‭ ‬معجماً‭ ‬دارجاً‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬إلا‭ ‬كلمات‭ ‬فصيحة‭ ‬نُسي‭ ‬أصلها‭ ‬لما‭ ‬طرأ‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬تغيرات،‭ ‬أو‭ ‬أُهمل‭ ‬استعمالها‭ ‬في‭ ‬‮«‬العربية‮»‬‭ ‬المعاصرة،‭ ‬كما‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم،‭ ‬وروح‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الدارجة‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬درس‭ ‬العربية‭ ‬بإقحام‭ ‬كلمات‭ ‬ذات‭ ‬أصول‭ ‬فصيحة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬بيئة‭ ‬التلميذ‭ ‬ومحيطه‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ما‭ ‬يساعده‭ ‬على‭ ‬الاندماج‭ ‬السريع‭  ‬وإغناء‭ ‬الرصيد‭ ‬اللغوي،‭ ‬كما‭ ‬تكمن‭ ‬أهمية‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬نظر‭ ‬في‭ ‬موقفنا‭ ‬من‭ ‬الدارجة‭ ‬واعتبارها‭ ‬مجالاً‭ ‬خصباً‭ ‬للإبداع‭ ‬اللغوي،‭ ‬فلماذا‭ ‬تستعير‭ ‬وتقترض‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬ولا‭ ‬تقترض‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬أبدعتها‭ ‬بناتها‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية؟‭ ‬ألم‭ ‬يحن‭ ‬الوقت‭ ‬لإدماج‭ ‬كلمات‭ ‬‮«‬الهيشر‭ ‬واللوي‭ ‬والنقلة‭ ‬والرجلة‭ ‬والغرسة‭ ‬والشطابة‭ ‬والرفيذة‭ ‬والتلقيم‭ ‬والغذان‭ ‬والجمار‭ ‬والبحيرة‭ ‬والتسهيل‭ ‬والتقريع‭ ‬والزريعة‭ ‬والرجمة‭ ‬والعروم‭ ‬والمطمورة‭ ‬والحدورة‭ ‬والغيطة‭ ‬والهوتة‭ ‬والتشويل‭ ‬والتفريق‭ ‬والتنشير‭ ‬والشرط‭ ‬والنوبة‭ ‬والسلكة‭ ‬والتحريرة‭ ‬والمرشوم‭ ‬واللقاط‭ ‬والعمارية‭...‬‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬آلاف‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬أبدعتها‭ ‬جبالة‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬مصوغة‭ ‬وفق‭ ‬قواعد‭ ‬الصرف‭ ‬العربي؟‭ ‬ألم‭ ‬يقل‭ ‬النحاة‭ ‬قديماً‭ ‬ما‭ ‬قيس‭ ‬على‭ ‬كلام‭ ‬العرب‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬كلام‭ ‬العرب؟‭ ‬ولنتخيل‭ ‬السيل‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬ستنضاف‭ ‬إلى‭ ‬المعجم‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يتهم‭ ‬بالنقص‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬لو‭ ‬درست‭ ‬كل‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‭ ‬بهذا‭ ‬المنهاج‭ ‬نفسه‭.‬

يفتح‭ ‬الكتاب‭ ‬أيضاً‭ ‬آفاقاً‭ ‬واسعة‭ ‬لدراسة‭ ‬لهجات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الغنى‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬تزخر‭ ‬به‭ ‬اللهجات،‭ ‬كما‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬علوم‭ ‬أخرى‭ ‬وخاصة‭ ‬اللسانيات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فقد‭ ‬وقف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬133‭ ‬وصفاً‭ ‬ونعتاً‭ ‬قبيحاً‭ ‬للمرأة‭ ‬والرجل،‭ ‬ألا‭ ‬يشكل‭ ‬هذا‭ ‬مادة‭ ‬خصبة‭ ‬للدراسات‭ ‬السوسيولسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬معاً؟

يعيد‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الاعتبار‭ ‬للسانيات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬نتائج‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تحسين‭ ‬وتبسيط‭ ‬النحو‭ ‬العربي،‭ ‬فقد‭ ‬بدا‭ ‬لي‭ ‬وأنا‭ ‬أتمعن‭ ‬بنية‭ ‬التصريف‭ ‬أن‭  ‬العربية‭ ‬القديمة‭ ‬كانت‭ ‬تؤخر‭ ‬الضمير‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬الماضي‭ ‬‮«‬ضرب‭ ‬أنا‮»‬‭ ‬وتقدمه‭ ‬إذا‭ ‬أرادت‭ ‬الدلالة‭ ‬على‭ ‬الحاضر‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬ضرب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أضرب‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬النون،‭ ‬وهذا‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ادعاء‭ ‬النحاة‭ ‬أن‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الصيغ‭ ‬ضمير‭ ‬مستتر‭ ‬وجوباً،‭ ‬ألا‭ ‬يكفي‭ ‬اعتبار‭ ‬‮«‬أ‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬الفاعل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لمستتر‭ ‬على‭ ‬الإطلاق؟

إن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬سيصبح‭  ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬مرجعاً‭ ‬للباحثين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬ونبراساً‭ ‬تهتدي‭ ‬به‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬لتطوير‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وإغناء‭ ‬معجمها‭ .