التنظير في الترجمة

التنظير في الترجمة

أدى‭ ‬اشتغال‭ ‬الكاتب‭ ‬والمترجم‭ ‬والفيلسوف‭ ‬وعالم‭ ‬اللسانيات‭ ‬الفرنسي‭ ‬جان‭ ‬رينيه‭ ‬لادميرال،‭ ‬بالترجمة‭ ‬عقوداً‭ ‬طويلة،‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتواصل‭ ‬الثقافات،‭ ‬باعتبار‭ ‬الترجمة‭ - ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬الأدب‭ ‬المقارن‭ - ‬ضرباً‭ ‬من‭ ‬المثاقفة،‭ ‬حيث‭ ‬توجب‭ ‬ممارستها‭ ‬إتقان‭ ‬اللغات‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬الثقافات‭ ‬العالمية‭. ‬

من‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬أهمية‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬التنظير‭ ‬في‭ ‬الترجمة‮»‬‭ ‬وعنوانه‭ ‬الأصلي‭ ‬‮«‬Traduire‭: ‬Théorèmes pour la traduction‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬د‭.‬محمد‭ ‬جدير،‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني،‭ ‬بالمملكة‭ ‬المغربية‭. ‬يُدرس‭ ‬المؤلف‭ ‬الفلسفة‭ ‬والترجمة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬باريس‭ ‬إكس،‭ ‬وما‭ ‬يسمى‭ ‬بالترجمية‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للترجمة‭ ‬الفورية‭ ‬والترجمة‭ (‬IS.I.T‭) ‬في‭ ‬باريس‭. ‬

ويعد‭ ‬كتابه‭ ‬موضوع‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬النادرة‭ ‬فــي‭ ‬التنظــيـــر‭ ‬لعلــم‭ ‬وفــــن‭ ‬التــــرجـــمــة،‭ ‬وقد‭ ‬استوحى‭ ‬فصوله‭ ‬الأربعـــة‭ ‬من‭ ‬خبـــرة‭ ‬طويلة،‭ ‬يبدأ‭ ‬بتعريف‭ ‬الترجمة،‭ ‬وعلاقتــها‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تطبيقي،‭ ‬عبر‭ ‬إمكان‭ ‬الترجمة‭ ‬واستحالتها،‭ ‬ويطرح‭ ‬أسئلة‭ ‬جدلــــية‭ ‬حول‭ ‬ترجمة‭ ‬الشعر،‭ ‬وكذلك‭ ‬الإشكال‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬التضمين‭ (‬connotation‭).‬

ويتبنى‭ ‬المؤلف‭ ‬خطاباً‭ ‬عن‭ ‬الترجمة‭ ‬يغلب‭ ‬عليه‭ ‬الطابع‭ ‬اللساني،‭ ‬لأن‭ ‬الترجمة‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬بالعلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحصري‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬بالدراسات‭ ‬الأدبية‭ ‬أيضاً،‭ ‬وذلك‭ ‬بالطبع‭ ‬لأن‭ ‬الأدب‭ ‬المقارن‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الترجمات،‭ ‬ولأن‭ ‬الترجمة‭ ‬هي‭ ‬نمط‭ ‬خاص‭ ‬للكتابة،‭ ‬وليست‭ ‬الترجمة‭ ‬الأدبية‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬يصبح‭ ‬كل‭ ‬مترجم‭ ‬كاتباً‭ ‬ثانياً‭ (‬réécrivian‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬مؤلف‭ ‬مشارك‭  (‬co-auteur‭).‬

آلة‭ ‬الترجمة‭ ‬

يسخر‭ ‬المؤلف‭ ‬من‭ ‬‮«‬آلة‭ ‬الترجمة‮»‬‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الترجمة‭ ‬يجب‭ ‬المرور‭ ‬بالمعنى،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الترجمة‭ ‬الآلية‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬مترجم‭ ‬الكتاب‭ ‬العنصرة‭ (‬la Pentecête‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬باتت‭ ‬الترجمة‭ ‬الآلية‭ ‬والترجمة‭ ‬المدعومة‭ ‬بالحاسب‭ ‬الآلي‭ ‬تشكلان‭ ‬معاً‭ ‬مجالاً‭ ‬خاصاً‭ ‬جداً‭ ‬ومختلفاً‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬الترجمة‭ ‬البشرية،‭ ‬فإنهما‭ ‬مستمرتان‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬منطقيهما‭ ‬الخاصين،‭ ‬بشكل‭ ‬متواز‭ ‬ومستقل‭.‬

ثم‭ ‬يثير‭ ‬الكتاب‭ ‬قضية‭ ‬أخرى‭ ‬تمس‭ ‬التآزر‭ ‬بين‭ ‬الحقول‭ ‬المعرفية؛‭ ‬وهي‭ ‬الاهتمام‭ ‬المتزايد‭ ‬بالترجمة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الفكري،‭ ‬وما‭ ‬يستتبعه‭ ‬ذلك‭ ‬بالضرورة‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬لترجمة‭ ‬أعمال‭ ‬سابقة‭ ‬ترجمت‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬كما‭ ‬ظهر‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬إعادة‭ ‬ترجمة‭ ‬أعمال‭ ‬سيجموند‭ ‬فرويد،‭ ‬عالم‭ ‬النفس‭ ‬المعروف،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬التحليل‭ ‬النفسي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الترجمة‭. ‬وظهر‭ ‬جدل‭ ‬مماثل‭ ‬حين‭ ‬أعيدت‭ ‬ترجمة‭ ‬هايدجر،‭ ‬ومثلما‭ ‬أظهرت‭ ‬إعادة‭ ‬الترجمة‭ ‬لأعمال‭ ‬فرويد‭ ‬الرهانات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتحليل‭ ‬النفسي‭ ‬وارتباطها‭ ‬بالفلسفة،‭ ‬أظهرت‭ ‬إعادة‭ ‬ترجمة‭ ‬العمل‭ ‬الأساس‭ ‬للفيلسوف‭ ‬هايدجر‭ ‬رهانات‭ ‬موضوعها‭ ‬الفلسفي‭. ‬

 

الترجمة‭ ‬إشكال‭ ‬المصطلح

بعد‭ ‬توليف‭ ‬معظـــــم‭ ‬تعــريفات‭ ‬التــــرجمة‭ ‬نعرف‭ ‬أنها‭ ‬تُنتج‭ ‬نصاً‭ ‬يعد‭ ‬هدفاً‭ ‬مكافئاً‭ ‬دلالياً‭ ‬وأسلوبياً‭ ‬وشعرياً‭ ‬وإيقاعياً‭ ‬وثقافياً‭ ‬وتداولياً‭ ‬للنص‭ ‬الأصلي‭ ‬المَصْدَر‭. ‬والذين‭ ‬ينتقدون‭ ‬الترجمة‭ ‬يأخذون‭ ‬على‭ ‬المترجم‭ ‬ابتعاده‭ ‬عن‭ ‬النص‭ ‬الأصل،‭ ‬وكأن‭ ‬الترجمة‭ ‬تُحدد‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬وعي‭ ‬بواسطة‭ ‬التماثل،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬صحيحاً‭ ‬فنكون‭ ‬قد‭ ‬وقعنا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أراه‭ ‬منتقداً،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬يوتوبيا‭ ‬مصدرية‭ ‬للترجمة‮»‬،‭ ‬ويكون‭ ‬منطقها‭ ‬اللامفكر‭ ‬فيه‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الترجمة‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تكراراً‭ ‬للنص‭ ‬الأصل‭! ‬

ويرى‭ ‬لادميرال‭ ‬أن‭ ‬الترجمة‭ ‬هي‭ ‬ذلك‭ ‬النشاط‭ ‬الذائع‭ ‬الانتشار،‭ ‬الذي‭ ‬مارسناه‭ ‬كلنا،‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يمثل‭ ‬إشكالاً‭ ‬لدينا،‭ ‬يعسر‭ ‬علينا‭ ‬تعريفه،‭ ‬وكأن‭ ‬الترجمة‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتعريف،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يدعو‭ ‬لادميرال‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬لتعريفات‭ ‬واقعية‭ ‬كظاهرة‭ ‬تجريبية‭.‬

 

مهنة‭ ‬المترجم

يعتقد‭ ‬لادميرال‭ ‬أن‭ ‬الترجمـة‭ ‬باعتبارها‭ ‬نشاطاً‭ ‬إنسانياً‭ ‬كــونياً‭ ‬أصبحت‭ ‬ضرورية‭ ‬لكل‭ ‬الأزمنة،‭ ‬بين‭ ‬التجـــمعات‭ ‬الناطـــقــة،‭ ‬سواء‭ ‬فردية‭ ‬أو‭ ‬جماعية،‭ ‬طارئة‭ ‬أو‭ ‬مستمرة،‭  ‬والغريب‭ ‬أنه‭ ‬بينما‭ ‬يترجم‭ ‬‮«‬الأدبيون‮»‬‭ ‬كتباً‭ ‬مقابل‭ ‬مكافآت‭ ‬متواضعة‭ ‬تبعاً‭ ‬لنظام‭ ‬حقوق‭ ‬المؤلف،‭ ‬يحصل‭ ‬‮«‬التقنيون‮»‬‭ ‬على‭ ‬مقابل‭ ‬جوهري‭ ‬جداً‭ ‬لترجماتهم‭. ‬وتطلق‭ ‬تسمية‭ ‬‮«‬ترجمة‭ ‬تقنية‮»‬‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية‭ ‬والعلمية،‭ ‬بينما‭ ‬يندرج‭ ‬كتاب‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬ترجمة‭ ‬أدبية‮»‬‭. ‬

ومن‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬المترجم‭ ‬النقص‭ ‬المعجمي‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الهدف،‭ ‬حين‭ ‬يعثر‭ ‬على‭ ‬مفردة‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للترجمة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يتجه‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬الاقتراض،‭ ‬فيأخذ‭ ‬الكلمة‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬دالاً‭ ‬ومدلولاً،‭ ‬أو‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الاستيراد‭ ‬الحذر‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬النسخ‭ (‬la calque‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬اقتراض‭ ‬المدلول‭ ‬دون‭ ‬الدال،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬الاقتراض‭ ‬لوناً‭ ‬محلياً‭ ‬حين‭ ‬تفضل‭ ‬المفردة‭ ‬في‭ ‬الفرنسية‭ ‬الهدف‭ ‬على‭ ‬مزاوجها‭.‬

 

حلول‭ ‬المترجم‭ ‬

وهناك‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حلول‭ ‬الاقتراض‭ ‬الثلاثة‭ ‬المباشرة،‭ ‬تمثل‭ ‬أربعة‭ ‬أساليب‭ ‬للترجمة‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬أو‭ ‬الملتوية،‭ ‬مـــثــــل‭ ‬النقــــل،‭ ‬والتــحويل،‭ ‬والتكافؤ،‭ ‬والتكييف،‭ ‬وكلها‭ ‬صيغ‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬اللغات‭ ‬المترجمة‭ ‬والمترجم‭ ‬إليها‭.‬

ويستدعي‭ ‬حديث‭ ‬المؤلف‭ ‬لادميرال‭ ‬حول‭ ‬خطر‭ ‬الترجمة‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬العربية‭ ‬بالشأن‭ ‬نفسه،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الترجمة‭ ‬قد‭ ‬تمثل‭ ‬النار‭ ‬المضادة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نواجه‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬الحريق‭ ‬اللساني‭ ‬للغرب‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬متزامناً‭ ‬مع‭ ‬الثنائية‭ ‬اللغوية،‭ ‬بين‭ ‬الإنجليزية‭ ‬ولغات‭ ‬العالم‭ (‬أنجلو‭ ‬إكس‭)‬،‭ ‬إنها‭ ‬حرب‭ ‬يخوضها‭ ‬المترجم‭ ‬الثنائي‭ ‬اللغة‭ ‬المحترف‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬مقاومة‭ ‬منظمة‭ ‬ضد‭ ‬التداخلات،‭ ‬وكذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬النصوص‭ ‬المترجمة‭ ‬وإلى‭ ‬قرائها‭ ‬لتلافي‭ ‬خطر‭ ‬التبعية‭ ‬اللغوية‭ ‬والثقافية‭. ‬

وكمعلم‭ ‬يرى‭ ‬لادميرال‭ ‬أن‭ ‬إعادة‭ ‬الترجمة‭ ‬تعد‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها‭ ‬تمريناً‭ ‬جيداً‭ ‬يمكن‭ ‬التلاميذ‭ ‬من‭ ‬خبرة‭ ‬ذاتية‭ ‬الترجمة،‭ ‬وهي‭ ‬تنزع‭ ‬إلى‭ ‬توضيع‭ ‬أحسن،‭ ‬سواء‭ ‬للغة‭ ‬الأجنبية‭ ‬أو‭ ‬للغة‭ ‬الأم،‭ ‬ويمكن‭ ‬لإعادة‭ ‬الترجمة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصدر‭ ‬نمط‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬اللعب،‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بواسطة‭ ‬لعبة‭ ‬الأوراق‭ ‬الصغيرة،‭ ‬بترجمة‭ ‬وإعادة‭ ‬الترجمة‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬التلاميذ،‭ ‬يجهل‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬النص،‭ ‬وتنحصر‭ ‬معرفة‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية‭ ‬للنص‭ ‬الذي‭ ‬يترجمه،‭ ‬وعند‭ ‬نهاية‭ ‬التمرين‭ ‬تتم‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬أي‭ ‬بين‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ (‬entrée‭) ‬والنص‭ ‬النهائي‭ (‬sortie‭).‬

ويؤكد‭ ‬لادميرال‭ ‬أن‭ ‬التضمين‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭ ‬ليس‭ ‬ظاهرة‭ ‬فردية،‭ ‬وليس‭ ‬ثمة‭ ‬معنى‭ ‬لغوي‭ ‬فردي‭ ‬للكلمة‭ ‬المفردة‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يجاور‭ ‬معنى‭ ‬آخر،‭ ‬لغوياً‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬اجتماعياً‭ ‬أو‭ ‬جماعياً،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬فقط‭ ‬مشكلة‭ ‬مدى‭ ‬حجن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فردي‭ ‬داخل‭ ‬المفردة‭ ‬الواحدة‭.‬

ويربط‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬التنظير‭ ‬في‭ ‬الترجمة‮»‬‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬العلم‭ ‬والفن‭ ‬والجماعة‭ ‬اللغوية،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬التضمينات‭ ‬الفردية‭ ‬داخل‭ ‬الترجمة‭ ‬تتنوع‭ ‬وفقاً‭ ‬لمقامها،‭ ‬فلكل‭ ‬مقام‭ ‬مقال‭. ‬

ويختـــتم‭ ‬المؤلف‭ ‬كتابه‭ ‬بثبـــت‭ ‬للمصطلحات،‭ ‬بعد‭ ‬ثبت‭ ‬تعريفي‭ ‬يعرف‭ ‬ضمن‭ ‬مصطلحاته‭ ‬الترجمة‭ ‬بأنها‭ ‬حالة‭ ‬خاصــة‭ ‬من‭ ‬التمــاس‭ ‬والتقارب‭ ‬اللساني،‭ ‬وهي‭ ‬تفيد،‭ ‬بالمعنى‭ ‬الواسع،‭ ‬كل‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الوساطة‭ ‬البيْلغوية‭ (‬médiation interlinguistique‭) ‬التي‭ ‬تُمكِّن‭ ‬من‭ ‬نقل‭ ‬المعلومة‭ ‬بين‭ ‬متكلمي‭ ‬لغات‭ ‬مختلفة،‭ ‬وتنقل‭ ‬الترجمة‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬مصدر‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬هدف،‭ ‬كما‭ ‬تعني‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬ممارسة‭ ‬الترجمة‭ ‬ونشـاط‭ ‬المترجــم،‭ ‬ونتيجة‭ ‬هذا‭ ‬النشاط،‭ ‬أي‭ ‬النص‭ ‬الهدف‭ ‬ذاته‭.‬

كما‭ ‬يعرف‭ ‬التكافؤ‭ (‬équivalence‭) ‬بمسعى‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تعفينا‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬النص‭ ‬الأصلي،‭ ‬حيث‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تعوض‭ ‬الترجمة‭ ‬النص‭ ‬المصدر‭ ‬بالنص‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الهدف‭. ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بشكل‭ ‬أدق‭ ‬بتماثل‭ ‬الكلام‭ ‬عبر‭ ‬اختلاف‭ ‬اللغات،‭ ‬ويتوافر‭ ‬الملفوظان،‭ ‬المصدر‭ ‬والهدف،‭ ‬على‭ ‬المعنى‭ ‬نفسه،‭ ‬عندما‭ ‬يشتغلان‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬ذاته‭. ‬

ومن‭ ‬الطريف‭ ‬ما‭ ‬ذكــره‭ ‬لادميرال‭ ‬عن‭ ‬الكلمة‭ ‬المولدة‭ (‬néologisme‭)‬،‭ ‬وهـــي‭ ‬مفــــردة‭ ‬دلالية‭ ‬مولدة‭ ‬تـــحاكي‭ ‬المفردات‭ ‬المصــــدر،‭ ‬وتمثل‭ ‬الترجمة‭ ‬بناء‭ ‬علاقة‭ ‬جديدة،‭ ‬عـــن‭ ‬طريــــق‭ ‬عصرنة‭ ‬وتوليد‭ ‬مفردات،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬إبداع‭ ‬حيث‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ألفاظ‭ ‬المترجم‭ ‬المســــتحدثة‭ (‬المولدة‭) ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استركاز‭ ‬قاعدة‭ ‬اصطلاحية‭ ‬عريضة‭ ‬غير‭ ‬موسومة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الهدف،‭ ‬وينتقد‭ ‬كثيرون‭ ‬تكاثر‭ ‬الكلمات‭ ‬المولدة‭ ‬المفرط‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭. ‬

ونختتم‭ ‬بما‭ ‬يراه‭ ‬المؤلف‭ ‬معوقاً‭ ‬للترجمة،‭ ‬وهو‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬تعلُّم‭ ‬اللغة‭ ‬الثانية‭ ‬الأجنبية‭ ‬بسبب‭ ‬أشكال‭ ‬المقاومة‭ ‬النفســية‭ ‬اللغوية‭ ‬التي‭ ‬طورتها‭ ‬اللغة‭ ‬الأم،‭ ‬لذلك‭ ‬يواكب‭ ‬ممارس‭ ‬الترجمة‭ ‬حجبا‭ ‬نسبيا‭ ‬للموارد‭ ‬التعبيرية‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ (‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬عند‭ ‬المؤلف‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬يجعلنا‭ ‬نشارك‭ ‬المؤلف،‭ ‬حتى‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إرثا‭ ‬ثقيلا‭ ‬يجب‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬ندرسها‭ ‬لاتزال‭ ‬لغات‭ ‬حية‭ ‬تتجدد،‭ ‬بما‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬المترجم،‭ ‬واللغــة‭ ‬الـــهدف،‭ ‬أن‭ ‬ليتجـدوا‭ ‬بالمثل‭ .