نعم... هي «صحراء التيه»

نعم... هي «صحراء التيه»

ذاك‭ ‬كان‭ ‬عنواناً‭ ‬لكتاب‭ ‬استهواني‭ ‬أيام‭ ‬الشباب،‭ ‬وعاد‭ ‬يطرق‭ ‬رأسي‭ ‬بمطرقة‭ ‬جعلتني‭ ‬أرى‭ ‬التيه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عين‭ ‬عربية‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬ترسم‭ ‬لنفسها‭ ‬صورة‭ ‬لمستقبلها‭... ‬‮«‬لوحة‭ ‬رمادية‭ ‬بخطين،‭ ‬أبيض‭ ‬وأسود‭ ‬رمزاً‭ ‬لوطن‭ ‬ومواطن‮»‬‭ ‬ويجري‭ ‬الحديث‭ ‬بينهما‭.‬

علمونا‭ - ‬صغاراً‭ - ‬أن‭ ‬الكمال‭ ‬لله‭ ‬وحده،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬المخلوق‭ ‬ولن‭ ‬يمنعه‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬صعود‭ ‬سلم‭ ‬الكمال‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬الدنيوية،‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬وعلا‭ ‬قد‭ ‬خلق‭ ‬الإنسان‭ ‬لتعمير‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬لصعود‭ ‬سلّم‭ ‬الإعمار‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عتبات‭ ‬تسبقها‭ ‬نية‭ ‬وإرادة‭ ‬وطاقة‭ ‬وتصميم،‭ ‬تتقدمها‭ ‬رعاية‭ ‬تنبعث‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬تحتضن‭ ‬العلم‭ ‬والجدية،‭ ‬ثم‭ ‬متابعة‭ ‬مستمرة‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬رقابة‭ ‬بالغة‭ ‬الدقّة‭.‬

ولا‭ ‬سبيل‭ ‬للتعمير‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المرور‭ ‬بمحو‭ ‬الأمية‭ ‬والتعليم‭ ‬الذي‭ ‬يتكئ‭ ‬على‭ ‬تربية‭ ‬أهلية‭ ‬منزلية،‭ ‬فلا‭ ‬خير‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬تحرث‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬بور‭.‬

نعم،‭ ‬‮«‬التعليم‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬الغصّة‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬بلعوم‭ ‬كل‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬شرقه‭ ‬إلى‭ ‬غربه،‭ ‬ومن‭ ‬شماله‭ ‬إلى‭ ‬جنوبه،‭ ‬لسبب‭ ‬يسير‭ ‬وواضح،‭ ‬وهو‭ ‬اختلاف‭ ‬المستوى‭ ‬الثقافي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬البيت‭ ‬والمدرسة،‭ ‬وكذلك‭ ‬ضبابية‭ ‬المسؤولية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الإدارة‭ ‬الحكومية‭ ‬والإدارة‭ ‬المدرسية‭ ‬والإدارة‭ ‬المنزلية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الإدارات‭ ‬منهجها‭ ‬الخاص،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬تقاسم‭ ‬تلك‭ ‬المسؤولية‭ ‬بوعي‭ ‬صريح‭ ‬وصادق‭ ‬واستخدام‭ ‬أسلوب‭ ‬المواجهة،‭ ‬يتم‭ ‬إلقاء‭ ‬القضية‭ ‬على‭ ‬الرف‭ ‬الأدنى‭ ‬ثم‭ ‬الأعلى‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تقاسم‭ ‬الضيق‭ ‬والتأفف‭ ‬والشكوى،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الثلاثة‭ ‬الكبار،‭ ‬الحكم‭ ‬والوزارة‭ ‬والمنزل،‭ ‬هم‭ ‬الثلاثة‭ ‬الذين‭ ‬بتعاونهم‭ ‬المرغوب‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المرغوب،‭ ‬يصوغون‭ ‬المواطن،‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬للوطن‭ ‬مواطنيه‭... ‬ويجيبون‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭: ‬من‭ ‬يصنع‭ ‬الأوطان،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬القيادات‭ ‬السياسية؟‭!‬

علمتنا‭ ‬الثقافة‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬كما‭ ‬تكونون‭ ‬يُولى‭ ‬عليكم‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬زمن‭ ‬اختلاط‭ ‬الحابل‭ ‬بالنابل،‭ ‬فمثل‭ ‬ما‭ ‬نكون‭ ‬يولّى‭ ‬علينا،‭ ‬وكذلك‭ ‬كما‭ ‬يُولّى‭ ‬علينا‭ ‬نكون،‭ ‬فالسلوك‭ ‬جذاب‭ ‬وسريع‭ ‬الحركة‭.‬

هناك‭ ‬حركة‭ ‬تقليد‭ ‬دائرية‭ ‬مغلقة‭ ‬وناشطة‭ ‬ومستمرة،‭ ‬فتجدنا‭ ‬جميعاً‭ ‬نقلد‭ ‬قياداتنا،‭ ‬إن‭ ‬بتمثلهم،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يتمثلوننا‭ ‬هم‭ ‬أيضاً،‭ ‬ويقلدوننا،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬معيار‭ ‬الجودة‭ ‬أو‭ ‬صحوة‭ ‬الذمة،‭ ‬مما‭ ‬يضعف‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الاضمحلال‭ ‬أي‭ ‬حركة‭ ‬وراثية‭ ‬أو‭ ‬تعليمية،‭ ‬حتى‭ ‬أوشكت‭ ‬‮«‬الهوية‮»‬‭ ‬على‭ ‬التيه،‭ ‬وأصبحنا‭ - ‬كمواطنين‭ - ‬نسخة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬صوّره‭ ‬الشاعر‭ ‬بقوله‭:‬

ألقاه‭ ‬في‭ ‬اليم‭ ‬مكتوفاً‭ ‬وقال‭ ‬له‭:‬

إياك‭ ‬إياك‭ ‬أن‭ ‬تبتل‭ ‬بالماء‭ ‬■