تآكل الأسنان... الأسباب والوقاية والعلاج

يواجه أفراد المجتمعات العربية، كما هي الحال في المجتمعات الغربية في السنوات الأخيرة، تزايداً في انتشار ظاهرة تُدعى «تآكل الأسنان» أو «اهتراء الأسنان»، ولهذه الظاهرة علاقة بأنماط الحياة الصحية، وهي حالة فيسيولوجية تراكمية تحدث بسبب تعرض الأسنان للحموض من المصادر المختلفة، مسببة فقداناً في طبقتي الميناء والعاج، وينتج عنها حساسية مؤلمة قد تتفاقم وتصل إلى التهابات في اللب (العصب) الذي قد يتموَّت، وتلتهب النسج حول الجذور وتتشكل الخراجات، ومن الممكن أيضاً حدوث اضطرابات مرضية في المفصل الفكي الصدغي بسبب الانسحال الشديد للسطوح الماضغة للأضراس وتناقص ارتفاعها وعدم قيامها بوظائفها بشكل كامل مع تغير هيئة الوجه.
آلية وأسباب حدوث تآكل الأسنان
يُعد الميناء الذي يغطي تيجان الأسنان من أقسى النسج في جسم الإنسان، حيث تبلغ سماكته في السطوح الطاحنة والقاطعة حوالي 2.5مم. ويدخل في تركيبه 96 من فوسفات الكلسيوم (هيدروكسي أباتيت) و4 في المائة من مواد عضوية وماء. وعند اختلال التوازن في بيئة الفم لأسباب خارجية أو داخلية، يمكن أن يعاني ميناء الأسنان من انحلال المعادن فيه بشكل تدريجي ضمن آليات فيزيائية وكيميائية فيتعرض للتآكل. يصنف اهتراء الأسنان حسب الأسباب المُحدثة له، كما يلي:
تآكل الأسنان بسبب الحموض
لوحظ أن الأسنان في جميع الأفواه تقريباً تكون مصابة بدرجة قليلة جداً من التآكل تتظاهر باصفرار لونها وفقدان بياضها ولمعانها. ويأخذ هذا التآكل الأولي بالتطور عندما تتعرض سطوح الأسنان إلى الحموض بشكل متكرر وتزول منها شوارد الفوسفات والكلسيوم، ابتداء من الطبقات الخارجية، محدثة ما يدعى بفقدان التمعدن. وفي مراحل متقدمة، تأخذ بلورات الأباتيت، التي تشكل هيكل الميناء، بالتخرب ثم بالانحلال بشكل تدريجي في عمق الميناء، مؤدية إلى فقدان أجزاء منه قد يصل إلى طبقة العاج وأحياناً إلى لب السن. وأظهرت الدراسات أن سطح الميناء يفقد مقدار 20-28 ميكروناً من سماكته كل عام.
تأثير الحموض الخارجية المنشأ
توجد هذه الحموض في المشروبات والمأكولات التي يتناولها غالبية الناس يومياً وفي بعض الأدوية.
وتتعلق درجة التآكل بقوة الحمض وكمية وتواتر ووقت تناول هذه المشروبات والمأكولات. أظهر قياس درجة الحموضة (الباهاء PH) للمشروبات والمأكولات أنها تتراوح بين صفر و14. وكلما كانت درجة الباهاء منخفضة كانت درجة الحموضة أعلى وأكثر ضرراً، وكلما كانت مرتفعة كانت درجة الحموضة أدنى وأقل ضرراً. إن الدرجة الحرجة لحدوث زوال التمعدن في نسج السن في تسوس الأسنان وفي تآكل الأسنان هي: باهاء = 5.5 في الميناء وباهاء = 6.5 في العاج.
المشروبات الحمضية
تعتبر عصائر الفواكه الطازجة من الأسباب الرئيسة في حدوث تآكل الأسنان، نظراً لدرجة حموضتها المرتفعة وانخفاض قيمة الباهاء إلى دون الدرجة الحرجة، ولوحظ انتشار تآكل الأسنان لدى الأولاد واليافعين الذين يستهلكون كميات من المشروبات الغازية، وخاصة الفوارة منها، وتزداد شدة التآكل في أسنانهم لدى قيام بعض منهم بتحريك المشروبات واستبقائها في أفواههم لفترة قبل ابتلاعها. وأظهرت الدراسات أن تطور تآكل الأسنان يُشاهد لدى الأفراد الذين يتناولون المشروبات والمأكولات الحمضية أكثر من أربع مرات في اليوم.
المأكولات الحمضية
يُمكن أن يكون تناول الفواكه الطازجة، وخاصة الحمضيات منها أكثر من مرتين يومياً، عامل خطورة لدى بعض الأفراد لحدوث تآكل الأسنان لديهم بنسبة 37 في المائة أكثر من غيرهم. ويزيد التآكل أيضاً لدى تناول صلصة البندورة والفاصولياء المطبوخة والخل والمخللات بكثرة.
الأدوية
تبين أن حوالي 400 دواء يمكن أن تُنقص من تدفق اللعاب في الفم مُحدثة الجفاف فيه، مما يؤدي إلى تراجع قدرته الدفاعية الطبيعية ويسهل حدوث تآكل الأسنان، وكذلك الإصابة بتسوس الأسنان، كأقراص المص المضادة للحموضة أو مضغ أقراص الإسبرين أو تناول بعض الأدوية الفوارة أو فيتامين سي (C) بأشكاله المختلفة أو مشروبات الطاقة. وكذلك يؤدي الاستخدام المفرط للأدوية المضادة للربو عن طريق الاستنشاق إلى زيادة حدوث تآكل الأسنان وتسوّسها، نظراً لوجود الاستروئيدات ذات الطبيعة الحمضية.
الأسباب البيئية
يمكن أن يتعرض بعض العمال للحموض والإصابة بتآكل الأسنان في بيئة العمل، مثل عمال مصانع المغذيات (البطاريات). وكذلك يمكن أن يُصاب السباحون ومدربو السباحة بتآكل الأسنان لتعرضهم المستمر في أحواض السباحة للمياه المُعقمة بالكلور.
أنماط الحياة
تؤثر أنماط الحياة الحديثة والعادات الغذائية بشكل مباشر على تزايد حدوث تآكل الأسنان لدى بعض الأفراد، مثل تناول شراب الكولا والمشروبات الغازية مع وجبات الطعام أو منفردة وتكرار تناول القهوة والتدخين. وكذلك فإن المرضى النباتيين عرضة للإصابة بتآكل الأسنان أكثر من غيرهم.
الحموض داخلية المنشأ
وهي الحموض التي تصل إلى جوف الفم بسبب الإقياءات أو منعكسات المعدة والمريء لدى وجود مشكلات هضمية. تُشاهد هذه الحالات غالباً لدى مرضى الشلل الدماغي والأطفال المصابين بالربو والمعاقين ولدى وجود مشاكل تنفسية.
جفاف الفم
يمتلك اللعاب قدرة دفاعية لحماية الأسنان من التآكل. وأظهرت الدراسات أن جفاف الفم الذي يحدث بسبب القصور الوظيفي للغدد اللعابية، هو أحد عوامل حدوث تآكل الأسنان، وخاصة لدى الأولاد. يقوم اللعاب بتعديل بيئة الفم الحامضية وغسل سطوح الأسنان وخلق بيئة قلوية لاحتوائه على الكلسيوم والفوسفات، وكلما ازدادت كميته في الفم، كان ذلك عامل حماية للأسنان.
تآكل الأسنان لأسباب وظيفية
وهي عملية طبيعية تحدث أثناء مضغ الطعام أو صريف الأسنان (Bruxism) أثناء النوم أو في فترات الشدة النفسية أو تناول الأطعمة القاسية، حيث تؤدي إلى حدوث انسحال في الأسنان العلوية والسفلية يُشاهد في الحواف القاطعة للأسنان الأمامية وفي السطوح الماضغة للأضراس. ويمكن لدى تطور هذه الحالة أن تزول حدبات الأسنان وتنكشف طبقة العاج تحتها.
تآكل الأسنان لأسباب ميكانيكية
وهو تآكل الميناء بسبب العض على أجسام أجنبية قاسية، مثل أقلام الكتابة أو قطع الخيوط أو قضم الأظافر أو بسبب قيام عمال بعض المهن اليدوية بوضع مسامير وأدوات أخرى قاسية بين الأسنان، ويظهر ذلك بشكل قناطر صغيرة في الحواف القاطعة للأسنان الأمامية.
تآكل أعناق الأسنان لأسباب ميكانيكية
يكمن هذا الشكل من الاهتراء في مناطق التقاء الميناء مع العاج في أعناق الأسنان بوجود بيئة حامضة. ويحدث نتيجة للتوتر الذي تسببه قوى الشد والانضغاط التي تحدثها قوى المضغ أو احتكاك الأسنان الشديد، وتُسبب ظهور تشققات في طبقة الميناء تُسرع في حدوث التآكل.
الإجراءات الوقائية
لا يمكن منع حدوث تآكل الأسنان بشكل كامل، ولكن يمكن إبطاء تطوره لدى مراجعة طبيب الأسنان في وقت مبكر. يجب بناء جسور الثقة أولاً بين الطبيب وبين المريض وأهله والتعاون معاً في جميع المراحل. وتتضمن الوقاية من تآكل الأسنان الإقلال من التعرض للحموض وتعزيز مقاومة بيئة الفم لها عن طريق ما يلي:
- الحدّ من كميات تناول المأكولات والمشروبات الحمضية بين الوجبات الرئيسية وقبل النوم.
- تناول المشروبات الحمضية والكولا بسرعة أو تستعمل الشاروقة ويجب تجنب تحريكها في الفم.
- تناول الأطعمة المعتدلة كالأجبان البيضاء والحليب بعد الوجبات مباشرة.
- تناول الماء بكثرة نظراً لفعاليته في الإقلال من تآكل الأسنان، ويُنصح الأهل بتزويد الأطفال بزجاجة ماء للشرب في المدرسة والرحلات.
- تناول العلكة الخالية من السكر، حيث تثير إفراز اللعاب منذ الدقائق القليلة الأولى.
- تجنب تنظيف الأسنان بالفرشاة قبل مرور 60 دقيقة بعد تناول المأكولات والمشروبات الحمضية أو حدوث الإقياءات لتجنب زوال الطبقة السطحية من ميناء الأسنان حيث تكون لينة وسهلة العطب.
- استخدام فرشاة الأسنان ذات الأشعار اللينة أو الوسط ومعجون الأسنان مع فلور ذي درجة انسحال منخفضة في حالات التآكل أو معاجين الأسنان المضادة لحساسية الأسنان.
- استخدام الخيط السني المفلور لتنظيف السطوح الملاصقة للأسنان وكاشطة اللسان لإزالة بقايا الحموض منه.
- تجنب حدوث جفاف الفم من أجل قيام اللعاب بوظيفته في إعادة تمعدن الميناء في حالات التآكل المبكرة وزيادة مقاومة نسج الأسنان عن طريق تناول الماء واستخدام أقراص المص المضادة للحموضة.
- تطبيق الفلوريد الموضعي بشكل هلام أو فرنيش على سطوح الأسنان المصابة بالتآكل في عيادة طبيب الأسنان، بالإضافة إلى مضمضة الفم بمحاليل الفلوريد.
- غسل الفم بالماء أو بمحلول كاربونات الصوديوم بعد الإقياءات أو المنعكسات المعدية ومص الأقراص المضادة للحموضة والخالية من السكر.
يجب على المرأة الحامل الالتزام بتطبيق الإجراءات المذكورة خلال الحمل للمحافظة على سلامة أسنانها.
الإجراءات العلاجية
1 - إزالة حساسية العاج لدى وجودها بتطبيق الفلوريد بشكل فرنيش على سطوح الأسنان المصابة بالتآكل بشكل دوري. ولدى وجود حساسية شديدة أو آلام، يقوم طبيب الأسنان باستئصال اللب وترميم السن بالطريقة الملائمة.
2 - يجري ترميم سطوح الأسنان المصابة بالتآكل بالمواد المرممة بلون الأسنان لأسباب تجميلية مثل الكومبوزيت وأيونومر الزجاج. وإذا كان التآكل كبيراً أو أصبحت التيجان قصيرة، يتطلب ذلك تركيب تيجان من الخزف أو الزيركون.
3 - وضع الجبائر الواقية المصنوعة من مواد الأكريلات على أسنان الفك العلوي أو السفلي في حالات تآكل الأسنان المسببة عن صريف الأسنان أثناء النوم أو الشدة النفسية. وتفيد هذه الجبائر في حماية المفصل الفكي الصدغي أيضاً.
يجب على المرضى القيام بمراجعة طبيب الأسنان بشكل دوري لمتابعة تطور حالات تآكل الأسنان التي لا تتوقـــف، وتقـــديم الرعـــاية اللازمة ■