المجتمع المستدام

المجتمع المستدام

يُعرف‭ ‬المجتمع‭ ‬المستدام‭ ‬بأنه‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يضمن‭ ‬الصحة‭ ‬والحيوية‭ ‬لحياة‭ ‬الناس‭ ‬وللثقافة‭ ‬ولرأس‭ ‬المال‭ ‬الطبيعي‭ ‬للأجيال‭ ‬الحالية‭ ‬والأجيال‭ ‬المقبلة،‭ ‬ويعمل‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬إيقاف‭ ‬الأنشطة‭ ‬المدمرة‭ ‬لحياة‭ ‬الناس‭ ‬والثقافة‭ ‬ورأس‭ ‬المال‭ ‬الطبيعي،‭ ‬ويشجع‭ ‬وجوه‭ ‬النشاط‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجود،‭ ‬ويستعيد‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تدميره،‭ ‬ويمنع‭ ‬أي‭ ‬أذى‭ ‬مستقبلي‭ ‬محتمل‭. ‬

لعل‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬عمل،‭ ‬وتوزيع‭ ‬الدخل‭ ‬بصورة‭ ‬عادلة‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬الواحد‭ ‬وبين‭ ‬البلدان‭ ‬المختلفة،‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬اقتصادي‭ ‬ونظام‭ ‬متوازن،‭ ‬وتبادل‭ ‬تكنولوجي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬المحلية‭ ‬والوطنية‭ ‬والدولية‭. ‬

‭ ‬ومن‭ ‬الأهداف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬المساواة‭ ‬والعدالة‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬الحاجات‭ ‬الأساسية،‭ ‬والاحترام‭ ‬للجميع‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬العرق‭ ‬والجنس‭ ‬والطبقة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬احترام‭ ‬ودعم‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين،‭ ‬وتقوية‭ ‬المجتمعات‭ ‬عبر‭ ‬مشاركة‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجموعات،‭ ‬وإحياء‭ ‬المجتمعات‭ ‬الريفية‭ ‬المستدامة‭ ‬بتنمية‭ ‬الحساسية‭ ‬البيئية‭ ‬والزراعة‭ ‬المفيدة‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬والفلاحة‭ ‬العائلية‭. ‬

وتتضمن‭ ‬الأهداف‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المستدام‭ ‬الأمن‭ ‬والمشاركة‭ ‬المجتمعية‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬المشكلات،‭ ‬والأمن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قدرة‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الخارجية،‭ ‬سواء‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬سياسية،‭ ‬والأمن‭ ‬البيئي‭ ‬المتجسد‭ ‬في‭ ‬بلوغ‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬نمو‭ ‬السكان‭ ‬وتلبية‭ ‬المطالب‭ ‬المختلفة‭. ‬

وتتضمن‭ ‬الأهداف‭ ‬الإيكولوجية‭ ‬تخطيط‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإيكولوجي‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬النفايات‭ ‬وحسن‭ ‬إدارتها،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المتجددة‭ ‬والقابلة‭ ‬للتدوير،‭ ‬وبذل‭ ‬اهتمام‭ ‬خاص‭ ‬بالتبعات‭ ‬غير‭ ‬المقصودة‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬والإدارة‭ ‬والتنظيم،‭ ‬والخلو‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬السامة‭ ‬ومزيد‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬الإنتاج‭ ‬المناسبة‭.‬

وفي‭ ‬محاولته‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬‮«‬ما‭ ‬المجتمع‭ ‬المستدام؟‮»‬،‭ ‬نبه‭ ‬ستيفن‭ ‬تشن‭ ‬في‭ ‬مقال‭- ‬يحمل‭ ‬عنوانه‭ ‬السؤال‭ ‬نفسه‭- ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬انشغلوا‭ ‬ببناء‭ ‬مجتمع‭ ‬مثالي‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه‭ ‬ويستمتعون،‭ ‬غير‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يتساءلوا‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬المجتمع‭ ‬المستدام،‭ ‬وعما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬بالقدر‭ ‬الكافي،‭ ‬إلا‭ ‬أخيراً‭.  ‬ووصف‭ ‬المجتمع‭ ‬المستدام‭ ‬بأنه‭ ‬ذلك‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يتقدم‭ ‬فيه‭ ‬الناس‭ ‬دون‭ ‬نكسات‭ ‬كارثية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور،‭ ‬واضعاً‭ ‬في‭ ‬اعتباره‭ ‬أن‭ ‬البشر‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬مثالي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مجرد‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬ماهية‭ ‬المجتمع‭ ‬المثالي‭ ‬لأجيال‭ ‬عديدة‭ ‬قادمة‭. ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬المستدام‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬تجنب‭ ‬الدمار،‭ ‬بحيث‭ ‬تستطيع‭ ‬البشرية‭ ‬أن‭ ‬تكمل‭ ‬طريقها‭ ‬نحو‭ ‬المثالية،‭ ‬مؤكداً‭ ‬مقولة‭ ‬غاندي‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬في‭ ‬العالم‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لحاجة‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬لطمعه‮»‬،‭ ‬ويجد‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬الوحيد‭ ‬لنفاد‭ ‬الموارد‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬سيطرتنا‭ ‬على‭ ‬أطماعنا‭. ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬لتحقيق‭ ‬المجتمع‭ ‬المستدام‭ ‬والعيش‭ ‬في‭ ‬سلام‭ ‬سوى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬أجيال‭ ‬المستقبل‭.‬

 

ملامح‭ ‬الصورة‭ ‬الواقعية

من‭ ‬ملامح‭ ‬الصور‭ ‬الواقعية‭ ‬والمتخيلة‭ ‬للمجتمعات‭ ‬والتجمعات‭ ‬المستدامة‭ ‬المثالية‭: ‬انتشار‭ ‬الحدائق‭ ‬والمساحات‭ ‬الخضراء‭ ‬على‭ ‬مرمى‭ ‬البصر،‭ ‬والشوارع‭ ‬التي‭ ‬تحفها‭ ‬أشجار‭ ‬مثمرة‭ ‬من‭ ‬فاكهة‭ ‬وخضر،‭ ‬وإطلالات‭ ‬نباتات‭ ‬وزهور‭ ‬من‭ ‬شرفات‭ ‬ونوافذ‭ ‬المباني‭ ‬الخضراء،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬شعور‭ ‬عام‭ ‬بموفور‭ ‬الصحة‭ ‬والعافية‭ ‬وعلامات‭ ‬التحضر‭ ‬والثراء‭. ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬المستدامة‭ ‬تجني‭ ‬فوائد‭ ‬جمة‭ ‬يأتي‭ ‬بعضها‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬المال‭ ‬المتحقق‭ ‬من‭ ‬تقليل‭ ‬استهلاك‭ ‬الطاقة‭ ‬نتيجة‭ ‬أمور‭ ‬مثل‭ ‬زراعة‭ ‬الأشجار‭ ‬التي‭ ‬تظلل‭ ‬الأماكن،‭ ‬ومن‭ ‬خفض‭ ‬استهلاك‭ ‬المياه،‭ ‬وإعادة‭ ‬استخدام‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭ ‬ومياه‭ ‬المجاري‭ ‬بعد‭ ‬معالجتها،‭ ‬وتوفير‭ ‬الأسمدة‭ ‬العضوية‭ ‬المصنعة‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬الطعام‭. ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دعم‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬بالابتعاد‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬عن‭ ‬مسببات‭ ‬التلوث‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬المواصلات،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬منتظمة‭ ‬ونشر‭ ‬نباتات‭ ‬تمتص‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬وتحسن‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬الأكسجين‭ ‬في‭ ‬الجو،‭ ‬وتوفير‭ ‬أماكن‭ ‬للتريض‭ ‬واللعب‭ ‬والتأمل‭ ‬والاجتماع‭ ‬والتواصل‭ ‬مما‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والإجهاد‭ ‬الذهني‭.‬

وتعتبر‭ ‬المجتمعات‭ ‬المستدامة‭ ‬ديناميكة‭ ‬غير‭ ‬ساكنة،‭ ‬ولا‭ ‬توصف‭ ‬بالقدر‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬السكنى‭ ‬والانتماء‭ ‬إلى‭ ‬حي‭ ‬أو‭ ‬مدينة،‭ ‬أو‭ ‬إقليم،‭ ‬أو‭ ‬بلاد،‭ ‬بل‭ ‬بأوجه‭ ‬النشاط‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬لاستدامة‭ ‬البيئة‭ ‬وتمكين‭ ‬المواطنين‭ ‬ودعمهم‭. ‬فهي‭ ‬تعدل‭ ‬وتغير‭ ‬باستمرار‭ ‬لمقابلة‭ ‬حاجات‭ ‬السكان‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تحافظ‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬الداعمة‭ ‬للحياة،‭ ‬وتسمح‭ ‬لسكانها‭ ‬بالعيش‭ ‬بطريقة‭ ‬لا‭ ‬تؤذي‭ ‬البيئة‭ ‬أو‭ ‬تستهلك‭ ‬الموارد‭ ‬غير‭ ‬المتجددة‭. ‬كما‭ ‬تستخدم‭ ‬مواردها‭ ‬لمقابلة‭ ‬حاجاتها‭ ‬الحالية،‭ ‬مع‭ ‬ضمان‭ ‬موارد‭ ‬ملائمة‭ ‬تتوافر‭ ‬لأجيال‭ ‬المستقبل‭. ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬نوعية‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭ ‬لجميع‭ ‬السكان،‭ ‬وتحافظ‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المحلية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الاقتصاد‭. ‬وتتطلب‭ ‬توافر‭ ‬معلومات‭ ‬ومشاركة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أعضاء‭ ‬المجتمعات‭.‬

 

‭ ‬دعائم‭ ‬المجتمع‭ ‬المستدام‭ ‬

تقوم‭ ‬المجتمعات‭ ‬المستدامة‭ ‬على‭ ‬دعائم‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬والطرق‭ ‬والأفكار‭ ‬والنظريات‭ ‬والثقافة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬مداخل‭ ‬متنوعة‭ ‬تحقق‭ ‬الغاية‭ ‬نفسها‭. ‬فقد‭ ‬قدم‭ ‬منتدى‭ ‬العولمة‭ ‬الدولي‭ ‬IFG‭- ‬رابطة‭ ‬تربوية‭ ‬في‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو،‭ ‬أُسست‭ ‬لمواجهة‭ ‬تزايد‭ ‬العولمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ولتشجيع‭ ‬المساواة‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والاقتصاديات‭ ‬المستدامة،‭ ‬وتضم‭ ‬في‭ ‬عضويتها‭ ‬ناشطين‭ ‬وباحثين‭ ‬وكتاباً‭ ‬واقتصاديين‭- ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬القرارات،‭ ‬وتستعيد‭ ‬قيمة‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتحقق‭ ‬إحكام‭ ‬السيطرة‭ ‬المحلية‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬حول‭ ‬العالم‭: ‬أولها‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬تشكيل‭ ‬للحكومات‭ ‬أو‭ ‬إجراء‭ ‬انتخابات،‭ ‬بل‭ ‬عملية‭ ‬تطبق‭ ‬على‭ ‬القرارات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالسيطرة‭ ‬المحلية‭ ‬للموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والحقوق‭ ‬المدنية،‭ ‬والاعتماد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬الذات،‭ ‬مع‭ ‬حاجة‭ ‬للمحاسبية‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬كأمر‭ ‬جوهري‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهذا‭ ‬المبدأ‭.  ‬ومبدأ‭ ‬آخر‭ ‬يخص‭ ‬التبعية‭ ‬المرادفة‭ ‬للسيطرة‭ ‬المحلية‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬وتحقيق‭ ‬الذات،‭ ‬فبدلاً‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية،‭ ‬واتفاقيات‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬الحاجات‭ ‬وقدرات‭ ‬الاقتصادات‭ ‬المحلية‭ ‬صنع‭ ‬القرار،‭ ‬وجميع‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬محلية،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كذلك‭. ‬وأي‭ ‬قوة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تستقر‭ ‬محلياً‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬كذلك،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأخرى،‭ ‬والتعاون‭ ‬الإقليمي‭ ‬والوطني‭ ‬والعالمي‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬المهمة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهذا‭ ‬المفهوم‭. ‬

وتعتبر‭ ‬الاستدامة‭ ‬الإيكولوجية‭ ‬مبدأ‭ ‬آخر،‭ ‬حيث‭ ‬يحتاج‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬إلى‭ ‬التوازن‭ ‬مع‭ ‬الحماية‭ ‬البيئية‭. ‬وإذا‭ ‬قام‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭- ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬اليوم‭ - ‬على‭ ‬الاستهلاك‭ ‬المتزايد،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬التضحية‭ ‬بالهواء‭ ‬النظيف‭ ‬والماء‭ ‬النظيف‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والنظم‭ ‬الإيكولوجية‭ ‬الصحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المنافع‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬صحة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وسلامة‭ ‬البيئة‭ ‬لأجيال‭ ‬المستقبل‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬بلوغ‭ ‬التوازن‭ ‬اليوم،‭ ‬والإرث‭ ‬المشترك‭ ‬الذي‭ ‬يتضمن‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتاريخ‭ ‬الإنساني،‭ ‬والحاجات‭ ‬الأساسية‭ ‬مثل‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬والتعليم‭ ‬والأمن‭ ‬والأمان‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وهو‭ ‬حق‭ ‬لجميع‭ ‬الناس،‭ ‬ويقتضي‭ ‬استخدام‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬ومشاركة‭ ‬هذا‭ ‬الإرث،‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭. ‬ولهذا‭ ‬يجب‭ ‬التصدي‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬لخصخصة‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬حقوق‭ ‬الناس‭ ‬الأساسية‭ ‬إلى‭ ‬سلع،‭ ‬لأنها‭ ‬ببساطة‭ ‬تهدد‭ ‬هذا‭ ‬الإرث‭ ‬المشترك‭. ‬

وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمبدأ‭ ‬التنوع‭ - ‬الثقافي‭ ‬والبيولوجي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭- ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمجتمعات‭ ‬الصحية‭ ‬السليمة‭. ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬ومعاش‭ ‬وتوظيف،‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬العمال،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬اقتصادية‭ ‬تحمي‭ ‬الفئات‭ ‬المختلفة‭ ‬كالفلاحين‭ ‬والصيادين‭ ‬ودعم‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬يستوعب‭ ‬أعداداً‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬العمالة،‭ ‬ومنع‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬يؤذي‭ ‬التقاليد‭ ‬والحياة،‭ ‬ومبدأ‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والسلامة‭ ‬المتعلق‭ ‬بقواعد‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬والزراعة‭ ‬التصنيعية‭ ‬التي‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬غلق‭ ‬مزارع‭ ‬الأسر،‭ ‬وتستخدم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحيوية،‭ ‬والمبيدات‭ ‬الحشرية‭ ‬لتعظيم‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وتتسبب‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬جديد‭ ‬للصحة‭ ‬والبيئة،‭ ‬كما‭ ‬تهدد‭ ‬السيطرة‭ ‬المحتكرة‭ ‬للنظم‭ ‬الغذائية‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬وسلامة‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭. ‬والمطلوب‭ ‬قواعد‭ ‬تجارة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الزراعة‭ ‬تضع‭ ‬قيمة‭ ‬على‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬للمجتمعات‭ ‬المحلية،‭ ‬وتحمي‭ ‬الفلاحة‭ ‬المستقلة‭ ‬وتهتم‭ ‬بسلامة‭ ‬الغذاء‭ ‬كحقوق‭ ‬أساسية‭ ‬للإنسان‭. ‬

ومبدأ‭ ‬المساواة،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬العدالة‭ ‬مفقودة‭ ‬أينما‭ ‬يولي‭ ‬المرء‭ ‬وجهه‭ ‬نحو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬فالمؤسسات‭ ‬الحاكمة‭ ‬واتفاقيات‭ ‬التجارة‭ ‬والقوانين‭ ‬هي‭ ‬لمصلحة‭ ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬المال،‭ ‬وضد‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يمتلكه‭. ‬

والمتوقع‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬وجود‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬العدالة‭ ‬والإنصاف‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬وبين‭ ‬الطبقات‭ ‬وبين‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء،‭ ‬وبين‭ ‬المجموعات‭ ‬العرقية‭. ‬

أما‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المستدام‭ ‬فهي‭ ‬نوعان‭: ‬مشاركة‭ ‬أخلاقية،‭ ‬وأخرى‭ ‬عملية،‭ ‬حيث‭ ‬تتعلق‭ ‬الأولى‭ ‬بالاستشارة‭ ‬والمراقبة‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرار،‭ ‬بينما‭ ‬تتصل‭ ‬الثانية‭ ‬بدعم‭ ‬البرامج‭ ‬والسياسات‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬الناس‭ ‬للمساعدة‭. ‬وتقوم‭ ‬المشاركة‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬يعرفون‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يعتقدون،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يشاركون‭ ‬بنفوس‭ ‬راضية‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬استطاعوا‭ ‬أن‭ ‬يفهموا‭ ‬اللغة‭ ‬المستخدمة،‭ ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬يخافون‭ ‬من‭ ‬إبداء‭ ‬آرائهم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تحسن‭ ‬فيه‭ ‬مشاركتهم‭ ‬من‭ ‬نوعية‭ ‬الحكم‭ ‬المحلي،‭ ‬ويتجلى‭ ‬تعاونهم‭ ‬عندما‭ ‬يتجمعون‭. ‬ومن‭ ‬أسس‭ ‬المشاركة‭ ‬أيضاً‭ ‬توافر‭ ‬مهارات‭ ‬خاصة‭ ‬ومهن‭ ‬معينة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تشارك‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬فهناك‭ ‬قيمة‭ ‬مجتمعية‭ ‬في‭ ‬مشاركة‭ ‬الخبراء‭.‬

 

الاستدامة‭ ‬الشخصية

يرى‭ ‬المنطق‭ ‬المتواري‭ ‬وراء‭ ‬إصدار‭ ‬مطبوعات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬خطة‭ ‬عمل‭ ‬الاستدامة‭ ‬الشخصية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أعدتها‭ ‬يولانا‭ ‬شور‭ ‬لمن‭ ‬تهمه‭ ‬الأرض،‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬امتلأت‭ ‬الكأس‭ ‬الشخصية‭ ‬للاستدامة،‭ ‬فمن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تفيض‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬ليصبح‭ ‬مجتمعاً‭ ‬مستداماً،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬ينفذ‭ ‬الخطة،‭ ‬بل‭ ‬يحتاج‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬أجيال،‭ ‬مثلما‭ ‬تطلب‭ ‬الحال‭ ‬أجيالا‭ ‬لنسج‭ ‬الأنماط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬غيبت‭ ‬العدالة‭ ‬والتوازن‭ ‬البيئي‭ ‬وجاءت‭ ‬بالصراعات‭ ‬والحروب‭. ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬نتخاذل،‭ ‬بل‭ ‬نجتهد‭ ‬ونحث‭ ‬الخطى،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬معالم‭ ‬الاستدامة‭ ‬قد‭ ‬باتت‭ ‬على‭ ‬الطريق،‭ ‬فقد‭ ‬شهد‭ ‬العقد‭ ‬الماضي‭ ‬كثيراً‭ ‬مما‭ ‬وضع‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬الأسباب‭ ‬والموارد‭ ‬لبناء‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬المستدام‭. ‬أما‭ ‬خطة‭ ‬عمل‭ ‬الاستدامة‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬شور،‭ ‬مستعينة‭ ‬بمادة‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬استدامة‭ ‬طاولة‭ ‬المطبخ‭: ‬وصفات‭ ‬عملية‭ ‬لكي‭ ‬يشارك‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستدامة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬تأليفه،‭ ‬فتتكون‭ ‬من‭ ‬خطوات‭ ‬أربع‭:‬

الأولى‭: ‬استكشاف‭ ‬الرؤية‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬تحديد‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬نريده‭ ‬بوضوح،‭ ‬وإلى‭ ‬أين‭ ‬نحن‭ ‬ذاهبون‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬لمساعدة‭ ‬أنفسنا‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬لأن‭ ‬الرؤية‭ ‬كالمشعل‭ ‬الذي‭ ‬ينير‭ ‬لنا‭ ‬دربنا‭. ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬رؤيتنا‭ ‬أصيلة،‭ ‬كأن‭ ‬نرى‭ ‬العالم‭ ‬المستدام‭ ‬بعيوننا‭ ‬لا‭ ‬بعيون‭ ‬آخرين‭ ‬نتبعهم‭ ‬لنصبح‭ ‬مثلهم‭. ‬ويستحق‭ ‬الأمر‭ ‬إنفاق‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬والجهد‭ ‬حتى‭ ‬نرسم‭ ‬رؤيتنا‭ ‬للاستدامة‭. ‬ويعتبر‭ ‬الخيال‭ ‬أداة‭ ‬فعالة‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬رؤيتنا‭ ‬للمستقبل،‭ ‬وتحسين‭ ‬أدائنا‭. ‬ومن‭ ‬الطرق‭ ‬العملية‭ ‬لتحديد‭ ‬الرؤية‭ ‬أن‭ ‬يتصور‭ ‬المرء‭ ‬نفسه‭ ‬بعد‭ ‬عشرات‭ ‬الأعوام‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬ويحفز‭ ‬مخيلته‭ ‬ليرى‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والايكولوجية‭ ‬والثقافية،‭ ‬والعلاقات‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الناس‭ ‬بالطبيعة،‭ ‬والهياكل‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وسوى‭ ‬ذلك‭.‬

‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬الخطوة‭ ‬الثانية‭: ‬وهي‭ ‬تقدير‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬لنا‭ ‬نقاطاً‭ ‬مرجعية‭ ‬نسترشد‭ ‬بها‭ ‬طوال‭ ‬رحلتنا‭ ‬نحو‭ ‬الاستدامة،‭ ‬ونضفي‭ ‬بموجبها‭ ‬المعاني‭ ‬الشخصية‭ ‬على‭ ‬الأشياء‭ ‬والمواقف،‭ ‬حتى‭ ‬نبقى‭ ‬على‭ ‬الطريق،‭ ‬كما‭ ‬توجه‭ ‬الدفة‭ ‬السفينة،‭ ‬وتفيد‭ ‬معرفتنا‭ ‬لقيمنا‭ ‬الجوهرية‭ ‬وتقديرها‭ ‬تحديد‭ ‬مواقفنا‭ ‬بوضوح،‭ ‬واختيار‭ ‬جوانب‭ ‬نشاطنا،‭ ‬والأدوار‭ ‬التي‭ ‬نلعبها،‭ ‬وتتجنب‭ ‬التفاوض‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جوهري‭. ‬تليها‭ ‬خطوة‭ ‬ثالثة‭: ‬هي‭ ‬التمسك‭ ‬بالشغف،‭ ‬أي‭ ‬نتمسك‭ ‬بما‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬به،‭ ‬وما‭ ‬نكون‭ ‬ماهرين‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬مما‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بمواهبنا‭ ‬ومهاراتنا،‭ ‬لأن‭ ‬الشغف‭ ‬كالمحرك‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬قاربنا‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يوجه‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬سليم،‭ ‬فعندما‭ ‬نسأل‭ ‬أنفسنا،‭ ‬كمثال،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬لدعم‭ ‬الاستدامة؟‭ ‬فسنجد‭ ‬أمامنا‭ ‬قائمة‭ ‬بلا‭ ‬نهاية‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬بأجر‭ ‬أو‭ ‬متطوعين،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬يتعين‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬اختيار‭ ‬مهمة‭ ‬ما‭ ‬تجعلنا‭ ‬نسهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العالم‭ ‬المستدام‭ ‬بصورة‭ ‬مؤثرة،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬جهد‭ ‬كبير‭ ‬منا‭.   ‬أما‭ ‬الخطوة‭ ‬الرابعة‭:‬‭ ‬فهي‭ ‬تكوين‭ ‬الممارسات،‭ ‬كالعادات‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬تساعدنا‭ ‬على‭ ‬تعبيد‭ ‬الطريق،‭ ‬والسير‭ ‬عليه‭ ‬بسهولة‭ ‬ويسر،‭ ‬تماماً‭ ‬مثل‭ ‬اعتياد‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬التي‭ ‬تصبح‭ ‬عملية‭ ‬ميكانيكية‭ ‬لا‭ ‬صعوبة‭ ‬فيها‭. ‬وما‭ ‬الاستدامة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي‭ ‬سوى‭ ‬تكوين‭ ‬عادات‭ ‬مستدامة،‭ ‬كعادة‭ ‬الترشيد‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬والماء،‭ ‬وجذب‭ ‬الدعم‭ ‬وتلقيه،‭ ‬والتعامل‭ ‬بمرح‭ ‬وإنصاف‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬انتمائهم،‭ ‬وتقديم‭ ‬العون‭ ‬لمن‭ ‬يستحقه،‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بالأحداث‭ ‬السعيدة‭ ‬وبالإنتاج،‭ ‬وسوى‭ ‬ذلك‭. ‬وبتنفيذ‭ ‬الخطط‭ ‬الشخصية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستدامة‭ ‬يتكون‭ ‬مجتمع‭ ‬مستدام‭. ‬

‭ ‬

‮«‬هابيتوس‮»‬‭ ‬الاستدامة‭ ‬

من‭ ‬المداخل‭ ‬السيسيولوجية‭ ‬التي‭ ‬تشرح‭ ‬منطق‭ ‬الممارسة‭ ‬المستدامة،‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬المفكر‭ ‬الفرنسي‭ ‬بيير‭ ‬بورديو،‭ ‬حيث‭ ‬أطر‭ ‬المجتمع‭ ‬مفاهيميا‭ ‬بوصفه‭ ‬فضاء‭ ‬رمزياً‭ ‬ومادياً‭ ‬يتفاعل‭ ‬فيه‭ ‬الفاعلون‭ ‬داخل‭ ‬مجالات‭ ‬اجتماعية‭ ‬تمثل‭ ‬شبكات‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭. ‬ويتألف‭ ‬المجال‭ ‬من‭ ‬تفاعلاته‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬تطبعاً،‭ ‬أو‭ ‬نظم‭ ‬ميول‭ ‬أو‭ ‬نزعات،‭ ‬أو‭ ‬نسق‭ ‬استعدادات‭ ‬تحدد‭ ‬سلوك‭ ‬الإنسان،‭ ‬أو‭ ‬قدرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬على‭ ‬الاستجابة‭ ‬لقيم‭ ‬المجموعة‭ ‬أو‭ ‬الطبقة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬بالهابيتوس‭ ‬Habitus‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬بورديو‭ ‬بمجموعة‭ ‬مستبطنة‭ ‬من‭ ‬الميول‭ ‬والنزعات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬غير‭ ‬واعية‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬وجد‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬التحول‭ ‬نحو‭ ‬الاستدامة‭ ‬بشكل‭ ‬روتيني‭ ‬وطبيعي،‭ ‬وحتى‭ ‬دون‭ ‬محاولة‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬تكوين‭ ‬هابيتوس‭ ‬استدامة‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬الأفكار‭ ‬وفي‭ ‬طريقة‭ ‬النظر‭ ‬للعالم،‭ ‬وفي‭ ‬القيم،‭ ‬وفي‭ ‬ممارسة‭ ‬وجوه‭ ‬نشاط‭ ‬وعادات‭ ‬الاستهلاك‭ ‬كالموسيقى‭ ‬والرياضة،‭ ‬والطعام،‭ ‬والزواج،‭ ‬والخيارات‭ ‬السياسية‭ ‬وسواها‭,‬‭ ‬مما‭ ‬يشكل‭ ‬أنساقاً‭ ‬مستمرة‭ ‬تشكل‭ ‬أسلوب‭ ‬الحياة‭. ‬فنجد‭ ‬حالة‭ ‬اتباع‭ ‬أسلوب‭ ‬الحياة‭ ‬المستدام،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬نزعة‭ ‬للنباتية‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬الغذاء،‭ ‬وتفضيل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عضوي‭ ‬ومزروع‭ ‬محلياً،‭ ‬وتفضيل‭ ‬استخدام‭ ‬الأقمشة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والدراجة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬السيارة،‭ ‬أو‭ ‬وسائل‭ ‬المواصلات‭ ‬الجماعية،‭ ‬وإعادة‭ ‬تدوير‭ ‬المخلفات‭. ‬فالأفكار‭ ‬الخضراء،‭ ‬والممارسات‭ ‬الخضراء،‭ ‬والمنتجات‭ ‬الخضراء‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تولد‭ ‬أنساق‭ ‬قيم‭ ‬خضراء‭ ‬وسلوكيات‭ ‬خضراء‭ ‬وأنساقاً‭ ‬مؤيدة‭ ‬ومعارضة‭ ‬تؤدي‭ ‬بدورها‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬عادات‭ ‬أفكار‭ ‬وتصرفات‭ ‬ومنتجات‭ ‬تمثل‭ ‬أسلوب‭ ‬الحياة‭ ‬الأخضر‭.‬

ولعل‭ ‬السبيل‭ ‬لتكوين‭ ‬‮«‬هابيتوس‮»‬‭ ‬الاستدامة‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستدامة،‭ ‬وفي‭ ‬المعلومات‭ ‬الجديدة‭ ‬المتصلة‭ ‬بقضايا‭ ‬الاستدامة‭ ‬والمجتمعات‭ ‬المستدامة‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬إيقاظ‭ ‬الوعي،‭ ‬وإعادة‭ ‬توجيه‭ ‬الأفكار‭ ‬والسلوك‭,‬‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬الممارسة،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬الهابيتوس‭ ‬ليس‭ ‬ثابتاً‭ ‬ولا‭ ‬جامداً،‭ ‬بل‭ ‬قابل‭ ‬لإعادة‭ ‬البناء،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬بتغير‭ ‬المجال،‭ ‬كأن‭ ‬تغير‭ ‬معلومات‭ ‬جديدة‭ ‬عن‭ ‬التلوث‭ ‬من‭ ‬عادات‭ ‬ذات‭ ‬علاقة‭ ‬كالسباحة‭ ‬في‭ ‬النهر،‭ ‬أو‭ ‬أسلوب‭ ‬الانتقال‭. ‬وبعد‭ ‬تكون‭ ‬هابيتوس‭ ‬الاستدامة،‭ ‬يصبح‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يمتلكه‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الممارسات‭ ‬المستدامة‭ ‬وغير‭ ‬المستدامة،‭ ‬ولا‭ ‬يتوقع‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بتصرف‭ ‬يناقضه،‭ ‬ويصبح‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬عليه‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الصائبة‭ ‬التي‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬فكرة‭ ‬الاستدامة‭ ‬والمجتمع‭ ‬المستدام‭ ‬