حول الكون في التصور العراقي القديم
دراسة التصور الكوني في العراق القديم- أو في أي حضارة أخرى - لا تكتمل ملامحها البارزة إلا بمعرفة ماهية الكون، وذلك حتى تتسنى لنا معرفة مدى مصداقية رؤية هذه الحضارة أو تلك للكون. وفي هذا نقول إن الكون هو كل موجود وما وجد وما سيوجد، أما عن كلمة الكون التي هي «cosmos» في اللغات الأجنبية مثل: الإنجليزية والفرنسية والروسية... إلى آخره فهي في الأساس كلمة إغريقية تعني «نظام الكون» وهي بشكل ما عكس كلمة «cosmos» أي الاختلاط والتشوش، أو بمعني آخر حالة الكون المختلطة قبل تكونه. وهي تتضمن العلاقة المتبادلة العميقة لكل الأشياء وتبعث الرهبة من الطريقة الدقيقة والماهرة، التي جمع فيها الكون بالشكل الراهن.
وإذا كان ما سبق يختص بالكون، فإن مسائل الكونيات - أي النظر في أصل العالم - كانت مبعث حيرة للعقل البشري منذ فجر التاريخ، فقد اتصل التصور في أصل العالم عند القدماء بفكرة الخلق، حيث قام به - وفقاً لتصورهم ذ إله فصل بين النور والظلمة ورفع السماوات وثبتها من فوق الأرض، وصور المجالات الأخرى، التي اختصت بها تلك الصورة الكونية الضيقة المحدودة، التي تحيزت في عقل الإنسان الأول، ومرت القرون، واستجمع الإنسان بمرورها المعرفة بمختلف الظاهرات، التي يعايشها في العالم الذي تتألف منه بيئته، وتكيفت نظرياته الكونية في صورة أقرب إلى العلم. وعند دراسة ملامح التصور العراقي القديم للكون، نرى أنه قد مر على العراق في تاريخه القديم حضارات عدة علي النحو التالي:
1 - حضارة سومر:
أ- من هم السومريون؟
ثمة تساؤل حيوي من المنظار التاريخي يطرح نفسه على بساط البحث، مفاده من هم السومريون؟ وللإجابة عن مثل هذا التساؤل نقول إن السومريين أو الشومريين، هم قوم تحدروا من الأقوام التي قطنت العراق في عصور ما قبل التاريخ، وهي العصور التي سبقت عصر فجر السلالات، وقد عرفوا باسم خاص، وهو اسم السومريين في الأزمنة التاريخية نسبة إلى الجزء الخاص من العراق الذي تمركزوا فيه، وهو القسم الجنوبي الذي سمي باسم اشومرب أو اسومرب، ولعل أقوى ما يجعل هذه الفرضية رأياً قريباً من الواقع، هو أن أسس الحضارة السومرية، التي ازدهرت في عصر السلالات، يمكن إرجاعها إلى الأطوار الحضارية (عصور ما قبل السلالات)، مما يشكل استمراراً حضارياً، أي إن أصول الحضارة السومرية نشأت في العراق، وبالتالي يمكن تتبع أسسها وأصولها فيه منذ أقدم الأزمان. وكان ذلك في فترة، تراوحت تقديرات المؤرخين بشأنها، في ما بين أوائل القرن الثلاثين قبل الميلاد، والقرن الثامن والعشرين قبل الميلاد.
وخلاصة القول، إنه مهما كان أصل السومريين والمهد الذي نزحوا منه، فالأمر المهم من الناحية الحضارية، هو أننا نعرف نشوء حضارتهم وتطورها ومراحل ذلك التطور وخصائصها، وأنها نشأت في القسم الجنوبي من العراق. كما أن البحث في أصلهم وعرقهم من الأمور التي لا تقود الباحث إلى شيء، وذلك على فرض أنه يستطيع أن يعرف ذلك في المستقبل.
ب - الكون لدى السومريين
يشي الواقع التاريخي لمعطيات حضارة سومر، في هذا المنحى العلمي الدقيق، بأن فقهاء سومر قد تخيلوا السماء والأرض في بداية أمرهما ملتصقتين يحيط بهما محيط مائي عظيم، وكان في أولهما إله مذكر وهو اآنب أو اآنوب الذي اعتبروه الجد الأكبر للمعبودات، ثم إلهة مؤنثة اكيب، ونتج عن اتصال هذين الزوجين عنصر ثالث، وهو اإنليلب رب الهواء والأنفاس والفضاء الذي تدخل بينهما وفصلهما، ورفع أباه اآنب بسمائه إلى أعلى، وحط بأمه اكيب إلى أسفل حيث اختلط بها، وترتب على وجوده معها أن بدأ ظهور بقية الأرباب، ومنهم من سموا باسم الأنوناكي الخمسين العظام والسبعة أصحاب المصائر، ثم بدأ خلق النباتات والأنعام والناس.
إن التصور الكوني لدى السومريين، يجعل الباحث المعاصر يصل إلى قناعة عملية تاريخية مفادها، أن أرباب السماء والأرض والهواء - وفقاً لهذا التصور- قد تسنى لهم المشاركة في النشأة عند السومريين فـ اإنكيب روح الماء المحيط بالسماء والأرض، وكان ابن هو انموب الذي مثل عنصر الأمومة في المحيط الأزلي، وزوج هو اتماخب، أي السيدة العظمى، التي لقبت أيضاً بلقب انينتوب بمعنى السيدة الوالدة، ولهذا كان اإنكيب يعتبر إلها للماء وللحكمة ومقرراً لمصائر الأقطار والمدن وحافظ نواميس الحضارة في كل مظاهرها المادية والروحية، والموصي بمظاهر الحياة إلى أربابها، مثل ادوموزيب الذي عهد بخصوبة الأنعام وخصوبة الأرض واإشكودب الذي عهد إليه بأمر الرياح، إن كل هؤلاء الآلهة ذ وفقاً للتصور السومري ذ قد شاركوا في نشأة الكون وتكوينه.
وفي التحليل الأخير، نرى أن التصور السومري للكون، يؤكد لنا أن حضارة سومر قد عرفت آلهة متعددة، عرفت بآلهة الكون وهي على النحو التالي:
الإله الأول: إله السماء: آن، آنوم، آن
«An Anum An»
واأنب تعني أصلاً السماء في اللغة السومرية وتقابلها اشاموب في الأكدية، ومن ثم فإن اآنوب أو اآنومب هو إله السماء، وهو أيضاً أب السماوات وملكها، وعرشه على قمة قبة السماء، وحين حدث الطوفان لجأ إليه الآلهة مذعورين ليحتموا به، وجثوا كالكلاب إلى جانب حائط السماء.
وفي هذا السياق تشير المصادر التاريخية إلى أن هؤلاء الآلهة قد ظلوا كذلك حتى قدم أهم ازيوسودراب قرابين التضحية فوصلت رائحتها إلى خياشيمهم وعنذئذ اطمأنت قلوبهم، وعلى عتبته، أي اآنوب، يقف اذوموزيب واجشزيداب الإلهان الوحيدان اللذان ذاقا الموت، ويحكم اآنوب مجموعتين من الآلهة هما الـ اأجيجيب في السماء، والـ اأنوناكيب في الأرض، وهم الذين يقتسمون التصرف في شؤون العالم بإشرافه وكان مقر عبادة اآنوب الرئيس في االوركاءب، حيث يعيش في معبده مع زوجته، وتشير نصوص من الوركاء إلى عديد من التضحيات التي كانت تقدم لهما في معبدهما.
الإله الثاني: إله الأرض: إنليل، إليل Enlin ,Ellil
إن اإن ذليلب بالسومرية هي اال-ليلب بالأكدية، وهي كلمة تعني اسيدب، وقد كان سيداً للمجمع السومري للآلهة، كما كان ابعلاب له. وكلمة اإن ذليلب تعني أصلاً اسيد الريح والروحب وهو لم يأخذ لقب سيد الأرض إلا فيما بعد. ومن لقبه كسيد للريح، التي تخرج من الجبل وتدفع المياه جاء لقبة اإيمهور ساج imhu-sagب أي اجبل الريحب كإله لزقورة
انيبور Nippvrب وقد اغتصب الإله آشور في ما بعد هذه الصفة، التي علقت به االجبل العظيمب، أما معبده في مدينة نيبور فيدعى اأي كور E-kurب أي معبد الجبل. وكانت ترافقه فيه الآلهة انن هور ساجب سيدة الجبل، وكان له منها ثمانية مواليد إلهية.
الإله الثالث: إله الماء: إنكي، أيا En- Ki, Ea
كان ثالث أفراد الثالوث، الذي نلتقي به في أقدم النصوص هو اشوروباكب (فارة) والجشب (تللو) والارساب (سكنرة)، ولهذا كان التمييز بين ثلاثة أنواع من الأرض: الأرض العليا، حيث يحكم اانليلب والأرض السفلى، حيث انرجالب والأرض الوسطى بين الاثنين، حيث مملكة اأياب Ea أو اإنكيب سيد الماء المقدس. وتمجده أقدم النصوص السومرية كملك للـ لـ اأبوب ومدينته المقدسة هي اإريدو Eriduب (أبو شهرين) ويحمل معبده بها لقب اإيابزوب E-abzu بالسومرية أو ابيت أبسيب Bit-apsi بالأكدية (بيت أبسو).
الإله الرابع: إله العالم السفلي: نرجال Nergal
وهو رابع آلهة العالم الكبرى، أي الأرض السفلية وتسمى عادة االأرضب أو االأرض الكبرىب وهي اكي جالب بالسومرية واكي جاللوب بالأكدية، وهي االأرض التي لا عودة منهاب وبالسومرية: اكورنوجي آب، وتعرف كذلك اأرا للوب، ويحكم هذه الأرض انرجالب، ومعناه افوق المسكن العظيمب وهو يقرن بالإله اإيرراب Irra، وهو أصلاً إله الوباء المنوط به تعمير العالم السفلي، ويعرف اإيرراب باسم انرجال كوثاب وكوكب نرجال هو المريخ، وقد استطاع نرجال بقوته أن يسيطر على الـ اارا للوب أما ربة العالم السفلي فهي نن كي جالب وينطق اسمها أحياناً اإرشن كي جالب Ereshkigal أي اسيدة كيجاللوب أو سيدة الأرض العظمى.
من كل ما سبق نرى أن حضارة سومر، قد عرفت ذ كما ألمحنا سابقاً - آلهة عدة خالقة لهذا الكون الهائل، وفي هذا دلالة أكيدة على أن هذا التصور المتهافت لخلق الكون إنما ينافي التصور الإسلامي الحق، الذي جاء بالوحدانية الحقة، التي ردت الاعتبار للخالق الأوحد لهذا الكون الرحيب، إنه الله جل جلاله.
2 - التصور الكوني لدى حضارة بابل
يلاحظ الباحث العلمي الذي يريد أن يدرس ملامح تصور الكون في هذه الحضارة أن السماء والأرض (الكون) في اعتقاد البابليين إنما كانتا عبارة عن صورتين متعادلتين ومتكاملتين، وقد خرج كلاهما من الماء الأزلي الذي هو المحيط الأول الأصلي، وربما كان اعتقاد البابليين في خروج الأرض من البحر منبثقاً من الطريقة التي استخلص بها السومريون أرضهم من الأنهار، وكان العالم في نظرهم محصوراً كله داخل قبة السماء التي اعتقدوا أن لها أعمدة في ما وراء البحار. أما مركز الكون فقد زعموه واقعاً عند منبع الفرات في جبال اطوروسب.
وفي هذا السياق، يؤكد بعض المؤرخين أن ثمة تشابهاً واضحاً بين هذه الأسطورة وما جاء في سفر التكوين من أنه في البداية، لم يكن يوجد سوى هيولي مظلم من الماء، لكن الأسطورة تختلف عن الكتب السماوية عموماً في أنها جعلت المادة أزلية سبقت أي شيء آخر، ومع ذلك فإن الأسطورة تعكس صورة لما يدور في بيئة بلاد ما بين النهرين من صراع بين عناصر الطبيعة والإنسان وبيئته. ولذا فإنه ليس غريباً أن تأتي الكتب المقدسة بمثل هذه الفكرة، فلقد جاء في التوراة افي البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خاوية خالية، وعلى وجه القمر ظلام، وروح الله يرف على وجه المياهب.
كذلك نجد في ما بعد أن القرآن الكريم نصت آيات كثيرة منه على مثل هذه الأفكار والمعتقدات الكونية، فمن ذلك مثلا قوله عز من قائل {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (سورة الأنبياء/ آية 30)، وكذا قوله الأقدس {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء}، (سورة هود/آية 7).
ومن عجب أن يجيء العلم الحديث بما يؤكد ذلك في النظرية التي قال بها العلماء المعاصرون بشأن خلق الكون، ومضمونها اأن تكون العالم بدأ منذ أن تحولت الأبخرة الأولى إلى ماءب.
وفي التحليل الأخير، نرى أن التصور الكوني البابلي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن التفكير في نشأة الوجود، أدى إلى ظهور أساطير مختلفة وصلت إلينا منها بعض النماذج وتعد الأسطورة البابلية أقدم نموذج وصل إلينا كأسطورة طويلة، وهي مدونة على سبعة ألواح طينية تعرف لدى علماء الآشوريات باسم األواح الخليقة السبعةب، وتحتوي هذه الأسطورة على نحو ألف بيت تقريباً وتشير إلى أنه لم يكن في البدء سوى الماء العذب االإله إيسوب والماء المالح االإلهة تيامةب، وكانا مختلطين، ثم ولدت منهما الآلهة الآخرى متعاقبة، وفي ذلك ما يشير إلى أن المادة (المياه) أزلية، وهما في الوقت نفسه الإلهان اللذان جاءت منهما الآلهة ومن أعقابهما أعظم الآلهة لدى البابليين وهو امردوخب.
والخلاصة أن هذه الأسطورة البابلية بشأن خلق الكون تعتبر بوجه عام ضمن تلك الأساطير التي سادتها فكرة عدم التكون الذاتي، أو النشأة الذاتية للكون، بل إن االهيوليب الذي هو المادة الأولى للكون، الذي كان على هيئة مياه (water) قد انقسم بقوة إلهية إلى مياه علوية وأخرى سفلية. ومن المياه السفلية برزت الأرض كجزيرة، ومن ذلك يتضح أن المادة الأولى للكون، والجوهر والأوحد للوجود، في اعتقاد البابليين هو الماء الذي هو أصل كل شيء.
3 -التصور الكوني لدى الآشوريين
كانت قصص خلق الكون عند الآشوريين لا تزيد على تلك الروايات، التي تواترت إليهم من أقدم الأزمنة، ولاسيما تلك التي أثبتتها الألواح السبعة، كما سبق أن ألمحنا، وكان الآشوريون يتقبلون الحكايات الواردة في نصوصها القديمة وكأنها قضية مسلمة لا يعتريها الشك ولا الظن، ولاسيما بعد أن أدخلوا على نصوصها الأصلية تغييرات جوهرية فظيعة، وقد نقلوا هذه الأسطورة عن بابل حيث كان بطلها مردوك Merduk بابلياً محلياً، فلما نقلها الآشوريون استبدلوا ببطل بابل هذا بطل إقليمهم وهو آشور، وكان هذا بالفعل انتحالاً مألوفاً عند طائفة من القسس. وإذا كان مردوك (Murduk)ابن آيا Ea، كما ترويه الأسطورة البابلية، فإن أسطورة آشور تذهب إلى أن الإله المحلي، وهو آشور بن لخمو ولا خامو.
وفي هذا السياق، أي معرفة التصور الكوني لدى الآشوريون، نرى أن أغلب الأحداث الدنيوية في أحاديث الناس وعاداتهم، كانت مرتبطة بالأحداث الكونية الكبيرة، ولعل المثال المثير في هذا المجال هو التعويذة ضد الدودة التي كان الآشوريون في عام ألف قبل الميلاد يرون فيها سبب الألم في الأسنان، وتبدأ التعويذة من نشوء الكون وتختتم بعلاج ألم الأسنان.
التصورات الختامية حول الكون في حضارة وادي الرافدين.
نخلص من كل ما سبق إلى أن الصراع بين النظام الكوني والهيولي، كان مأساة تستحق التسجيل لدى أهل بلاد ما بين النهرين الأقدمين تتجدد كل عام. ومن ثم كانت الملحمة التي تتناول هذه الأحداث ذات دلالة وأثر خاصين في الأدب الديني، وهي في سبع لوحات تعرف بالأكدية باسم اإنوماإليشب Enuma-Elish وتعني افي الأعالي حينب، ولسنا ندري على التحقيق تاريخ تجميعها أو تأليفها، ويعيد المؤرخون إرجاع الملحمة إلى العهد البابلي القديم حوالي الألف الثاني قبل الميلاد. والملحمة تشير إلى تكوين المادة الأولى للكون من عنصرين ماء عذب (مذكر)، وماء مالح (مؤنث) هما: اأبوب واتيامةب هما أصل كل شيء - كما ألمحنا سابقاً - وبعد الصراع بينهما يحل النظام في الكون، ولعلنا نستشف من وراء ذلك، العراك ضد ماء البحر والانتصار بكسب جزء من البحر.
وفي هذا السياق يؤكد الواقع التاريخي والحضاري، أن التصور السومري للكون قد امتد تأثيره إلى حضارة بابل، حيث أدخل علم تكوين الخلق عند الكلدانيين في أحد أرقى عناصر الرطوبة في أصل الأشياء، ومن الزواج الأول خرج أولاً الاهموب وزوجه الاهاموب وهما معبودان لم يكن الدور الذي قاما به ملحوظاً، ثم مرت فترة غير محددة وانبثق من الزوج الأصلي اانشارب واكيشاريب وهما يمثلان في ذاتيتهما كل السماء والأرض، ومنهما جاء ثلاثة آلهة آخرون هم مجموعة الآلهة البابلية: آنو وإنليل وأيا، وقد قسم هؤلاء الآلهة الثلاثة الكون في ما بينهم، لأنه طبقاً للآراء السامية، لم يكن بمقدور الشيء أن يوجد دون أن يكون له سيد، وكان اآنوب الإله الأكبر يحكم في السماء، وكان اإنليلب سيد الجو والأرض، وكانت اآياب المسماة اإنكيب في السومرية - تحكم أمواه المحيط البدئي، وكان لكل منهم طريقه الخاص على مدار الشمس، وكانت مساكنهم على قمة السماوات.
وكان يلي هذا الثالوث ثالوث آخر يتألف من إله القمر اسنب وإله الشمس اشماشب وإلهة هي الزهرة اعشتارب، وكان إله القمر يقيس الزمن ويعاقب المذنبين من الملوك بقضاء حياتهم في التأوهات والدموع، وكان إله الشمس هو القاضي الأعظم، الذي أملى قوانين العدالة على الملوك، أما اعشتارب، فكانت إلهة الحرب وإلهة اللذة التي تسعى لغواية البشر، كما أنها كانت تعد أخت إله الشمس وفي الوقت نفسه أخت إلهة العالم السفلي.
من هنا نرى أن كل مدينة في هذه الحضارة العريقة، قد اتخذت في الأصل لنفسها إلهاً وآلهة، ثم تعددت الآلهة بمرور الزمن، وعلى رأسها الثالوث الذي يتكون من آنو (السماء) وإنليل (الجو والأرض)، وآيا (الماء). ولذا يمكن الذهاب إلى أن ثمة قصص ميثولوجية شرحت أخبار قصة خلق العالم والطوفان والبحث عبثاً عن الحياة الأزلية، التي لم يستطع الإنسان القديم - ولا حتى الحديث - الوصول إلى بعض ملامحها العامة، إلا في ضوء الهداية الربانية، التي جاءت الأديان وفي مقدمتها الإسلام، لبلورة هذه الملامح .