شاعر الشعب عمر الزعني ... الرسام بالكلمات

شاعر الشعب عمر الزعني ... الرسام بالكلمات

كتب‭ ‬المستشرق‭ ‬جان‭ ‬لوسيرف‭ ‬فقرة‭ ‬في‭ ‬دراسته‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬الزعني‭ (‬1898 – 1961‭) ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬Bulletin‭ ‬d’Etudes‭ ‬Oriontales‭ ‬tome‭ ‬III,‭ ‬1933،‭ ‬وترجمتها‭:‬

‮«‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬نقده‭ ‬السياسي‭ ‬الجريء‭ ‬واللاذع‭ ‬شكل‭ ‬عاملا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬نجاحه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إنتاجه‭ ‬الرئيسي‭ ‬يكمن‭ - ‬في‭ ‬رأينا‭ ‬‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬الحدث‭ ‬الراهن،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬فكر‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬الدائمة‭ ‬للمنغصات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يشكو‭ ‬منها‭ ‬معاصروه،‭ ‬ويرقى‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬نقد‭ ‬اجتماعي‭ ‬جدي،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬فكر‭ ‬فلسفي،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬هزلية‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬النهضة‭ ‬الحالية‭ ‬للأدب‭ ‬الشعبي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينفي‭ ‬شك‭ ‬البعض،‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يعتقدون،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬اللغة‭ ‬العامية‭ ‬قادرة‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الاحتياجات‭ ‬العملية‮»‬‭. ‬

تبدو‭ ‬دراسة‭ ‬لوسيرف‭ ‬مميزة‭ ‬عن‭ ‬الدراسات‭ ‬المتواضعة‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد،‭ ‬والتي‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬قصائده‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬تحليلها،‭ ‬وهذه‭ ‬الكتب‭ ‬هي‭: ‬‮«‬عمر‭ ‬الزعني‭ ‬شاعر‭ ‬الشعب،‭ ‬للقاضي‭ ‬محمود‭ ‬نعمان،‭ ‬طبعة‭ ‬جمعية‭ ‬المقاصد‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬عام‭ ‬1979‮»‬‭. ‬و«عمر‭ ‬الزعني،‭ ‬حكاية‭ ‬شعب،‭ ‬للدكتور‭ ‬فاروق‭ ‬الجمال،‭ ‬طبعة‭ ‬دار‭ ‬الآفاق‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬عام‭ ‬1979‮»‬‭. ‬و«عمر‭ ‬الزعني‭ ‬موليير‭ ‬الشرق،‭ ‬للزعني‭ ‬الصغير‭ (‬سمير‭ ‬ابن‭ ‬أخيه‭) ‬بيروت،‭ ‬1980‮»‬‭.‬

‭ ‬ولد‭ ‬عمر‭ ‬الزعني‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬عام‭ ‬1898‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬مصرية‭ ‬الأصل،‭ ‬والده‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد،‭ ‬عالم‭ ‬مؤمن،‭ ‬أدخله‭ ‬الكلية‭ ‬العثمانية،‭ ‬فبقي‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1914‭ ‬حين‭ ‬جنده‭ ‬العثمانيون‭ ‬في‭ ‬جيشهم،‭ ‬ولأنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬درس‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬الحربية‭ ‬في‭ ‬حمص،‭ ‬فقد‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬مديراً‭ ‬للإعاشة‭ ‬برتبة‭ ‬ملازم‭.‬

وبعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬عمل‭ ‬عمر‭ ‬في‭ ‬التدريس،‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬وظيفة‭ ‬إدارية‭ ‬بمحكمة‭ ‬البداية‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬متابعاً‭ ‬دراسة‭ ‬الحقوق‭ ‬بمنحة‭ ‬من‭ ‬جمعية‭ ‬المقاصد‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬ينظم‭ ‬الأناشيد‭ ‬المدرسية‭ ‬والقصائد‭ ‬الوطنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ويلقيها‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬وفي‭ ‬اللقاءات‭ ‬الشعبية،‭ ‬متلقباً‭ ‬باسم‭ ‬مستعار‭ ‬هو‭ ‬‮«‬حنين‮»‬،‭ ‬وبدأت‭ ‬شهرته‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنشد‭ ‬قصيدته‭ ‬النقدية‭ ‬اللاذعة‭ ‬في‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬آنذاك‭ ‬بشارة‭ ‬الخوري‭ ‬‮«‬بدنا‭ ‬بحرية‭ ‬يا‭ ‬ريس‮»‬،‭ ‬حين‭ ‬غضبت‭ ‬السلطة‭ ‬عليه،‭ ‬فاستقال‭ ‬من‭ ‬الوظيفة‭ ‬وانصرف‭ ‬إلى‭ ‬فنه‭. ‬تزوج‭ ‬عمر‭ ‬وأنجب‭ ‬محمد‭ ‬ودلال،‭ ‬وعاش‭ ‬من‭ ‬فنه‭ ‬ومن‭ ‬إدارته‭ ‬مكتب‭ ‬محاماة،‭ ‬واستثمار‭ ‬بناية‭ ‬أنشأها‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬وفي‭ ‬بيروت‭ ‬توفي‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬فبراير‭ ‬1961‭.‬

 

لكل‭ ‬قصيدة‭ ‬حكاية‭ ‬

كان‭ ‬عمر‭ ‬الزعني‭ ‬‮«‬مربيا‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تدرب‭ ‬معلماً‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬العثمانية‭ ‬والمدرسة‭ ‬التوفيقية،‭ ‬مبشراً‭ ‬بمحبة‭ ‬الآخرين‭ ‬والوطن‭ ‬والخير،‭ ‬مستوحياً‭ ‬قيم‭ ‬الإسلام‭ ‬والعروبة،‭ ‬منتمياً‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬المقهور‭ ‬دائماً،‭ ‬فكان‭ ‬في‭ ‬تدريسه‭ ‬ونظمه‭ ‬الشعر‭ ‬بنـّاء‭ ‬للوعي‭ ‬والثقافة‭ ‬وحب‭ ‬الحياة،‭ ‬في‭ ‬سيرته‭ ‬وفي‭ ‬علاقاته‭ ‬كان‭ ‬يرصد‭ ‬مشكلات‭ ‬الناس،‭ ‬متنبهاً‭ ‬إلى‭ ‬أدق‭ ‬التفاصيل‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ - ‬شأن‭ ‬الفنانين‭ ‬الكبار‭ - ‬وهم‭ ‬يتقلبون‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬سياسية‭ ‬اجتماعية‭ ‬مفصلية،‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬الانتداب‭ ‬فعهد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬لذلك‭ ‬نال‭ ‬المحتاجون‭ ‬والمغبونون،‭ ‬كما‭ ‬نالت‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬مساراتها‭ ‬كلها،‭ ‬حصة‭ ‬كبرى‭ ‬من‭ ‬قصائده،‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يساوم‭ ‬على‭ ‬مبادئه‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والوطنية‭ ‬أبداً،‭ ‬قائلاً‭:‬

المبدأ‭ ‬شرف‭ ‬الانسان‭ ‬لازم‭ ‬يفنى‭ ‬من‭ ‬شانه‭ (‬من‭ ‬أجله‭)‬

مهما‭ ‬تلوّع‭ ‬مهما‭ ‬انهان

المبدأ‭ ‬بيعلّي‭ ‬من‭ ‬شانه

من‭ ‬هذا‭ ‬المنظار،‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬الزعني،‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬الأديبة‭ ‬مي‭ ‬زيادة‭ ‬‮«‬‭ ‬كثير‭ ‬الشكوى،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كذلك‭ ‬لصار‭ ‬شاعر‭ ‬الزمان‮»‬‭.‬شكواه‭ ‬من‭ ‬العيوب‭ ‬الشخصية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬كانت‭ ‬بالإضاءة‭ ‬عليها‭ ‬وتعرية‭ ‬أصحابها،‭ ‬شكواه‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬إشهاره‭ ‬وتشهيره‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬لاذع‭ ‬وساخر،‭ ‬نال‭ ‬رضا‭ ‬الناس‭ ‬وامتعاض‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين،‭ ‬وقصاص‭ ‬السلطة‭. ‬

لم‭ ‬يرتح‭ ‬الزعني‭ ‬لانتداب‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬لبنان،‭ ‬فهي‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تدمر‭ ‬المؤسسات‭ ‬الوطنية،‭ ‬وأن‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الناس،‭ ‬وأن‭ ‬تفرز‭ ‬المواطنين‭ ‬بين‭ ‬مؤيد‭ ‬لها‭ ‬ينال‭ ‬امتيازاتها،‭ ‬ومعارض‭ ‬تحاربه،‭ ‬مما‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬هيمنتها‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬ساخر‭:‬

فيف‭ ‬لا‭ ‬فرانس‭ ‬فيف‭ ‬لا‭ ‬فرانس‭  ‬أكبر‭ ‬حظ‭ ‬وأكبر‭ ‬شانص‭ (‬حظ‭)‬

طول‭ ‬الليل‭ ‬سهر‭ ‬ودانص‭ (‬رقص‭)  ‬وطول‭ ‬النهار‭ ‬ربح‭ ‬وقنص

لا‭ ‬سنكة‭ ‬ولا‭ ‬تنكة‭ ‬وكل‭ ‬سلاحك‭: ‬فيف‭ ‬لا‭ ‬فرانس‭ ‬

ومما‭ ‬قاله‭ ‬في‭ ‬طلبها‭ ‬تغيير‭ ‬لباس‭ ‬المحامين‭ ‬والقضاة،‭ ‬ساخراً‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬الشكل‭ ‬لا‭ ‬المضمون‭: ‬

عالهوب‭ ‬الهوب‭ ‬الهوب‭  ‬والقاضي‭ ‬لابس‭ ‬روب‭ (‬ثوب‭) ‬

والحق‭ ‬آخد‭ ‬مجراه

ما‭ ‬عاد‭ ‬في‭ ‬ظلم‭ ‬منوب‭ ( ‬أبدا‭) ‬

على‭ ‬حقك‭ ‬ما‭ ‬بقا‭ ‬تخاف‭ 

الحكام‭ ‬صارو‭ ‬نضاف‭ ‬

لابسين‭ ‬روبات‭ ‬جداد

ما‭ ‬لبسها‭ ‬الاجداد

ولا‭ ‬شافت‭ ‬هالبلاد

نعمة‭ ‬أحسن‭ ‬من‭ ‬الروب‭ ‬

ولأنه‭ ‬رأى‭ ‬المنتدب‭ ‬الفرنسي‭ ‬لم‭ ‬يصحح‭ ‬من‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬الوطن،‭ ‬إذ‭ ‬حل‭ ‬المجلس‭ ‬النيابي‭ ‬وعلق‭ ‬الدستور‭ ‬لينشئ‭ ‬سلطة‭ ‬سياسية‭ ‬تناسبه‭ ‬أنشد‭:‬

يا‭ ‬مال‭ ‬الشام‭ ‬يا‭ ‬عوجة

من‭ ‬أصلك‭ ‬عوجة‭ ‬يا‭ ‬عوجة‭ ‬

كما‭ ‬أنشد‭ ‬ساخرا‭ ‬من‭ ‬اعتماد‭ ‬الفرنك‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬أساء‭ ‬في‭ ‬قيمته‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬اللبناني‭: ‬

حاسب‭ ‬يا‭ ‬فرنك‭ ‬شد‭ ‬فرامك‭ 

شوف‭ ‬النار‭ ‬الدرب‭ ‬قدامك‭ ‬

مجبورين‭ ‬محسوبين

طالبن‭ ‬عفوك‭ ‬وإحسانك

ولما‭ ‬استرجع‭ ‬الفرنك‭ ‬قيمته‭ ‬أمام‭ ‬العملات‭ ‬الأخرى،‭ ‬أنشده‭ ‬ثانية‭:‬

عرم‭ ‬يا‭ ‬فرنك‭ ‬وهز‭ ‬كمامك‭ ‬اليوم‭ ‬أعز‭ ‬أيامك‭  ‬المستر‭ ‬شلن‭ ‬خدامك

ولقصائده‭ ‬في‭ ‬‮«‬هيئة‭ ‬الأمم‮»‬‭ ‬يوم‭ ‬أنشئت،‭ ‬وفي‭ ‬هدر‭ ‬حقوق‭ ‬المسلمين،‭ ‬وإفلاس‭ ‬البلد،‭ ‬وإجراء‭ ‬الانتخابات،‭ ‬والإحصاء‭ ‬السكاني‭ ‬المريب‭... ‬صدى‭ ‬واسع‭ ‬عند‭ ‬الناس،‭ ‬فصفق‭ ‬كثيرون‭ ‬حين‭ ‬أنشدهم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1928‭ ‬حالة‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬القهر‭ ‬والتشريد‭ ‬والجوع‭: ‬

اللي‭ ‬جن،‭ ‬واللي‭ ‬كفر،‭ ‬واللي‭ ‬هاجر،‭ ‬واللي‭ ‬باقي‭ ‬تحت‭ ‬الخطر،‭ ‬والطفر‭ ‬عامي‭ ‬البصر‭... ‬طفح‭ ‬الكيل‭.‬

وقبل‭ ‬الانتخابات‭ ‬وصف‭ ‬الحالة‭ ‬كما‭ ‬يأتي‭:‬

ما‭ ‬حدا‭ ‬بيعمل‭ ‬إحسان‭ ‬

غير‭ ‬للجاه‭ ‬والإعلان‭ ‬

وإن‭ ‬قدم‭ ‬خدمة‭ ‬خفيفة

يكون‭ ‬طمعان‭ ‬بنيشان

يا‭ ‬موعود‭ ‬بوظيفة‭ ‬

مين‭ ‬بيدعي‭ ‬وبيصلي‭ ‬

وما‭ ‬بيطلب‭ ‬الغفران؟

‭ ‬لكن‭ ‬بعض‭ ‬قصائد‭ ‬الزعني‭ ‬كانت‭ (‬حكاياتها‭) ‬شكوى‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬القاسي،‭ ‬أو‭ ‬مدحاً‭ ‬للخير‭ ‬في‭ ‬الناس،‭ ‬أو‭ ‬وصفاً‭ ‬لحالته‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬خاصة‭ ‬كالزواج‭ ‬وفقدان‭ ‬الأب،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬عامة‭.‬

 

الجرأة‭ ‬الساخرة‭ ‬

لم‭ ‬يتورع‭ ‬عمر‭ ‬الزعني‭ ‬عن‭ ‬انتقاد‭ ‬السياسيين‭ ‬بجرأة،‭ ‬إذا‭ ‬لمس‭ ‬من‭ ‬أحدهم‭ ‬ظلما‭ ‬للآخرين،‭ ‬فتعرض‭ ‬للرؤساء‭: ‬سامي‭ ‬الصلح،‭ ‬رياض‭ ‬الصلح،‭ ‬صائب‭ ‬سلام،‭ ‬كميل‭ ‬شمعون،‭ ‬بشارة‭ ‬الخوري،‭ ‬ألفريد‭ ‬دباس،‭ ‬وكان‭ ‬هؤلاء‭ ‬يستمعون‭ ‬إليه‭ ‬حين‭ ‬ينشد‭ ‬قصائده‭ ‬فيهم،‭ ‬فيضحكون‭ ‬منها‭ ‬ويصفقون‭ ‬له‭ ‬أمام‭ ‬الجمهور‭ ‬المشاهد‭ ‬المستمع،‭ ‬رغم‭ ‬امتعاضهم‭ ‬من‭ ‬كشف‭ ‬سيئاتهم،‭ ‬قال‭ ‬الزعني‭ ‬في‭ ‬الزعيم‭ ‬هنري‭ ‬فرعون‭: ‬

جرّد‭ ‬فرعون‭ ‬من‭ ‬اسمه

وشيل‭ ‬تيابه‭ ‬عن‭ ‬جسمه

وتفرج‭ ‬على‭ ‬كسمه‭ (‬قامته‭)‬

شوف‭ ‬القفا‭ ‬وشوف‭ ‬الوش‭ (‬الوجه‭)‬

بتشوف‭ ‬كل‭ ‬شي‭ ‬غش‭ ‬بغش‭ ‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1946‭ ‬إثر‭ ‬جلاء‭ ‬الفرنسيين‭ ‬عن‭ ‬لبنان‭ ‬وابتداء‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني‭ ‬الحر،‭ ‬هاجم‭ ‬الزعني‭ ‬رجالات‭ ‬لبنان‭ ‬كلهم‭ ‬بأشنع‭ ‬الصفات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبين‭ ‬فشلهم‭:‬

السياسة‭ ‬ما‭ ‬إلها‭ ‬دين

وبتتمايل‭ ‬شمال‭ ‬ويمين

هي‭ ‬سر‭ ‬الكذابين

هي‭ ‬روح‭ ‬الظالمين‭ ‬

وراح‭ ‬يكيل‭ ‬الأوصاف‭ ‬الساخرة‭ ‬للسياسيين‭ ‬النفعيين‭ ‬الذين‭ ‬يدعون‭ ‬العفة،‭ ‬فكلفته‭ ‬جرأته‭ ‬هذه‭ ‬السجن،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كلفته‭ ‬الصرف‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬وعدم‭ ‬إكمال‭ ‬دراسته‭ ‬الحقوقية‭. ‬فبعد‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬جدد‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬تفزع‮»‬‭ ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬بشارة‭ ‬الخوري،‭ ‬قبض‭ ‬عليه‭ ‬وأحيل‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬بتهمة‭ ‬التجريح‭ ‬بالسلطة،‭ ‬وفي‭ ‬قاعة‭ ‬المحكمة‭ ‬أكد‭ ‬الزعني‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬بلا‭ ‬وجل،‭ ‬وزاد‭ ‬بأن‭ ‬أنشد‭ ‬شعراً‭ ‬ضد‭ ‬السيدة‭ ‬لور،‭ ‬عقيلة‭ ‬الرئيس‭ ‬الخوري،‭ ‬فانسحب‭ ‬القاضي‭ ‬من‭ ‬القاعة‭ ‬وسط‭ ‬تصفيق‭ ‬الحاضرين‭ ‬للزعني،‭ ‬الذي‭ ‬تابع‭ ‬بقصيدة‭: ‬ومن‭ ‬القنطاري‭ (‬حيث‭ ‬بيت‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭) ‬إلى‭ ‬راس‭ ‬النبع‭ (‬حيث‭ ‬بيت‭ ‬رئيس‭ ‬الوزارة‭) ‬روح‭ ‬يا‭ ‬زلط،‭ ‬سلم‭ ‬على‭ ‬بلع،‭ ‬وكله‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬وضهر‭ ‬الشعب‭. ‬فأصدر‭ ‬القاضي‭ ‬قراره‭ ‬بسجن‭ ‬الزعني‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭.‬

وتجرأ‭ ‬الزعني‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬‮«‬عالم‭ ‬المرأة‮»‬‭ ‬الخاص،‭ ‬بكلماته‭ ‬الساخرة،‭ ‬حين‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬المستورة‮»‬‭ ‬لاذعا‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينصفها،‭ ‬عزباء‭ ‬أو‭ ‬متزوجة،‭ ‬عاقراً‭ ‬أو‭ ‬ولوداً‭ ... ‬‮«‬فكيف‭ ‬ما‭ ‬عملت‭ ‬مقهورة‮»‬‭. ‬كذلك‭ ‬عيّر‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يحرم‭ ‬المرأة‭ ‬أبسط‭ ‬حقوقها‭: ‬

لا‭ ‬تحرموها‭ ‬لا‭ ‬تحبسوها‭ ‬

افتحوا‭ ‬الأبواب‭ ‬

لا‭ ‬تعلوا‭ ‬سورها‭ ‬

لا‭ ‬تحرموها‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬نورها‭ ‬

احسبوا‭ ‬لها‭ ‬حساب‭ ‬

لكنه‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬المرأة‭ ‬المستهترة‭ ‬والتابعة‭ ‬للموضة‭ ‬الكثير‭:‬

مجنون‭ ‬وما‭ ‬له‭ ‬دوا

مين‭ ‬قال‭ ‬النسوان‭ ‬سوا

في‭ ‬منهن‭ ‬جواهر

وفي‭ ‬منهن‭ ‬قواهر

وفي‭ ‬منهن‭ ‬يا‭ ‬ساتر

للهوا‭ ‬وشم‭ ‬الهوا

وتابع‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬أخرى‭:‬

لا‭ ‬تقرب‭ ‬للفواجر

لا‭ ‬بترضيها‭ ‬ولا‭ ‬بتكفيها‭ ‬

ولو‭ ‬غمرتها‭ ‬بالجواهر‭ ‬

وكانت‭ ‬للعيوب‭ ‬الاجتماعية‭ ‬حصة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬قصائد‭ ‬الزعني،‭ ‬فقد‭ ‬أنشد‭ ‬ضد‭ ‬الأناني‭ ‬والغشاش‭ ‬والطميع‭ ‬والحسود‭ ‬والبخيل‭ ‬والمبذر‭ ‬والثرثار‭... ‬مشهّراً‭ ‬بكل‭ ‬منهم،‭ ‬فدارت‭ ‬قصائده‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬الناس،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تصويره‭ ‬الطميع‭:‬

الطميع‭ ‬حاله‭ ‬عجب

نفسه‭ ‬ما‭ ‬بتشبع‭ ‬طلب‭ ‬

بيظن‭ ‬التلج‭ ‬فضة

والكبريت‭ ‬الأصفر‭ ‬دهب

أما‭ ‬الحشري‭: ‬

ففي‭ ‬المجالس‭ ‬بيحكي‭ ‬قصص‭ ‬ما‭ ‬بتعنيه

ويا‭ ‬ما‭ ‬بيسمع‭ ‬كلام‭ ‬قاسي‭ ‬ما‭ ‬بيرضيه‭ ‬

والشتايم‭ ‬بيمسحها‭ ‬بجلده

والبخيل‭ ‬هو‭:‬

ثيابه‭ ‬بيشتريها‭ ‬بالدين‭ ‬

وبيفصلها‭ ‬بلا‭ ‬جيوب

والمبذر‭:‬

واحد‭ ‬ما‭ ‬بيعرف‭ ‬خيره

خيره‭ ‬مرصود‭ ‬لغيره‭ ‬

هي‭ ‬صور‭ ‬جريئة‭ ‬قاربها‭ ‬ساخرا،‭ ‬وغناها‭ ‬للمستمعين‭ ‬شهادات‭ ‬وأمثالا‭ ‬سائرة‭.‬

 

الموسيقى

هذه‭ ‬الأناشيد‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬الزعني‭ ‬يلقيها‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬منابر‭ ‬مجالس‭ ‬عائلية،‭ ‬أو‭ ‬عامة،‭ ‬بلهجته‭ ‬البيروتية،‭ ‬وعلى‭ ‬إيقاع‭ ‬موسيقي،‭ ‬يقول‭ ‬عمر‭ ‬الزعني‭ ‬عنها‭: ‬‮«‬ليست‭ ‬قصائدي‭ ‬أغاني‭ ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬كلامها‮»‬‭,‬‭ ‬‮«‬الألحان‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬كانت‭ ‬بسيطة،‭ ‬فاستعانته‭ ‬بالأخوين‭ ‬فليفل‭ (‬الموسيقيين‭ ‬الشعبيين‭) ‬لوضعها‭ ‬أو‭ ‬لتوزيعها‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬واضعها،‭ ‬سهلت‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬حفظها،‭ ‬كذلك‭ ‬اقتبس‭ ‬الزعني‭ ‬ألحانه‭ ‬من‭ ‬أغنيات‭ ‬غربية،‭ ‬فقد‭ ‬نقل‭ ‬عن‭ ‬المربي‭ ‬والصحافي‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالله‭ ‬المشنوق‭ ‬أنه‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬يردد‭ ‬على‭ ‬مسامع‭ ‬الزعني‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬يحفظه‭ ‬من‭ ‬أغنيات‭ ‬فرنسية،‭ ‬كان‭ ‬الزعني‭ ‬يطرب‭ ‬لها‭ ‬ويحفظها‭. ‬واقتبس‭ ‬الزعني‭ ‬أيضاً‭ ‬ألحاناً‭ ‬شرقية‭ ‬بسيطة‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يتناقله‭ ‬الناس،‭ ‬ساعده‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أستاذ‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬‮«‬كميل‭ ‬شامبير‮»‬‭ ‬مدرّس‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربية‭. ‬

‮«‬ألحان‮»‬‭ ‬قصائد‭ ‬الزعني‭ ‬التي‭ ‬رددها‭ ‬الناس‭ ‬طويلاً،‭ ‬سجلت‭ ‬بعد‭ ‬إلقائها‭ ‬على‭ ‬أسطوانات‭ ‬بيعت‭ ‬من‭ ‬المشجعين،‭ ‬ثم‭ ‬أعيدت‭ ‬طباعتها‭ ‬حديثاً‭ ‬بواسطة‭ ‬ابن‭ ‬أخيه‭ ‬سمير‭ ‬‮«‬الزعني‭ ‬الصغير‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يلقب،‭ ‬حافظاً‭ ‬وناشراً‭ ‬تراث‭ ‬عمه‭. ‬

كان‭ ‬الزعني‭ ‬ذا‭ ‬ذوق‭ ‬سليم‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬ألحانه،‭ ‬وهو‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬‮«‬مونولوجست‮»‬‭ ‬يغني‭ ‬قصائده،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يصعد‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬جو‭ ‬صامت‭ ‬ورصين،‭ ‬في‭ ‬بدايته،‭ ‬ليخيم‭ ‬التفاهم‭ ‬والتجاوب‭ ‬التامان‭ ‬بين‭ ‬الجماهير‭ ‬في‭ ‬القاعة‭ ‬والفنان‭ ‬الشاعر،‭ ‬ثم‭ ‬يروح‭ ‬يشيع‭ ‬المرح‭ ‬بينهم،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الباحث‭ ‬د‭.‬أسامة‭ ‬عانوتي،‭ ‬وحين‭ ‬ينهي‭ ‬الزعني‭ ‬كل‭ ‬مقطوعة‭ ‬من‭ ‬قصيدته‭ ‬كان‭ ‬يرفع‭ ‬صوته‭ ‬بكلمة‭ ‬‮«‬موزيكا‮»‬‭ ‬فتعزف‭ ‬الفرقة‭ ‬الموسيقية‭ ‬نغمة‭ ‬صارت‭ ‬معروفة‭ ‬محفوظة‭ ‬من‭ ‬سامعيه،‭ ‬لتفصل‭ ‬بين‭ ‬‮«‬غناء‮»‬‭ ‬مقطوعة‭ ‬وأخرى‭. ‬وكان‭ ‬أصحاب‭ ‬الفنادق‭ ‬والمقاهي‭ ‬الصيفية‭ ‬يتنافسون‭ ‬في‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬إحياء‭ ‬السهرات‭ ‬عندهم،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يقيم‭ ‬سهرات‭ ‬مشابهة‭ ‬في‭ ‬فنادق‭ ‬بيروت‭ ‬الفخمة‭ ‬أيام‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭.‬

 

موليير‭ ‬الشرق‭ ‬

ذاعت‭ ‬شهرة‭ ‬عمر‭ ‬الزعني‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬وخارجها،‭ ‬وقد‭ ‬قصده‭ ‬المستشرق‭ ‬لوسيرف‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬ليتعرف‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الناقد‭ ‬الجريء‭ ‬الذي‭ ‬حارب‭ ‬بالكلمة‮»‬،‭ ‬وحين‭ ‬حضر‭ ‬إحدى‭ ‬سهراته‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬نورماندي‭ ‬أعجب‭ ‬به‭ ‬فعقد‭ ‬معه‭ ‬صداقة‭ ‬وكتب‭ ‬فيه‭ ‬كتاباً،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬موليير‭ ‬الشرق‮»‬‭.‬

‭ ‬‮«‬اتسمت‭ ‬شخصية‭ ‬الزعني‭ ‬بالظرف‭ ‬والمرح‭ ‬وخفة‭ ‬الروح،‭ ‬وبالرغبة‭ ‬الصادقة‭ ‬في‭ ‬بعث‭ ‬الطمأنينة‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬المقهورين،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬توجيهه‭ ‬النقد‭ ‬اللاذع‭ ‬إلا‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬وأجدى‮»‬‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬الباحث‭ ‬والمربي‭ ‬د‭.‬زكي‭ ‬النقاش‭. ‬

فموليير‭ ‬الشرق‭ ‬ذ‭ ‬يتابع‭ ‬النقاش‭ ‬ذ‭ ‬‮«‬كان‭ ‬لاذعاً‭ ‬في‭ ‬نقده‭ ‬الحكم‭ ‬والشركاء‭ ‬فيه،‭ ‬وصادقاً‭ ‬في‭ ‬توجهه‭ ‬للشعب‭ ‬لقطف‭ ‬ثمار‭ ‬جهاد‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التمتع‭ ‬بالحرية‭ ‬والسيادة‭ ‬والاستقلال‭...‬‭ ‬واليقظة‭ ‬فالنهوض‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬مشرق‮»‬‭. ‬

وإذا‭ ‬عرف‭ ‬موليير،‭ ‬المسرحي‭ ‬الفرنسي،‭ ‬صاحب‭ ‬مسرحيات‭ ‬‮«‬تارتوف‭ ‬والبخيل‭ ‬ومريض‭ ‬الوهم‮»‬‭ ‬بأنه‭ ‬رائد‭ ‬في‭ ‬إبراز‭ ‬العيوب‭ ‬الشخصية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬النمطية‭ ‬على‭ ‬المسرح،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الزعني‭ ‬قريباً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تماماً،‭ ‬فاستحق‭ ‬أيضاً‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬شاعر‭ ‬الشعب‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬هو‭ ‬ناقل‭ ‬أمين‭ ‬لانطباعاته‭ ‬وآرائه‭ ‬يغنيها‭ ‬ويمسرحها‭ ‬أمامه،‭ ‬يقول‭ ‬الزعني‭ ‬عن‭ ‬مضامين‭ ‬قصائده‭:‬

شوف‭ ‬تفرج‭ ‬آه‭ ‬يا‭ ‬سلام‭ ‬

شوف‭ ‬أحوالك‭ ‬بالتمام‭ ‬

شوف‭ ‬قدامك‭ ‬عجايب‭ ‬

شوف‭ ‬قدامك‭ ‬غرايب‭ ‬

كأن‭ ‬ما‭ ‬تتضمنه‭ ‬قصائده‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬العين‭ ‬من‭ ‬ثقوب‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬الفرجة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يدور‭ ‬به‭ ‬صاحبه‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬ليسلي‭ ‬الأولاد‭ ‬برواية‭ ‬القصص‭ ‬الواقعية‭ ‬والخرافية‭ ‬الملائمة‭ ‬لصور‭ ‬دولابه‭ ‬داخل‭ ‬الصندوق‭. ‬لقد‭ ‬تناول‭ ‬الزعني‭ ‬المواضيع‭ ‬النافرة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس،‭ ‬فكان‭ ‬صوتهم،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬صوت‭ ‬المربي‭ ‬الرسام،‭ ‬نعم‭ ‬كان‭ ‬رساماً‭ ‬كاريكاتورياً‭ ‬بالكلمات‭ ‬‮«‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الرسام‭ ‬يستعمل‭ ‬ريشته‭ ‬وألوانه‭ ‬ليرسم‭ ‬لوحته،‭ ‬فإن‭ ‬الزعني‭ ‬كان‭ ‬يستعمل‭ ‬الكلمة‭ ‬لرسم‭ ‬لوحته‭ ‬الانتقادية،‭ ‬فيخرج‭ ‬منها‭ ‬أجمل‭ ‬تابلوه‭ ‬فني‭ ‬وصائب‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬أخيه‭ ‬سمير،‭ ‬و«التابلوه‮»‬‭ ‬الكلامي‭ ‬ينبض‭ ‬بالحركة،‭ ‬يساعده‭ ‬الزعني‭ ‬بإيماءاته‭ ‬على‭ ‬المسرح،‭ ‬وبتنويع‭ ‬صوته،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الخلفية‭ ‬الموسيقية‭ ‬المرافقة،‭ ‬فإذا‭ ‬استمعنا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الفقرة‭ ‬من‭ ‬قصيدته‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تصف‭ ‬حال‭ ‬الرئيس‭ ‬الدباس،‭ ‬‮«‬نرى‮»‬‭ ‬الحركة‭ ‬و«نحس‮»‬‭ ‬المعنى‭ ‬معا‭:‬

في‭ ‬إيد‭ ‬من‭ ‬فوق‭ (‬المفوض‭ ‬السامي‭ ‬الفرنسي‭) ‬نتمشي‭ ‬الجوق

إن‭ ‬خالفوها‭ ‬بتشد‭ ‬الطوق‭ ‬

بتشد‭ ‬الريس،‭ ‬بتحل‭ ‬المجلس‭ ‬

بتهد‭ ‬أركانه‭ ‬من‭ ‬الأساس‭ ‬

وكم‭ ‬هي‭ ‬صائبة‭ ‬قصائد‭ ‬الزعني‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تصف‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تستشرف‭ ‬أحيانا‭ ‬المستقبل،‭ ‬فـ«تخلد‮»‬‭ ‬وتبقى‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬حالات‭ ‬مشابهة‭ ‬لحالة‭ ‬إطلاقها،‭ ‬وأختم‭ ‬بقصيدة‭ ‬‮«‬يا‭ ‬ضيعانك‭ ‬يا‭ ‬بيروت‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬ذلك،‭ ‬رثاء‭ ‬للمدينة‭ ‬التي‭ ‬حضنت‭ ‬عمر‭ ‬الزعني،‭ ‬فكان‭ ‬شاعرها،‭ ‬وهي‭ ‬قصيدة‭ ‬أنشدها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1938،‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭ ‬منتقداً‭:‬

يا‭ ‬مناظر‭ ‬غشاشة

يا‭ ‬عروس‭ ‬بخشخاشة

يا‭ ‬مصمودي‭ ‬بالتابوت

يا‭ ‬ضيعانك‭ ‬يا‭ ‬بيروت‭ ‬

الجهلا‭ ‬حاكمين

والأرزال‭ ‬عايمين‭ ‬

والأنذال‭ ‬عايشين

والأوادم‭ ‬عم‭ ‬تموت‭ ‬

يا‭ ‬ضيعانك‭ ‬يا‭ ‬بيروت‭ ‬