الماء والنار

في الاحتفالات الشعبية في أيبيريا
في إسبانيا تكثر الاحتفالات الشعبية التي يمكن أن تغطي كل أيام العام. وتتداخل الأعياد الدينية بالطقوس التي تستمد جذورها من أيام الوثنية القديمة ومنها تلك الاحتفالات التي تتداخل فيها استخدامات الماء والنار.

أهمية النار بالنسبة للإنسان تتحدد في شيئين متكاملين: الاستخدام والرمز. ويعتبر الكثير من علماء الأنثروبولوجيا والمؤرخين أن اكتشاف النار كان ثورة كبرى في حياة الإنسان، وكان هذا الاكتشاف تغييرا جذريا في شكل تلك الحياة، فالضوء الذي تفرزه النار والحرارة الناتجة عن الاحتراق سمحت للإنسان بأن يطيل ساعات النهار، وتبع ذلك زيادة في عدد ساعات العمل اليومي، ومن ناحية ثانية فإن الإضاءة سهلت الحياة في الكهوف التي كانت تضاء من خلال اشتعال النار، فترك الإنسان الحياة الحيوانية المرتبطة بالأشجار والغابات، بالإضافة إلى أن قدرة النار على تحويل المواد الطبيعية أدت إلى تغيير في نوعية الغذاء الإنساني، وسمحت للإنسان بأن يتقدم تقنيا، فاخترع الأواني الفخارية، وسيطر على المعادن بتحويلها إلى أدوات للاستخدام اليومي. ويقال إن أول نار تم الحصول عليها جاءت من خلال الاحتكاك بين قطعتي خشب جاف.

أما عن الشكل الرمزي للنار، فيمكن تلخيصه في المظاهر التالية:

1 - تشكل النار مظهراً من مظاهر الألوهية الظاهرة في الأرض (الله نور السموات والأرض).

2 - أحد العناصر الأساسية في خلق العالم، كما تشير إلى ذلك الفلسفة الإغريقية والرومانية فإن العالم يتكون من النار والماء والأرض والهواء.

3 - أصل حياة الإنسان (الأسطورة الإغريقية بروميثوس).

4 - نور الحكمة ويشير إليها القرآن الكريم في مواضع متعددة، وتقول بها المسيحية وتشملها أعياد الخماسين المصرية ذات الأصل الفرعوني.

5 - مظهر القوة، ويتجلى ذلك في ارتباط "جوبتر والشعاع".

6 - العذاب والتطهر، ويتجلى ذلك في حكمة الله سبحانه وتعالى من النار والعذاب يطهر بهما الإنسان من ذنوبه الأرضية، ثم يتجلى ذلك في إحراق السحرة الذين يستخدمون السحر في الأذى وإحراق كتبهم وأدواتهم كما كان يحدث في العصور الوسطى بشأن الإلحاد والزندقة.

ومما سبق نرى أن رمز النار متعدد، وهذا التعدد يعود إلى الأصل الإلهي للنار، وأيضا لارتباط النار بالديانات التي كانت تعتبر الشمس إله الأرض. ويرجع هذا التعدد أيضا إلى أن طبيعة النار تساعد على الاحتفاظ بها، ففي العصور البدائية كانت هناك نار جماعية في مكان عام يخدم كل أفراد القبيلة، وتطلب ذلك أن تظل النار موقدة بشكل دائم، مما خلق حولها عددا من الأساطير التي أطلقها حراس هذه النار، وتجلى ذلك في روما القديمة، فقد احتفظ الرومان بنار موقدة دائمة في معابدهم، ثم مع مرور الزمن وحاجة الإنسان إلى النار بشكل دائم تحولت هذه المراكز إلى نيران صغيرة دخلت البيوت، ولكنها ظلت تحتفظ برمزها السحري، وهذا الرمز - المضمون ما زال بشكل أو بآخر يتكرر في الاحتفالات الشعبية للعديد من بلدان العالم، وبشكل خاص دول البحر المتوسط (كاحتفالات القديس يوحنا والقديس يوسف النجار في إسبانيا).

النار في الاحتفالات الشعبية "الطقوس"

في كل المظاهر النارية للاحتفالات الشعبية برزت مظاهر متعددة منها الجغرافية والزمانية والوصفية وسنحاول هنا أن نذكر بعضا من أبرز هذه المظاهر:

(أ) الشعلة أو الصالية: وهذا الطقس الناري هو أكثر الطقوس النارية انتشارا في العالم، ويسيطر على كافة الاحتفالات الشعبية بأشكالها المختلفة، ولا يتوقف هذا المظهر الطقسي للنار على فصل معين بل يشمل جميع فصول السنة. وهذه السيطرة تامة على كافة الاحتفالات الشعبية في شبه الجزيرة الأيبرية (إسبانيا والبرتغال).

وهناك احتفالات شعبية هامة مثل: أعياد الميلاد، رأس السنة الجديدة، احتفالات سان انطون، ليالي الكرنفال، وهناك عدد كبير من الأعياد يكاد يغطي جميع أيام السنة الميلادية وهي ظاهرة تتميز بها إسبانيا على دول البحر المتوسط الأخرى. لكن بعض هذه الأعياد ذات طابع محلي وليست لها شهرة الأعياد التي ذكرناها والتي تمتد في كل شبه الجزيرة الأيبيرية تقريبا.

وهناك سمات أخرى لهذه الاحتفالات الطقسية من حيث التنظيم والغرض منها، وأهم هذه السمات: الطقس الوقائي لهذه الأعياد سواء بالنسبة للإنسان، أو الماشية أو المحاصيل، وأهمها هي تلك التي تجلب الوقاية من الأمراض، وحماية المحاصيل والماشية من التلف والأمراض، ثم هناك طقس السير على الجمر والتطهير بالدخان، وتغيير الملامح بالرماد، والقفز على لهيب النيران، وكلها مصحوبة بأشكال من التعاويذ الوقائية، وتمارس هذه الطقوس بشكل خاص في الاحتفالات الطقسية في أعياد "سان انطون" حامي الحيوانات و "سان خوان" راعي المحبين.

(ب) إحراق الدمي (Pelele): بعض هذه النيران الطقسية تتطلب أن يحرق فيها شكل تمثيلي لإنسان أو حيوان، وذلك لمنحها أهمية خاصة، وهذه الحرائق أو الصاليات تتمثل في أعياد الميلاد ( 24 ديسمبر - كانون الأول) ودفن السردينة، والتي يتم فيها عادة إقامة احتفال طقسي يتمثل في محاكمة تنتهي بإصدار حكم الإحراق على هذه الأشكال التمثيلية، والتي تكون عادة على شكل مزدوج، أي زوج من الأشكال، ثم يتم تنفيذ هذه الأحكام بإشعال النيران فيها انتقاما منها، وهناك أيضا احتفالات أخرى تتطلب هذا الشكل التمثيلي مثل احتفالات الأسبوع المقدس (إبريل - نيسان) حيث يتم إحراق تمثال هوذا الخائن يوم "أحد العيد" وفي ليلة "سان خوان" يتم إحراق أزواج مكونة من رجل وامرأة يطلق عليهما "خوان وخوانا" بالإضافة إلى أعياد أخرى ذات طابع محلي خاص بكل إقليم من الأقاليم.

(جـ) لاس فاياس (Fallas): هناك حرائق أخرى لكنها تتمتع بأهمية خاصة وشهرة واسعة وتنظيم دقيق رغم أنها أعياد إقليمية، إلا أن ما يصاحب هذه الأعياد من اهتمام خاص يشمل جميع طبقات الشعب بالإضافة إلى أن الاهتمام الرسمي يجعل منها أعياد ذات طابع عام. وهي عبارة عن تماثيل من الخشب والورق المقوى والبلاستيك تتخذ أحجاما مختلفة ويتم إحراقها ليلة 18 مارس (آذار) من كل عام وهي ليلة الاحتفالات بالقديس يوسف النجار "سان خوسيه".

ويعتقد أن أصل هذا الاحتفال الطقسي يعود إلى الفترة التي ازدهرت فيها أعمال النجارة في منطقة فالنسيا حيث يتم الاحتفال بالقديس يوسف النجار كراعي النجارين، وبدأت هذه الاحتفالات قديما بإحراق بقايا النجارة المتبقية عن العمل طوال فصل الشتاء وذلك في حرائق ضخمة، ثم تحولت إلى إحراق صليب خشبي كبير تعلق فيه القناديل التي كانت تضيء الورش في ساعات العمل الليلية طوال فصل الشتاء. وكان هذا الصليب يطلق عليه اسم "باروت Parot" ثم تطورت هذه الطقوس مع الزمن وتحولت إلى أشكال أخرى ذات تمثيل بسيط غير معقد، وأطلق عليها اسم "نينوت Ninot" ثم تم تطويره وصار أكثر تعقيدا حسبما وصل إليه حاليا، ويطلق عليه "فايا Falla" ومع مرور الوقت تطور هذا الشكل الجديد فصار مشهداً تمثيليا أكبر حجما وأكثر تعقيدا، وصار تنظيمه دقيقا وذاعت شهرته لتصل إلى بلاد أمريكا اللاتينية التي تقوم كل عام بإرسال مركب ضخم يصل إلى ميناء فالنسيا ليلة 18 مارس (آذار) وعليه مشاهد كاملة تدخل في منافسة مع تماثيل احتفالات المدينة نفسها. بالإضافة إلى أن هذه الاحتفالات صارت صوت الجماهير المعبر عن مطالبها وانتقاداتها الاجتماعية والسياسية والثقافية من خلال هذه الأشكال التمثيلية، ولكن كل هذه الأشكال تتحول إلى رماد في تلك الليلة المشهودة.

(د) ثيران النار: الحديث هنا لا يتعلق باستخدام النار في الألعاب النارية الشبيهة بالصواريخ التي تطلق في الأعياد والمناسبات العامة سواء الشعبية منها أو الرسمية، ولكن الحديث يتعلق بنوعية أخرى يطلق عليها في بعض الأقاليم الإسبانية اسم "الثور التمثيلي Toro Embolado" وهو عبارة عن ثور حقيقي من لحم ودم يطلق في شوارع القرية (احتفال ريفي) وقد وضعوا على قرنية كرتين من النار المشتعلة. كل كرة على هيئة سمكة رأسها إلى أسفل وذيلها إلى أعلى، وكان يجري ذلك الاحتفال في الزمن القديم، أما اليوم فقد تطور إلى حمالات معدنية تثبت على قرني الثور ويتم تعليق كرات النار عليها، فتصبح بعيدة بعض الشيء عن رأس الثور، أي أن النار لا تلتصق مباشرة بقرني الثور كما كان قديما، والقطع التي تثبت النار على قرني الثور قد تكون من المعدن أو الخشب ويطلق عليها اسم "تورنيكيته Torniguete".

وبالإضافة إلى هذه الاحتفالات هناك احتفالات أخرى مشابهة منها ما يستخدم النار بالشكل وللغرض ذاته، مثل المشاعل، والمصابيح البترولية التي يحملها المحتفلون، أو يتم تعليقها على النوافذ، والبلكونات والتي تعد إحدى علامات الاحتفالات الدينية الليلية، وهناك استخدام حديث للنار يتشكل فيما يسمى "بالأسهم النارية" Pirotecnia وهذا الشكل تطور في استخدامه بشكل كبير، خاصة في الاحتفالات الشعبية الخاصة بمناطق شرق إسبانيا التي تضم مقاطعتي فالنسيا وأليكانتي. وهذه الأسهم النارية لا غنى عنها في الاحتفالات السنوية التي تسمى "موروس وكريستيانوس"Moros y Cristianos" ويتم إطلاق هذه الصواريخ بقواذف تعمل بالبارود.

أهمية الماء

أحد العناصر الأساسية التي تغذي الحياة سواء على المستوى الفيزيقي أو الاقتصادي "وجعلنا من الماء كل شيء حي" فالماء أساسي في نشاط الإنتاج الإنساني والزراعة وتربية الماشية.

ويمثل الماء رمزا هاما على المستوى الكوني، وهذا يبدو في نظر المؤرخين أو رجال الدين، كما كان يمثل أهمية خاصة في شكل من أشكاله لدى الديانات البدائية.

فالماء يعتبر رحم كل الأشياء الحية، وهناك عدة نظريات أنثروبولوجية ترى أن العالم قديما - قبل أن تتشكل عليه الحياة بشكلها الحالي - كان مساحة ضخمة من الماء أو "مياها أولية -Aguas Primardi ales" ومنها خرجت كل الأشكال الحية التي تكونت من خلايا مفردة في الماء، ثم تطورت لتكون شكلا معقدا.

إذن الماء رمز الحياة ورمز الخلق، أيضا رمز الموت، فالماء أساس في طقوس لها علاقة بحياة الإنسان كطقس "الغطاس" و "التعميد" وقديما كان الماء يستخدم في غسيل الآلهة الكبيرة ورش الماء المقدس على الأشجار وبعض المحاصيل تبركا، وتواصلا مع التكرار الناشئ عن نظرية التكوين، واستجلابا لخصوبة الطبيعة، وتمثل هذا في المطر.

والماء يطرد الأرواح الشريرة كما في طقس التعميد المسيحي، وأيضا يشفي الأمراض العضوية، وهناك العديد من الأنهار والآبار في شبه الجزيرة الأيبيرية التي استخدم ماؤها فيما قبل المسيحية كمياه مقدسة قادرة على شفاء أمراض معينة، وهذا أيضا موجود بطريقة أو بأخرى في كثير من البلدان الإسلامية.

والماء أضيف دائما إلى المعرفة والقدرة على التنبؤ، فقد كانت الآلهة اليونانية القديمة تضم إلى معابدها آبارا وينابيع مقدسة.

طقوس الماء

يستخدم الماء في الكثير من الأعياد الشعبية الإسبانية، وقائمة هذه الأعياد طويلة، وحتى لا يطول البحث فإننا سنشير إلى ثلاثة أعياد كمثال، حيث يدخل الماء هذه الأعياد كأساس في طقوسها.

1 - احتفالات "الصليب La cruz": وهي تقام أيام 3 و 9 من شهر مايو "آيار" كل عام حيث يحتفل الإسبان بأعياد "لاكروث".

و "سان غريغوريو" وهي أعياد منتشرة في عدة مناطق من إسبانيا، يتم فيها منح البركة لمياه الري ومياه الآبار. وذلك بتغطيس صور الصليب أو القديس في مياه الآبار. ثم تؤخذ مياه تلك الآبار التي جرى عليها الطقس وتنثر فوق رءوس الحاضرين، وذلك كطقس تطبيبي أو لرقي الحاضرين، وتنثر أيضا على المواشي والحقول لحفظها من انقطاع الماء واستجلابا للمطر "الاستمطار" أو "الاستقساء".

2 - عيد سان خوان: هذا الطقس الديني الكاثوليكي الذي يتمثل في احتفالات "سان خوان" منتشر في أوربا بشكل واسع، ويتحدث الفولكلور الأوربي عن هذه الليلة، بأنها التي يتعلق فيها الشعور الشعبي العام بالبركة التي تحل بكافة المسطحات المائية، كالأنهار والآبار والنوافير ومياه البحر، ويمنحها الطهارة التي تفتقدها طوال العام.

كل هذه المسطحات المائية تفوح بهذه الطهارة المقدسة، بداية من تلك الساعة السحرية "الثانية عشرة ليلا" والتي تمتد حتى أشعة الصباح الأولى، وخلال تلك الساعة تصبح المياه لها القدرة على الشفاء من جميع الأمراض، خاصة الأمراض الجلدية وتحافظ أيضا على الأجساد الطيبة التي تلمسها، ويقال إنها تمنح الشباب الدائم وتجدد الجمال.

وهناك أشكال أخرى للاستخدام الطقسي للماء في شبه الجزيرة الأيبرية، نذكر منها بشكل عام: الاستحمام في الأنهار، أو غسل أجزاء من الجسد في بعض الآبار أو الشرب من مائها، أو الاستلقاء على الحشائش لاستقبال ندى الليل، وأيضا فإن الماء قادر على التنبؤ بالمستقبل، فالفتيات يرين مستقبلهن خاصة فيما يتعلق بمسائل الحب والزواج، وذلك بالنظر إلى الماء الساكن في أوان معينة، أو كسر بيضة على سطح ماء في كوب، ويبدو أن في تفسير حركة البيضة على سطح الماء، تموجات يمكن تفسيرها حسب هذه الحركة ونوعها واتجاهاتها.

3 - احتفالات عذراء الكارمن La Virgen del Carmen يتم هذا الاحتفال يوم 15 يوليو (تموز) ويعد هذا الاحتفال من أهم الاحتفالات التي تستخدم الماء في طقوسها، وهي تتركز في المدن البحرية والمرافئ وبالقرب من الشواطئ البحرية، ولذلك فهي تمتد على طول المناطق المسكونة بالشواطئ الإسبانية والبرتغالية.

وأهم ما تتميز به هذه الاحتفالات، هو خروج صورة العذراء أو تماثيلها في مواكب بحرية محمولة على مراكب خاصة مصنوعة لهذا الاستخدام، وتسير حولها جميع أنواع القوارب الأخرى لحمايتها، وبشكل خاص قوارب الصيد، وهي تحمل المغنين والراقصين، وتطلق تلك المراكب والقوارب صفاراتها احتفاء بأرواح الذين ماتوا غرقا في البحر، ويلقون إلى هذه الأرواح بنذور الورد، وهي تنذرها عادة جمعيات الصيادين وأصحاب المهن التي لها علاقة مباشرة بالبحر، فهم الذين ينظمون هذه الاحتفالات، ويمولونها لأنها تتعلق بالعذراء التي تحميهم وتحمي نشاطاتهم المهنية من غضب البحر.

احتفالات الحياة

إذا كان بحثنا قد تعامل مع النار والماء كل على حدة فهذا لا يعني انفصالهما كعنصرين مختلفين، بل هما يأتيان معا في معظم الأحيان، ويتحدان في ممارسة طقسية لكثير من الاحتفالات الشعبية، وهذه الاحتفالات تتركز في ثلاث حلقات احتفالية من الناحية الزمنية، منها ما يسمى "باحتفالات الحياة La Fiesta de La vida".

واتحاد الماء والنار في هذه الاحتفالات يؤكد وجود أصول قديمة سابقة على الديانات المعروفة في عالمنا المعاصر، وتتعلق هذه الأصول بديانات لها صلة وثيقة بالانقلاب الشمسي، وحسب منطق تكرار الأشياء وتعاقبها، ولذلك فإن هذه الاحتفالات تحاول أن تعطي لهذين العنصرين - الماء والنار - قوة جديدة تتجدد مع تجدد الحياة التي كانت الشمس رمزها، فالنار والماء هما رمز الشمس على الأرض، وذلك طبقا لآراء عدد هام من الباحثين الإسبان في مجال الانثروبولوجيا مثل: كارو باروخا وبراث وساينث وهويس.

ولعله من الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أن هذه التفسيرات اعتمدت على ممارسات اختفت من هذه الاحتفالات، ولم يعد لها مكان إلا في بعض هذه الأعياد، وتمارس هذه الطقوس كجزء من الاحتفال دون النظر إلى معناها السحري أو الرمزي، ولكن قوتها الجمالية وبريقها كطقوس احتفالية ما تزال حتى أيامنا هذه.

وإن كانت الحياة المعاصرة تهدد بضياع الكثير مما تبقى من هذه الطقوس الاحتفالية، خاصة تلك التي تتعلق بالحياة الريفية التي دخلت مرحلة التطور التكنولوجي في أدوات الإنتاج الزراعي منذ الستينيات من هذا القرن، إلا أن بعض هذه الاحتفالات ما تزال مستمرة في ممارسة هذه الطقوس بشكل رمزي فقط. وفي نفس الوقت الذي تختفي فيه بعض الاحتفالات والمهرجانات التي تتعلق بالماء والنار، فإن هناك احتفالات أخرى تتطور وتبرز مع مرور الزمن مثل: إحراق الدمية Las Fallas، فهي تأخذ الآن شكلا أكثر تنظيما، ويسير مع تطور الحياة المدنية والصناعية، وكل تطور تكنولوجي جديد ينعكس على هذه الاحتفالات بتطور مشابه وهو ما يمكن أن يكون محل بحث آخر.