أحمد شفيق الخطيب: البيت العربي أشدُّ فقراً في المعاجم
بدأ أحمد شفــــيـــق الــخــطــيــب (1929-2015) حـــــيـــاته العمــلـــية مُدرساً للعلوم وطالباً جامعياً في الوقت نفسه - وبذلك تمكن من إتمام دراسته الجامعية وحصل على بكالوريوس في العلوم، ثم ماجستير في الآداب. وفي عام 1964 بدأ العمل مستشاراً علمياً في دار النشر التابعة لمكتبة لبنان ومحرراً للسلاسل التي نشرتها لتغطية البرامج المُقررة المُجددة في العلوم والرياضيات.
ومع نشأة قسم المعاجم في المكتبة تحول إلى العمل المُعجمي تحريراً وتأليفاً, وكان رحمه الله يرى أن قضية المُعجم العربي ماضياً وحاضراً ومُستقبلاً ليست مُنفصلة عن قضية اللغة العربية نفسها، بل عن قضية الإنسان العربي والشعب العربي ككل، وأن مُثقفينا مع الأسف لا يُقارنون إيجابياً حتى مع أشباه المثقفين في الغرب من حيث الوعي المُعجمي،
فالكثير من أولادنا وطُلابنا قد يُنهُون حتى تعليمهم الجامعي دون أن يعُوا دور المعجم العربي أو يتعودوا استعماله روتينياً. ومما يؤلمه اأنه على فقر البيت العربي في المكتبات, فإنه أشدُّ فقراً في المعاجمب.
ولد الخطيب في قرية القبية (على مقربة من نهر روبين على بُعد حوالي 15 كم جنوبي يافا - فلسطين) عام 1929, وأتم تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس حكومة الانتداب ثم في كلية الفرندز في رام الله, ومنها التحق بالجامعة الأمريكية. وفاجأته النكبة عام 1948م وكان قد أتم السنوات الجامعية الثلاث المؤهلة لدخول كلية الطب، فاضطر إلى الانقطاع عن الدراسة. وجعلته معاجم الخطيب العلمية واللغوية معروفاً في حقل المُعجمية في شتى أرجاء الوطن العربي من المُحيط إلى الخليج وتجاوزتها إلى ما وراء البحار ومن هذه السلسلة:
< مُعجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية, إنجليزي - عربي, صدر عام 1970, وأُعيد طبعه عشر مرات قبل أن يُجدد ويُوسع ويصدر في نسختين: إنجليزي - عربي, ثم عربي - إنجليزي, ومنذ طبعاته الأولى اختار اتحاد المهندسين العرب هذا المُعجم أساساً لتعريب التعليم الهندسي في الوطن العربي.
< مُعجم مصطلحات البترول والصناعة النفطية, إنجليزي - عربي.
< مُعجم الشهابي في مصطلحات العلوم الزراعية, إنجليزي - عربي.
< اثنا عشر مُعجماً (إنجليزي - إنجليزي - عربي) في علوم الكيمياء والجيولوجيا والفيزيقا والنبات والحيوان والأحياء والفلك والفضائيات وعلم الكمبيوتر وعلم التغذية والجغرافيا والرياضيات - بالتعاون مع شركة لونغمان, لندن 1978-1994م، ثم قاموس العلوم المصور/إنجليزي-عربي يشمل المادة العلمية في الاثني عشر مُعجماً 2001م.
< قاموس المُتعلم للجيب -إنجليزي-إنجليزي-عربي, يشمل ثلاثة آلاف كلمة هي الأكثر شيوعاً في اللغة الإنجليزية.
تثقيف الناشئة علمياً
وفي زحمة العمل والمسؤوليات المُعجمية، مارس الخطيب الترجمة كهواية في مجالات علمية تستهدف التثقيف العلمي للناشئة. وفي هذا المجال قدم ما يزيد على ثمانين كُتيباً في مجالات العلوم مُختارة من سلسلة اليدبيردب العالمية, وسلسلة االفراشةب المُتعددة المصادر. كما أنجز ما يزيد على اثني عشر عملاً علمياً موسوعي الطابع, تخدم الثقافة العلمية للعائلة العربية.
وبتكليف من مؤسسات رسمية قام الخطيب بترجمة مرجع اليونسكو في تعـليم العـلوم 1976م, ثم مرجع اليونسكو الجديد في تعليم العلوم 1977م, ثم التربية العلمية والتكنولوجية في التنمية الوطنية1984م. وبتكليف من منظمة الأوابك (منظمة الأقطار العربية المُصدرة للبترول) نقل إلى العربية: مسرد مصطلحات الطاقة المُتعدد اللغات 1988م. ثم مُعجم الطاقة - إنجليزي - فرنسي - عربي 1994.
وبحكم عمله وعلاقاته مع المؤسسات المصطلحية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومكتب تنسيق التعريب وسواها، شارك في عدد من الندوات والمؤتمرات الدولية في المجالات المعجمية والمصطلحات في تونس, القاهرة, دمشق, عمان, طرابلس, المنامة, الشارقة, باريس, بيروت... الخ.
مجمع اللغة
ومُنح الخطيب العضوية الشرفية لمجمع اللغة العربية الأردني عام 1981, واختاره مجمع اللغة العربية بالقاهرة عضواً مراسلاً من فلسطين عام 1988, ثم عُين عضواً عاملاً عام 2000م, كما عُين عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية الفلسطينى عام 1995, واختير عضواً مُراسلاً في مجمع اللغة العربية بدمشق عام2000م.
وللخطيب عدد من البحوث المعجمية الرائدة منشورة في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة, منها: األفاظ الحضارة بين العامي والفصيح, تعريب العلوم: القضية, التعريب حديث قديم مُتجدد, من قضايا اللغة العربية: العربية ومشاكلها في مجال المصطلحات العلمية, القواميس فن وعلم, المُصطلحية والمُصطلحات: قراءة في مشروع مُعجم مصطلحات علم المياه, من مشروعات مكتب تنسيق التعريب - المغربب.
ووفق زوجته، فقد كانت تستحوذ عليه القواميس، ليس كمادة عمل فقط بل كهواية أيضاً - كمادة قراءة فيها ومنها وعنها, للفائدة أحياناً وللتسلية أحياناً. وكان يرى أنه من بسائط التقانة المُعجمية أن يلتزم القاموس شكلاً واحداً للفظ الذي يُعالجه كمدخل أو كلفظة في مادة الشرح, باعتبار أن القاموس هو مرجع في المبنى, كما في المعنى. وهذا لا نجدُه مُطبقاً دائماً في معاجمنا.
ومما كان يتمنى الخطيب رؤيته في معاجمنا اللغوية: إيراد معلومات عن اللفظة أكثر من مُرادفها ونقيضها وتفسيرها - كأن يُشار ليس فقط إلى طبيعة الكلمة نفسها, إن كانت من المعرب أو المولد أو الدخيل, بل أيضاً إلى مستواها من حيث أنه استعمال تأدبي أو رسمي أو فصيح أو عامي أو حُوشي أو مهجور, وفي حال الفعل أن يُشار إلى لزومه أو تعديه, وإلى حروف الجر التي تلحقُ به, وفي كثير من الحالات تُغيرُ معناه مثل رغب, ورغب إلى, ورغب عن, ورغب بـ, ورغب في. أيضاً ينبغي أن يشمل التطور التوسيعي ما جد أو يجدّ من الألفاظ العلمية والمصطلحات الواسعة الانتشار, إذ كان الخطيب حريصاً في جلسات مؤتمر المجمع اللغوي في القاهرة التي تُعالج ما يُعرض من مواد المُعجم الكبير على اقتراح إدراج ما هو مُهم من المواد العلمية المعجمية المُجمعة لدى المجمع التي أقرها وغير الواردة في مواقعها من المعجم, وكان دائماً ما يجد تجاوُباً حسناً من لجنة المُعجم فقد كان على قناعة بأن هذا التطور أو التطوير ضروري لبقاء اللغة العربية لُغة اتصال فعالة - نحققه بخلق مفهوم اللفظ من مفهوم لفظ يُقاربه بالتعريب ترجمةً. كما كان الخطيب يتطلع إلى مُعجم عربي بمستوى لغوي وفني ومعلوماتي بتقانات معجمية حديثة يُضاهي معاجم OXFORD أو Larousse مثلاً, معجم يوجد في كل بيت, ويُتهادى في كل مناسبة.
شرح «معجم»
ويشرح الخطيب كلمة امُعجمب، لافتاً إلى أنها سبقت لفظة اقاموسب للدلالة على معناها المتعارف بمعنى كتاب يحوي مفردات اللغة أو مختارات منها، مرتبة وفق نظام معين، يشرح معانيها ويبين دلالاتها. واللفظة امعجمب هي أصلاً من الجذر عجم: يُقال: عجم الحرف أو الكتاب أي أزال إبهامه بالنقط والشكل. وأعجم الشيء: أزال غموضه وأوضح مدلوله.
ومن هذه الدلالة جاءت تسمية الحروف الهجائية بـ احروف المعجمب، نظراً لكون النقط في كثير منها يزيل التباسها. ومنها أيضاً جاءت تسمية الكتاب الذي يزيل التباس معاني الكلمات وغموضها بـ االمعجمب. وكلمة اقاموسب تعني لغوياً البحر. وإنما اكتسبت معناها المتعارف أواخر القرن التاسع عشر مع بدايات عصر النهضة الحديثة, وقصتها تبدأ مع القاموس المحيط لمجد الدين أبوطاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (1329 ذ 1415م)، وهو معجم لغوي يعد أشمل المعاجم المتوسطة الحجم، احتذى فيه الفيروز آبادي نهج الصحاح، أي بالترتيب الأبجدي على أواخر أصول الكلمات ذ وهو في رأيي ورأي الكثيرين الترتيب الأمثل الذي تقتضيه طبيعة اللغة العربية بسعتها الاشتقاقية التي لا تجارى. وقد حظي االقاموس المحيطب باهتمام العلماء والدارسين شرحاً ودرساً واختصاراً ونقداً وتعليقات بما لم يحظ به أي موقف آخر.
وفي بدايات عصر النهضة صدر القاموس المحيط مطبوعاً في الهند ثم في مصر عام 1872م، وكانت نسخ هذا المعجم تعد بالآلاف قبل صدوره مطبوعاً. ونقده مطولاً أحمد فارس الشدياق
(1804ذ 1888م) في االجاسوس على القاموسب وأحمد تيمور باشا (1871 ذ 1930) في اتصحيح القاموسب ذ فلا غرابة أن لاقى القاموس المحيط المطبوع انتشاراً واسعاً بين جماهير المتعلمين كأهم مرجع لمعرفة مفردات اللغة.
واختصر الاسم من القاموس المحيط إلى كلمة االقاموسب فقط، وأخذت اللفظة تشيع على ألسنة الناس بمعناها المتعارف اليوم، حتى طغت أو كادت على لفظة معجم. وعندنا ألف سعيد الشرتوني اأقرب المواردب عام 1890 أثبت فيه المعنى المولد ذ فقال: القاموس: البحر، والقاموس: كتاب الفيروز آبادى في اللغة العربية لقبه بالقاموس المحيط، ويطلقه أهل زماننا على كتاب في اللغة، فهو يرادف عندهم كلمة معجم. وبلغ من شيوع اللفظة أنك لو تطلب المدخل امعجمب في الموسوعة العربية الميسرة، الصادرة عام 1959، فلن تجد مقابل اللفظة إلا الإحالة ذ انظر: قاموس! وقد أقر مجمع اللغة العربية هذا المفهوم في المعجم الوسيط في طبعاته الثلاث منذ 1962، حيث يقول: القاموس البحر العظيم، والقاموس علم على معجم الفيروز آبادي وكل معجم لغوي على التوسع. واللافت أن علماء العربية الذين دونوا مفردات اللغة وشرحوها في مؤلفاتهم لم يستخدموا لها لفظة امعجمب، بل حرصوا على تسميتها بأسماء مختلفة .