أحمد شفيق الخطيب: البيت العربي أشدُّ فقراً في المعاجم

أحمد شفيق الخطيب: البيت العربي أشدُّ فقراً في المعاجم

بدأ‭ ‬أحمد‭ ‬شفــــيـــق‭ ‬الــخــطــيــب‭  ‭(‬1929‭-‬2015‭) ‬حـــــيـــاته‭ ‬العمــلـــية‭ ‬مُدرساً‭ ‬للعلوم‭ ‬وطالباً‭ ‬جامعياً‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ -‬‭ ‬وبذلك‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إتمام‭ ‬دراسته‭ ‬الجامعية‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬بكالوريوس‭ ‬في‭ ‬العلوم،‭ ‬ثم‭ ‬ماجستير‭ ‬في‭ ‬الآداب‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1964‭ ‬بدأ‭ ‬العمل‭ ‬مستشاراً‭ ‬علمياً‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬النشر‭ ‬التابعة‭ ‬لمكتبة‭ ‬لبنان‭ ‬ومحرراً‭ ‬للسلاسل‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬لتغطية‭ ‬البرامج‭ ‬المُقررة‭ ‬المُجددة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬والرياضيات‭.‬

ومع‭ ‬نشأة‭ ‬قسم‭ ‬المعاجم‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬المُعجمي‭ ‬تحريراً‭ ‬وتأليفاً‭, ‬وكان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬المُعجم‭ ‬العربي‭ ‬ماضياً‭ ‬وحاضراً‭ ‬ومُستقبلاً‭ ‬ليست‭ ‬مُنفصلة‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬نفسها،‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬والشعب‭ ‬العربي‭ ‬ككل،‭ ‬وأن‭ ‬مُثقفينا‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬لا‭ ‬يُقارنون‭ ‬إيجابياً‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬أشباه‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الوعي‭ ‬المُعجمي،‭ ‬
فالكثير‭ ‬من‭ ‬أولادنا‭ ‬وطُلابنا‭ ‬قد‭ ‬يُنهُون‭ ‬حتى‭ ‬تعليمهم‭ ‬الجامعي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعُوا‭ ‬دور‭ ‬المعجم‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬يتعودوا‭ ‬استعماله‭ ‬روتينياً‭. ‬ومما‭ ‬يؤلمه‭ ‬اأنه‭ ‬على‭ ‬فقر‭ ‬البيت‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬المكتبات‭, ‬فإنه‭ ‬أشدُّ‭ ‬فقراً‭ ‬في‭ ‬المعاجمب‭.‬

ولد‭ ‬الخطيب‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬القبية‭ (‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬روبين‭ ‬على‭ ‬بُعد‭ ‬حوالي‭ ‬15‭ ‬كم‭ ‬جنوبي‭ ‬يافا‭ - ‬فلسطين‭) ‬عام‭ ‬1929‭, ‬وأتم‭ ‬تعليمه‭ ‬الابتدائي‭ ‬والثانوي‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬حكومة‭ ‬الانتداب‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الفرندز‭ ‬في‭ ‬رام‭ ‬الله‭, ‬ومنها‭ ‬التحق‭ ‬بالجامعة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وفاجأته‭ ‬النكبة‭ ‬عام‭ ‬1948م‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬أتم‭ ‬السنوات‭ ‬الجامعية‭ ‬الثلاث‭ ‬المؤهلة‭ ‬لدخول‭ ‬كلية‭ ‬الطب،‭ ‬فاضطر‭ ‬إلى‭ ‬الانقطاع‭ ‬عن‭ ‬الدراسة‭. ‬وجعلته‭ ‬معاجم‭ ‬الخطيب‭ ‬العلمية‭ ‬واللغوية‭ ‬معروفاً‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬المُعجمية‭ ‬في‭  ‬شتى‭ ‬أرجاء‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬المُحيط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭ ‬وتجاوزتها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬البحار‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة‭:‬

‭< ‬مُعجم‭ ‬المصطلحات‭ ‬العلمية‭ ‬والفنية‭ ‬والهندسية‭, ‬إنجليزي‭ - ‬عربي‭, ‬صدر‭ ‬عام‭ ‬1970‭, ‬وأُعيد‭ ‬طبعه‭ ‬عشر‭ ‬مرات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُجدد‭ ‬ويُوسع‭ ‬ويصدر‭ ‬في‭ ‬نسختين‭: ‬إنجليزي‭ - ‬عربي‭, ‬ثم‭ ‬عربي‭ - ‬إنجليزي‭, ‬ومنذ‭ ‬طبعاته‭ ‬الأولى‭ ‬اختار‭ ‬اتحاد‭ ‬المهندسين‭ ‬العرب‭ ‬هذا‭ ‬المُعجم‭ ‬أساساً‭ ‬لتعريب‭ ‬التعليم‭ ‬الهندسي‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭.‬

‭< ‬مُعجم‭ ‬مصطلحات‭ ‬البترول‭ ‬والصناعة‭ ‬النفطية‭, ‬إنجليزي‭ - ‬عربي‭.‬

‭< ‬مُعجم‭ ‬الشهابي‭ ‬في‭ ‬مصطلحات‭ ‬العلوم‭ ‬الزراعية‭, ‬إنجليزي‭ -  ‬عربي‭.‬

‭< ‬اثنا‭ ‬عشر‭ ‬مُعجماً‭ (‬إنجليزي‭ - ‬إنجليزي‭ - ‬عربي‭) ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الكيمياء‭ ‬والجيولوجيا‭ ‬والفيزيقا‭ ‬والنبات‭ ‬والحيوان‭ ‬والأحياء‭ ‬والفلك‭ ‬والفضائيات‭ ‬وعلم‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬وعلم‭ ‬التغذية‭ ‬والجغرافيا‭ ‬والرياضيات‭ ‬‭- ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬شركة‭ ‬لونغمان‭, ‬لندن‭ ‬1978‭-‬1994م،‭ ‬ثم‭ ‬قاموس‭ ‬العلوم‭ ‬المصور‭/‬إنجليزي‭-‬عربي‭ ‬يشمل‭ ‬المادة‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬الاثني‭ ‬عشر‭ ‬مُعجماً‭ ‬2001م‭.‬

‭< ‬قاموس‭ ‬المُتعلم‭ ‬للجيب‭ -‬إنجليزي‭-‬إنجليزي‭-‬عربي‭, ‬يشمل‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬كلمة‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬شيوعاً‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭.‬

 

تثقيف‭ ‬الناشئة‭ ‬علمياً

وفي‭ ‬زحمة‭ ‬العمل‭ ‬والمسؤوليات‭ ‬المُعجمية،‭ ‬مارس‭ ‬الخطيب‭ ‬الترجمة‭ ‬كهواية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬علمية‭ ‬تستهدف‭ ‬التثقيف‭ ‬العلمي‭ ‬للناشئة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬قدم‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬ثمانين‭ ‬كُتيباً‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬العلوم‭ ‬مُختارة‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬اليدبيردب‭ ‬العالمية‭, ‬وسلسلة‭ ‬االفراشةب‭ ‬المُتعددة‭ ‬المصادر‭. ‬كما‭ ‬أنجز‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬اثني‭ ‬عشر‭ ‬عملاً‭ ‬علمياً‭ ‬موسوعي‭ ‬الطابع‭, ‬تخدم‭ ‬الثقافة‭ ‬العلمية‭ ‬للعائلة‭ ‬العربية‭.‬

وبتكليف‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬رسمية‭ ‬قام‭ ‬الخطيب‭ ‬بترجمة‭ ‬مرجع‭ ‬اليونسكو‭ ‬في‭ ‬تعـليم‭ ‬العـلوم‭ ‬1976م‭, ‬ثم‭ ‬مرجع‭ ‬اليونسكو‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬العلوم‭ ‬1977م‭, ‬ثم‭ ‬التربية‭ ‬العلمية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الوطنية1984م‭. ‬وبتكليف‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬الأوابك‭ (‬منظمة‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬المُصدرة‭ ‬للبترول‭) ‬نقل‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭: ‬مسرد‭ ‬مصطلحات‭  ‬الطاقة‭ ‬المُتعدد‭ ‬اللغات‭ ‬1988م‭. ‬ثم‭ ‬مُعجم‭ ‬الطاقة‭ - ‬إنجليزي‭ - ‬فرنسي‭ - ‬عربي‭ ‬1994‭.‬

وبحكم‭ ‬عمله‭ ‬وعلاقاته‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬المصطلحية‭ ‬في‭ ‬المنظمة‭ ‬العربية‭ ‬للتربية‭ ‬والثقافة‭ ‬والعلوم‭ ‬ومكتب‭ ‬تنسيق‭ ‬التعريب‭ ‬وسواها،‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الندوات‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬المعجمية‭  ‬والمصطلحات‭ ‬في‭ ‬تونس‭, ‬القاهرة‭, ‬دمشق‭, ‬عمان‭, ‬طرابلس‭, ‬المنامة‭, ‬الشارقة‭, ‬باريس‭, ‬بيروت‭... ‬الخ‭.‬

 

مجمع‭ ‬اللغة

ومُنح‭ ‬الخطيب‭ ‬العضوية‭ ‬الشرفية‭ ‬لمجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الأردني‭ ‬عام‭ ‬1981‭, ‬واختاره‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬عضواً‭ ‬مراسلاً‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬عام‭ ‬1988‭, ‬ثم‭ ‬عُين‭ ‬عضواً‭ ‬عاملاً‭ ‬عام‭ ‬2000م‭, ‬كما‭ ‬عُين‭ ‬عضواً‭ ‬عاملاً‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفلسطينى‭ ‬عام‭ ‬1995‭, ‬واختير‭ ‬عضواً‭ ‬مُراسلاً‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بدمشق‭ ‬عام2000م‭.‬

وللخطيب‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البحوث‭ ‬المعجمية‭ ‬الرائدة‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بالقاهرة‭, ‬منها‭: ‬األفاظ‭ ‬الحضارة‭ ‬بين‭ ‬العامي‭ ‬والفصيح‭, ‬تعريب‭ ‬العلوم‭: ‬القضية‭, ‬التعريب‭ ‬حديث‭ ‬قديم‭ ‬مُتجدد‭, ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭: ‬العربية‭ ‬ومشاكلها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المصطلحات‭ ‬العلمية‭, ‬القواميس‭ ‬فن‭ ‬وعلم‭, ‬المُصطلحية‭ ‬والمُصطلحات‭: ‬قراءة‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬مُعجم‭ ‬مصطلحات‭ ‬علم‭ ‬المياه‭, ‬من‭ ‬مشروعات‭ ‬مكتب‭ ‬تنسيق‭ ‬التعريب‭ - ‬المغربب‭.‬

ووفق‭ ‬زوجته،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تستحوذ‭ ‬عليه‭ ‬القواميس،‭ ‬ليس‭ ‬كمادة‭ ‬عمل‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬كهواية‭ ‬أيضاً‭ - ‬كمادة‭ ‬قراءة‭ ‬فيها‭ ‬ومنها‭ ‬وعنها‭, ‬للفائدة‭ ‬أحياناً‭ ‬وللتسلية‭ ‬أحياناً‭. ‬وكان‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬بسائط‭ ‬التقانة‭ ‬المُعجمية‭ ‬أن‭ ‬يلتزم‭ ‬القاموس‭ ‬شكلاً‭ ‬واحداً‭ ‬للفظ‭ ‬الذي‭ ‬يُعالجه‭ ‬كمدخل‭ ‬أو‭ ‬كلفظة‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬الشرح‭, ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬القاموس‭ ‬هو‭ ‬مرجع‭ ‬في‭ ‬المبنى‭, ‬كما‭ ‬في‭ ‬المعنى‭. ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬نجدُه‭ ‬مُطبقاً‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬معاجمنا‭.‬

‭ ‬ومما‭ ‬كان‭ ‬يتمنى‭ ‬الخطيب‭ ‬رؤيته‭ ‬في‭ ‬معاجمنا‭ ‬اللغوية‭: ‬إيراد‭ ‬معلومات‭ ‬عن‭ ‬اللفظة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مُرادفها‭ ‬ونقيضها‭ ‬وتفسيرها‭ - ‬كأن‭ ‬يُشار‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬الكلمة‭ ‬نفسها‭, ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬المعرب‭ ‬أو‭ ‬المولد‭ ‬أو‭ ‬الدخيل‭, ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬مستواها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬استعمال‭ ‬تأدبي‭ ‬أو‭ ‬رسمي‭ ‬أو‭ ‬فصيح‭ ‬أو‭ ‬عامي‭ ‬أو‭ ‬حُوشي‭ ‬أو‭ ‬مهجور‭, ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬الفعل‭ ‬أن‭ ‬يُشار‭ ‬إلى‭ ‬لزومه‭ ‬أو‭ ‬تعديه‭, ‬وإلى‭ ‬حروف‭ ‬الجر‭ ‬التي‭ ‬تلحقُ‭ ‬به‭, ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬تُغيرُ‭ ‬معناه‭ ‬مثل‭ ‬رغب‭, ‬ورغب‭ ‬إلى‭, ‬ورغب‭ ‬عن‭, ‬ورغب‭ ‬بـ‭, ‬ورغب‭ ‬في‭. ‬أيضاً‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يشمل‭ ‬التطور‭ ‬التوسيعي‭ ‬ما‭ ‬جد‭ ‬أو‭ ‬يجدّ‭ ‬من‭ ‬الألفاظ‭ ‬العلمية‭ ‬والمصطلحات‭ ‬الواسعة‭ ‬الانتشار‭, ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الخطيب‭ ‬حريصاً‭ ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬مؤتمر‭ ‬المجمع‭ ‬اللغوي‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬التي‭ ‬تُعالج‭ ‬ما‭ ‬يُعرض‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬المُعجم‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬اقتراح‭ ‬إدراج‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مُهم‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬العلمية‭ ‬المعجمية‭ ‬المُجمعة‭ ‬لدى‭ ‬المجمع‭ ‬التي‭ ‬أقرها‭ ‬وغير‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬مواقعها‭ ‬من‭ ‬المعجم‭, ‬وكان‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬يجد‭ ‬تجاوُباً‭ ‬حسناً‭ ‬من‭ ‬لجنة‭ ‬المُعجم‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬أو‭ ‬التطوير‭ ‬ضروري‭ ‬لبقاء‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لُغة‭ ‬اتصال‭ ‬فعالة‭ - ‬نحققه‭ ‬بخلق‭ ‬مفهوم‭ ‬اللفظ‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬لفظ‭ ‬يُقاربه‭ ‬بالتعريب‭ ‬ترجمةً‭. ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الخطيب‭ ‬يتطلع‭ ‬إلى‭ ‬مُعجم‭ ‬عربي‭ ‬بمستوى‭ ‬لغوي‭ ‬وفني‭ ‬ومعلوماتي‭ ‬بتقانات‭ ‬معجمية‭ ‬حديثة‭ ‬يُضاهي‭ ‬معاجم‭  OXFORD‭ ‬أو‭ ‬Larousse‭ ‬مثلاً‭, ‬معجم‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭, ‬ويُتهادى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭. ‬

 

شرح‭ ‬‮«‬معجم‮»‬

ويشرح‭ ‬الخطيب‭ ‬كلمة‭ ‬امُعجمب،‭ ‬لافتاً‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬سبقت‭ ‬لفظة‭ ‬اقاموسب‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬معناها‭ ‬المتعارف‭ ‬بمعنى‭ ‬كتاب‭ ‬يحوي‭ ‬مفردات‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬مختارات‭ ‬منها،‭ ‬مرتبة‭ ‬وفق‭ ‬نظام‭ ‬معين،‭ ‬يشرح‭ ‬معانيها‭ ‬ويبين‭ ‬دلالاتها‭. ‬واللفظة‭ ‬امعجمب‭ ‬هي‭ ‬أصلاً‭ ‬من‭ ‬الجذر‭ ‬عجم‭: ‬يُقال‭: ‬عجم‭ ‬الحرف‭ ‬أو‭ ‬الكتاب‭ ‬أي‭ ‬أزال‭ ‬إبهامه‭ ‬بالنقط‭ ‬والشكل‭. ‬وأعجم‭ ‬الشيء‭: ‬أزال‭ ‬غموضه‭ ‬وأوضح‭ ‬مدلوله‭.‬

ومن‭ ‬هذه‭ ‬الدلالة‭ ‬جاءت‭ ‬تسمية‭ ‬الحروف‭ ‬الهجائية‭ ‬بـ‭ ‬احروف‭ ‬المعجمب،‭ ‬نظراً‭ ‬لكون‭ ‬النقط‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬منها‭ ‬يزيل‭ ‬التباسها‭. ‬ومنها‭ ‬أيضاً‭ ‬جاءت‭ ‬تسمية‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬يزيل‭ ‬التباس‭ ‬معاني‭ ‬الكلمات‭ ‬وغموضها‭ ‬بـ‭ ‬االمعجمب‭. ‬وكلمة‭ ‬اقاموسب‭ ‬تعني‭ ‬لغوياً‭ ‬البحر‭. ‬وإنما‭ ‬اكتسبت‭ ‬معناها‭ ‬المتعارف‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬مع‭ ‬بدايات‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬الحديثة‭, ‬وقصتها‭ ‬تبدأ‭ ‬مع‭ ‬القاموس‭ ‬المحيط‭ ‬لمجد‭ ‬الدين‭ ‬أبوطاهر‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬يعقوب‭ ‬الفيروز‭ ‬آبادي‭ (‬1329‭ ‬ذ‭ ‬1415م‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬معجم‭ ‬لغوي‭ ‬يعد‭ ‬أشمل‭ ‬المعاجم‭ ‬المتوسطة‭ ‬الحجم،‭ ‬احتذى‭ ‬فيه‭ ‬الفيروز‭ ‬آبادي‭ ‬نهج‭ ‬الصحاح،‭ ‬أي‭ ‬بالترتيب‭ ‬الأبجدي‭ ‬على‭ ‬أواخر‭ ‬أصول‭ ‬الكلمات‭ ‬ذ‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬ورأي‭ ‬الكثيرين‭ ‬الترتيب‭ ‬الأمثل‭ ‬الذي‭ ‬تقتضيه‭ ‬طبيعة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بسعتها‭ ‬الاشتقاقية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تجارى‭. ‬وقد‭ ‬حظي‭ ‬االقاموس‭ ‬المحيطب‭ ‬باهتمام‭ ‬العلماء‭ ‬والدارسين‭ ‬شرحاً‭ ‬ودرساً‭ ‬واختصاراً‭ ‬ونقداً‭ ‬وتعليقات‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬يحظ‭ ‬به‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬آخر‭.‬

وفي‭ ‬بدايات‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬صدر‭ ‬القاموس‭ ‬المحيط‭ ‬مطبوعاً‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1872م،‭ ‬وكانت‭ ‬نسخ‭ ‬هذا‭ ‬المعجم‭ ‬تعد‭ ‬بالآلاف‭ ‬قبل‭ ‬صدوره‭ ‬مطبوعاً‭. ‬ونقده‭ ‬مطولاً‭ ‬أحمد‭ ‬فارس‭ ‬الشدياق
‭(‬1804ذ‭ ‬1888م‭) ‬في‭ ‬االجاسوس‭ ‬على‭ ‬القاموسب‭ ‬وأحمد‭ ‬تيمور‭ ‬باشا‭ (‬1871‭ ‬ذ‭ ‬1930‭) ‬في‭ ‬اتصحيح‭ ‬القاموسب‭ ‬ذ‭ ‬فلا‭ ‬غرابة‭ ‬أن‭ ‬لاقى‭ ‬القاموس‭ ‬المحيط‭ ‬المطبوع‭ ‬انتشاراً‭ ‬واسعاً‭ ‬بين‭ ‬جماهير‭ ‬المتعلمين‭ ‬كأهم‭ ‬مرجع‭ ‬لمعرفة‭ ‬مفردات‭ ‬اللغة‭.‬

واختصر‭ ‬الاسم‭ ‬من‭ ‬القاموس‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬كلمة‭ ‬االقاموسب‭ ‬فقط،‭ ‬وأخذت‭ ‬اللفظة‭ ‬تشيع‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬الناس‭ ‬بمعناها‭ ‬المتعارف‭ ‬اليوم،‭ ‬حتى‭ ‬طغت‭ ‬أو‭ ‬كادت‭ ‬على‭ ‬لفظة‭ ‬معجم‭. ‬وعندنا‭ ‬ألف‭ ‬سعيد‭ ‬الشرتوني‭ ‬اأقرب‭ ‬المواردب‭ ‬عام‭ ‬1890‭ ‬أثبت‭ ‬فيه‭ ‬المعنى‭ ‬المولد‭ ‬ذ‭ ‬فقال‭: ‬القاموس‭: ‬البحر،‭ ‬والقاموس‭: ‬كتاب‭ ‬الفيروز‭ ‬آبادى‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لقبه‭ ‬بالقاموس‭ ‬المحيط،‭ ‬ويطلقه‭ ‬أهل‭ ‬زماننا‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬في‭ ‬اللغة،‭ ‬فهو‭ ‬يرادف‭ ‬عندهم‭ ‬كلمة‭ ‬معجم‭. ‬وبلغ‭ ‬من‭ ‬شيوع‭ ‬اللفظة‭ ‬أنك‭ ‬لو‭ ‬تطلب‭ ‬المدخل‭ ‬امعجمب‭ ‬في‭ ‬الموسوعة‭ ‬العربية‭ ‬الميسرة،‭ ‬الصادرة‭ ‬عام‭ ‬1959،‭ ‬فلن‭ ‬تجد‭ ‬مقابل‭ ‬اللفظة‭ ‬إلا‭ ‬الإحالة‭ ‬ذ‭ ‬انظر‭: ‬قاموس‭! ‬وقد‭ ‬أقر‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬في‭ ‬المعجم‭ ‬الوسيط‭ ‬في‭ ‬طبعاته‭ ‬الثلاث‭ ‬منذ‭ ‬1962،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭: ‬القاموس‭ ‬البحر‭ ‬العظيم،‭ ‬والقاموس‭ ‬علم‭ ‬على‭ ‬معجم‭ ‬الفيروز‭ ‬آبادي‭ ‬وكل‭ ‬معجم‭ ‬لغوي‭ ‬على‭ ‬التوسع‭. ‬واللافت‭ ‬أن‭ ‬علماء‭ ‬العربية‭ ‬الذين‭ ‬دونوا‭ ‬مفردات‭ ‬اللغة‭ ‬وشرحوها‭ ‬في‭ ‬مؤلفاتهم‭ ‬لم‭ ‬يستخدموا‭ ‬لها‭ ‬لفظة‭ ‬امعجمب،‭ ‬بل‭ ‬حرصوا‭ ‬على‭ ‬تسميتها‭ ‬بأسماء‭ ‬مختلفة‭ .