الزنكيون والأيوبيون... من الإمارة إلى مشروع الدولة

الزنكيون والأيوبيون... من الإمارة إلى مشروع الدولة

استطاعت‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬في‭ ‬روما‭ ‬أن‭ ‬توحد‭ ‬قوى‭ ‬دول‭ ‬أوربا‭ ‬الغربية‭ ‬تحت‭ ‬رايتها،‭ ‬لمؤازرة‭ ‬الكنيسة‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬في‭ ‬بيزنطة،‭ ‬التي‭ ‬استنجدت‭ ‬بها‭ ‬نتيجة‭ ‬للزحف‭ ‬الإسلامي‭ ‬بقيادة‭ ‬السلاجقة‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭. ‬وتحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬إنها‭ ‬إرادة‭ ‬الرب‮»‬‭ ‬تحركت‭ ‬أولى‭ ‬الحملات‭ ‬الصليبية‭ ‬إلى‭ ‬الشرق،‭ ‬وتبعتها‭ ‬حملات‭ ‬عسكرية‭ ‬متتالية،‭ ‬تهدف‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬المتاعب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية،‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬منها‭ ‬الكنيسة‭ ‬الغربية‭ ‬وملوك‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬السواء‭. ‬كانت‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬العباسية‭ ‬في‭ ‬تدهور،‭ ‬وصَعُبَ‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬حكم‭ ‬أراضيها‭.‬

بعد‭ ‬تدهور‭ ‬نفوذ‭ ‬حُكم‭ ‬السلاجقة‭ ‬وتفكك‭ ‬سلطانهم،‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬نتيجة‭ ‬حتمية‭ ‬للنزاع‭ ‬بين‭ ‬أمرائهم‭ ‬على‭ ‬الرئاسة،‭ ‬ظهرت‭ ‬قوة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬إمارة‭ ‬‮«‬أتابكية‮»‬‭ ‬فتية‭ ‬أسسها‭ ‬القائد‭ ‬العسكري‭ ‬‮«‬أتابك‮»‬‭ ‬عماد‭ ‬الدين‭ ‬زنكي‭ ‬في‭ ‬الموصل،‭ ‬ونذرت‭ ‬رجالها‭ ‬لصد‭ ‬الزحف‭ ‬الصليبي،‭ ‬لتستمر‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬ديار‭ ‬الإسلام‭ ‬مائة‭ ‬وأربعين‭ ‬عاماً‭ ‬تقريباً،‭ ‬من‭ ‬516‭-‬657هـ‭/‬1122‭-‬1259م‭. ‬وامتدت‭ ‬جبهة‭ ‬الدفاع‭ ‬من‭ ‬الموصل‭ ‬إلى‭ ‬حلب،‭ ‬ثم‭ ‬تولت‭ ‬مسؤولية‭ ‬إدارة‭ ‬كبريات‭ ‬المدن‭ ‬بعد‭ ‬إجلاء‭ ‬الصليبيين‭ ‬عنها‭. ‬وبعد‭ ‬مقتل‭ ‬عماد‭ ‬الدين‭ ‬زنكي،‭ ‬تولى‭ ‬قيادة‭ ‬‮«‬الأتابكية‮»‬‭ ‬ابنه‭ ‬نورالدين‭ ‬محمود،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬مد‭ ‬نفوذ‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬الشام،‭ ‬من‭ ‬حماة‭ ‬إلى‭ ‬بعلبك،‭ ‬وتقدم‭ ‬نحو‭ ‬الثغور‭ ‬فحاز‭ ‬مدناً‭ ‬عدة،‭ ‬كانت‭ ‬تابعة‭ ‬للدولة‭ ‬البيزنطية‭ (‬دولة‭ ‬الروم‭). ‬وبذلك‭ ‬اشتهرت‭ ‬دولته‭ ‬باسمه،‭ (‬الدولة‭ ‬النُورية‭)‬،‭ ‬ليفرد‭ ‬لها‭ ‬التاريخ‭ ‬مكاناً‭ ‬في‭ ‬ديوانه،‭ ‬مليئاً‭ ‬بالحب‭ ‬والعرفان‭ ‬لنورالدين‭ ‬محمود‭ ‬على‭ ‬رعايته‭ ‬للإسلام‭ ‬والمسلمين‭. ‬وتصور‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬وهي‭ ‬تحكي‭ ‬عن‭ ‬نورالدين‭ ‬محمود‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ورعاً‭ ‬تقياً‭ ‬يخاف‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عباده،‭ ‬نذر‭ ‬نفسه‭ ‬للجهاد‭ ‬ووحدة‭ ‬المسلمين‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬عمادالدين‭ ‬زنكي‭ ‬هو‭ ‬المؤسس‭ ‬الأول‭ ‬لتلك‭ ‬الدولة،‭ ‬فإنّ‭ ‬المؤرخين‭ ‬قد‭ ‬نظروا‭ ‬إلى‭ ‬نورالدين‭ ‬محمود‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬مقيم‭ ‬الصروح‭ ‬الحضارية‭ ‬فيها،‭ ‬تلك‭ ‬الصروح‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬أسساً‭ ‬للدولة‭ ‬الأيوبية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭. ‬وعندما‭ ‬كانت‭ ‬أسرة‭ ‬زنكي‭ ‬أسرة‭ ‬الإمارة،‭ ‬كان‭ ‬بنو‭ ‬أيوب‭ ‬الوزراء،‭ ‬يتقدمهم‭ ‬نجم‭ ‬الدين‭ ‬أيوب‭ ‬مستشاراً‭ ‬ووزيراً‭ ‬أول،‭ ‬وأسد‭ ‬الدين‭ ‬شيركوه‭ ‬قائداً‭ ‬أول‭ ‬للجيش‭. ‬وفي‭ ‬كنف‭ ‬أسرة‭ ‬بني‭ ‬أيوب‭ ‬ورعاية‭ ‬نورالدين‭ ‬محمود‭ ‬سطع‭ ‬نجم‭ ‬من‭ ‬نجوم‭ ‬الإسلام،‭ ‬هو‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬نجم‭ ‬الدين‭ ‬أيوب‭.‬

لقد‭ ‬تميزت‭ ‬الدولة‭ ‬النورية‭ ‬بأنها‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬عادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬الشعوب‭ ‬لتصنع‭ ‬حياة‭ ‬اجتماعية‭ ‬لمجتمع‭ ‬جديد،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬إسلامي‭ ‬متجدد‭. ‬ومع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأسس‭ ‬الإسلامية‭ ‬الدينية،‭ ‬خاصة‭ ‬الشرعية‭ ‬منها،‭ ‬نرى‭ ‬كثرة‭ ‬الاحتفالات‭ ‬التي‭ ‬شملت‭ ‬نواحي‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬عيدي‭ ‬الفطر‭ ‬والأضحى‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬مولد‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬والمنتصف‭ ‬من‭ ‬شهري‭ ‬رجب‭ ‬وشعبان،‭ ‬كما‭ ‬احتفلوا‭ ‬بعيد‭ ‬النيروز،‭ ‬كموروث‭ ‬اجتماعي‭ ‬أخذوه‭ ‬من‭ ‬السلاجقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬وكانوا‭ ‬يحتفلون‭ ‬بخروج‭ ‬موكب‭ ‬الحجّ‭ ‬وعودته،‭ ‬وخروج‭ ‬الجيش‭ ‬وانتصاره،‭ ‬أو‭ ‬بتولي‭ ‬الأمير‭ ‬الجديد‭ ‬وولي‭ ‬عهده‭. ‬أما‭ ‬الاحتفالات‭ ‬الخاصة،‭ ‬فيأتي‭ ‬الاحتفال‭ ‬بعقد‭ ‬القران‭ ‬أو‭ ‬بقدوم‭ ‬المولود‭ ‬أو‭ ‬ختانه،‭ ‬أو‭ ‬السكن‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬جديد،‭ ‬حيث‭ ‬تقام‭ ‬الولائم‭ ‬ويتم‭ ‬تزيين‭ ‬المكان‭. ‬وكان‭ ‬لورع‭ ‬نورالدين‭ ‬محمود‭ ‬وتقواه‭ ‬أثر‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬أما‭ ‬الأثر‭ ‬الاقتصادي‭ ‬فقد‭ ‬ألغى‭ ‬نورالدين‭ ‬المكوس،‭ ‬وهي‭ ‬الضرائب‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أفراد‭ ‬الشعب،‭ ‬وهي‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬غير‭ ‬موارد‭ ‬بيت‭ ‬المال‭ ‬التي‭ ‬أقرها‭ ‬الشرع‭ ‬كالزكاة‭ ‬والخراج‭ ‬والجزية‭ ‬والغنيمة‭ ‬والفيئ‭ ‬والعشور‭ ‬والركاز‭ ‬والمواريث‭ ‬الحشرية‭. ‬هذا‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬فقد‭ ‬أشاع‭ ‬الوقف،‭ ‬فبدأ‭ ‬بنفسه،‭ ‬حيث‭ ‬أوقف‭ ‬من‭ ‬ماله‭ ‬الخاص‭ ‬أموالاً‭ ‬تدر‭ ‬موارد‭ ‬دخل‭ ‬منتظمة‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬آنذاك‭. ‬من‭ ‬هنا،‭ ‬بدأ‭ ‬الأغنياء‭ ‬والقادرون‭ ‬يحاكون‭ ‬أميرهم‭ ‬في‭ ‬البذل‭ ‬والعطاء،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬وبناء‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وبنائها،‭ ‬كدور‭ ‬رعاية‭ ‬الأيتام‭ ‬ودور‭ ‬رعاية‭ ‬العجزة،‭ ‬وملاجئ‭ ‬الأرامل‭ ‬والمطلقات،‭ ‬ومثل‭ ‬ذلك‭ ‬للفقراء‭ ‬والمساكين‭ ‬يوزع‭ ‬فيها‭ ‬الطعام‭ ‬مجاناً،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬فيها‭ ‬أسرَّة‭ ‬للمنام‭. ‬

ولم‭ ‬يقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحدّ،‭ ‬بل‭ ‬خصص‭ ‬ريع‭ ‬بعض‭ ‬الأوقاف‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬الأيتام‭ ‬وكسوتهم‭ ‬صيفاً‭ ‬وشتاء،‭ ‬كما‭ ‬انتشرت‭ ‬‮«‬الأَسْبلة‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الأسواق،‭ ‬حيث‭ ‬يطوف‭ ‬السقاة‭ ‬بجرار‭ ‬الماء‭ ‬المسبلة‭ ‬لسقاية‭ ‬الناس،‭ ‬معلنين‭ ‬ذلك‭ ‬بقولهم‭: ‬‮«‬سبيل‭... ‬سبيل‮»‬‭. ‬ويفيدنا‭ ‬النويري‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬نهاية‭ ‬الأرب‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬الأدب‮»‬،‭ ‬بأنّ‭ ‬الموسرين‭ ‬كانوا‭ ‬أيضاً‭ ‬يوقفون‭ ‬للأيتام‭ ‬مدارس‭ ‬تتوافر‭ ‬فيها‭ ‬أدوات‭ ‬الكتابة‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬وأقلام‭ ‬ومداد،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬مرتب‭ ‬شهري‭ ‬معلوم‭ ‬‮«‬جامكية‮»‬‭. ‬كما‭ ‬وفرت‭ ‬الدولة‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬لمواطنيها،‭ ‬فبنت‭ ‬المستشفيات‭ (‬البيمارستانات‭) ‬في‭ ‬المدن،‭ ‬واستعانت‭ ‬بالأطباء‭ ‬والجراحين،‭ ‬وخصصت‭ ‬أماكن‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البيمارستانات‭ ‬لرعاية‭ ‬المصابين‭ ‬بأمراض‭ ‬معدية،‭ ‬وأماكن‭ ‬أخرى‭ ‬للمصابين‭ ‬بأمراض‭ ‬عقلية‭. ‬وحينما‭ ‬نفحص‭ ‬حجج‭ ‬الوقف‭ ‬نرى‭ ‬عجباً‭! ‬فهناك‭ ‬أوقاف‭ ‬أوقف‭ ‬ريعها‭ ‬على‭ ‬المساجين،‭ ‬تلبية‭ ‬لقوله‭ ‬تعالى‭: ‬‭{‬وَيُطْعِمُونَ‭ ‬الطَّعَامَ‭ ‬عَلَى‭ ‬حُبِّهِ‭ ‬مِسْكِينًا‭ ‬وَيَتِيمًا‭ ‬وَأَسِيرًا‭ ‬‭*‬‭ ‬إِنَّمَا‭ ‬نُطْعِمُكُمْ‭ ‬لِوَجْهِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬لَا‭ ‬نُرِيدُ‭ ‬مِنْكُمْ‭ ‬جَزَاءً‭ ‬وَلَا‭ ‬شُكُورًا‭*‬‭}‬‭ (‬الإنسان‭: ‬8‭-‬9‭).‬

ولابد‭ ‬لنا‭ ‬ونحن‭ ‬نستعرض‭ ‬إنجازات‭ ‬الدولة‭ ‬النورية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الإنساني‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬شفافية‭ ‬الروح‭ ‬السائدة‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬بحيث‭ ‬نربط‭ ‬تلك‭ ‬الروح‭ ‬بالجو‭ ‬الصوفي‭ ‬الذي‭ ‬انتشرت‭ ‬نسائمه‭ ‬بلا‭ ‬إفراط‭ ‬ولا‭ ‬تفريط‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬مؤسسات‭ ‬خيرية‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬إنشائها‭ ‬نورالدين‭ ‬محمود،‭ ‬واستمرت‭ ‬تلك‭ ‬الروح‭ ‬تسبح‭ ‬عبر‭ ‬الزمن،‭ ‬لتظلل‭ ‬سحائبها‭ ‬الدولة‭ ‬الأيوبية‭ ‬ثم‭ ‬المملوكية،‭ ‬وتستمر‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬عقيدة‭ ‬الدولة‭ ‬إسلامية،‭ ‬شافعية‭ ‬المذهب،‭ ‬صوفية‭ ‬المشرب،‭ ‬بلا‭ ‬غلو‭ ‬ولا‭ ‬تطرف‭ ‬ولا‭ ‬تحيز‭ ‬ولا‭ ‬إقصاء،‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬العقيدة‭ ‬سبيلاً‭ ‬إلى‭ ‬اللّه‭ ‬وحده،‭ ‬ومن‭ ‬المذهب‭ ‬شريعة‭ ‬حياة‭ ‬في‭ ‬العبادة‭ ‬والمعاملات،‭ ‬ومن‭ ‬الصوفية‭ ‬سلوكاً‭ ‬يومياً‭ ‬موسوماً‭ ‬بالعمل‭ ‬والزهد‭ ‬معاً‭. ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك،‭ ‬كثرت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬الدعوة‭ ‬لعمل‭ ‬الخير،‭ ‬فبُنِيَت‭ ‬المرافق‭ ‬الدينية‭ ‬الخاصة،‭ ‬زوايا‭ ‬وأربطة‭ ‬و«خانقاوات‮»‬،‭ ‬ليأوي‭ ‬إليها‭ ‬الغرباء‭ ‬والضعفاء‭ ‬والمحتاجون‭ ‬وذوو‭ ‬العاهات‭ ‬وغير‭ ‬القادرين‭ ‬والقواعد‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬سند‭ ‬لهن‭ ‬ولا‭ ‬معين‭. ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬المرافق،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونها‭ ‬سكناً‭ ‬ومأمناً‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والجوع،‭ ‬مستقراً‭ ‬وسكناً‭ ‬روحياً‭ ‬يتعلم‭ ‬فيه‭ ‬المرء‭ ‬أمور‭ ‬دينه‭ ‬وكيفية‭ ‬قضاء‭ ‬حوائج‭ ‬دنياه‭. ‬

إنّ‭ ‬نهج‭ ‬نورالدين‭ ‬محمود‭ ‬كحاكم‭ ‬يرعى‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬شعبه،‭ ‬استمرت‭ ‬صورته‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬كإطار‭ ‬ناظم‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬الإنسانية‭ ‬والحكام‭ ‬العادلين،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬أنموذجاً‭ ‬لافتاً‭ ‬للدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬وصار‭ ‬مثلاً‭ ‬يُحتذى‭ ‬وشعاراً‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بالخدمات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكبرى،‭ ‬تسعى‭ ‬لتحقيقه‭ ‬الأمم‭. ‬ويحضرني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أن‭ ‬الكويت‭ ‬كعاصمة‭ ‬للثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬قد‭ ‬نالت‭ ‬مكانتها‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الخدمات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وغدا‭ ‬أميرها‭ ‬حادياً‭ ‬للعمل‭ ‬الإنساني،‭ ‬ويتطلع‭ ‬شعبها‭ ‬للعمل‭ ‬الخيري‭. ‬إن‭ ‬بادت‭ ‬حضارة‭ ‬الدولة‭ ‬النورية،‭ ‬فإنّ‭ ‬سلسلة‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ذات‭ ‬حلقات‭ ‬متجددة‭ ‬تصبو‭ ‬إلى‭ ‬إشراقتها‭ ‬الأولى‭ ‬