سنَّان باشا ... فنان العمارة الإسلامية

سنَّان باشا ... فنان العمارة الإسلامية

إن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬العمارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬هو‭ ‬تصميم‭  ‬هندسة‭ ‬المآذن‭ ‬والقباب،‭ ‬فقد‭ ‬ارتبطت‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬بالعمارة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وبخاصة‭ ‬عمارة‭ ‬المساجد،‭ ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التطوير‭  ‬والإبداع،‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬طائفة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المعماريين‭ ‬المسلمين‭ ‬إبان‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬تُصنَّف‭ ‬ضمن‭ ‬طُرز‭ ‬مُتعددة‭ ‬أقدمها‭ ‬الطراز‭  ‬الأموي،‭ ‬وأحدثها‭ ‬الطراز‭  ‬العثماني،‭ ‬وهذا‭ ‬الأخير‭ ‬تجسَّد‭ ‬بكل‭ ‬مُقوماته‭ ‬وخصائصه‭ ‬الفنية‭ ‬والهندسية،‭ ‬في‭ ‬المآذن‭ ‬والقِباب‭ ‬التاريخية،‭ ‬التي‭ ‬تزدان‭ ‬بها‭ ‬المساجد‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬اسطنبول‭ ‬التركية‭.‬

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬العمارة‭ ‬العثمانية‭ ‬فريدة‭ ‬تجمع‭ ‬وتمزج‭ ‬بين‭ ‬عدة‭ ‬فنون‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬واستطاعت‭ ‬أن‭ ‬تطغى‭ ‬وتنتشر‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬فتحها‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية،‭ ‬شرقاً‭ ‬وغرباً‭.‬

وأكثر‭ ‬ما‭ ‬تفرَّدَت‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬العمارة‭ ‬وفرضته‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬والبلدان‭ ‬هو‭ ‬عمارة‭ ‬المساجد،‭ ‬وشاءت‭ ‬الظروف‭ ‬أن‭ ‬يعاصر‭ ‬معماري‭ ‬عبقري،‭ ‬وهو‭ ‬يوسف‭ ‬الرومي‭ ‬الذي‭ ‬سيعرف‭ ‬لاحقاً‭ ‬باسم‭ ‬سنان‭ ‬باشا،‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬قوتها‭ ‬وتألقها،‭ ‬فقد‭ ‬أتاح‭ ‬له‭ ‬عمره‭ ‬الذي‭ ‬قارب‭ ‬المائة‭ ‬عام‭ ‬أن‭ ‬يعاصر‭ ‬العهد‭ ‬الذهبي‭ ‬لسلاطين‭ ‬عدة‭... ‬السلطان‭ ‬بايزيد‭ ‬والسلطان‭ ‬سليم‭ ‬الأول،‭ ‬والسلطان‭ ‬سليمان‭ ‬القانوني،‭ ‬والسلطان‭ ‬مراد،‭ ‬والسلطان‭ ‬سليم‭ ‬الثاني،‭ ‬ويُعَد‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬وأشهر‭ ‬البنَّائين‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العاشر‭ ‬الهجري‭/ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭.‬

فقد‭ ‬تميَّزَت‭ ‬أعماله‭ ‬البنائية‭ ‬والمعمارية‭ ‬بالكثرة،‭ ‬والقوة‭ ‬والمتانة‭ ‬والضخامة،‭ ‬وبفيض‭ ‬من‭ ‬لمسات‭ ‬الجمال‭ ‬المعماري‭ ‬اللافت،‭ ‬ومن‭ ‬ثَم‭ ‬أطلق‭ ‬الأتراك‭ ‬عليه‭ ‬لقب‭ ‬اأبو‭ ‬العمارة‭ ‬التركيةب‭ ‬وخلال‭ ‬رحلة‭ ‬عمره‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬توقف‭ ‬يوماً‭ ‬عن‭ ‬البناء‭ ‬والهندسة‭ ‬والتشييد‭ ‬والتخطيط‭. ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬عوامل‭ ‬ومؤثرات‭ ‬عدة‭ ‬بمنزلة‭ ‬أدوات‭ ‬نجاح‭ ‬لهذا‭ ‬الرجل،‭ ‬ساعدته‭ ‬ليحقق‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬المعمارية‭ ‬الشامخة،‭ ‬إنه‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬خضر‭ ‬بك‭ ‬بن‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الحنفي‭ ‬الرومي،‭ ‬الشهير‭ ‬بـ‭ ‬اسنَّان‭ ‬باشاب،‭ ‬سنَّان‭ ‬أغا،‭ ‬ميمار‭ ‬سنَّان،‭ ‬خوجة‭ ‬باشا،‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قرى‭ ‬الأناضول‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليها‭ ‬اأغريناسب‭ ‬لأسرة‭ ‬مسيحية‭ ‬يقال‭ ‬إنها‭ ‬أناضولية،‭ ‬وفي‭ ‬أخرى‭ ‬يونانية،‭ ‬وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬عليه‭ ‬موهبة‭ ‬البناء‭ ‬والإنشاء‭ ‬منذ‭ ‬صغره،‭ ‬فكان‭ ‬يجلس‭ ‬بالساعات‭ ‬منهمكاً‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الأكواخ‭ ‬والبيوت‭ ‬من‭ ‬الطين‭. ‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬أكمل‭ ‬العاشرة‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬بعد،‭ ‬عندما‭ ‬أُخِذ‭ ‬عُنوة‭ ‬من‭ ‬أسرته‭ ‬وفق‭ ‬نظام‭ ‬االدوشيرمةب،‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬الفتيان‭ ‬الصغار‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬تحت‭ ‬سطوة‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية،‭ ‬ومن‭ ‬ثَم‭ ‬يتم‭ ‬إلحاقهم‭ ‬بمدارس‭ ‬خاصة‭ ‬يتعلمون‭ ‬فيها‭ ‬جميع‭ ‬العلوم‭ ‬والفنون،‭ ‬ثم‭ ‬يتم‭ ‬إلحاقهم‭ ‬بعدها‭ ‬بالمدرسة‭ ‬العسكرية‭ ‬ليصبحوا‭ ‬جنوداً‭ ‬انكشاريين،‭ ‬وكان‭ ‬الفتى‭ ‬سنَّان‭ ‬ضمن‭ ‬فتيان‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬الأناضول‭ ‬وقع‭ ‬عليهم‭ ‬الاختيار‭ ‬لِمَا‭ ‬كان‭ ‬يظهر‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬نباهة‭ ‬وذكاء،‭ ‬فالتحق‭ ‬أولاً‭ ‬بمدرسة‭ ‬ابتدائية‭ ‬ثم‭ ‬استكمل‭ ‬تعليمه‭ ‬في‭ ‬االأوجاقب،‭ ‬وهي‭ ‬مدرسة‭ ‬معمارية‭ ‬خاصة‭ ‬تخرج‭ ‬فيها‭ ‬كبار‭ ‬المعماريين،‭ ‬ممن‭ ‬شيدوا‭ ‬أعظم‭ ‬الآثار‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العمارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والعالمية،‭ ‬ثم‭ ‬انضم‭ ‬من‭ ‬بعدها‭ ‬للجيش‭ ‬ليتلقَّى‭ ‬هناك‭ ‬التعليم‭ ‬العسكري،‭ ‬وخرج‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬عسكرية‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬عدة،‭ ‬منها‭ ‬بلجراد‭ ‬والمجر‭ ‬والبلقان‭ ‬وفارس‭ ‬والشام‭ ‬و‭ ‬العراق‭ ‬ومصر،‭ ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬نظراً‭ ‬لجهوده‭ ‬في‭ ‬تصميمات‭ ‬بناء‭ ‬السفن‭ ‬الحربية‭ ‬والجسور‭ ‬والقلاع‭ ‬والحصون‭ ‬الحربية‭.‬

 

من‭ ‬العمارة‭ ‬العسكرية‭ ‬إلى‭ ‬المدنية

جاء‭ ‬تفوقه‭ ‬كمعماري‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬السلطان‭ ‬سليمان‭ ‬القانوني،‭ ‬وهو‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬العصر‭ ‬الذهبي‭ ‬للإمبراطورية‭ ‬العثمانية،‭ ‬وفي‭ ‬إحدى‭ ‬الحملات‭ ‬العسكرية‭ ‬مع‭ ‬السلطان‭ ‬سليمان‭ ‬أنشأ‭ ‬المعماري‭ ‬العبقري‭ ‬جسراً‭ ‬فوق‭ ‬نهر‭ ‬بروت‭ ‬خلال‭ ‬14‭ ‬يوماً،‭ ‬وبنى‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬الدانوب،‭ ‬ولذا‭ ‬منحه‭ ‬السلطان‭ ‬لقب‭ ‬كبير‭ ‬مهندسي‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬خروج‭ ‬المعلم‭ ‬سنَّان‭ ‬لفتوحات‭ ‬الحربية‭ ‬الأوربية‭ ‬مع‭ ‬الجيش‭ ‬العثماني‭ ‬إلى‭ ‬صقل‭ ‬موهبته،‭ ‬فكانت‭ ‬هناك‭ ‬فرصة‭ ‬للاطلاع‭ ‬على‭ ‬العمائر‭ ‬الأوربية‭ ‬والفنون‭ ‬المختلفة،‭ ‬وقد‭ ‬تأثر‭ ‬كثيراً‭ ‬بفنون‭ ‬عصر‭ ‬النهضة،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬أوجّ‭ ‬شهرته‭ ‬وانتشاره‭ ‬وقتها،‭ ‬وكانت‭ ‬أعمال‭ ‬مايكل‭ ‬أنجلو‭ ‬المختلفة‭ ‬نبراس‭ ‬نور‭ ‬له،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لتأثره‭ ‬مسبقاً‭ ‬بالجانب‭ ‬الفني‭ ‬للعمارة‭ ‬السلجوقية،‭ ‬حيث‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬مبان‭ ‬وعمائر‭ ‬في‭ ‬الأناضول‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬منها،‭ ‬ونشأت‭ ‬في‭ ‬عقلهِ‭ ‬فكرة‭ ‬المزج‭ ‬بين‭ ‬العمارة‭ ‬الأوربية‭ ‬الضخمة‭  ‬التي‭ ‬تمتاز‭ ‬بالزخارف‭ ‬والتشكيل،‭ ‬والمدرسة‭ ‬السلجوقية‭ ‬المعمارية‭ ‬بمفهومها‭ ‬الإسلامي‭. ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬نشأ‭ ‬الفتى‭ ‬المحب‭ ‬للعمارة‭ ‬والتشييد‭ ‬أمام‭ ‬كاتدرائية‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا‭ ‬بإسطنبول،‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬بعد‭ ‬فتح‭ ‬محمد‭ ‬الفاتح‭ ‬إلى‭ ‬مسجد‭ ‬إسلامي‭ ‬ضخم‭ ‬أمامه‭ ‬يحمل‭ ‬الاسم‭ ‬نفسه،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬الضخم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬دائماً،‭ ‬فكر‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬العمل‭ ‬الديني‭ ‬ضخماً‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬ضخامة‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا،‭ ‬فالضخامة‭ ‬تعطي‭ ‬وقاراً‭ ‬وجمالاً؟‭ ‬ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬سنَّان‭ ‬باشا‭ ‬تأثر‭ ‬بأشكال‭ ‬عدة‭ ‬للعمارة‭ ‬الأوربية،‭ ‬الإسلامية،‭ ‬والسلجوقية،‭ ‬ومر‭ ‬أيضاً‭ ‬بمراحل‭ ‬عدة،‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬تلميذاً،‭ ‬مرحلة‭ ‬المعماري‭ ‬المتمكن،‭ ‬وأخيراً‭ ‬مرحلة‭ ‬الأستاذ‭ ‬الذي‭ ‬يخطط‭ ‬للعمل‭ ‬ويشرف‭ ‬عليه‭. ‬وكان‭ ‬له‭ ‬أربعة‭ ‬من‭ ‬أمهر‭ ‬الطلبة‭ ‬تدربوا‭ ‬علي‭ ‬يديه‭ ‬وتجلت‭ ‬أعمالهم‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬مختلفة،‭ ‬ومن‭ ‬تلامذته‭ ‬أحمد‭ ‬أغا،‭ ‬وداوود‭ ‬أغا،‭ ‬ويتيم‭ ‬بابا‭ ‬علي،‭ ‬ويوسف،‭ ‬وسنَّان‭ ‬الصغير،‭ ‬وينسب‭ ‬إليه‭ ‬تشييد‭ ‬قصور‭ ‬لاهور‭ ‬ودلهي‭ ‬وأكرا‭ ‬للسلطان‭ ‬المغولي‭ ‬الشهير‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬وعُيِّن‭ ‬سنَّان‭ ‬باشا‭ ‬كبير‭ ‬المعماريين‭ ‬للدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬علي‭ ‬عجم‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬عام‭ (‬944 هجرية‭/‬1538م‭). ‬

 

أسطورة‭ ‬القباب‭ ‬الإسلامية

إن‭ ‬القِباب‭ ‬هي‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يُمَيِّز‭ ‬أعمال‭ ‬سنّان‭ ‬باشا،‭ ‬وقِباب‭ ‬جمع‭ ‬قُبَّة،‭ ‬وهي‭ ‬تستخدم‭ ‬للتسقيف‭ ‬وتُمثل‭ ‬نصف‭ ‬كرة‭ ‬مجوفة‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬أعمدة‭ ‬وجدران،‭ ‬وعُرِفَت‭ ‬في‭ ‬صورتها‭ ‬البدائية‭ ‬منذ‭ ‬أوائل‭ ‬الألفية‭ ‬الرابعة‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬وشرق‭ ‬سورية،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ثم‭ ‬اقتبسها‭ ‬الإغريق‭ ‬لتسقيف‭ ‬مقابرهم،‭ ‬ووُجِدَت‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬المصريين‭ ‬القدماء،‭ ‬وتطورت‭ ‬التطور‭ ‬الحقيقي‭ ‬لها‭ ‬عند‭ ‬الرومان،‭ ‬كالتي‭ ‬تُزَيِّن‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا‭ ‬في‭ ‬إسطنبول،‭ ‬وهي‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المآذن،‭ ‬وأشرف‭ ‬على‭ ‬بنائها‭ ‬عند‭ ‬تحويلها‭ ‬لمسجد‭ ‬سنَّان‭ ‬باشا،‭ ‬وقبة‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬ومسجد‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بالمدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مسجد‭ ‬شاه‭ ‬زاد‭ ‬هو‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬تصميم‭ ‬بناء‭ ‬القِباب‭.‬

يُعْتَبَر‭ ‬مسجِد‭ ‬السُلَيْمانية‭ ‬في‭ ‬أدرنة‭ ‬هو‭ ‬تُحفته‭ ‬المعمارية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تُعد‭ ‬عِمارة‭ ‬مَجْمَع‭ ‬السُلَيْمانية‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬النضوج‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬القباب‭. ‬ويقول‭ ‬سنَّان‭ ‬عن‭ ‬دواعي‭ ‬إبداعه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسجد‭: ‬اإن‭ ‬المعماريين‭ ‬الآخرين‭ ‬يقولون‭ ‬إننا‭ ‬متفوقون‭ ‬على‭ ‬المسلمين،‭ ‬لأن‭ ‬عالم‭ ‬الإسلام‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬قبة‭ ‬عظيمة‭ ‬مثل‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا،‭ ‬وإن‭ ‬بناء‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القبة‭ ‬الضخمة‭ ‬أمر‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الصعوبة،‭ ‬وكان‭ ‬لكلامهم‭ ‬هذا‭ ‬تأثيره‭ ‬المؤلم‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬هذا‭ ‬العبد‭ ‬العاجز‭ (‬يقصد‭ ‬نفسه‭)‬،‭ ‬لذلك‭ ‬بذلت‭ ‬الهمةَ‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬بِناءِ‭ ‬هذا‭ ‬الجامع،‭ ‬وبعون‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬بتشجيع‭ ‬السلطان‭ ‬سليم‭ ‬خان،‭ ‬قمت‭ ‬بإظهار‭ ‬المقدرة،‭ ‬وأقمت‭ ‬قُبة‭ ‬هذا‭ ‬الجامع‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬قُبة‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا‭ ‬بست‭ ‬أذرع‭ ‬وأعمق‭ ‬بأربع‭ ‬أذرعب،‭ ‬وفي‭ ‬حديثهِ‭ ‬حول‭ ‬عبقرية‭ ‬الفن‭ ‬المعماري،‭ ‬في‭ ‬جامع‭ ‬السُلَيْمَانِية،‭ ‬يقول‭ ‬المؤرخ‭ ‬روبير‭ ‬مانتران،‭ ‬إنه‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد،‭ ‬هو‭ ‬الأروع‭ ‬والأجمل،‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬مساجد‭ ‬وجوامع‭ ‬مدينة‭ ‬إسطنبول،‭ ‬اإنه‭ ‬يبدو‭ ‬مُفعما‭ ‬بالوضوح،‭ ‬وببساطة‭ ‬تحجب‭ ‬علماً‭ ‬عميقاً،‭ ‬وتتطابق‭ ‬ترتيباته‭ ‬الداخلية،‭ ‬تطابقاً‭ ‬وثيقاً،‭ ‬مع‭ ‬تراكيب‭ ‬الجهاز‭ ‬الداخلي،‭ ‬الأكبر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬في‭ ‬آيا‭ ‬صوفياب‭. ‬ويُضيف‭ ‬برنارد‭ ‬لويس‭ ‬اإن‭ ‬جامع‭ ‬السُلَيْمانية،‭ ‬الذي‭ ‬شُيّد‭ ‬بعد‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬إسطنبول،‭ ‬يُصوّر‭ ‬هيكل‭ ‬بنائه،‭ ‬وطريقة‭ ‬زخرفته،‭ ‬مدى‭ ‬التأثر‭ ‬بينابيع‭ ‬التقليد‭ ‬الإسلامي‭ ‬الأولى،‭ ‬وأصالة‭ ‬حياته‭ ‬الدينية‭ ‬والجمالية‭ ‬في‭ ‬جوهرها،‭ ‬وتميزها‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحدب‭.‬

 

سنان‭ ‬باشا‭ ‬ومايكل‭ ‬أنجلو

وأيضاً‭ ‬قال‭ ‬العالِم‭ ‬الألماني‭ ‬وأستاذ‭ ‬تاريخ‭ ‬العمارة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬فيينا‭ ‬اهـ‭. ‬كلوكب‭ ‬عن‭ ‬سنَّان‭ ‬باشا‭: ‬اإنه‭ ‬يتفوق‭ ‬فنياً‭ ‬علي‭ ‬مايكل‭ ‬أنجلو‭ ‬صاحب‭ ‬أكبر‭ ‬اسم‭ ‬فني‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الأوربيةب‭.‬

وكان‭ ‬اميمار‭ ‬سنَّانب‭ (‬1489م‭ - ‬1580م‭) ‬معاصراً‭ ‬لمايكل‭ ‬أنجلو‭ (‬1475‭-‬1564م‭)‬،‭ ‬وعاش‭ ‬كلاهما‭ ‬عمراً‭ ‬طويلاً‭ ‬امتد‭ ‬إلى‭ ‬90‭ ‬سنة‭ ‬تقريبا،‭ ‬ما‭ ‬أتاح‭ ‬لهما‭ ‬تحقيق‭ ‬إنجازات‭. ‬وامتدت‭ ‬حياة‭ ‬سنَّان‭ ‬باشا‭ ‬حتى‭ ‬اقترب‭ ‬من‭ ‬المائة،‭ ‬وعاصر‭ ‬خمسة‭ ‬من‭ ‬سلاطين‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬وبعد‭ ‬حياة‭ ‬مليئة‭ ‬بجلائل‭ ‬الأعمال،‭ ‬تُوفِّيَ‭ ‬سنَّان‭ ‬باشا‭ ‬في‭ (‬996هـ‭ / ‬1588م‭) ‬تاركاً‭ ‬ذكرى‭ ‬لا‭ ‬تضيع،‭ ‬وتقف‭ ‬أعماله‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬أربعمائة‭ ‬أثر‭ ‬معماري‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬عبقريته‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬البناء‭ ‬والتشييد،‭ ‬واعتبرته‭ ‬دائرة‭ ‬المعارف‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬أصدرها‭ ‬المستشرقون‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬المعماريين‭ ‬الذين‭ ‬ظهروا‭ ‬في‭ ‬التاريخت،‭ ‬والأمر‭ ‬الأكثر‭ ‬غرابة‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬بالاسم‭ ‬واللقب‭ ‬نفسيهما‭ ‬اسنان‭ ‬باشاب،‭ ‬أولهما‭ ‬رائد‭ ‬العمارة‭ ‬العثمانية،‭ ‬والآخر‭ ‬قائد‭ ‬لامع‭ ‬وسياسي‭ ‬عرف‭ ‬بدهائه،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬الرجل‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬هما‭ ‬اسنان‭ ‬باشا‭ ‬المعماريب‭ ‬والوالي‭ ‬والسياسي‭ ‬المحنك‭ ‬سنان‭ ‬باشا‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬عبدالرحمنب‭. ‬ويخلط‭ ‬البعض‭ ‬بين‭ ‬الرجلين‭ ‬لأن‭ ‬كلاً‭ ‬منهما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الاسم‭ ‬والرتبة‭ ‬نفسيهما،‭ ‬وكل‭ ‬منهما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬نفسه‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬فقط،‭ ‬ولكن‭ ‬سنان‭ ‬باشا‭ ‬الوالي‭ ‬كان‭ ‬أيضًا‭ ‬مولعاً‭ ‬بالمعمار،‭ ‬وامتدت‭ ‬حياته‭ ‬لقرابة‭ ‬المائة‭ ‬عام،‭ ‬فقد‭ ‬ولد‭ ‬عام‭ ‬1506‭ ‬وتوفي‭ ‬في‭ ‬1596،‭ ‬وتقلد‭ ‬فيها‭ ‬ولاية‭ ‬مصر‭ ‬مرتين‭ (‬1567‭ - ‬1568‭) ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ (‬1571‭ ‬ذ‭ ‬1573‭) ‬وقاد‭ ‬حملات‭ ‬عدة‭ ‬لفتوحات‭ ‬عربية،‭ ‬مثل‭ ‬اليمن‭ ‬وتونس،‭ ‬وتولى‭ ‬منصب‭ ‬الصدر‭ ‬الأعظم،‭ ‬وتقلد‭ ‬ولاية‭ ‬دمشق‭. ‬ومن‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬أشرف‭ ‬عليها‭ ‬هذا‭ ‬القائد‭ ‬المحب‭ ‬للمعمار،‭ ‬إعادة‭ ‬فتح‭ ‬خليج‭ ‬الإسكندرية‭ ‬وبناء‭ ‬قصر‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬الزيتون،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬المسجد‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬اسمه‭ ‬ويقع‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬االسنانيةب‭ ‬بمنطقة‭ ‬بولاق،‭ ‬ويعد‭ ‬ثاني‭ ‬جامع‭ ‬عثماني‭ ‬تم‭ ‬بناؤه‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬بعد‭ ‬جامع‭ ‬سليمان‭ ‬بالقلعة،‭ ‬ويبلغ‭ ‬طوله‭ ‬35‭ ‬متراً‭ ‬وعرضه‭ ‬27،‭ ‬ويمتاز‭ ‬بقبة‭ ‬مركزية‭ ‬كبيرة‭ ‬محاطة‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الأيقونات،‭ ‬وكانت‭ ‬القبة‭ ‬مغطاة‭ ‬بالرصاص،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬اسياحة‭ ‬نامةب‭ ‬ووصفها‭ ‬أُوليا‭ ‬جلبي‭ ‬بقوله‭: ‬اإنها‭ ‬قبة‭ ‬جميلة‭ ‬كأنها‭ ‬صنعت‭ ‬في‭ ‬مصنع‭ ‬السماءب‭. ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬تصميم‭ ‬هذا‭ ‬المسجد‭ ‬على‭ ‬النهج‭ ‬المعماري‭ ‬لسنان‭ ‬باشا‭ ‬المعماري‭ ‬التركي،‭ ‬وتجسدت‭ ‬فيه‭ ‬مظاهره‭ ‬البنائية،‭ ‬ويطل‭ ‬على‭ ‬النيل‭ ‬مباشرة‭.‬

وله‭ ‬أيضاً‭ ‬مجموعة‭ ‬خيرية‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬باب‭ ‬الجابية‭ ‬بدمشق،‭ ‬تضم‭ ‬جامعاً‭ ‬ومدرسة‭ ‬وسبيلا‭ ‬للماء‭. ‬ويمتاز‭ ‬الجامع‭ ‬الذي‭ ‬شرع‭ ‬الوالي‭ ‬في‭ ‬بنائه‭ ‬عام‭ ‬1586م‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬مساجد‭ ‬دمشق‭ ‬بمناراته‭ ‬المستديرة‭ ‬والمكسوة‭ ‬بألواح‭ ‬القاشاني‭ ‬الأخضر‭ .