بكائية الغياب والرحيل

«على أثر فاجعة رحيل بلبلي البديع، بعد ست عشرة سنة عاشها في كنفي، شاهداً على فصول معاناتي في وحدتي وفراغي الضاري، وأويقاتٍ طيبة»
حطَّت رِحالُكَ في ضميري
قبل أن تَثوي عميقاً في الترابْ...
يا موعداً بُلِّغتُه منذ انطوتْ فيكَ العشيّاتُ،
اتَّشَحْنَ بعتْمةٍ عبرتْ إلى قلبي،
وأنتَ مُيمِّمٌ شطْرَ الغيابْ...
أوَ ما حسبْتَ لضامراتِ الخفْق في صدري
وسُقيا مُرَّةٍ، مازلتُ أشْرَقُ من سُعار فحيحها
في كل منطعفٍ من الأيام
تجري كالسَّرابْ؟
أوَ ما علمتَ بأنني رَمضَ الضياءُ
بناظري،
فغدوتُ مَسْجُوّاً على هام السحابْ؟
هيهاتَ تُبصرُني الثريّا؟
بتُّ لا أرشُفُ إلاّ شهقة الديجور
في دغش الضبابْ
***
تاهتْ بيَ الأسفارُ...
أوْثقتُ اضطرابي
في رحى التكوينِ
خضَّبَ مُوهَناتِ العمْرِ،
وافتْ مجمعَ البحرين،
أوْهاها اغترابْ...
***
راودْتَني يا بلبلَ الزمن الموشَّحِ
بالأغاريد العِذابْ
يوم التقى الجمرُ المعتَّقُ
في أخاديد السِّنينْ
وتفتَّحت أورادُ قلبي
وشدَتْ على وقْع التصبِّي
مرْجةً من ياسمينْ
عانقْتَني برقائق اللقيا
وترجيع السكونْ
كنا... وكنتَ الشاهدَ المهتاجَ
للصَّخَب المرصَّع بالرغابْ
حتى ترنَّح موكبي
وتهاوتِ الأطيافْ
من فوق أشرعة الضفافْ
مرْبدَّةً من حُلكة التطواف
برَّحه الجفافْ...
***
أوَ ما جَزعْتَ لِهجْعةٍ أغفو بها
مسْترْوحاً لهباً
يُحوِّم من بعيدٍ،
عندما تَعْبرُ آصال التخومْ؟!
هل غاب عنكَ تخطُّفي عند انبلاج الشدْو موصولاً،
تَحوكُ به العنادِلُ،
قصةَ الضوءِ المسافر
خلْفَ أسرابِ الغيومْ؟!
عصفتْ بكَ الأنواءُ،
أطفأَتِ الهديلَ بخافقيكَ
فلُذْتَ بالصمت المضرَّجِ
بالخشوع السَّرمديّ
وانْداحَ موجٌ هادرٌ
أوْدى بنفح الطيب
يُنضحُ من شرايين الخوابي،
سالَ من مُشْتارها
أرجُ اللُّعابْ!
***
يا دوحة الإِيناس
أهرقْتَ الدموعَ
فأيْنَعَ الترْبُ الذي ضمَّ الجوى...
فمتى الإيابْ؟
حتى مَ أجرعُ حُزني الموّارَ من حولي
كما الصوتُ المجلجلُ في دهاليز العذابْ؟!
***
يا طولَ ما طربتْ رؤايَ
على تباريح الهنيهات الشجيَّه،
وتسامرتْ رجَعاتُ صوتك
في مرابع وحدتي
حُللاً من الأذكار والنجوى العليَّهْ!
اُبْسُطْ جناحَكَ في عُلاكَ
مع الأهازيج - الغداةَ - تهُبُّ جَذْلى
مثقلاتٍ بتعِلاتٍ براها الانجذابْ
واسْكُبْ مُرَتَّلكَ المُذوَّبَ في جِمار البوحِ...،
يا للانْسكاب؟! ■