من المكتبة العربية: «في مرابع الذكرى»

  من المكتبة العربية: «في مرابع الذكرى»
        

          اتسعت دائرة كتاب أنور عبدالله النوري «في مرابع الذكرى» من نطاق المذكرات التي تحكي سيرة صاحبها من أربعينيات القرن الماضي, حتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلى فضاء الرصد الشامل للتحولات الجذرية التي طرأت على دولة الكويت وانتقالها من المجتمع البسيط الهادئ إلى الدولة الحديثة المترعة بالحركة والضوضاء، من مرحلة معلمي الكتاتيب وتلقي العلم الرفيع في الخارج إلى مرحلة بناء أول جامعة في منطقة الخليج العربي أواخر الستينيات، من بيوت الطين العشوائية إلى المساكن السميكة الموزعة في انتظام، وأخيرا تبدل أنماط معيشة وعادات الناس الاستهلاكية من اقتصاد الكفاف إلى اقتصاد العيش الرغيد.

ينقسم الكتاب الذي يقع

          في 348 صفحة إلى خمسة أقسام، حرص المؤلف على إثرائها بالصور التذكارية التي أضفت على النص أبعادًا عميقة ولمسات دافئة، وعنون النوري أقسام كتابه الخمسة بأسماء تشرح ما فيها: القسم الأول «من شرق الكويت إلى شمال ويلز»، القسم الثاني «في مخاض جامعة الكويت»، القسم الثالث «من عالم الفكر إلى عالم المال»، القسم الرابع «الوزارة وأوزارها»، القسم الخامس والأخير «من محرقة الغزو إلى فرحة العودة إلى الوطن»، وداخل كل قسم توجد عناوين فرعية.

هدم سور الكويت

          وُلد المؤلف وفق سجل عائلة النوري في 17 أغسطس 1940 في فريج العاقول ويقع أقصى الشرق من مدينة الكويت القديمة شرق المستشفى الأميري باتجاه قصر دسمان.

          وسلّط النوري الضوء على أيام دراسته في ثانوية الشويخ والمواسم الثقافية التي تقام فيها، ثم انتقاله للدراسة في العاصمة البريطانية لندن بعد تخرجه، حيث درس تخصص الكيمياء في كلية العلوم، ودوره في تأسيس رابطة الطلبة الكويتيين في المملكة المتحدة وأيرلندا، ويسجل النوري التغير الكبير الذي طرأ على الكويت من الناحية العمرانية بعد عودته الثانية من لندن وتمثل في هدم سور الكويت التاريخي مع الإبقاء على بوابات هذا السور، وبعد خمس سنوات عاد النوري من جديد لثانوية الشويخ ليعمل فيها مدرساً لمادة العلوم.

تأسيس جامعة الكويت

          في عام 1963 تولى المؤلف منصب وكيل وزارة التربية المساعد للشئون الفنية وشارك في وضع أساسات جامعة الكويت وعن تلك المرحلة يقول أنور النوري: «كانت فكرة إنشاء جامعة في الكويت قد بدأت منذ بداية الستينيات، وعندما تقدمت دائرة المعارف بطلب إلى منظمة اليونسكو لتكوين لجنة لدراسة إنشاء جامعة في الكويت، واستجابت المنظمة بتعيين لجنة ضمت السير إيفور جينجز نائب رئيس جامعة كمبريدج والدكتور سليمان حزين مدير جامعة أسيوط والدكتور قسطنطين زريق من الجامعة الأمريكية في بيروت».

          ويضيف النوري: «قدمت اللجنة تقريرها في مارس 1960.. وبناء عليه رأت الجامعة افتتاح الجامعة في العام الدراسي 1964 / 1965، بدءًا بنواة جامعية هي كلية المعلمين وأخرى للمعلمات لسد الحاجة الماسة إلى المدرسين الكويتيين»، ويرصد النوري بعض أصداء إنشاء الجامعة في المجتمع الكويتي، حيث انقسم الناس إلى فريقين، فريق رحب بالفكرة ويرى أنها ضرورة حتمية وفريق كان يخشى من «الاختلاط» وما قد يجلبه من مفاسد للمجتمع، أما أقل الاعتراضات فكانت لا تعارض الجامعة، لكنها ترى أن الوقت مازال مبكرا لإنشائها.

          وعندما تسلم الوزير خالد المسعود وزارة التربية وهو شخصية عرف عنها الجرأة والإقدام، قرر المضي قدما في مشروع الجامعة وتم استقدام لجنة من الخبراء المصريين برئاسة د. عبدالفتاح إسماعيل والذي أصبح لاحقا أول رئيس لجامعة الكويت، ويعاون هذا الفريق فريق محلي كان مؤلفًا من بينهم والمهمة هي الإعداد لإنشاء الجامعة، وفي عام 1966 صدر قانون التعليم العالي وليس به أي ذكر لجامعة الكويت، وهو قانون يتحدث عن كليات للتعليم العالي وقد روعيت في صياغته أن يتم لاحقا استبدال «الجامعة» بـ«التعليم العالي» وهو ما حصل لاحقًا، وقد قبل النوري تولي منصب أمين عام جامعة الكويت بعد ترشيح الدكتور إسماعيل له وترحيب وزير التربية وزملائه في العمل.

          ويشير النوري إلى أن مباني جامعة الكويت في عامها الدراسي الأول، الذي انطلق في 1966 / 1967 لم تكن في حينها مهيأة للتعليم الجامعي، لأنها أنشئت لتكون مدارس ثانوية، مع أن النية كانت تتجه لإنشاء مدينة جامعية من البداية، وقد احتلت كلية العلوم والآداب والتربية مبنى ثانوية الخالدية، واحتلت كلية البنات مبنى ثانوية كيفان، وفي العام التالي مباشرة تم إنشاء كلية التجارة واحتلت مبنى ثانوية العديلية.

          وتحت عنوان «الجامعة والتعصب الديني» تتوقف ذكريات النوري عند محطة الندوة الشهيرة، التي عرفت بندوة الاختلاط، التي أقيمت عام 1971 وتحدث فيها كل من وزير التربية الأسبق والنائب في البرلمان آنذاك خالد المسعود والدكتور عبدالعزيز السلطان والدكتور سعد عبدالرحمن والكاتبة والصحافية فاطمة حسين، وجميعهم كانوا مؤيدين للاختلاط.

          الوقائع تبدأ بجمهور ضخم، كثير منه ليس من طلبة الجامعة، وأصوات غاضبة معترضة على الندوة بدأت بالزحف نحو خشبة المسرح «وهنا بدأ التدافع والضرب بين مؤيدي الندوة ومعارضيها لتنتهي الندوة بمعركة قبل أن تبدأ».

حقيبة وزارة التربية

          قبل أن يتولى النوري منصب وزارة التربية انتقل لموقع جديد ومختلف تماما عن العمل في وزارة التربية أو جامعة الكويت،  وهو رئاسة البنك الصناعي ولعل عنوان هذا الفصل فيه الكثير من الدلالات «من عالم الفكر إلى عالم المال»، حيث يعترف النوري بقوله «لا سابق خبرة لي بالبنوك والمصارف وعالم المال»، وعن وزارة التربية يشير المؤلف إلى أنه لم يفاجأ حينما طلب للوزارة لأن اسمه كان متداولا في وزارات سابقة، وبعد خروجه من مكتب الشيخ سعد العبدالله وهو ولي العهد ورئيس الحكومة حينذاك قال: «بدأت الأفكار والهواجس تنتابني هل أخطأت بقبولي؟ وبدأت أعدد ما سأكسبه وما سأخسره بانتقالي من البنك الصناعي إلى كرسي الوزارة».

          ويخلص النوري إلى أن مأساة وزارة التربية الحقيقية تكمن في محاولات تسييسها وصدور قرارات تربوية على أسس سياسية لا أسس فنية موضوعية، وهذا الوضع هو الذي جعل وزارة التربية محل نقد دائم من التيارات السياسية كافة، وفي موضع آخر يقول «حاولت قدر استطاعتي عدم الرضوخ لواسطة أو ضغط...»، مضيفًا: لا جدوى من تحديث المناهج أو التنظيم الإداري أو استخدام التكنولوجيا في غياب قيم العمل.

          واستعرض النوري محطات تاريخية مهمة مثل الغزو العراقي للكويت ومؤتمر جدة وعودته للوزارة من جديد ولكن هذه المرة إلى وزارة الصحة عام 1996 لمدة سنة، وأخيرا توليه منصب رئيس مجلس إدارة  شركة بيت الاستثمار العالمي (غلوبل) وهي آخر محطة عمل في حياة أنور النوري.

خلاصة

          لقد اكتسب كتاب أنور النوري «في مرابع الذكرى» أهمية خاصة كونه انضم لركن السير الذاتية، الذي تفتقده المكتبة العربية عمومًا والكويتية خصوصًا، لأن الكثير من السياسيين وأصحاب القرار الذين عاشوا في مراحل التحول المهمة من تاريخ أوطانهم وساهموا فيها بصورة أو بأخرى، انتقلوا إلى رحمة الله دون أن يتركوا أثرًا أو شهادة مكتوبة يستفيد منها بحاثة التاريخ كما لم يدونوا عصارة تجاربهم التي يحتاج إليها الشباب وهم في بداية حياتهم العملية.

 

 

أنور عبدالله النوري   





أنور النوري صاحب السيرة





 





مع رئيس مجلس الأمة السيد جاسم الخرافي أيام الدراسة في بريطانيا





من اليمين أنور النوري مع مدير جامعة الكويت د. حسن الإبراهيم وعبد الرحمن المضاحكة الأمين المساعد





أنور النوري مع الفرقة الكشفية لرابطة طلبة الكويت في المملكة المتحدة وإيرلندا وقد أخذت الصورة مع عمدة مدينة مارلو في إبريل عام 1958