في الذكرى السنوية لصدور مجلة العربي رحلة البحث عن عريس العدد الأول خليل المريخي

في الذكرى السنوية لصدور مجلة العربي رحلة البحث عن عريس العدد الأول خليل المريخي

لطالما اكتسب العدد الأول من مجلة العربي الصادر في ديسمبر 1958م، خصوصية سحرية تزايدت مع مرور الزمن، كما اكتسبت أسماء وصور ومواضيع ذلك العدد شهرة استثنائية تجاوزت الشهرة التقليدية، التي تتوقف غالباً عند غلاف العدد الأول وتكتفي به، خاصة افتتاحية العدد التي كتبها رئيس التحرير الأول لمجلة العربي الراحل الدكتور أحمد زكي، التي تعد منهاج «العربي» وسياستها العامة كمجلة تصدر من الكويت لكل العرب، وهي السياسة التي مازالت تحافظ عليها.

 

 إن محتويات العدد الأول لمجلة العربي شملت فيما أتى بعد افتتاحية رئيس التحرير، ما يمكن أن نطلق عليه التطبيقات اللازمة التي جعلت من تلك الافتتاحية واقعاً ملموساً لمفهوم المجلة الثقافية الشاملة لفروع المعرفة، والمنفتحة على جميع الأقطار العربية، سواء في إحيائها لأدب الرحلة المعاصرة (الاستطلاعات)، أو في الأقلام المميزة التي أنارت صفحاتها، الأمر الذي أحدث دوياً مُستحقاً على الساحة الثقافية العربية، ازداد حضوراً وتكريساً لمكانتها مع دخولها في صلب قضايا التحرر العربي من الاستعمار، ودفاعها الممنهج عن اللغة العربية وقضاياها.
 
الفاصل بين 50 سنة راحلة و50 سنة قادمة
في ديسمبر من عام 2007 أطلقت مجلة العربي احتفالاتها بمناسبة اليوبيل الذهبي (الذكرى الخمسون على تأسيسها)، وفي الشهر نفسه عادت فتاة الغلاف الأول الشهير نفسها لتتصدر غلاف العدد رقم 589 في استعادة لمّاحة وذكية فصلت ما بين الـ50 سنة الأولى من عمر المجلة والـ50 سنة القادمة انطلاقاً من فتاة الغلاف نفسها مع إطلالة على العالم العربي في نصف قرن.
 
ولادة الفكرة ومن أين نبدأ؟
ذلك العدد ألهمني فكرة البحث عن مشاهير العدد الأول الذين وصلت لهم مجلة العربي ونشرت صورهم في استطلاعاتها، التي امتدت على طول وعرض الوطن العربي (العراق، البحرين، اليمن، مصر، الجزائر)، وكل ذلك في عدد واحد دفعة واحدة.
كان استطلاع الجزائر عن جيش التحرير أول موضوع فكرت فيه، لما يحمله من جهد ومخاطرة قامت بهما «العربي» في الوجود بمنطقة يسودها القتال والموت، إذ كان الوصول لأي مقاتل ممن نشرت صورهم في ذلك الاستطلاع كفيلاً بأن يجيب عن سؤالك كيف عرفتم بوصول بعثة مجلة العربي؟ شريطة أن يكون على قيد الحياة.
لم تكن الجغرافيا أو طريقة الوصول هي العقبة، ولكنها مسافات الزمن التي ألقت بفرضيات وأسئلة منطقية جدا، فمن يضمن أن من أبحث عنهم بعد ستين سنة تقريباً مازالوا على قيد الحياة ويتمتعون بذاكرة جيدة؟ العدد الأول صدر في ديسمبر  1958م ومن نشرت صورهم حتى لو كانوا في العشرينيات من أعمارهم حينذاك، فهذا يعني أننا نبحث عن أشخاص على أعتاب الثمانين عاماً.
 
 الاسم مفتاح والوسيط مؤرخ
تضمن استطلاع البحرين الذي كان بعنوان «هذه الجزيرة تجمع أربع حضارات قديمة» بارقة أمل تمثلت في ذكر اسم أحد الوجوه التي نشرت صورتها ضمن ذلك الاستطلاع، وفي الصفحة 80 ورد اسم السيد «خليل المريخي» ضمن تعليق الصورة وهو محاط بالمهنئين يوم حفل زفافه، وعليه تم تحديد الهدف.
 رحلة البحث بدأت أولاً في أرشيف مجلة العربي، أملاً في إيجاد صور جديدة للسيد خليل المريخي تضيف للموضوع الجديد أبعاداً بصرية لم تأخذ في حينها فرصة للنشر، تلك العملية استغرقت وقتاً أطول من المتوقع، ولكنها انتهت بمفاجأة جميلة، أن الصورة التي نشرت في حينها خضعت لبعض التعديلات لكي تلائم المساحة المتاحة لها، ولكنها في الحقيقة أوسع من ذلك، كما توجد صورة ثانية  للمريخي وهو جالس لم تنشر من قبل. المرحلة الثانية التي استغرقت أقل من العام، تلخصت في السؤال عن مكان المريخي، البداية كانت صعبة ولكن أهل البحرين معروفون بالكرم ومد يد العون للغريب قبل الصديق، وبعد جولة من الاتصالات، وفقنا الله بالوسيط النشط الأستاذ المؤرخ صقر عبدالله المعاودة، الذي كان جسر التواصل الفعَّال، ولم يقتصر دوره على إرشادنا إلى طريق عريس العدد الأول، ولكنه أمدّنا بمجموعة من الصور المهمة التي التقطها بنفسه وننشر بعضها مع هذا الموضوع.
 
ذكريات خليل المريخي 
لم يكن خليل المريخي شخصية ترتضي القبول بالأدوار العادية في الحياة، فهو مؤرخ وناشط في العمل التطوعي ومؤسساته، ولكنه في الوقت نفسه يؤثر التواضع والابتعاد عن الأضواء، وربما كان ذلك سبباً مباشراً في عدم الوصول إليه بسهولة إلا عن طريق صديق مقرب، لكنه عندما علم بأن حبيبته مجلة العربي تبحث عنه تخلى عن عاداته  – أطال الله في عمره – وأتاح لنا التواصل معه في حوار مركز عن ذكرياته خلال زيارة بعثة «العربي» المكونة من اثنين هما الكاتب سليم زبال والمصور أوسكار متري. عن كيفية استدلال مجلة العربي على المكان الذي أقيم فيه حفل زفافه، يكشف المريخي أن: مدير إذاعة البحرين الأسبق المغفور له بإذن الله إبراهيم كانو كان يعلم بتاريخ زفافي، وكان في 4 يوليو من عام  1958م، واتصل بي من مكتبه وأبلغني بأن لديه ضيوفاً أعزاء من دولة الكويت يمثلون بعثة مجلة العربي، يرغبون في حضور حفل زفافي والتقاط بعض الصور، بهدف إعطاء القارئ العربي صورة عن عادات وتقاليد الزواج في البحرين ونشرها في العدد الأول. 
وعن ردة فعله قال المريخي:  رحبت كثيراً بتلك الزيارة وسعدت بأن تكون صورتي منشورة في العدد الأول من «العربي».
وعن مكان حفل الزفاف، أفاد المريخي بأنه أقيم في منزل عمه أحمد بن خليل المريخي، أما طريقة الدعوة فقد حرص على توزيع مئات الدعوات المطبوعة لدى مطبعة النجاح لصاحبها حسن فخرو.
 وعن كيفية كسبه للرزق في حينها وهل كان حرفياً أم موظفاً؟ بين المريخي أنه كان يعمل لدى دائرة الصحة العامة كما كان اسمها حينذاك، وكان يشغل منصب رئيس كتاب.
سألنا المريخي: هل دار حديث ولو قصير مع بعثة «العربي» وهل كان الحضور يعلم بطبيعة وجودهما؟ فأجاب: كما تعرف كنت مشغولاً باستقبال المهنئين ولم أجد الوقت الكافي للتحدث معهما،  لكنهما أنجزا عملهما بحرية، ولم يعلم أحد من الحضور بطبيعة عمل سليم زبال أو أوسكار متري سواي، كما لم يسألهما أحد عن هويتهما، خصوصاً أن وجود مصور في يوم زفاف أمر طبيعي جداً، ولكن في ظروف مختلفة لا بد أن يلفت عملهما الأنظار. 
وفي سياق الموضوع نفسه الذي كتبتْ عنه «العربي» قبل ستة عقود عن غلاء المهور وتكاليف الزواج، علق المريخي بأن: لكل زمان عاداته وتقاليده، وفي أيامي قبل ستة عقود كانت تجهيزات حفل الزفاف بسيطة والمصاريف معقولة، هل تصدق أن الحجرة التي جُهزت لتكون صالة استقبال الضيوف لم توضع فيها المفروشات التي تستعمل في مثل هذه المناسبات؟ وفقط تم تعليق بعض المرايا للزينة وكجزء من الديكور، أما اليوم فمصاريف الزواج باهظة ومعقدة أحياناً.

«العربي»... وعتاب المحب 
عن علاقته بمجلة العربي وهل مازالت مستمرة اليوم، يؤكد الأستاذ خليل المريخي أنه: «مازال مواظباً على اقتنائها منذ العدد الأول وحتى اللحظة»، وهو لايزال  يعتبرها مرجعاً لكل من ينشد المعرفة في الثقافة والأدب والتاريخ وبحور الشعر وجميع حقول المعرفة التي حرصت المجلة على تناولها.
ويواصل حديثه: «العربي»  كبرت وانتشرت في كل مكان خصوصاً عندما تأخذنا باستطلاعاتها المشوقة من بلد إلى آخر، ولكن زيارتها للبحرين تأخرت وطالت كثيراً وأخشى أن ينطبق عليكم المثل البحريني الشعبي «عين عذاري تسقي البعيد وتخلي القريب»، وكان ردنا على الأستاذ خليل المريخي بأن عتبه مقبول، وها هي «العربي» تزور البحرين مجدداً من خلال أحد أبنائها المخلصين ■

 

خليل المريخي يشير إلى صورته المنشورة في العدد الأول لمجلة «العربي» وذلك في حفل تدشين الكتاب الأول للمؤرخ البحريني صقر بن عبدالله المعاودة بعنوان «البحرين في صحافة الماضي» في عام 2012، والصورة بعدسة المؤرخ المعاودة