رائد الانطباعية في الفن العربي الحديث فائق حسن... فنان الفضاء الطلق

رائد الانطباعية في الفن العربي الحديث فائق حسن... فنان الفضاء الطلق

إذا‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬فنان‭ ‬امتلك‭ ‬لغته‭ ‬الفنية‭ ‬بقدرة‭ ‬عالية،‭ ‬فإن‭ ‬الكلام‭ ‬سيكون‭ ‬عن‭ ‬فائق‭ ‬حسن،‭ ‬الفنان‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬اللبنة‭ ‬الفعلية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬العراقي‭ ‬الحديث‭ ‬إبان‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬ممتداً‭ ‬بتطوره،‭ ‬رؤية‭ ‬وأسلوباً،‭ ‬إلى‭ ‬نهايات‭ ‬القرن‭.‬\

إذا‭ ‬كان‭ ‬فائق‭ ‬حسن‭ ‬قد‭ ‬دخل‭ ‬عالم‭ ‬الفن‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الطبيعة،‭ ‬فلأنه‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬فنانين‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬سبقوه‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬ما‭ ‬يُعزز‭ ‬خطوته،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬وجد‭ (‬كما‭ ‬وجد‭ ‬اجيتينيب‭ ‬عام‭ ‬1437‭) ‬أن‭ ‬االباب‭ ‬المظفّر‭ ‬الذي‭ ‬يُفضي‭ ‬إلى‭ ‬الرسم‭ ‬هو‭ ‬الطبيعةب‭... ‬فركّز‭ ‬منظوره‭ ‬الفني‭ ‬في‭ ‬الأشياء‭ ‬المرئية‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نبع‭ ‬اعتداده‭ ‬بالطبيعة،‭ ‬آخذاً‭ ‬نفسه،‭ ‬وعمله‭ ‬الفني،‭ ‬بما‭ ‬أخذت‭ ‬به‭ ‬المثالية‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬التي‭ ‬ذهب‭ ‬فنانوها‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬الا‭ ‬شيء‭ ‬جميلاً‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حقيقيب،‭ ‬وأن‭ ‬الحقيقي‭ ‬وحده‭ ‬الجدير‭ ‬باهتمام‭ ‬الرسَّام،‭ ‬لنجد‭ ‬أعماله‭ ‬الأولى‭ ‬بمنزلة‭ ‬تجديد‭ ‬للطبيعة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬اينظر‭ ‬إليهاب‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬اينظر‭ ‬فيهاب،‭ ‬مستغوراً‭ ‬أعماقها‭ ‬الحيّة‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الطبيعة،‭ ‬بمشاهدها‭ ‬الحية،‭ ‬كانت‭ ‬افورة‭ ‬الخلقب‭ ‬عنده‭ ‬لتُحرّكه،‭ ‬ذاتاً‭ ‬إبداعية،‭ ‬باتجاه‭ ‬اصطناع‭ ‬انماذجب‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬إغراءً‭ ‬من‭ ‬الطبيعة‭ ‬نفسها‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمشاهد‭. ‬فهو‭ ‬حين‭ ‬رسم‭ ‬الخيول،‭ ‬مثلاً،‭ ‬جعلها‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الطبيعة‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭. ‬وحتى‭ ‬حين‭ ‬اتجه‭ ‬بعمله‭ ‬الفني‭ ‬خارج‭ ‬الطبيعة‭ ‬بتكويناتها‭ ‬الحيّة،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يتخلّص،‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬تلك،‭ ‬من‭ ‬مشكلاتها‭.‬

فهل‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬توجهه‭ ‬هذا‭ ‬يذهب‭ ‬مع‭ ‬اغوتيهب‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬رأى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬االفن‭ ‬لا‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬نقل‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وإنما‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬وسيلة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬مَثَلٍ‭ ‬أعلى‭ ‬داخليب،‭ ‬وأن‭ ‬االفنان‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬عالماً‭ ‬مصغّراً‭ ‬كاملاًب؟

لعله‭ ‬بدأ‭ ‬من‭ ‬هناك،‭ ‬ولذلك‭ ‬صار‭ ‬يرسم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انموذجب‭ ‬حي‭ (‬الغابات‭ ‬الساكنة‭ ‬الأشجار،‭ ‬والخيول‭ ‬بحركاتها‭ ‬النافرة‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬جامد‭ (‬الزقاق‭ ‬والبيت‭ ‬البغدادي‭ ‬القائم‭ ‬فيها‭ ‬بطُرز‭ ‬معمارية‭ ‬تراثية‭)‬،‭ ‬وصار‭ ‬يرسم‭ ‬هذا‭ ‬كلّه‭ ‬بحساسية‭ ‬يمكن‭ ‬تسميتها‭ ‬بـاحساسية‭ ‬التلقيب،‭ ‬مقدّما‭ ‬ما‭ ‬يسهل‭ ‬على‭ ‬مشاهد‭ ‬لوحته‭/ ‬عمله‭ ‬الفني‭ ‬تعرّفه‭. ‬فهو‭ ‬ينقل‭ ‬اجمالية‭ ‬الواقعب‭ ‬الذي‭ ‬ذهب‭ ‬بعمله‭ ‬الفني‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬المشاكلة‭ ‬معه،‭ ‬وكانت‭ ‬براعته‭ ‬رائياً‭ ‬مصدر‭ ‬التنوع‭ ‬عنده،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬الواحد‭. ‬والمهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬ليست‭ ‬موضوعاته‭ ‬بذاتها،‭ ‬وإنما‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬اتبعه‭ ‬في‭ ‬تجسيدها‭/ ‬تمثيلها‭ ‬أشكالاً‭ ‬فنية‭ ‬لها‭ ‬خصوصيتها‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬خصوصية‭ ‬نظرته‭ ‬الذاتية‭ ‬فناناً‭. ‬فهو‭ ‬وإن‭ ‬يكن‭ ‬خرج‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬العاري،‭ ‬لم‭ ‬يقدّم‭ ‬افناً‭ ‬عارياًب‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الفنان‭ ‬اهو‭ ‬من‭ ‬يصنع‭ ‬الفن‭ ‬التصويريب،‭ ‬وفق‭ ‬الفنان‭ ‬الإيطالي‭ ‬بوسكيني،‭ ‬فإن‭ ‬فائق‭ ‬حسن‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أوجد‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُعدّ‭ ‬معادلة‭ ‬بين‭ ‬االشكلب‭ ‬المتفوّق‭ ‬تكويناً،‭ ‬وااللونب‭ ‬المتفرّد‭ ‬خاصية‭ ‬لونية‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬فائق‭ ‬حسن‭ ‬ارسّام‭ ‬الطبيعةب‭ ‬المتميّز،‭ ‬فإن‭ ‬تميّز‭ ‬هذه‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الفني‭ ‬متأتٍ‭ ‬مما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬ذاتي‭ ‬عليه،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يندفع‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الكشف،‭ ‬وبقوّة‭ ‬ذاتية‭ ‬عالية،‭ ‬عما‭ ‬لهذه‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬خفيّة،‭ ‬جامعاً‭ ‬في‭ ‬لوحته‭ ‬هذه‭ ‬بين‭ ‬االخيال‭ ‬النافذب‭ ‬واالرؤية‭ ‬المؤصّلةب‭ ‬موضوعاً‭.‬

 

وجهاً‭ ‬لوجه‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة

عندما‭ ‬كان‭ ‬فائق‭ ‬حسن‭ ‬يخرج‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة‭ ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬ليراها‭ ‬بكليتها،‭ ‬وليس‭ ‬بتمثله‭ ‬التخييلي‭ ‬لها‭: ‬بساتينها‭ ‬وما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬شجر‭ ‬وزرع،‭ ‬وجبالها‭ ‬وما‭ ‬يُعرّش‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬شجر،‭ ‬وأرضها‭ ‬الصحراوية‭ ‬المنبسطة‭ ‬وما‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬خيول‭ ‬وساستها،‭ ‬محققاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬جمالية‭ ‬الخلق‭ ‬الفني‭ ‬في‭ ‬لوحته‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يلتفت‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬الآراء‭ ‬التي‭ ‬عاصرتها‭ ‬بداياته،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬توجّه‭ ‬الفنان‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة،‭ ‬والتعاطي‭ ‬معها،‭ ‬صورة‭ ‬ومشهداً،‭ ‬يمثّلان‭ ‬امحاكاة‭ ‬ذليلةب‭ ‬لها،‭ ‬بل‭ ‬سيتجاوز‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬به‭ ‬ابودليرب،‭ ‬أهمية‭ ‬حضوره‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬االطبيعة‭ ‬مبتذلةب،‭ ‬لا‭ ‬تعبير،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬المطلق،‭ ‬الذي‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬الفنان‭ ‬البحث‭ ‬عنه،‭ ‬فيها‭.‬

لم‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬هذا،‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬القائلين‭ ‬به،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬موقناً‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يُعيد‭ ‬اكتابتهاب،‭ ‬ولا‭ ‬يُجسدها‭ ‬بـالغة‭ ‬فنيةب‭ ‬بسيطة،‭ ‬وإنما‭ ‬يتخذ‭ ‬منها‭ ‬اموضوعاًب‭ ‬يُعبّر‭ ‬به‭ ‬عما‭ ‬اكتسب‭ ‬من‭ ‬طرائق‭ ‬التعبير،‭ ‬لا‭ ‬تطبيقاً‭ ‬لقواعد‭ ‬اعتباطية،‭ ‬وإنما‭ ‬بهاجس‭ ‬فنّي‭ ‬يدعمه‭ ‬تمثّلٌ‭ ‬مُبدع‭. ‬وهل‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬الفنان‭ ‬إلا‭ ‬خلق‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة‭ ‬لعالم‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مألوفاً؟

من‭ ‬هنا‭ ‬سيبتعد‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬ما‭ ‬أمكن،‭ ‬عن‭ ‬المحاكاة‭. ‬فهو‭ ‬وإن‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬الخاصية‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬االصورة‭/ ‬المشهدب،‭ ‬فإنه‭ ‬طبع‭ ‬اتعبيرهب‭ ‬هذا‭ ‬بأسلوب‭ ‬تتحدد‭ ‬فيه‭ ‬سمته‭ ‬الشخصية‭ ‬فناناً‭ ‬ـ‭ ‬وقد‭ ‬ظل‭ ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬تأكيدها،‭ ‬بحيث‭ ‬تقف‭ ‬لوحته،‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬االطبيعةب‭ ‬موضوعًا،‭ ‬بين‭ ‬حالتين‭ ‬جماليتين،‭ ‬وهما‭: ‬جمالية‭ ‬الطبيعة‭ ‬بذاتها،‭ ‬وجمالية‭ ‬الخط‭ ‬واللون،‭ ‬أو‭ ‬اجمالية‭ ‬الفنب‭ ‬الذي‭ ‬يعدّه‭ ‬ابندتو‭ ‬كروتشهب‭: ‬االجمال‭ ‬الحقيقيب،‭ ‬فهو‭ ‬اليس‭ ‬تقليداً،‭ ‬بل‭ ‬خلقب،‭ ‬وبـاعملية‭ ‬الخلقب‭ ‬هذه‭ ‬أمسك‭ ‬فائق‭ ‬حسن‭ ‬بالطبيعة‭ ‬جاعلاً‭ ‬منها‭ ‬شعلة‭ ‬إشعاع‭ ‬فني‭.‬

فإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬تناول‭ ‬هذه‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ (‬حيث‭ ‬الشجرة‭ ‬بتفرعات‭ ‬أغصانها‭ ‬وأوراقها‭ ‬الوارفة،‭ ‬والنبات‭ ‬المحيط‭ ‬بها‭ ‬أرضاً،‭ ‬أو‭ ‬الحصان‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬مرفوع‭ ‬العنق‭ ‬شامخ‭ ‬الرأس،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬الإطلالة‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬زقاق‭ ‬قديم‭ ‬تطلّ‭ ‬منه‭ ‬اامرأة‭ ‬قديمةب‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬وكأنها‭ ‬تخرج‭ ‬لتتساءل‭ ‬كمن‭ ‬يتساءل‭ ‬عن‭ ‬اوجودب‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭...)‬،‭ ‬فإنه،‭ ‬في‭ ‬جميعها،‭ ‬وفي‭ ‬سواها‭ ‬مما‭ ‬استأثر‭ ‬به‭ ‬عمله‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬الطبيعة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬كان‭ ‬كمن‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬اتوضيب‭ ‬نظامب‭ ‬من‭ ‬الرؤية‭ ‬يبني‭ ‬بها‭/ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬انظامه‭ ‬في‭ ‬الفنب‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬صعود‭ ‬مستمر‭ ‬بما‭ ‬ايرىب‭. ‬والمثير‭ ‬والمدهش‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬اسؤال‭ ‬الطبيعةب‭ ‬واما‭ ‬يقوله‭ ‬معناهاب،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬نظر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خارجها‭. ‬وهو،‭ ‬هنا،‭ ‬لا‭ ‬يُعيد‭ ‬ولا‭ ‬يستعيد،‭ ‬وإنما‭ ‬يُبدع،‭ ‬ناشراً‭ ‬عبر‭ ‬الخط‭ ‬وفي‭ ‬اللون‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬براعة،‭ ‬وإن‭ ‬كان،‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬هذا،‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬االارتجالب‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬االتصميم‭ ‬المسبّقب‭. ‬لقد‭ ‬كان،‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬ارينوارب‭ ‬الذي‭ ‬شكّل‭ ‬مثالاً‭ ‬حياً‭ ‬للانطباعيين‭ ‬في‭ ‬عصره،‭ ‬ومن‭ ‬بعده،‭ ‬وأخذ‭ ‬نفسه‭ ‬بحرية‭ ‬الرسم‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬مفتوح،‭ ‬حيث‭ ‬اسمة‭ ‬النبل‭ ‬والسموّب،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬انطباعيو‭ ‬عصر‭ ‬ذلك‭ ‬الفنان‭ ‬الفرنسي،‭ ‬فإن‭ ‬فناننا،‭ ‬وعلى‭ ‬هديْ‭ ‬خطاهم،‭ ‬سيبذل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرساء‭ ‬دعائم‭ ‬الرسم‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬التوجّه،‭ ‬وإظهار‭ ‬خصائصه‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يُقدّم‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬لها‭ ‬جماليتها‭ ‬الخاصة،‭ ‬بل،‭ ‬ووفق‭ ‬بعض‭ ‬دارسي‭ ‬الانطباعية،‭ ‬أنهم‭ ‬من‭ ‬أرسى‭ ‬دعائم‭ ‬هذه‭ ‬الجمالية‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬عصرهم‭. ‬وقد‭ ‬سلك‭ ‬فائق‭ ‬حسن‭ ‬مسلك‭ ‬أسلافه‭ ‬من‭ ‬الانطباعيين‭ ‬بالرسم‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الطلق،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬انشغال‭ ‬بما‭ ‬هنالك‭ ‬من‭ ‬امسائل‭ ‬نظريةب‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬سينشغل‭ ‬بها‭ ‬غير‭ ‬فنان‭ ‬من‭ ‬معاصريه‭.‬

‭ ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬االتجريدب‭ ‬قد‭ ‬استهواه‭ ‬يوماً‭ ‬فاستأثر‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬الفني،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يمكث‭ ‬معه‭ ‬طويلاً،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الزقاق‭ ‬القديم،‭ ‬والوجوه‭ ‬التي‭ ‬تعرّف‭ ‬إليها‭ ‬فيه،‭ ‬وإلى‭ ‬الخيول‭... ‬وكأنها‭ ‬االحقائق‭ ‬الموضوعيةب‭ ‬التي‭ ‬تجلت‭ ‬بها‭ ‬مهارته‭ ‬الفنية،‭ ‬وقد‭ ‬تمثلت،‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬تمثلت،‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬البارع‭ ‬مع‭ ‬اللون‭ ‬الذي‭ ‬احتشد‭ ‬عنده‭ ‬بدلالات‭ ‬ذاتية‭ ‬ذات‭ ‬عُمق‭ ‬في‭ ‬نفسه،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬ذاكرته‭ ‬التصويرية‭.‬

 

التواصل‭... ‬لا‭ ‬الاختلاف

من‭ ‬هنا‭ ‬ينبع‭ ‬الاختلاف‭ ‬الجوهري‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬الفنية‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬أهم‭ ‬فنان‭ ‬عاصره‭: ‬جواد‭ ‬سليم،‭ ‬الذي‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تاريخ،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أخذ‭ ‬فائق‭ ‬حسن‭ ‬نفسه‭ ‬وفنّه‭ ‬بالعيش‭ ‬في‭ ‬الطبيعة،‭ ‬التي‭ ‬اجتذبه‭ ‬ألقها،‭ ‬فراح‭ ‬يُبرز‭ ‬ما‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬برؤية‭ ‬جمالية‭ ‬متفوّقة‭ ‬عليها،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬فيه‭ ‬جواد‭ ‬تحت‭ ‬سلطتين‭: ‬سلطة‭ ‬الواقع‭ ‬بما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬اندفاعات‭ ‬حيّة،‭ ‬وسلطة‭ ‬التاريخ‭ ‬بما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تمثيل‭ ‬خالد‭ ‬للإنسان‭ ‬وجوداً‭ ‬ودوراً‭ ‬إنسانياً،‭ ‬متمثلاً‭ ‬ذلك‭ ‬بما‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬تراث‭ ‬وادي‭ ‬الرافدين‭ ‬مما‭ ‬أبدعته‭ ‬حضارته‭ ‬القديمة،‭ ‬إذ‭ ‬راح‭ ‬يبحث‭ ‬للاثنين‭ ‬عن‭ ‬ازمان‭ ‬آخرب‭ ‬يُجسدهما‭ ‬فيه،‭ ‬كاشفاً‭ ‬عما‭ ‬يحملان‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬إنسانية‭ ‬جديدة‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬ظل‭ ‬فائق،‭ ‬واستمرّ‭ ‬يجلو‭ ‬اصور‭ ‬الطبيعةب‭ ‬كما‭ ‬تتمثل‭ ‬له،‭ ‬أو‭ ‬تتخايل‭ ‬لرؤاه،‭ ‬فمنها‭ ‬بدأ،‭ ‬وإليها‭/ ‬بها‭ ‬سينتهي‭.‬

وعلى‭ ‬هذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬لوحة‭ ‬الفنان‭ ‬فائق‭ ‬حسن‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬إدراكاً‭ ‬مباشراً‭ ‬لجانب‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬االطبيعيب،‭ ‬فتُجسّده‭ ‬فنياً‭ ‬ببعد‭ ‬جمالي‭ ‬مضاف،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬عمل‭ ‬فنيّ‭ ‬يحمل‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الفنان‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭. ‬فعادة‭ ‬ما‭ ‬يُقال،‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الموقف،‭ ‬إن‭ ‬االشيءب‭ ‬الذي‭ ‬يرسمه‭ ‬الفنان‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬االشيء‭ ‬بذاتهب‭ ‬مُدرَكاً‭ ‬إدراكاً‭ ‬حسياً‭ ‬محضاً،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬اشيءب‭ ‬عبر‭ ‬فيه‭ ‬الفنان‭ ‬عن‭ ‬ارؤية‭ ‬ذاتيةب،‭ ‬أو‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬
اتمثّل‭ ‬ذهنيب‭ ‬ناقلاً‭ ‬إياه‭ ‬إلى‭ ‬عالمه‭ ‬الجمالي‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬الخط‭ ‬واللون‭ ‬اللذين‭ ‬يُؤلف‭ ‬منهما‭ ‬االشكل‭ ‬الفنيب،‭ ‬بما‭ ‬يأخذه‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬من‭ ‬أبعاد‭ ‬التعبير‭ ‬عنده‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬النقّاد‭ ‬من‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الفن،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬وتأسيساً‭ ‬عليه،‭ ‬يصنع‭ ‬جماله‭ ‬من‭ ‬نسيج‭ ‬الغتهب‭ ‬الخاصة‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬االطبيعةب‭ ‬واالواقعب‭ ‬هما‭ ‬العالم‭ ‬الجمالي‭ ‬الخاص‭ ‬بهذا‭ ‬الفنان،‭ ‬فقد‭ ‬
جعل‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭ ‬كيفياته‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الفني،‭ ‬بما‭ ‬اجتمع‭ ‬لهذه‭ ‬الكيفية‭ ‬من‭ ‬مظاهر،‭ ‬وتأملات،‭ ‬وأخيلة‭.‬

فإذا‭ ‬أخذنا‭ ‬اعلم‭ ‬الجمالب‭ ‬بكونه‭ ‬اعلم‭ ‬التعبيرب،‭ ‬فإن‭ ‬النظر،‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭/ ‬البُعد،‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬الفنان‭ ‬فائق‭ ‬حسن‭ ‬يقف‭ ‬بنا‭ ‬على‭ ‬أبعاد‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬وأخصّها‭: ‬إن‭ ‬الفن‭ ‬عيان،‭ ‬وهو‭ ‬عنده‭ ‬عيان‭ ‬يأخذنا،‭ ‬ومن‭ ‬قبلنا‭ ‬أخذ‭ ‬الفنان،‭ ‬نحو‭ ‬جهة‭ ‬يتعيّن‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬االعيان‭ ‬الشخصيب‭ ‬الذي‭ ‬رأى‭. ‬وبهذا‭ ‬فهو‭ ‬يُعيد‭ ‬تكوين‭ ‬االصورة‭ ‬في‭ ‬اللوحةب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذاته‭/ ‬عيانه،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نغفل‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬تكوينه‭ ‬فناناً‭ (‬أعني‭: ‬التمثُّل‭ ‬والخيال‭ ‬عنده‭)‬،‭ ‬فبه‭/ ‬ومن‭ ‬خلاله‭ ‬يكون‭ ‬االتكوين‭ ‬الجديدب‭.‬

 

الفنان‭ ‬وخصائص‭ ‬هويته‭ ‬التجديدية

في‭ ‬سياق‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬الفنان،‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تستشفَّ‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬تكوينية،‭ ‬هل‭ ‬في‭ ‬مقدورنا‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬اهويّة‭ ‬الفنانب‭ ‬وتمييزها‭ ‬ثقافياً؟

يمكن‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬الفنان‭ ‬فائق‭ ‬حسن،‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمله،‭ ‬كان‭ ‬فناناً‭ ‬شديد‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬الشعور‭ ‬الداخلي،‭ ‬وعلى‭ ‬الإحساس‭ ‬بالأشياء‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬خاصة‭. ‬وكانت‭ ‬العلاقة‭ ‬عنده‭ ‬بين‭ ‬االذاتب‭ ‬واالتعبيرب‭ ‬علاقة‭ ‬تكوينية،‭ ‬وإن‭ ‬حضوره‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬هو‭ ‬حضور‭ ‬الرؤية‭ ‬والخبرة‭.‬

قد‭ ‬يسأل‭ ‬مشاهد،‭ ‬أو‭ ‬قارئ‭ ‬للوحته‭ ‬هنا،‭ ‬عن‭ ‬تجليات‭ ‬خياله‭ ‬المبدع‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الفني‭ - ‬كما‭ ‬يُفترض‭ ‬بعمل‭ ‬الفنان‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ - ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بإمكان‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬مقدور‭ ‬فني،‭ ‬تحويل‭ ‬المشاعر‭ ‬والأحاسيس‭ ‬التي‭ ‬تُداخله‭ ‬إلى‭ ‬الانتظام‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـاالخيال‭ ‬المُبدعب،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬عمله‭ ‬هذا‭ ‬ينزلق،‭ ‬بحكم‭ ‬مدرسته‭ ‬الانطباعية،‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬المتشخَّص‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬فناناً‭ ‬مجدِّداً‭ ‬بانطباعيته‭ ‬هذه،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يعنيه‭ ‬كثيراً‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تحولاته‭ ‬الفنية،‭ ‬عملاً،‭ ‬بطيئة،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حوله،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فناننا‭ ‬منقطعاً‭ ‬عنه،‭ ‬يمضي‭ ‬في‭ ‬اتجاهات‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬تقنيات‭ ‬جديدة‭ ‬وإشاعتها‭ ‬بوصفها‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتمثّل‭ ‬فيه‭ ‬امستقبل‭ ‬الفنب‭.‬

 

كانت‭ ‬أعماله‭ ‬تتعدد،‭ ‬وكلما‭ ‬ازدادت‭ ‬عدداً‭ ‬ازداد‭ ‬عالمه‭ ‬غنىً‭ ‬بها‭/ ‬ومن‭ ‬خلالها،‭ ‬وكانت‭ ‬ألوانه‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬استجابة‭ ‬لعوالمه‭ ‬هذه‭ (‬من‭ ‬وجه‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬اللوحة‭ ‬منه،‭ ‬والقصيدة‭ ‬من‭ ‬شاعر.