الفجيـرة موانئ الأمل

في الطريق من دبي إلى الفجيرة هيَّأتُ نفسي للقاء بما دونته من عباراتٍ كاشفة، منها ما يؤرخ للمكان، وفيها ما يرتبط بالزمان، لكن القاسم المشترك الأهم بما كتبت واقتبست لم يكن سوى الإنسان. فهذه الجغرافيا العسيرة لم تكن لتمهدها غير السواعد الفتية، وهذا الطقس القاسي لم يكن يروضه غير الأفكار الخضراء، كما أن هذه القلوب؛ المحبة للثقافة والفن والأدب، لم يكن ليؤلفها معا غير ذلك الكائن الحي الذي بث نبضه عبر آثاره، سواء أضحت بائدة غابرة، أم أصبحت سائدة خالدة.
يبدأ اقتفاء أثر الإنسان على أرض الفجيرة في العصر الحجري، وهو ما تجلى لدى البعثات المنقبة قبل أكثر من 30 عاما في عدد من مناطق الإمارة أهمها مريشيد، وقدفع، والبثنة، ودبا، وقد كشفت الآثار واللقى عن أسلوب حياة من عاشوا على تلك الأرض؛ بين بحث عن الطعام، ودفاع عن النفس ضد الحيوانات المفترسة، وكان أغلب الأدوات الصوَّانية في المواقع الساحلية رؤوساً لسهام حجرية، يعود تاريخها للألفين الرابع والخامس قبل الميلاد.
كما شاعت تلال الأصداف البحرية، التي خلفها ساكنو الفجيرة، والتي وجدت في فترات ما بين 5000 و2000 سنة قبل الميلاد، حسبما وثَّق تحليل أصدافها بواسطة الكربون 14. وليس غريباً ألا توجد آثار لمستوطنات سكنية لقوم عاشوا حياة التنقل، لكن ما بقي كان المدافن، التي كشفت عن تحضر ذلك المجتمع الذي عاش في التاريخ السحيق، مثلما كشفت عن تواصله مع مجتمعات متحضرة أخرى، عبر البر والبحر.
وكانت أكوام الحجارة التي يشبه تشكيلها القباب، بالمئات، مدافن اكتشفت في منطقة جبل حفيت، بالعين، وقد انتشر طرازها ليظهر في قرى الفجيرة الأثرية، قرب دبا. وتلت حضارة حفيت، حقبة أم النار، نسبة لجزيرة تحمل الاسم نفسه في إمارة أبوظبي، وتعود للفترة بين 2700 و2000 قبل الميلاد.
ومثلما حدث مع تماثل المقابر في حفيت مع نظيرتها في الفجيرة، كان الأمر ذاته بين المقابر الدائرية التي بنيت خلال حقبة «أم النار» ووجدت في الفجيرة، ومنها ما كان في موقع البدية الأثري، الذي يمثل مبنى محاطاً بجدارين من الحجر، يبلغ قطر الداخلي نحو 26 متراً، وكان يضم مجموعة من الحجرات.
على صهوات جياد التاريخ سننتقل إلى الفجيرة في صدر الإسلام، حيث بعث النبي رسوله عمرو بن العاص برفقة أبي زيد بن السكن الأنصاري، إلى جيفر وعبد ابني الجلندي بن المستكبر الأزدي، وكانا يحكمان المنطقة آنذاك، داعياً إياهما للإسلام:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام ولَّيتُكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما. وخيلي تحل بساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما».
وقد ضمَّن هذه الرواية عن كتاب رسول الله الدكتور أحمد خليفة الشامسي، في مؤلفه القيم «تاريخ الفجيرى شواهد ودلائل أثرية»، نقلاً عن مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة لمحمد حميد الله، و«خاتم النبيين» للشيخ محمد أبوزهرة. وكان الحوار الهادئ المرافق للرسالة تنويراً عن الدين الجديد الذي سمع عنه ابنا الجلندي، وكانت استجابتهما وأتباعهما طواعية ورغبة، وتركا رسولي النبي يعلمان الناس الإسلام، ويجمعان الصدقة والزكاة، ويوزعانها على الفقراء، كما قام ولدا الجلندي بنشر الدعوة في أنحاء جنوب شرق الجزيرة العربية.
مسجد البدية
هنا سأقف عند أقدم أثر إسلامي في الفجيرة؛ مسجد البدية. غادرنا مدينة الفجيرة باتجاه دبا، وبعد أن قطعنا مسافة 35 كيلومتراً شمالاً، بالقرب من الطريق الساحلية، توقفت بنا السيارة ومعي دليلي رسول، عبرنا الطريق الأسفلتية، التي تشبه بساطاً من الحرير الأسمر، إلى الجهة الأخرى، حيث يستكين المسجد الصغير البنيان، والنادر العمارة، في حضن جبل تحرسه أبراج قلعة البدية.
لا تزيد مساحة مسجد البدية على ستة أمتار و80 سم طولاً، وستة أمتار ونصف المتر عرضاً، فرادة تصميمه الخارجي تبدت في القباب الأربع التي يشبه كل منها هرماً مدرجاً ثلاثي المصاطب، ينتهي بغطاء رأس مماثل لما يرتديه دراويش المولوية في حركتهم الدائرية، بينما في الداخل تزين محرابه وجدرانه نقوش هندسية، ومنبره الصغير سلالم نحتت من الحجر، وهناك أرفف للمصاحف، وفتحات كالكوات للتهوية، وسقفه الفريد لا يستخدم العوارض، بل ينهض على طريقة الأقواس في العمائر القوطية.
مع التمر الذي أعدته لضيوفها، تتحدث إلينا المرشدة السياحية لتخبرنا أن هذا الأثر الديني الفريد يعتبر أقدم مسجد معروف في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومازالت تقام به الصلوات، حتى إن ساحة أضيفت إليه في الخارج كي تتسع لمزيد من المصلين، ويعود تاريخه، حسبما كشفت بعثات الآثار الأسترالية، إلى عام 1446م، واستخدمت المواد المحلية في بنائه، مثلما استعمل الطين المحروق كمادة لربط صخوره، وقامت إدارة التراث والآثار بترميمه، وتأهيله ليكون أثراً سياحياً، فضلاً عن وظيفته الدينية، وافتتحه صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الفجيرة في الثالث عشر من مارس عام 2003.
من ساحة المسجد الصغيرة، يمكن للحاضر أن يرى برجي الحراسة القريبين منه، وهذه الأبراج تنتشر كلما اقتربنا من قلعة تاريخية وما أكثر هذه القلاع في الإمارة. سنزور أشهرها؛ قلعة الفجيرة، التي تقع أعلى تل صخري يرتفع 20 متراً عن سطح الأرض، في الشمال الغربي من قرية الفجيرة القديمة، التي زرناها مرتين، نهاراً وليلاً، وبدت في الليل كأنها موقع لفيلم سينمائي أسطوري تتحرك في دروبه أرواح أبطال التاريخ.
القلعة، كمعظم الآثار في المنطقة، مصنوعة من الخامات المحلية، وأثبت التحليل بكربون 14 تاريخ تشييدها بين عامي 1500 و1550م، وأن إعادة بنائها تمت بعد ذلك بقرن أو قرن ونصف القرن. صعدنا الدَّرَج العملاق، إلى درج أصغر داخلي، لنقف في باحتها الداخلية، ونتعرف على وظيفتها الأساس، الدفاع، ووظيفتها الثانوية بتحويل بعض غرفها إلى سجون، كما كانت بها غرفة المدبسة (مشتقة من الدبس، وهو مشروب التمر) المخصصة لجمع التمور، وقد أغلقت نافذة تلك الغرفة لتحتفظ بمناخ رطب وساخن من أجل إنتاج مشروب التمر الذي كان يسيل من تسعة مصبات عبر قنوات مدببة الرأس، حفرت أسفل أكوام التمر المدبوس للحصول على الشراب. وقد استخدم الطوب اللبن، والصخر الجبلي، والتبن النباتي في إنشاء هذه القلعة الفريدة بمكانها.
بطولة السيف
في المساء وصلنا إلى ساحة القلعة، وقد كستها أنوار تتجدد، تمثل علم دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يعلو سارية فوق برجها الرئيس. في الساحة الأرضية أنشئ مسرح له أربعة أضلاع، ثلاثة للجمهور وكبار الزوار ومواقف السيارات، بينما كان الضلع الرابع لهيئة التحكيم لبطولة السيف في دورتها الثالثة التي اعتبرت تدشيناً لمهرجان الفجيرة الدولي للفنون في دورته الأولى.
تعزيز الهوية الإماراتية وغرس الحس الوطني والاعتزاز بالفنون الشعبية الأصيلة كانت جميعاً أهداف إحياء هذه البطولة، التي شهد جولتها الأولى جمهور كبير تقدمه المهندس محمد سيف الأفخم، المدير العام لهيئة الفجيرة للثقافة والإعلام ومدير المهرجان، والأديب جريس سماوي وزير الثقافة الأردني الأسبق عضو اللجنة العليا المنظمة للمهرجان ومستشارها، وعبدالله الضنحاني عضو اللجنة المنظمة للمهرجان، وعلي مهدي مستشار هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام والأمين العام للهيئة الدولية للمسرح.
في جولات البطولة تشتد المنافسة ويتألق المتسابقون في استعراض مهاراتهم وتحكمهم بالسيف معلقاً، فضلاً عن الأداء الحركي للدخول الثنائي إلى الميدان ولقيتهم وخبتهم للسيف، بين مهارات إلقاء السيف إلى عل والتقاطه من داخل الدائرة. من بين مهارات البطولة بطولة السيف (المزافن) التي تمثل أحد الفنون التراثية التي تعكس القيم الاجتماعية، والأخلاقية، والجمالية والفنية للجماعة الشعبية في شكل متميز يعتمد على الحركة والإيقاع والإشارات والرموز ذات الدلالات والمعاني المشتركة والشائعة بين أفراد تلك الجماعة الشعبية. والمدهش أن رياضة السيف جمعت حولها باقة من الفنون والآداب، فكان للغناء والموسيقى نصيب، مثلما كان للشعر نصيب.
وقد تكرم الشيخ د. راشد بن حمد الشرقي رئيس هيئة الفجــيرة للثـــقافة والإعـــلام، رئيس مهرجان الفجــيرة الدولي للفنون بمضاعـفة قيـمة الجوائز للمراكــــز الأولــــى لبطـــولة السيف في نسختهــــا الثالثــــة، ليحصل الفائز بالمركز الأول عــلـــى سيارة دفـــع رباعي، والفــائــز بالمركز الثاني على 150 ألف درهم إماراتي، بينما يحصل الفائز الثالــث على 75 ألف درهم.
ومادمنا نتحدث عن الرياضة، ونذكر التسابق، ونشير إلى التقاليد الشعبية، فسنمر قادمين من طريق الكورنيش بساحة سباق مصارعة الثيران.
في الفجيرة وحدها بالجزيرة العربية كلها ستجد هذه الرياضة حية أسبوعياً، حيث تبدأ في الساعة الرابعة بعد عصر كل يوم جمعة. سنتأخر قليلاً عن هذا الموعد للانتهاء من صلاة العصر.
تُربط الثيران في مكان قرب الساحة المسوَّرة، وقد جاء الجميع للمشاهدة. البعض يجلس على الأرض، فوق نعليه، وآخرون أتوا بكراسيهم الخشبية أو المعدنية أو القماشية أو المصنوعة مساندها من الخوص، أجيال مختلفة، وجنسيات متعددة. نصب البعض آلات تصويره فوق السيارات، ووقفت فتيات صغيرات أعلى السيارات يراقبن المشهد، بينما باعة العصائر والفواكه الطازجة المقطعة إلى شرائح داخل الأكواب البلاستيكية يملأون المكان.
بعد المناداة على أسماء المتسابقين، يتقدم في المعركة الواحدة متسابقان من الثيران، يدفع كل ثور شخصان. حين يبدأ التناطح وتحتدم المعركة، قد يهرب أحد الثورين، فيعلن المذيع فوز الآخر، في مطاحنة قرون لم يدم أطولها أكثر من ثلاث دقائق، وكان منها ما استمر عشرين ثانية فقط.
مهرجان الفجيرة الدولي للفنون
رأيت في العيون المتابعة للأنشطة هنا وهناك ذلك الشغف الإنساني بالفنون والثقافة والرياضة، وهي جميعها تمثل معاً رئتي الإنسان في الحياة المعاصرة. وقد رأيت الاستعدادات التي تنهض في جنبات الإمارة للاحتفاء والاحتفال بمهرجانها الدولي الأول للفنون، فكان لابد من أن أتحدث إلى دينامو هذا النشاط المهندس محمد الأفخم.
يحكي الأفخم لـ «العربي» إنه قبل نحو 15 سنة كانت هناك فرقة صغيرة تسمى فرقة مسرح دبا الفجيرة في جمعية دبا للثقافة والفنون المسرحية، وقد مرت بحال توهج مسرحي كبير، ونالت جوائز مهمة في أيام الشارقة المسرحية، وأصبح لها حضور مهم خارج دولة الإمارات العربية المتحدة، وتلك قمة نجاح يحاول بعدها الإنسان أن يبحث عن قمم أخرى يرتقي إليها ونجاحات أكبر يجتازها، ربما كذلك من باب سعي الإنسان بدأب إلى التغيير، لذا فكرنا في تنظيم مهرجان مسرحي، ونحن ندخله في إطار هواة ومحبي المسرح، لأن بيننا المهندس والباحث والطبيب وكثيرين من أصحاب الأعمال والاهتمامات ممن أرادوا أن يكون هناك متطوعون لتحقيق رغبة مجتمعهم، وهذا الجهد التطوعي لخدمة المجتمع وفهمه وتقبله هو مقياس مهم لمدى تقدم الدول وتحضرها. لذلك ارتأينا أن ننظم مهرجاناً للمسرح، وحين نظرنا للساحة العربية رأينا فيها كثيراً من المهرجانات، والسؤال الكائن آنذاك هو: كيف لنا أن نضيف إلى ما هو موجود.
بعض الخبراء أعطونا فكرة المونودراما، كمسرح خاص بالممثل الواحد. من هنا بدأت العمل على الفكرة بالبحث والاتصال بالأصدقاء في الكويت ومصر، وكان هناك تحمس على استحياء، فالفكرة مستحسنة، ولكن السؤال كان حول الجمهور. وزاد إصرارنا، وكانت الفكرة تقوم على إنشاء مهرجان مونودراما عربي، لكن الفكرة حين عُرضت على صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، كان لدى سموه تفهم كامل للجهد المبذول، وأراد أن يكون مهرجاناً عالمياً، وليس عربياً فقط. أراد لنا أن نخرج من إطار التواصل الداخلي بين الفرق العربية ليكون هناك حوار عالمي بيننا وبين الآخر في الفن المسرحي. فهذه التجارب المتبادلة مهمة للاستفادة منها، وكانت الانطلاقة المميزة للمهرجان منذ دورته الأولى، التي تصاعد نجاحها عاماً بعد آخر.
يزيد الأفخم: إنه كان لابد من استثمار هذا النجاح، والانطلاق نحو مهمة جديدة، وقمة أخرى، وبالتشاور مع سمو الشيخ راشد
بن حمد الشرقي، رأى أن نتوسع في دائرة النشاط، توسعاً يشمل عدد المشاركين والضيوف، وأن يكون لدينا تنوع، فليستمر مهرجان المونودراما، كما هو، ونستعيد مسابقات بطولة السيف، ونزيد إلى الدائرة محطات الفنون جميعاً، الموسيقية والحركية والغنائية، وبالمثل حضور بعض الفنون الشعبية، ولتصبح الدورة الأولى لمهرجان الفجيرة الدولي للفنون بوتقة تنصهر فيها أطياف الفنون، وقد تطلب ذلك كله ميزانية ضخمة، مثلما تطلب خبرات مهمة. ونحن لدينا الفنان السوري الكبير أسعد فضة الذي عمل مديراً لمهرجان دمشق المسرحي لنحو 15 عاماً، وهناك الشاعر الأردني جريس سماوي وزير الثقافة الأردني الأسبق، الذي عمل مديراً لمهرجان جرش سنوات طوالاً، وهناك الفنان السوداني علي مهدي.
يضيف الأفخم: إن هذه الخبرات جميعها وغيرها، جاء معها المتطوعون العاشقون للفنون الذين كانوا أطفالاً حين بدأ مهرجان المونودراما في عام 2003، ليصبحوا اليوم شباباً يعتمد عليهم، شكلوا معاً حين جمعتهم عناصر نجاح، مؤمنين بتوفيق الله، وأن يكون هذا العمل مخلصاً لفائدة المجتمع، ونحن - كذلك - في هذه اللحظة التاريخية التي تمر بها أمتنا، في أمسّ الحاجة إلى تقديم صورة إيجابية عن مجتمعاتنا، ولن تكون وسيلة لبلوغ ذلك أنبل من الفن.
إشراقة المجد
انتقلنا إلى إحدى القاعات لمتابعة الاستعدادات لأوبريت افتتاح المهرجان وعنوانه إشراقة المجد، ويقدم عملاً مسرحياً استعراضياً غنائياً من 7 لوحات أو مشاهد تترجم بالغناء والموسيقى والأداء التعبيري. شخصيات العمل هي كاتب المجد وهو الشاهد التاريخي على جميع الأحداث وتدّون الروائع والإنجازات العظيمة لتبقى أثراً خالداً على مر العصور، ويقوم بأداء هذا الدور الفنان الإماراتي عبدالله مسعود، أما الشخصية الأخرى فهي شمس، أم الأرض التي تغزل بأشعتها ميلاد كل يوم, كما أنها الصبية الأولى, والروح الأزلية التي تهب الحياة لكل الكائنات, والإمارات هي أرض الشمس واستقت من الشمس معانيها بالقوة والشباب المتجدد والخلود, وتؤدي الشخصية الفنانة رؤى الصبّان. أما شخصية الفارس فروح المغفور له الشيخ زايد، وهي شخصية روح الاتحاد, هذا الفارس صانع إشراقة الشموخ، ويقوم بأداء هذا الدور الفنان والفارس رامي غريب. وسوف يقوم بأداء هذا العمل 40 فناناً وفنانة من فرقة أورنينا الاستعراضية رفقة مادة فيلمية ورسوم ثلاثية الأبعاد.
في المشهد الأول؛ شمس الحضارة، تجسيد للإشراقة الحضارية الأولى في أرض الإمارات وظهور الفينيقيين في الفجيرة التي كانت تشكل لهم معبراً مهماً إلى الشرق، وتبدأ الحوارية الحضارية الأولى بين شخصية شمس وكاتب المجد، وتتم ترجمتها استعراضياً بأسلوب فني أقرب إلى الأسطورة. أما المشهد الثاني، وعنوانه قلاع الشموخ، والشرقيون، فيقص كيف بدأت النهضة العمرانية في إمارة الفجيرة بهمة وعزيمة أبنائها الذين تحدوا كل الصعوبات ليثبتوا أقدامهم في هذه الأرض، وبنوا القلاع الشوامخ لتشهد على عظيم صبرهم وقوة شكيمتهم وحبهم للعطاء مع توحيد القلوب ونبذ الخلافات.
وفي المشهد الثالث؛ إشراقة زايد، يظهر الفارس صانع مجد الإمارات ووحدتها تحت راية خفاقة لتتهاوى المستحيلات أمام الإرادة التي لا تُقهر، ثم يروي المشهد الرابع تحت عنوان خليفة وازدهار الدولة، مسيرة الشيخ خليفة على نهج روح الاتحاد صقراً محلقاً، ومثلاً أعلى في النهضة والتطور وبناء الإنسان. في المشهد الخامس - الذي يحمل فيه أفراد الفرقة وروداً حمراً تمثل دماء الشهداء - تقدم صورة عن شجاعة جنود الوطن، لحماية الأمة. أما المشهد السادس؛ أمل السماء ذ مسبار الأمل، فيروي سيرة التطور الحضاري والتطلع إلى المستقبل من خلال واحد من أهم إنجازات الدولة، والذي يحمل اسم المسبار الفضائي؛ مسبار الأمل، قبل أن يختتم الأوبريت بالمشهد السابع؛ إمارات السلام، كأرض للمحبة والسلام لجميع الناس وبيئة مثالية للتواصل الحضاري بين جميع الأمم.
والحقيقة أن الأمل لا يخترق الفضاء بمسباره وحسب، بل يرسم المشهد كذلك على أرض الفجيرة، بأكثر من ميناء. وإذا كنا قد توقفنا عند موانئ الفن والثقافة والرياضة، التقليدية والمعاصرة، والشعبية والدولية، فإن ميناء اقتصادياً في الإمارة يصبح جديراً بالتأمل.
رئة الإمارات
تمر بنا الطريق من الفجيرة إلى دبا، بميناء الفجيرة، رئة دولة الإمارات الذي تتعاظم أهميته يوماً بعد آخر. تنطلق السيارة في شارع ماراثوني، أعرف أنه قد يكون شارعاً مغلقاً بعد حين، حيث تتراص على جانبيه خزانات النفط، تحت حراسة مشددة. سيكون هناك طريق مواز، بديل، بعد أن تخصص كل هذه المنطقة لتخزين النفط القادم من أبوظبي، ليتم تصديره عبر ميناء الفجيرة. لن تضطر ناقلات البترول للمرور بمضيق هرمز والدخول إلى مياه الخليج العربي. مثالاً هناك محطة نفط الفجيرة، ولديها القدرة على تخزين 1.18 مليون متر مكعب من النفط الخام وزيت الوقود وزيت الغاز والبنزين، على أساس طويل الأجل، فإنه يهدف إلى جذب شركات النفط وهناك إمكانية أكبر لنمو سعة التخزين. الخدمات المقدمة في المحطة تشمل التحميل والتفريغ للتحميل جزئياً إلى ناقلات النفط الخام الكبيرة التي تسكن المحيط ولا يمكنها المرور إلى المياه الإقليمية.
وكانت محطة الفجيرة لتخزين النفط قد استقبلت أول شحنة من المحروقات الخفيفة والنفط الخام في عام 2012، مما جعلها أول محطة متاحة للتأجير، حيث بدأت أبوظبي تشغيل خط أنابيب نفط إلى الفجيرة منذ العام نفسه، ما يسمح لصادرات النفط بالخروج والتوجه مباشرة إلى آسيا بفضل موقع الفجيرة المثالي جغرافياً.
في دراسة مهمة للشيخ د. راشد بن حمد الشرقي، تحت عنوان صناديق الثروة السيادية في سياق العولمة الاقتصادية، استعراض لثلاثة نماذج إماراتية، يمكن قراءة نموذج الفجيرة في سياق الازدهار الاقتصادي المأمول، للإمارة الوحيدة التي تقع بالكامل في الشرق، على بحر العرب، كما كان خط أنابيب دولفين للطاقة، الذي اكتمل في عام 2007 م، هو شبكة الغاز المتعددة الجنسيات الوحيدة في الخليج العربي التي تربط الفجيرة بأكبر حقول الغاز في العالم وهو حقل قطر الشمالي، ويحمل خط أنابيب النفط الخام يومياً مليوناً ونصف المليون من البراميل.
كما أن ميناء الفجيرة هو الثاني بين أكبر مزودي خدمات تموين وتزويد الوقود بالسفن، بعد سنغافورة، وتذكر الدراسة أن استراتيجية التنمية والتنويع تتوازى مع استراتيجية الاستقرار، بعزل اقتصاد الفجيرة عن التقلبات الدورية للاقتصاد، بتطوير قطاعات أخرى بجانب الميناء، مثل المطار والفنادق ومراكز التسوق ومواقع السياحة.
سكان إمارة الفجيرة من المواطنين 130 ألفاً، ومن الوافدين 40 ألفاً، لكن هذا الرقم الأخير تتوقع له الزيادة في السنوات القادمة ليبلغ 100 ألف كحد أقصى. على مدى الطريق أتيح لنا أن نرى أنشطة أخرى اقتصادية بسيطة ـ في المخابز والمطاعم والأسواق، وصولاً إلى أسواق مدينة مسافي التقليدية الشهيرة على ربوة المدينة، وأن نرى وجوهاً غير مألوفة من قلب آسيا مثل كثيرين من الأفغان الذين يبيعون بضاعات محلية وصينية وأزهاراً وأدوات تخييم وسواها.
مسجد الشيخ زايد
وإذا كنا بدأنا رحلتنا بأقدم المساجد، فسوف نختتم بأحدثها، وهو مسجد الشيخ زايد في إمارة الفجيرة، الذي يعتبر ثاني أكبر مسجد في الدولة بعد مسجد الشيخ زايد «رحمه الله» في إمارة أبوظبي.
فور رؤيتي للأثر المعماري تذكرت عمارة سنان أغا، أشهر معماري عثماني في القرن العاشر الهجري، حيث تنتشر 35 قبة صغيرة على أسقفه الرئيسة وأعلى رواقاته الأربعة المشكِّلة لأسواره، وهو يضم أماكن صلاة تتسع لنحو 28 ألف مصلٍّ. تصل المساحة الإجمالية لموقع المسجد إلى نحو 39 ألف متر مربع، تتوزع على طابقين أحدهما تحت الأرض ويتكون من قاعة صلاة للنساء بمساحة 2014 م2 وتتسع لـ 2500 مصلية، وقاعة متعددة الأغراض بمساحة 3000 م2 وأماكن وضوء وغرف خدمية. وللمسجد ست منارات، أربع منها ارتفاعها 100 متر، واثنتان ارتفاعهما 89 متراً، وتبلغ مساحة الفناء المكشوف 5120 م2 بطاقة 7000 مصل، وقد بلغت كلفة إنشائه 210 ملايين درهم.
في رحاب المسجد تأملت النقوش الملونة تزين السقف، أنامل نقشت حروف كتاب الله على الأسقف، وأعلى المحراب، والمنبر. بينما يسري الضوء قادماً من السماء التي تستقبل دعاء المصلين. وهكذا بين أصغر المساجد وأكبرها، وبين أقدم المساجد وأحدثها، يسجل التاريخ عشق الإنسان للعمارة والتزامه بالإيمان، ونهجه للسلام ■
بانوراما تحكي يوميات الفجيرة بين جبل تشقه السواعد لبناء جديد وطريق عصري تعمره الأفكار الخضراء (عدسة: بلال علي محمد).
مسجد البدية الأثري تشيان بعمارته الفريدة.
قلعة الفجيرة، التي تقع أعلى تل صخري في الشمال الغربي من قرية الفجيرة القديمة، تم تشييدها بين عامي 1500 و1550 للميلاد، بين هيئتها الخارجية وعمارة باحتها الداخلية.
من العروض الفنية التي تصاحب بطولة السيف التقليدية، بين غناء وشعر وأداء حركي مع النصال المشرعة (عدسة: شيخة المسماري).
مشاهد من التراث الحي، بمشاركة حقيقية في صناعات تقليدية، تذوقنا بعضها، (الصور بمشاركة أليساندرو مندوزا، نونيث كيث، وسعيد عبدالله جمعوه).
المشهد السادس في أوبريت افتتاح مهرجان الفجيرة الدولي للفنون؛ أمل السماء – مسبار الأمل، الذي يروي سيرة التطور الحضاري والتطلع إلى المستقبل من خلال المسبار الفضائي، والعرض لفرقة أورنينا الاستعراضية.
ميناء الفجيرة، رئة دولة الإمارات العربية المتحدة.
الخدمات المقدمة في محطة ميناء الفجيرة تشمل تحميل وتفريغ ناقلات النفط الخام الكبيرة التي تسكن المحيط ولا يمكنها المرور إلى مياه الخليج العربي.