الفجيـرة موانئ الأمل

الفجيـرة موانئ الأمل

في‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬دبي‭ ‬إلى‭ ‬الفجيرة‭ ‬هيَّأتُ‭ ‬نفسي‭ ‬للقاء‭ ‬بما‭ ‬دونته‭ ‬من‭ ‬عباراتٍ‭ ‬كاشفة،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يؤرخ‭ ‬للمكان،‭ ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالزمان،‭ ‬لكن‭ ‬القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬الأهم‭ ‬بما‭ ‬كتبت‭ ‬واقتبست‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬الإنسان‭. ‬فهذه‭ ‬الجغرافيا‭ ‬العسيرة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لتمهدها‭ ‬غير‭ ‬السواعد‭ ‬الفتية،‭ ‬وهذا‭ ‬الطقس‭ ‬القاسي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يروضه‭ ‬غير‭ ‬الأفكار‭ ‬الخضراء،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القلوب؛‭ ‬المحبة‭ ‬للثقافة‭ ‬والفن‭ ‬والأدب،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليؤلفها‭ ‬معا‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬الكائن‭ ‬الحي‭ ‬الذي‭ ‬بث‭ ‬نبضه‭ ‬عبر‭ ‬آثاره،‭ ‬سواء‭ ‬أضحت‭ ‬بائدة‭ ‬غابرة،‭ ‬أم‭ ‬أصبحت‭ ‬سائدة‭ ‬خالدة‭. ‬

يبدأ‭ ‬اقتفاء‭ ‬أثر‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الفجيرة‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحجري،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تجلى‭ ‬لدى‭ ‬البعثات‭ ‬المنقبة‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬الإمارة‭ ‬أهمها‭ ‬مريشيد،‭ ‬وقدفع،‭ ‬والبثنة،‭ ‬ودبا،‭ ‬وقد‭ ‬كشفت‭ ‬الآثار‭ ‬واللقى‭ ‬عن‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬عاشوا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأرض؛‭ ‬بين‭ ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬الطعام،‭ ‬ودفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬ضد‭ ‬الحيوانات‭ ‬المفترسة،‭ ‬وكان‭ ‬أغلب‭ ‬الأدوات‭ ‬الصوَّانية‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬الساحلية‭ ‬رؤوساً‭ ‬لسهام‭ ‬حجرية،‭ ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬للألفين‭ ‬الرابع‭ ‬والخامس‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭.‬

كما‭ ‬شاعت‭ ‬تلال‭ ‬الأصداف‭ ‬البحرية،‭ ‬التي‭ ‬خلفها‭ ‬ساكنو‭ ‬الفجيرة،‭ ‬والتي‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬5000‭ ‬و2000‭ ‬سنة‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬حسبما‭ ‬وثَّق‭ ‬تحليل‭ ‬أصدافها‭ ‬بواسطة‭ ‬الكربون‭ ‬14‭. ‬وليس‭ ‬غريباً‭ ‬ألا‭ ‬توجد‭ ‬آثار‭ ‬لمستوطنات‭ ‬سكنية‭ ‬لقوم‭ ‬عاشوا‭ ‬حياة‭ ‬التنقل،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬كان‭ ‬المدافن،‭ ‬التي‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬تحضر‭ ‬ذلك‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬السحيق،‭ ‬مثلما‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬تواصله‭ ‬مع‭ ‬مجتمعات‭ ‬متحضرة‭ ‬أخرى،‭ ‬عبر‭ ‬البر‭ ‬والبحر‭.‬

وكانت‭ ‬أكوام‭ ‬الحجارة‭ ‬التي‭ ‬يشبه‭ ‬تشكيلها‭ ‬القباب،‭ ‬بالمئات،‭ ‬مدافن‭ ‬اكتشفت‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬جبل‭ ‬حفيت،‭ ‬بالعين،‭ ‬وقد‭ ‬انتشر‭ ‬طرازها‭ ‬ليظهر‭ ‬في‭ ‬قرى‭ ‬الفجيرة‭ ‬الأثرية،‭ ‬قرب‭ ‬دبا‭. ‬وتلت‭ ‬حضارة‭ ‬حفيت،‭ ‬حقبة‭ ‬أم‭ ‬النار،‭ ‬نسبة‭ ‬لجزيرة‭ ‬تحمل‭ ‬الاسم‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬إمارة‭ ‬أبوظبي،‭ ‬وتعود‭ ‬للفترة‭ ‬بين‭ ‬2700‭ ‬و2000‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭.‬

ومثلما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬تماثل‭ ‬المقابر‭ ‬في‭ ‬حفيت‭ ‬مع‭ ‬نظيرتها‭ ‬في‭ ‬الفجيرة،‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬ذاته‭ ‬بين‭ ‬المقابر‭ ‬الدائرية‭ ‬التي‭ ‬بنيت‭ ‬خلال‭ ‬حقبة‭ ‬‮«‬أم‭ ‬النار‮»‬‭ ‬ووجدت‭ ‬في‭ ‬الفجيرة،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬البدية‭ ‬الأثري،‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬مبنى‭ ‬محاطاً‭ ‬بجدارين‭ ‬من‭ ‬الحجر،‭ ‬يبلغ‭ ‬قطر‭ ‬الداخلي‭ ‬نحو‭ ‬26‭ ‬متراً،‭ ‬وكان‭ ‬يضم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحجرات‭. ‬

على‭ ‬صهوات‭ ‬جياد‭ ‬التاريخ‭ ‬سننتقل‭ ‬إلى‭ ‬الفجيرة‭ ‬في‭ ‬صدر‭ ‬الإسلام،‭ ‬حيث‭ ‬بعث‭ ‬النبي‭ ‬‭ ‬رسوله‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬برفقة‭ ‬أبي‭ ‬زيد‭ ‬بن‭ ‬السكن‭ ‬الأنصاري،‭ ‬إلى‭ ‬جيفر‭ ‬وعبد‭ ‬ابني‭ ‬الجلندي‭ ‬بن‭ ‬المستكبر‭ ‬الأزدي،‭ ‬وكانا‭ ‬يحكمان‭ ‬المنطقة‭ ‬آنذاك،‭ ‬داعياً‭ ‬إياهما‭ ‬للإسلام‭:‬

‮«‬بسم‭ ‬الله‭ ‬الرحمن‭ ‬الرحيم،‭ ‬من‭ ‬محمد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬جيفر‭ ‬وعبد‭ ‬ابني‭ ‬الجلندي،‭ ‬سلام‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬اتبع‭ ‬الهدى،‭ ‬أما‭ ‬بعد‭: ‬فإني‭ ‬أدعوكما‭ ‬بدعاية‭ ‬الإسلام،‭ ‬أسلما‭ ‬تسلما،‭ ‬فإني‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬كافة،‭ ‬لأنذر‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬حيا‭ ‬ويحق‭ ‬القول‭ ‬على‭ ‬الكافرين،‭ ‬وإنكما‭ ‬إن‭ ‬أقررتما‭ ‬بالإسلام‭ ‬ولَّيتُكما،‭ ‬وإن‭ ‬أبيتما‭ ‬أن‭ ‬تقرا‭ ‬بالإسلام‭ ‬فإن‭ ‬ملككما‭ ‬زائل‭ ‬عنكما‭. ‬وخيلي‭ ‬تحل‭ ‬بساحتكما‭ ‬وتظهر‭ ‬نبوتي‭ ‬على‭ ‬ملككما‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬ضمَّن‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬عن‭ ‬كتاب‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬خليفة‭ ‬الشامسي،‭ ‬في‭ ‬مؤلفه‭ ‬القيم‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الفجيرى‭ ‬شواهد‭ ‬ودلائل‭ ‬أثرية‮»‬،‭ ‬نقلاً‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬الوثائق‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬النبوي‭ ‬والخلافة‭ ‬الراشدة‭ ‬لمحمد‭ ‬حميد‭ ‬الله،‭ ‬و«خاتم‭ ‬النبيين‮»‬‭ ‬للشيخ‭ ‬محمد‭ ‬أبوزهرة‭. ‬وكان‭ ‬الحوار‭ ‬الهادئ‭ ‬المرافق‭ ‬للرسالة‭ ‬تنويراً‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬سمع‭ ‬عنه‭ ‬ابنا‭ ‬الجلندي،‭ ‬وكانت‭ ‬استجابتهما‭ ‬وأتباعهما‭ ‬طواعية‭ ‬ورغبة،‭ ‬وتركا‭ ‬رسولي‭ ‬النبي‭ ‬‭ ‬يعلمان‭ ‬الناس‭ ‬الإسلام،‭ ‬ويجمعان‭ ‬الصدقة‭ ‬والزكاة،‭ ‬ويوزعانها‭ ‬على‭ ‬الفقراء،‭ ‬كما‭ ‬قام‭ ‬ولدا‭ ‬الجلندي‭ ‬بنشر‭ ‬الدعوة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭. ‬

 

مسجد‭ ‬البدية‭ ‬

هنا‭ ‬سأقف‭ ‬عند‭ ‬أقدم‭ ‬أثر‭ ‬إسلامي‭  ‬في‭ ‬الفجيرة؛‭ ‬مسجد‭ ‬البدية‭. ‬غادرنا‭ ‬مدينة‭ ‬الفجيرة‭ ‬باتجاه‭ ‬دبا،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬قطعنا‭ ‬مسافة‭ ‬35‭ ‬كيلومتراً‭ ‬شمالاً،‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الطريق‭ ‬الساحلية،‭ ‬توقفت‭ ‬بنا‭ ‬السيارة‭ ‬ومعي‭ ‬دليلي‭ ‬رسول،‭ ‬عبرنا‭ ‬الطريق‭ ‬الأسفلتية،‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬بساطاً‭ ‬من‭ ‬الحرير‭ ‬الأسمر،‭ ‬إلى‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى،‭ ‬حيث‭ ‬يستكين‭ ‬المسجد‭ ‬الصغير‭ ‬البنيان،‭ ‬والنادر‭ ‬العمارة،‭ ‬في‭ ‬حضن‭ ‬جبل‭ ‬تحرسه‭ ‬أبراج‭ ‬قلعة‭ ‬البدية‭.‬

لا‭ ‬تزيد‭ ‬مساحة‭ ‬مسجد‭ ‬البدية‭ ‬على‭ ‬ستة‭ ‬أمتار‭ ‬و80‭ ‬سم‭ ‬طولاً،‭ ‬وستة‭ ‬أمتار‭ ‬ونصف‭ ‬المتر‭ ‬عرضاً،‭ ‬فرادة‭ ‬تصميمه‭ ‬الخارجي‭ ‬تبدت‭ ‬في‭ ‬القباب‭ ‬الأربع‭ ‬التي‭ ‬يشبه‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬هرماً‭ ‬مدرجاً‭ ‬ثلاثي‭ ‬المصاطب،‭ ‬ينتهي‭ ‬بغطاء‭ ‬رأس‭ ‬مماثل‭ ‬لما‭ ‬يرتديه‭ ‬دراويش‭ ‬المولوية‭ ‬في‭ ‬حركتهم‭ ‬الدائرية،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬تزين‭ ‬محرابه‭ ‬وجدرانه‭ ‬نقوش‭ ‬هندسية،‭ ‬ومنبره‭ ‬الصغير‭ ‬سلالم‭ ‬نحتت‭ ‬من‭ ‬الحجر،‭ ‬وهناك‭ ‬أرفف‭ ‬للمصاحف،‭ ‬وفتحات‭ ‬كالكوات‭ ‬للتهوية،‭ ‬وسقفه‭ ‬الفريد‭ ‬لا‭ ‬يستخدم‭ ‬العوارض،‭ ‬بل‭ ‬ينهض‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬الأقواس‭ ‬في‭ ‬العمائر‭ ‬القوطية‭.‬

مع‭ ‬التمر‭ ‬الذي‭ ‬أعدته‭ ‬لضيوفها،‭ ‬تتحدث‭ ‬إلينا‭ ‬المرشدة‭ ‬السياحية‭ ‬لتخبرنا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأثر‭ ‬الديني‭ ‬الفريد‭ ‬يعتبر‭ ‬أقدم‭ ‬مسجد‭ ‬معروف‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومازالت‭ ‬تقام‭ ‬به‭ ‬الصلوات،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬ساحة‭ ‬أضيفت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬كي‭ ‬تتسع‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬المصلين،‭ ‬ويعود‭ ‬تاريخه،‭ ‬حسبما‭ ‬كشفت‭ ‬بعثات‭ ‬الآثار‭ ‬الأسترالية،‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1446م،‭ ‬واستخدمت‭ ‬المواد‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬بنائه،‭ ‬مثلما‭ ‬استعمل‭ ‬الطين‭ ‬المحروق‭ ‬كمادة‭ ‬لربط‭ ‬صخوره،‭ ‬وقامت‭ ‬إدارة‭ ‬التراث‭ ‬والآثار‭ ‬بترميمه،‭ ‬وتأهيله‭ ‬ليكون‭ ‬أثراً‭ ‬سياحياً،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬وظيفته‭ ‬الدينية،‭ ‬وافتتحه‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬الشرقي،‭ ‬عضو‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬حاكم‭ ‬إمارة‭ ‬الفجيرة‭ ‬في‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬عام‭ ‬2003‭. ‬

من‭ ‬ساحة‭ ‬المسجد‭ ‬الصغيرة،‭ ‬يمكن‭ ‬للحاضر‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬برجي‭ ‬الحراسة‭ ‬القريبين‭ ‬منه،‭ ‬وهذه‭ ‬الأبراج‭ ‬تنتشر‭ ‬كلما‭ ‬اقتربنا‭ ‬من‭ ‬قلعة‭ ‬تاريخية‭ ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬هذه‭ ‬القلاع‭ ‬في‭ ‬الإمارة‭. ‬سنزور‭ ‬أشهرها؛‭ ‬قلعة‭ ‬الفجيرة،‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬أعلى‭ ‬تل‭ ‬صخري‭ ‬يرتفع‭ ‬20‭ ‬متراً‭ ‬عن‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬قرية‭ ‬الفجيرة‭ ‬القديمة،‭ ‬التي‭ ‬زرناها‭ ‬مرتين،‭ ‬نهاراً‭ ‬وليلاً،‭ ‬وبدت‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬كأنها‭ ‬موقع‭ ‬لفيلم‭ ‬سينمائي‭ ‬أسطوري‭ ‬تتحرك‭ ‬في‭ ‬دروبه‭ ‬أرواح‭ ‬أبطال‭ ‬التاريخ‭. ‬

القلعة،‭ ‬كمعظم‭ ‬الآثار‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الخامات‭ ‬المحلية،‭ ‬وأثبت‭ ‬التحليل‭ ‬بكربون‭ ‬14‭ ‬تاريخ‭ ‬تشييدها‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1500‭ ‬و1550م،‭ ‬وأن‭ ‬إعادة‭ ‬بنائها‭ ‬تمت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بقرن‭ ‬أو‭ ‬قرن‭ ‬ونصف‭ ‬القرن‭. ‬صعدنا‭ ‬الدَّرَج‭ ‬العملاق،‭ ‬إلى‭ ‬درج‭ ‬أصغر‭ ‬داخلي،‭ ‬لنقف‭ ‬في‭ ‬باحتها‭ ‬الداخلية،‭ ‬ونتعرف‭ ‬على‭ ‬وظيفتها‭ ‬الأساس،‭ ‬الدفاع،‭ ‬ووظيفتها‭ ‬الثانوية‭ ‬بتحويل‭ ‬بعض‭ ‬غرفها‭ ‬إلى‭ ‬سجون،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬بها‭ ‬غرفة‭ ‬المدبسة‭ (‬مشتقة‭ ‬من‭ ‬الدبس،‭ ‬وهو‭ ‬مشروب‭ ‬التمر‭) ‬المخصصة‭ ‬لجمع‭ ‬التمور،‭ ‬وقد‭ ‬أغلقت‭ ‬نافذة‭ ‬تلك‭ ‬الغرفة‭ ‬لتحتفظ‭ ‬بمناخ‭ ‬رطب‭ ‬وساخن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنتاج‭ ‬مشروب‭ ‬التمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسيل‭ ‬من‭ ‬تسعة‭ ‬مصبات‭ ‬عبر‭ ‬قنوات‭ ‬مدببة‭ ‬الرأس،‭ ‬حفرت‭ ‬أسفل‭ ‬أكوام‭ ‬التمر‭ ‬المدبوس‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الشراب‭. ‬وقد‭ ‬استخدم‭ ‬الطوب‭ ‬اللبن،‭ ‬والصخر‭ ‬الجبلي،‭ ‬والتبن‭ ‬النباتي‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬هذه‭ ‬القلعة‭ ‬الفريدة‭ ‬بمكانها‭. ‬

 

بطولة‭ ‬السيف‭ ‬

في‭ ‬المساء‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬القلعة،‭ ‬وقد‭ ‬كستها‭ ‬أنوار‭ ‬تتجدد،‭ ‬تمثل‭ ‬علم‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬الذي‭ ‬يعلو‭ ‬سارية‭ ‬فوق‭ ‬برجها‭ ‬الرئيس‭. ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الأرضية‭ ‬أنشئ‭ ‬مسرح‭ ‬له‭ ‬أربعة‭ ‬أضلاع،‭ ‬ثلاثة‭ ‬للجمهور‭ ‬وكبار‭ ‬الزوار‭ ‬ومواقف‭ ‬السيارات،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الضلع‭ ‬الرابع‭ ‬لهيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬لبطولة‭ ‬السيف‭ ‬في‭ ‬دورتها‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬اعتبرت‭ ‬تدشيناً‭ ‬لمهرجان‭ ‬الفجيرة‭ ‬الدولي‭ ‬للفنون‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬الأولى‭. ‬

تعزيز‭ ‬الهوية‭ ‬الإماراتية‭ ‬وغرس‭ ‬الحس‭ ‬الوطني‭ ‬والاعتزاز‭ ‬بالفنون‭ ‬الشعبية‭ ‬الأصيلة‭ ‬كانت‭ ‬جميعاً‭ ‬أهداف‭ ‬إحياء‭ ‬هذه‭ ‬البطولة،‭ ‬التي‭ ‬شهد‭ ‬جولتها‭ ‬الأولى‭ ‬جمهور‭ ‬كبير‭ ‬تقدمه‭ ‬المهندس‭ ‬محمد‭ ‬سيف‭ ‬الأفخم،‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬لهيئة‭ ‬الفجيرة‭ ‬للثقافة‭ ‬والإعلام‭ ‬ومدير‭ ‬المهرجان،‭ ‬والأديب‭ ‬جريس‭ ‬سماوي‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬الأردني‭ ‬الأسبق‭ ‬عضو‭ ‬اللجنة‭ ‬العليا‭ ‬المنظمة‭ ‬للمهرجان‭ ‬ومستشارها،‭ ‬وعبدالله‭ ‬الضنحاني‭ ‬عضو‭ ‬اللجنة‭ ‬المنظمة‭ ‬للمهرجان،‭ ‬وعلي‭ ‬مهدي‭ ‬مستشار‭ ‬هيئة‭ ‬الفجيرة‭ ‬للثقافة‭ ‬والإعلام‭ ‬والأمين‭ ‬العام‭ ‬للهيئة‭ ‬الدولية‭ ‬للمسرح‭.‬

في‭ ‬جولات‭ ‬البطولة‭ ‬تشتد‭ ‬المنافسة‭ ‬ويتألق‭ ‬المتسابقون‭ ‬في‭ ‬استعراض‭ ‬مهاراتهم‭ ‬وتحكمهم‭ ‬بالسيف‭ ‬معلقاً،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الأداء‭ ‬الحركي‭ ‬للدخول‭ ‬الثنائي‭ ‬إلى‭ ‬الميدان‭ ‬ولقيتهم‭ ‬وخبتهم‭ ‬للسيف،‭ ‬بين‭ ‬مهارات‭ ‬إلقاء‭ ‬السيف‭ ‬إلى‭ ‬عل‭ ‬والتقاطه‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الدائرة‭. ‬من‭ ‬بين‭ ‬مهارات‭ ‬البطولة‭ ‬بطولة‭ ‬السيف‭ (‬المزافن‭) ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬أحد‭ ‬الفنون‭ ‬التراثية‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬القيم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬والجمالية‭ ‬والفنية‭ ‬للجماعة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬متميز‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬والإيقاع‭ ‬والإشارات‭ ‬والرموز‭ ‬ذات‭ ‬الدلالات‭ ‬والمعاني‭ ‬المشتركة‭ ‬والشائعة‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬تلك‭ ‬الجماعة‭ ‬الشعبية‭. ‬والمدهش‭ ‬أن‭ ‬رياضة‭ ‬السيف‭ ‬جمعت‭ ‬حولها‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬الفنون‭ ‬والآداب،‭ ‬فكان‭ ‬للغناء‭ ‬والموسيقى‭ ‬نصيب،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬للشعر‭ ‬نصيب‭.‬

وقد‭ ‬تكرم‭ ‬الشيخ‭ ‬د‭. ‬راشد‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬الشرقي‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الفجــيرة‭ ‬للثـــقافة‭ ‬والإعـــلام،‭ ‬رئيس‭ ‬مهرجان‭ ‬الفجــيرة‭ ‬الدولي‭ ‬للفنون‮ ‬بمضاعـفة‭ ‬قيـمة‭ ‬الجوائز‭ ‬للمراكــــز‭ ‬الأولــــى‭ ‬لبطـــولة‭ ‬السيف‭ ‬في‭ ‬نسختهــــا‭ ‬الثالثــــة،‮ ‬ليحصل‭ ‬الفائز‭ ‬بالمركز‭ ‬الأول‭ ‬عــلـــى‭ ‬سيارة‭ ‬دفـــع‭ ‬رباعي،‭ ‬والفــائــز‭ ‬بالمركز‭ ‬الثاني‭ ‬على‭ ‬150‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬إماراتي،‭ ‬بينما‭ ‬يحصل‭ ‬الفائز‭ ‬الثالــث‭ ‬على‭ ‬75‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭.‬

ومادمنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الرياضة،‭ ‬ونذكر‭ ‬التسابق،‭ ‬ونشير‭ ‬إلى‭ ‬التقاليد‭ ‬الشعبية،‭ ‬فسنمر‭ ‬قادمين‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬الكورنيش‭ ‬بساحة‭ ‬سباق‭ ‬مصارعة‭ ‬الثيران‭. ‬

في‭ ‬الفجيرة‭ ‬وحدها‭ ‬بالجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬كلها‭ ‬ستجد‭ ‬هذه‭ ‬الرياضة‭ ‬حية‭ ‬أسبوعياً،‭ ‬حيث‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬الرابعة‭ ‬بعد‭ ‬عصر‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬جمعة‭. ‬سنتأخر‭ ‬قليلاً‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الموعد‭ ‬للانتهاء‭ ‬من‭ ‬صلاة‭ ‬العصر‭.‬

تُربط‭ ‬الثيران‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬قرب‭ ‬الساحة‭ ‬المسوَّرة،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬الجميع‭ ‬للمشاهدة‭. ‬البعض‭ ‬يجلس‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬فوق‭ ‬نعليه،‭ ‬وآخرون‭ ‬أتوا‭ ‬بكراسيهم‭ ‬الخشبية‭ ‬أو‭ ‬المعدنية‭ ‬أو‭ ‬القماشية‭ ‬أو‭ ‬المصنوعة‭ ‬مساندها‭ ‬من‭ ‬الخوص،‭ ‬أجيال‭ ‬مختلفة،‭ ‬وجنسيات‭ ‬متعددة‭. ‬نصب‭ ‬البعض‭ ‬آلات‭ ‬تصويره‭ ‬فوق‭ ‬السيارات،‭ ‬ووقفت‭ ‬فتيات‭ ‬صغيرات‭ ‬أعلى‭ ‬السيارات‭ ‬يراقبن‭ ‬المشهد،‭ ‬بينما‭ ‬باعة‭ ‬العصائر‭ ‬والفواكه‭ ‬الطازجة‭ ‬المقطعة‭ ‬إلى‭ ‬شرائح‭ ‬داخل‭ ‬الأكواب‭ ‬البلاستيكية‭ ‬يملأون‭ ‬المكان‭. ‬

بعد‭ ‬المناداة‭ ‬على‭ ‬أسماء‭ ‬المتسابقين،‭ ‬يتقدم‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬الواحدة‭ ‬متسابقان‭ ‬من‭ ‬الثيران،‭ ‬يدفع‭ ‬كل‭ ‬ثور‭ ‬شخصان‭. ‬حين‭ ‬يبدأ‭ ‬التناطح‭ ‬وتحتدم‭ ‬المعركة،‭ ‬قد‭ ‬يهرب‭ ‬أحد‭ ‬الثورين،‭ ‬فيعلن‭ ‬المذيع‭ ‬فوز‭ ‬الآخر،‭ ‬في‭ ‬مطاحنة‭ ‬قرون‭ ‬لم‭ ‬يدم‭ ‬أطولها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬دقائق،‭ ‬وكان‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬استمر‭ ‬عشرين‭ ‬ثانية‭ ‬فقط‭.‬

 

مهرجان‭ ‬الفجيرة‭ ‬الدولي‭ ‬للفنون

رأيت‭ ‬في‭ ‬العيون‭ ‬المتابعة‭ ‬للأنشطة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬ذلك‭ ‬الشغف‭ ‬الإنساني‭ ‬بالفنون‭ ‬والثقافة‭ ‬والرياضة،‭ ‬وهي‭ ‬جميعها‭ ‬تمثل‭ ‬معاً‭ ‬رئتي‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭. ‬وقد‭ ‬رأيت‭ ‬الاستعدادات‭ ‬التي‭ ‬تنهض‭ ‬في‭ ‬جنبات‭ ‬الإمارة‭ ‬للاحتفاء‭ ‬والاحتفال‭ ‬بمهرجانها‭ ‬الدولي‭ ‬الأول‭ ‬للفنون،‭ ‬فكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أتحدث‭ ‬إلى‭ ‬دينامو‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬المهندس‭ ‬محمد‭ ‬الأفخم‭.‬

‭ ‬يحكي‭ ‬الأفخم‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬إنه‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬فرقة‭ ‬صغيرة‭ ‬تسمى‭ ‬فرقة‭ ‬مسرح‭ ‬دبا‭ ‬الفجيرة‭ ‬في‭ ‬جمعية‭ ‬دبا‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬المسرحية،‭ ‬وقد‭ ‬مرت‭ ‬بحال‭ ‬توهج‭ ‬مسرحي‭ ‬كبير،‭ ‬ونالت‭ ‬جوائز‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الشارقة‭ ‬المسرحية،‭ ‬وأصبح‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬مهم‭ ‬خارج‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتلك‭ ‬قمة‭ ‬نجاح‭ ‬يحاول‭ ‬بعدها‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬قمم‭ ‬أخرى‭ ‬يرتقي‭ ‬إليها‭ ‬ونجاحات‭ ‬أكبر‭ ‬يجتازها،‭ ‬ربما‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬سعي‭ ‬الإنسان‭ ‬بدأب‭ ‬إلى‭ ‬التغيير،‭ ‬لذا‭ ‬فكرنا‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬مهرجان‭ ‬مسرحي،‭ ‬ونحن‭ ‬ندخله‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هواة‭ ‬ومحبي‭ ‬المسرح،‭ ‬لأن‭ ‬بيننا‭ ‬المهندس‭ ‬والباحث‭ ‬والطبيب‭ ‬وكثيرين‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الأعمال‭ ‬والاهتمامات‭ ‬ممن‭ ‬أرادوا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬متطوعون‭ ‬لتحقيق‭ ‬رغبة‭ ‬مجتمعهم،‭ ‬وهذا‭ ‬الجهد‭ ‬التطوعي‭ ‬لخدمة‭ ‬المجتمع‭ ‬وفهمه‭ ‬وتقبله‭ ‬هو‭ ‬مقياس‭ ‬مهم‭ ‬لمدى‭ ‬تقدم‭ ‬الدول‭ ‬وتحضرها‭. ‬لذلك‭ ‬ارتأينا‭ ‬أن‭ ‬ننظم‭ ‬مهرجاناً‭ ‬للمسرح،‭ ‬وحين‭ ‬نظرنا‭ ‬للساحة‭ ‬العربية‭ ‬رأينا‭ ‬فيها‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المهرجانات،‭ ‬والسؤال‭ ‬الكائن‭ ‬آنذاك‭ ‬هو‭: ‬كيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نضيف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭.‬

بعض‭ ‬الخبراء‭ ‬أعطونا‭ ‬فكرة‭ ‬المونودراما،‭ ‬كمسرح‭ ‬خاص‭ ‬بالممثل‭ ‬الواحد‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬بدأت‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الفكرة‭ ‬بالبحث‭ ‬والاتصال‭ ‬بالأصدقاء‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬ومصر،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬تحمس‭ ‬على‭ ‬استحياء،‭ ‬فالفكرة‭ ‬مستحسنة،‭ ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬كان‭ ‬حول‭ ‬الجمهور‭. ‬وزاد‭ ‬إصرارنا،‭ ‬وكانت‭ ‬الفكرة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬مهرجان‭ ‬مونودراما‭ ‬عربي،‭ ‬لكن‭ ‬الفكرة‭ ‬حين‭ ‬عُرضت‭ ‬على‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬الشرقي،‭ ‬كان‭ ‬لدى‭ ‬سموه‭ ‬تفهم‭ ‬كامل‭ ‬للجهد‭ ‬المبذول،‭ ‬وأراد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مهرجاناً‭ ‬عالمياً،‭ ‬وليس‭  ‬عربياً‭ ‬فقط‭. ‬أراد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نخرج‭ ‬من‭ ‬إطار‭ ‬التواصل‭ ‬الداخلي‭ ‬بين‭ ‬الفرق‭ ‬العربية‭ ‬ليكون‭ ‬هناك‭ ‬حوار‭ ‬عالمي‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬المسرحي‭. ‬فهذه‭ ‬التجارب‭ ‬المتبادلة‭ ‬مهمة‭ ‬للاستفادة‭ ‬منها،‭ ‬وكانت‭ ‬الانطلاقة‭ ‬المميزة‭ ‬للمهرجان‭ ‬منذ‭ ‬دورته‭ ‬الأولى،‭ ‬التي‭ ‬تصاعد‭ ‬نجاحها‭ ‬عاماً‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭. ‬

يزيد‭ ‬الأفخم‭: ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬استثمار‭ ‬هذا‭ ‬النجاح،‭ ‬والانطلاق‭ ‬نحو‭ ‬مهمة‭ ‬جديدة،‭ ‬وقمة‭ ‬أخرى،‭ ‬وبالتشاور‭ ‬مع‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬راشد
بن‭ ‬حمد‭ ‬الشرقي،‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬نتوسع‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬النشاط،‭ ‬توسعاً‭ ‬يشمل‭ ‬عدد‭ ‬المشاركين‭ ‬والضيوف،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬لدينا‭ ‬تنوع،‭ ‬فليستمر‭ ‬مهرجان‭ ‬المونودراما،‭ ‬كما‭ ‬هو،‭ ‬ونستعيد‭ ‬مسابقات‭ ‬بطولة‭ ‬السيف،‭ ‬ونزيد‭ ‬إلى‭ ‬الدائرة‭ ‬محطات‭ ‬الفنون‭ ‬جميعاً،‭ ‬الموسيقية‭ ‬والحركية‭ ‬والغنائية،‭ ‬وبالمثل‭ ‬حضور‭ ‬بعض‭ ‬الفنون‭ ‬الشعبية،‭ ‬ولتصبح‭ ‬الدورة‭ ‬الأولى‭ ‬لمهرجان‭ ‬الفجيرة‭ ‬الدولي‭ ‬للفنون‭ ‬بوتقة‭ ‬تنصهر‭ ‬فيها‭ ‬أطياف‭ ‬الفنون،‭ ‬وقد‭ ‬تطلب‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬ميزانية‭ ‬ضخمة،‭ ‬مثلما‭ ‬تطلب‭ ‬خبرات‭ ‬مهمة‭. ‬ونحن‭ ‬لدينا‭ ‬الفنان‭ ‬السوري‭ ‬الكبير‭ ‬أسعد‭ ‬فضة‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬مديراً‭ ‬لمهرجان‭ ‬دمشق‭ ‬المسرحي‭ ‬لنحو‭ ‬15‭ ‬عاماً،‭ ‬وهناك‭ ‬الشاعر‭ ‬الأردني‭ ‬جريس‭ ‬سماوي‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬الأردني‭ ‬الأسبق،‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬مديراً‭ ‬لمهرجان‭ ‬جرش‭ ‬سنوات‭ ‬طوالاً،‭ ‬وهناك‭ ‬الفنان‭ ‬السوداني‭ ‬علي‭ ‬مهدي‭.‬

يضيف‭ ‬الأفخم‭: ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الخبرات‭ ‬جميعها‭ ‬وغيرها،‭ ‬جاء‭ ‬معها‭ ‬المتطوعون‭ ‬العاشقون‭ ‬للفنون‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬أطفالاً‭ ‬حين‭ ‬بدأ‭ ‬مهرجان‭ ‬المونودراما‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬ليصبحوا‭ ‬اليوم‭ ‬شباباً‭ ‬يعتمد‭ ‬عليهم،‭ ‬شكلوا‭ ‬معاً‭ ‬حين‭ ‬جمعتهم‭ ‬عناصر‭ ‬نجاح،‭ ‬مؤمنين‭ ‬بتوفيق‭ ‬الله،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬مخلصاً‭ ‬لفائدة‭ ‬المجتمع،‭ ‬ونحن‭ - ‬كذلك‭ - ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬أمتنا،‭ ‬في‭ ‬أمسّ‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬صورة‭ ‬إيجابية‭ ‬عن‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬وسيلة‭ ‬لبلوغ‭ ‬ذلك‭ ‬أنبل‭ ‬من‭ ‬الفن‭. ‬

 

إشراقة‭ ‬المجد‭ ‬

انتقلنا‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬القاعات‭ ‬لمتابعة‭ ‬الاستعدادات‭ ‬لأوبريت‭ ‬افتتاح‭ ‬المهرجان‭ ‬وعنوانه‭ ‬إشراقة‭ ‬المجد،‭ ‬ويقدم‭ ‬عملاً‭ ‬مسرحياً‭ ‬استعراضياً‭ ‬غنائياً‭ ‬من‭ ‬7‭ ‬لوحات‭ ‬أو‭ ‬مشاهد‭ ‬تترجم‭ ‬بالغناء‭ ‬والموسيقى‭ ‬والأداء‭ ‬التعبيري‭. ‬شخصيات‭ ‬العمل‭ ‬هي‭ ‬كاتب‭ ‬المجد‭ ‬وهو‭ ‬الشاهد‭ ‬التاريخي‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأحداث‭ ‬وتدّون‭ ‬الروائع‭ ‬والإنجازات‭ ‬العظيمة‭ ‬لتبقى‭ ‬أثراً‭ ‬خالداً‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور،‭ ‬ويقوم‭ ‬بأداء‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬الفنان‭ ‬الإماراتي‭ ‬عبدالله‭ ‬مسعود،‭ ‬أما‭ ‬الشخصية‭ ‬الأخرى‭ ‬فهي‭ ‬شمس،‭ ‬أم‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬تغزل‭ ‬بأشعتها‭ ‬ميلاد‭ ‬كل‭ ‬يوم‭,‬‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬الصبية‭ ‬الأولى‭,‬‭ ‬والروح‭ ‬الأزلية‭ ‬التي‭ ‬تهب‭ ‬الحياة‭ ‬لكل‭ ‬الكائنات‭,‬‭ ‬والإمارات‭ ‬هي‭ ‬أرض‭ ‬الشمس‭ ‬واستقت‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬معانيها‭ ‬بالقوة‭ ‬والشباب‭ ‬المتجدد‭ ‬والخلود‭,‬‭ ‬وتؤدي‭ ‬الشخصية‭ ‬الفنانة‭ ‬رؤى‭ ‬الصبّان‭. ‬أما‭ ‬شخصية‭ ‬الفارس‭ ‬فروح‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد،‭ ‬وهي‭ ‬شخصية‭ ‬روح‭ ‬الاتحاد‭,‬‭ ‬هذا‭ ‬الفارس‭ ‬صانع‭ ‬إشراقة‭ ‬الشموخ،‭ ‬ويقوم‭ ‬بأداء‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬الفنان‭ ‬والفارس‭ ‬رامي‭ ‬غريب‭. ‬وسوف‭ ‬يقوم‭ ‬بأداء‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬40‭ ‬فناناً‭ ‬وفنانة‭ ‬من‭ ‬فرقة‭ ‬أورنينا‭ ‬الاستعراضية‭ ‬رفقة‭ ‬مادة‭ ‬فيلمية‭ ‬ورسوم‭ ‬ثلاثية‭ ‬الأبعاد‭. ‬

في‭ ‬المشهد‭ ‬الأول؛‭ ‬شمس‭ ‬الحضارة،‭ ‬تجسيد‭ ‬للإشراقة‭ ‬الحضارية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الإمارات‭ ‬وظهور‭ ‬الفينيقيين‭ ‬في‭ ‬الفجيرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشكل‭ ‬لهم‭ ‬معبراً‭ ‬مهماً‭ ‬إلى‭ ‬الشرق،‭ ‬وتبدأ‭ ‬الحوارية‭ ‬الحضارية‭ ‬الأولى‭ ‬بين‭ ‬شخصية‭ ‬شمس‭ ‬وكاتب‭ ‬المجد،‭ ‬وتتم‭ ‬ترجمتها‭ ‬استعراضياً‭ ‬بأسلوب‭ ‬فني‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الأسطورة‭. ‬أما‭ ‬المشهد‭ ‬الثاني،‭ ‬وعنوانه‭ ‬قلاع‭ ‬الشموخ،‭ ‬والشرقيون،‭ ‬فيقص‭ ‬كيف‭ ‬بدأت‭ ‬النهضة‭ ‬العمرانية‭ ‬في‭ ‬إمارة‭ ‬الفجيرة‭ ‬بهمة‭ ‬وعزيمة‭ ‬أبنائها‭ ‬الذين‭ ‬تحدوا‭ ‬كل‭ ‬الصعوبات‭ ‬ليثبتوا‭ ‬أقدامهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬وبنوا‭ ‬القلاع‭ ‬الشوامخ‭ ‬لتشهد‭ ‬على‭ ‬عظيم‭ ‬صبرهم‭ ‬وقوة‭ ‬شكيمتهم‭ ‬وحبهم‭ ‬للعطاء‭ ‬مع‭ ‬توحيد‭ ‬القلوب‭ ‬ونبذ‭ ‬الخلافات‭. ‬

وفي‭ ‬المشهد‭ ‬الثالث؛‭ ‬إشراقة‭ ‬زايد،‭ ‬يظهر‭ ‬الفارس‭ ‬صانع‭ ‬مجد‭ ‬الإمارات‭ ‬ووحدتها‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬خفاقة‭ ‬لتتهاوى‭ ‬المستحيلات‭ ‬أمام‭ ‬الإرادة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُقهر،‭ ‬ثم‭ ‬يروي‭ ‬المشهد‭ ‬الرابع‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬خليفة‭ ‬وازدهار‭ ‬الدولة،‭ ‬مسيرة‭ ‬الشيخ‭ ‬خليفة‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬روح‭ ‬الاتحاد‭ ‬صقراً‭ ‬محلقاً،‭ ‬ومثلاً‭ ‬أعلى‭ ‬في‭ ‬النهضة‭ ‬والتطور‭ ‬وبناء‭ ‬الإنسان‭. ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الخامس‭ -‬‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬فيه‭ ‬أفراد‭ ‬الفرقة‭ ‬وروداً‭ ‬حمراً‭ ‬تمثل‭ ‬دماء‭ ‬الشهداء‭ - ‬تقدم‭ ‬صورة‭ ‬عن‭ ‬شجاعة‭ ‬جنود‭ ‬الوطن،‭ ‬لحماية‭ ‬الأمة‭. ‬أما‭ ‬المشهد‭ ‬السادس؛‭ ‬أمل‭ ‬السماء‭ ‬ذ‭ ‬مسبار‭ ‬الأمل،‭ ‬فيروي‭ ‬سيرة‭ ‬التطور‭ ‬الحضاري‭ ‬والتطلع‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬إنجازات‭ ‬الدولة،‭ ‬والذي‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬المسبار‭ ‬الفضائي؛‭ ‬مسبار‭ ‬الأمل،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يختتم‭ ‬الأوبريت‭ ‬بالمشهد‭ ‬السابع؛‭ ‬إمارات‭ ‬السلام،‭ ‬كأرض‭ ‬للمحبة‭ ‬والسلام‭ ‬لجميع‭ ‬الناس‭ ‬وبيئة‭ ‬مثالية‭ ‬للتواصل‭ ‬الحضاري‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الأمم‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الأمل‭ ‬لا‭ ‬يخترق‭ ‬الفضاء‭ ‬بمسباره‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬يرسم‭ ‬المشهد‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الفجيرة،‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬ميناء‭. ‬وإذا‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬توقفنا‭ ‬عند‭ ‬موانئ‭ ‬الفن‭ ‬والثقافة‭ ‬والرياضة،‭ ‬التقليدية‭ ‬والمعاصرة،‭ ‬والشعبية‭ ‬والدولية،‭ ‬فإن‭ ‬ميناء‭ ‬اقتصادياً‭ ‬في‭ ‬الإمارة‭ ‬يصبح‭ ‬جديراً‭ ‬بالتأمل‭.‬

 

رئة‭ ‬الإمارات‭ ‬

تمر‭ ‬بنا‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬الفجيرة‭ ‬إلى‭ ‬دبا،‭ ‬بميناء‭ ‬الفجيرة،‭ ‬رئة‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬الذي‭ ‬تتعاظم‭ ‬أهميته‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭. ‬تنطلق‭ ‬السيارة‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬ماراثوني،‭ ‬أعرف‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬شارعاً‭ ‬مغلقاً‭ ‬بعد‭ ‬حين،‭ ‬حيث‭ ‬تتراص‭ ‬على‭ ‬جانبيه‭ ‬خزانات‭ ‬النفط،‭ ‬تحت‭ ‬حراسة‭ ‬مشددة‭. ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬طريق‭ ‬مواز،‭ ‬بديل،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخصص‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬لتخزين‭ ‬النفط‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬أبوظبي،‭ ‬ليتم‭ ‬تصديره‭ ‬عبر‭ ‬ميناء‭ ‬الفجيرة‭. ‬لن‭ ‬تضطر‭ ‬ناقلات‭ ‬البترول‭ ‬للمرور‭ ‬بمضيق‭ ‬هرمز‭ ‬والدخول‭ ‬إلى‭ ‬مياه‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭. ‬مثالاً‭ ‬هناك‭ ‬محطة‭ ‬نفط‭ ‬الفجيرة،‭ ‬ولديها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تخزين‭ ‬1.18‭ ‬مليون‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬وزيت‭ ‬الوقود‭ ‬وزيت‭ ‬الغاز‭ ‬والبنزين،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬طويل‭ ‬الأجل،‭ ‬فإنه‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬جذب‭ ‬شركات‭ ‬النفط‭ ‬وهناك‭ ‬إمكانية‭ ‬أكبر‭ ‬لنمو‭ ‬سعة‭ ‬التخزين‭. ‬الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬في‭ ‬المحطة‭ ‬تشمل‭ ‬التحميل‭ ‬والتفريغ‭ ‬للتحميل‭ ‬جزئياً‭ ‬إلى‭ ‬ناقلات‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬المحيط‭ ‬ولا‭ ‬يمكنها‭ ‬المرور‭ ‬إلى‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭.‬

وكانت‭ ‬محطة‭ ‬الفجيرة‭ ‬لتخزين‭ ‬النفط‭ ‬قد‭ ‬استقبلت‭ ‬أول‭ ‬شحنة‭ ‬من‭ ‬المحروقات‭ ‬الخفيفة‭ ‬والنفط‭ ‬الخام‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬أول‭ ‬محطة‭ ‬متاحة‭ ‬للتأجير،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬أبوظبي‭ ‬تشغيل‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬نفط‭ ‬إلى‭ ‬الفجيرة‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬نفسه،‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬لصادرات‭ ‬النفط‭ ‬بالخروج‭ ‬والتوجه‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬آسيا‭ ‬بفضل‭ ‬موقع‭ ‬الفجيرة‭ ‬المثالي‭ ‬جغرافياً‭.‬

في‭ ‬دراسة‭ ‬مهمة‭ ‬للشيخ‭ ‬د‭. ‬راشد‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬الشرقي،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬صناديق‭ ‬الثروة‭ ‬السيادية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬العولمة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬استعراض‭ ‬لثلاثة‭ ‬نماذج‭ ‬إماراتية،‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬نموذج‭ ‬الفجيرة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الازدهار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المأمول،‭ ‬للإمارة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬بالكامل‭ ‬في‭ ‬الشرق،‭ ‬على‭ ‬بحر‭ ‬العرب،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬دولفين‭ ‬للطاقة،‭ ‬الذي‭ ‬اكتمل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬م،‭ ‬هو‭ ‬شبكة‭ ‬الغاز‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الفجيرة‭ ‬بأكبر‭ ‬حقول‭ ‬الغاز‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وهو‭ ‬حقل‭ ‬قطر‭ ‬الشمالي،‭ ‬ويحمل‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬يومياً‭ ‬مليوناً‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬من‭ ‬البراميل‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬ميناء‭ ‬الفجيرة‭ ‬هو‭ ‬الثاني‭ ‬بين‭ ‬أكبر‭ ‬مزودي‭ ‬خدمات‭ ‬تموين‭ ‬وتزويد‭ ‬الوقود‭ ‬بالسفن،‭ ‬بعد‭ ‬سنغافورة،‭ ‬وتذكر‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬استراتيجية‭ ‬التنمية‭ ‬والتنويع‭ ‬تتوازى‭ ‬مع‭ ‬استراتيجية‭ ‬الاستقرار،‭ ‬بعزل‭ ‬اقتصاد‭ ‬الفجيرة‭ ‬عن‭ ‬التقلبات‭ ‬الدورية‭ ‬للاقتصاد،‭ ‬بتطوير‭ ‬قطاعات‭ ‬أخرى‭ ‬بجانب‭ ‬الميناء،‭ ‬مثل‭ ‬المطار‭ ‬والفنادق‭ ‬ومراكز‭ ‬التسوق‭ ‬ومواقع‭ ‬السياحة‭. ‬

سكان‭ ‬إمارة‭ ‬الفجيرة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬130‭ ‬ألفاً،‭ ‬ومن‭ ‬الوافدين‭ ‬40‭ ‬ألفاً،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬الأخير‭ ‬تتوقع‭ ‬له‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬ليبلغ‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬كحد‭ ‬أقصى‭. ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الطريق‭ ‬أتيح‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬أنشطة‭ ‬أخرى‭ ‬اقتصادية‭ ‬بسيطة‭ ‬ـ‭ ‬في‭ ‬المخابز‭ ‬والمطاعم‭ ‬والأسواق،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬أسواق‭ ‬مدينة‭ ‬مسافي‭ ‬التقليدية‭ ‬الشهيرة‭ ‬على‭ ‬ربوة‭ ‬المدينة،‭ ‬وأن‭ ‬نرى‭ ‬وجوهاً‭ ‬غير‭ ‬مألوفة‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬آسيا‭ ‬مثل‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬الأفغان‭ ‬الذين‭ ‬يبيعون‭ ‬بضاعات‭ ‬محلية‭ ‬وصينية‭ ‬وأزهاراً‭ ‬وأدوات‭ ‬تخييم‭ ‬وسواها‭.‬

 

مسجد‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬

وإذا‭ ‬كنا‭ ‬بدأنا‭ ‬رحلتنا‭ ‬بأقدم‭ ‬المساجد،‭ ‬فسوف‭ ‬نختتم‭ ‬بأحدثها،‭ ‬وهو‭ ‬مسجد‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬في‭ ‬إمارة‭ ‬الفجيرة،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬مسجد‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬بعد‭ ‬مسجد‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬‮«‬رحمه‭ ‬الله‮»‬‭ ‬في‭ ‬إمارة‭ ‬أبوظبي‭.‬

فور‭ ‬رؤيتي‭ ‬للأثر‭ ‬المعماري‭ ‬تذكرت‭ ‬عمارة‭ ‬سنان‭ ‬أغا،‭ ‬أشهر‭ ‬معماري‭ ‬عثماني‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العاشر‭ ‬الهجري،‭ ‬حيث‭ ‬تنتشر‭ ‬35‭ ‬قبة‭ ‬صغيرة‭ ‬على‭ ‬أسقفه‭ ‬الرئيسة‭ ‬وأعلى‭ ‬رواقاته‭ ‬الأربعة‭ ‬المشكِّلة‭ ‬لأسواره،‭ ‬وهو‭ ‬يضم‭ ‬أماكن‭ ‬صلاة‭ ‬تتسع‭ ‬لنحو‭ ‬28‭ ‬ألف‭ ‬مصلٍّ‭. ‬تصل‭ ‬المساحة‭ ‬الإجمالية‭ ‬لموقع‭ ‬المسجد‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬39‭ ‬ألف‭ ‬متر‭ ‬مربع،‭ ‬تتوزع‭ ‬على‭ ‬طابقين‭ ‬أحدهما‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬ويتكون‭ ‬من‭ ‬قاعة‭ ‬صلاة‭ ‬للنساء‭ ‬بمساحة‭ ‬2014‭ ‬م2‭ ‬وتتسع‭ ‬لـ‭ ‬2500‭ ‬مصلية،‭ ‬وقاعة‭ ‬متعددة‭ ‬الأغراض‭ ‬بمساحة‭ ‬3000‭ ‬م2‭ ‬وأماكن‭ ‬وضوء‭ ‬وغرف‭ ‬خدمية‭. ‬وللمسجد‭ ‬ست‭ ‬منارات،‭ ‬أربع‭ ‬منها‭ ‬ارتفاعها‭ ‬100‭ ‬متر،‭ ‬واثنتان‭ ‬ارتفاعهما‭ ‬89‭ ‬متراً،‭ ‬وتبلغ‭ ‬مساحة‭ ‬الفناء‭ ‬المكشوف‭ ‬5120‭ ‬م2‭ ‬بطاقة‭ ‬7000‭ ‬مصل،‭ ‬وقد‭ ‬بلغت‭ ‬كلفة‭ ‬إنشائه‭  210‭ ‬ملايين‭ ‬درهم‭.‬

في‭ ‬رحاب‭ ‬المسجد‭ ‬تأملت‭ ‬النقوش‭ ‬الملونة‭ ‬تزين‭ ‬السقف،‭ ‬أنامل‭ ‬نقشت‭ ‬حروف‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الأسقف،‭ ‬وأعلى‭ ‬المحراب،‭ ‬والمنبر‭. ‬بينما‭ ‬يسري‭ ‬الضوء‭ ‬قادماً‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬التي‭ ‬تستقبل‭ ‬دعاء‭ ‬المصلين‭. ‬وهكذا‭ ‬بين‭ ‬أصغر‭ ‬المساجد‭ ‬وأكبرها،‭ ‬وبين‭ ‬أقدم‭ ‬المساجد‭ ‬وأحدثها،‭ ‬يسجل‭ ‬التاريخ‭ ‬عشق‭ ‬الإنسان‭ ‬للعمارة‭ ‬والتزامه‭ ‬بالإيمان،‭ ‬ونهجه‭ ‬للسلام‭ ‬

بانوراما‭ ‬تحكي‭ ‬يوميات‭ ‬الفجيرة‭ ‬بين‭ ‬جبل‭ ‬تشقه‭ ‬السواعد‭ ‬لبناء‭ ‬جديد‭ ‬وطريق‭ ‬عصري‭ ‬تعمره‭ ‬الأفكار‭ ‬الخضراء‭ (‬عدسة‭: ‬بلال‭ ‬علي‭ ‬محمد‭). ‬

مسجد‭ ‬البدية‭ ‬الأثري‭ ‬‬تشيان‭ ‬بعمارته‭ ‬الفريدة‭.‬

قلعة‭ ‬الفجيرة،‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬أعلى‭ ‬تل‭ ‬صخري‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬قرية‭ ‬الفجيرة‭ ‬القديمة،‭ ‬تم‭  ‬تشييدها‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1500‭ ‬و1550‭ ‬للميلاد،‭ ‬بين‭ ‬هيئتها‭ ‬الخارجية‭ ‬وعمارة‭ ‬باحتها‭ ‬الداخلية‭.‬

من‭ ‬العروض‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬تصاحب‭ ‬بطولة‭ ‬السيف‭ ‬التقليدية،‭ ‬بين‭ ‬غناء‭ ‬وشعر‭ ‬وأداء‭ ‬حركي‭ ‬مع‭ ‬النصال‭ ‬المشرعة‭ (‬عدسة‭: ‬شيخة‭ ‬المسماري‭).‬

مشاهد‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬الحي،‭ ‬بمشاركة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬صناعات‭ ‬تقليدية،‭ ‬تذوقنا‭ ‬بعضها،‭ (‬الصور‭ ‬بمشاركة‭ ‬أليساندرو‭ ‬مندوزا،‭ ‬نونيث‭ ‬كيث،‭ ‬وسعيد‭ ‬عبدالله‭ ‬جمعوه‭).‬

المشهد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬أوبريت‭ ‬افتتاح‭ ‬مهرجان‭ ‬الفجيرة‭ ‬الدولي‭ ‬للفنون؛‭ ‬أمل‭ ‬السماء‭ ‬–‭ ‬مسبار‭ ‬الأمل،‭ ‬الذي‭ ‬يروي‭ ‬سيرة‭ ‬التطور‭ ‬الحضاري‭ ‬والتطلع‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المسبار‭ ‬الفضائي،‭ ‬والعرض‭ ‬لفرقة‭ ‬أورنينا‭ ‬الاستعراضية‭.‬

ميناء‭ ‬الفجيرة،‭ ‬رئة‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭.‬

الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬في‭ ‬محطة‭ ‬ميناء‭ ‬الفجيرة‭ ‬تشمل‭ ‬تحميل‭ ‬وتفريغ‭ ‬ناقلات‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬المحيط‭ ‬ولا‭ ‬يمكنها‭ ‬المرور‭ ‬إلى‭ ‬مياه‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭.‬