رواية «بيسان الحب والكراهية» أتون الدمار والنار
في روايته الجديدة «بيسان الحب والكراهية» يقدم عادل الرشيدي الروائي والمؤرخ الكويتي تجربة سردية خاصة، تتحقق خصوصيتها من تسليط الضوء على الجانب الرهيف في حياة البشر خلال تجارب الحياة شديدة القسوة، فالكاتب يتطرق إلى الجانب الرومانسي والعاطفي في حياة شخصية قد نراها بعيدة كل البعد عن الحب والرومانسية، حيث جمعت بين شخصين في أتون الدمار والنار في علاقة حب بريء. وعلى الرغم من هذه المفارقة، يشعر القارئ بأنه أمام عمل روائي واقعي
لا يقل أهمية عن الأعمال الروائية.
الرواية تـأخذ من الصراع الإنساني أسلوباً لها في السرد، ففوضى المنطقة وتداعياتها الراهنة في بداية القرن الحادي والعشرين للميلاد، يحولان السرد إلى جهة غير متوقعة بلغة سردية سلسة، كل هذا يساعد القارئ في رهن الماضي في لحظة الكلام. ويستخدم الكاتب التاريخ بحيث يقوم بإسقاطه على ما يحدث في الزمن الواقعي الراهن.
تتناول الرواية مساحة تاريخية طويلة تلقي الضوء على كثير من التفاصيل، وعلى سبيل المثال نرى في لحظة وفاة الجد كيف تتغير نظرة ضياء للحياة، وتبهت ألوانها حتى تسود في عينيه، أما الأستاذ بديع الذي سجن معه، فكان كالفاصلة للجمل أو كجسر عبره إلى ألوان الحياة، بينما تبدو بيسان كأنها الغيمة الماطرة التي أزالت الغشاوة عن عينيه ليرى زخرف الحياة ونعيمها حين وقع في حبها.
اعتمد الروائي على مفهوم االميتاروايةب إن جاز التعبير، وذلك لخلخلة قناعات القارئ وجعله أقرب إلى فهم حقيقة ضياء كسارد حقيقي وكأنه يقول: أنت من كتب الرواية لا أنا, واالميتاروايةب من الظواهر التي لاقت اهتمام النقد الروائي، فلها ردود أفعال مختلفة فيمن يراها أزمة للرواية وموتها، ومن يراها ظاهرة أدبية جيدة ذات أبعاد ثقافية، وهي في كل الأحوال أسلوب سردي جديد يعتمد على منهج الرواية.
داخل الرواية
يبدو بطل الرواية لافتاً في تحديه وقوة إيمانه وتمكنه من الوصول إلى هدفه رغم الأحداث التي سارت عليها الرحلة من تشويق وإثارة وصراع، فقد استخدم الكاتب عناصر لغوية متعددة للوصول إلى الفكرة.
كما أنه برع في تصوير شخصية بيسان، تلك الفتاة المسيحية التي نشأت بين أبوين حنونين، كان كل همها البحث عن حب آمن، ثم أصبح همها البحث عن لقمة العيش في ظل الظروف القاسية التي عايشتها بداية من لحظة فقدانها لأهلها من جراء القصف حين نراها تحتضن الخبز بحرارة.
وهنا نرى الندم بادياً على بديع، أستاذ التاريخ الذي كان يعيش في سلام ببلده، إلا أن طمعه في الإصلاح ورفع الظلم جعله يشارك في التظاهرات، ولكنه لم يتخيل أن السلاح سيستخدم وتراق الدماء عندما خرج، ووصل إلى قناعة أن الجور أرحم من سفك الدماء. وهي إشارة فنية إلى المأزق والتناقضات التي وقع فيها كثير من المثقفين السوريين في الأحداث، وفي هذا النص كما عبر عنه المؤلف ببراعة.
وقد قسم المؤلف الروية إلى ثلاثة فصول، هي:
الأول فصل الجد، حيث يتطرق فيه الكاتب إلى نشأة بطل الرواية، سارداً أحداثاً تاريخية على لسان الجد، وكاشفاً كيف يكون للتاريخ دور في حياة كل منا، ولا تنفك هذه الدائرة حتى نتخلص من أخطاء الماضي.
أما الفصل الثاني، فقد أسماه أستاذ بديع، وهو الفصل الذي تبدأ فيه الإثارة والحبكة الروائية، وفيه يسلط الضوء على الأزمة السورية التي ثارت نيرانها في الداخل وامتدت تأثيراتها إلى أرجاء واسعة في العالم، ويرسم فيها الكاتب مسار بطل الرواية ضياء، ومشاهدات الصراع الدموي بين الفرق المتخاصمة، حتى يجد بديع الذي يكون أداة لتصحيح مساره الشائك.
أما الفصل الثالث فهو بيسان، وهنا تتجلى قدرات الكاتب على تشويق القارئ بمجريات الأحداث ويتوق لإكمال الرواية لآخر صفحة من صفحاتها المفتوحة، حيث يتطرق الكاتب لمعنى الحب، ومفاهيمه الجوهرية، ويوضح كيف أنه الدرع المتينة للسمو بالإنسان لغايات النبل ومكارم الخلق، كما يشير إلى أنه أصل كل خير ومعه تتفتق الرؤية الواضحة للحياة.
الرواية تغوص عميقاً في النفس الإنسانية، تعري معتقدات وقناعات تتحكم في حياتنا، وتدفع للسطح أفكاراً متحررة من قيود اجتماعية عبر سرد يبدو للوهلة الأولى بسيطاً ومباشراً، ولكنه في الوقت نفسه محبوك بشدة .