«الإسلاموفوبيا» المخاوف الجديدة من الإسلام في فرنسا

 «الإسلاموفوبيا» المخاوف الجديدة من الإسلام في فرنسا

هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬جاء‭ ‬متأخراً‭ ‬جداً،‭ ‬وخيراً‭ ‬أنه‭ ‬جاء‭. ‬وكقارئ‭ ‬وكاتب‭ ‬تعود‭ ‬بي‭ ‬الذكرى‭ ‬إلى‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وما‭ ‬ظهر‭ ‬حينذاك‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬عربية‭ ‬ومترجمة‭ ‬لمستشرقين‭ ‬كبار‭ ‬تعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬الإسلام‭ ‬وفكره‭ ‬وعقائده‭ ‬في‭ ‬عصرٍ‭ ‬شديد‭ ‬الاضطراب‭ ‬بعد‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬وانهيار‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬التي‭ ‬تدثّرت‭ ‬وتحصنّت‭ ‬بالإسلام،‭ ‬وترك‭ ‬انهيارها‭ ‬فراغاً‭ ‬استجرَّ‭ ‬قوى‭ ‬وأفكاراً‭ ‬وعوامل‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬الحداثة‮»‬‭ ‬و«العصرنة‮»‬،‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬مشاعيّة‭ ‬سياسية‭ ‬وفكرية‭ ‬واجتماعية‭ ‬لم‭ ‬تنضبط‭ ‬أمورها‭ ‬في‭ ‬أنساق‭ ‬حضارية‭ ‬ومعرفية‭ ‬منتجة‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬

لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬هنا‭ ‬لذكر‭ ‬عشرات‭ ‬عناوين‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وأكتفي‭ ‬بذكر‭ ‬بعض‭ ‬الأسماء‭ ‬من‭ ‬عرب‭ ‬وأجانب‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬هم‭: ‬محمد‭ ‬أسد‭ (‬ليوبولد‭ ‬فايس‭)‬،‭ ‬خالد‭ ‬محمد‭ ‬خالد،‭ ‬المودودي،‭ ‬مالك‭ ‬بن‭ ‬نبي،‭ ‬الندوي،‭ ‬الأخوان‭ ‬سيد‭ ‬ومحمد‭ ‬قطب،‭ ‬غارودي،‭ ‬رودنسون،‭ ‬مصطفى‭ ‬السباعي‭.‬

 

بين‭ ‬يدي‭ ‬الكتاب

الطبعة‭ ‬الأولى‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬الكتب‭ ‬المترجمة‭ ‬التي‭ ‬تتولاها‭ ‬االمجلة‭ ‬العربيةب‭ ‬السعودية‭ ‬للكاتب‭ ‬الفرنسي‭ ‬فنسان‭ ‬جيسير‭ ‬Vincent‭ ‬Geisser‭ ‬وللمترجمين‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬الغامدي‭ ‬ود‭. ‬قسم‭ ‬آدم‭ ‬بله‭ ‬بمدخل‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬صفحات‭ ‬للمترجمين،‭ ‬ومقدمة‭ ‬وافية‭ ‬للمؤلف‭ ‬تنبسط‭ ‬على‭ ‬34‭ ‬صفحة‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬192‭ ‬صفحة‭ ‬متوسطة‭ ‬القطع‭ ‬تشكل‭ ‬متن‭ ‬الكتاب،‭ ‬الذي‭ ‬يتوزع‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬أبواب،‭ ‬وخاتمة‭ ‬وملحق،‭ ‬سنمر‭ ‬عليها‭ ‬تِباعاً‭.‬

 

مقدمة‭ ‬المؤلف

يبدأ‭ ‬الكاتب‭ ‬رحلته‭ ‬بالاعتراف‭ ‬الجلي‭ ‬والصريح‭ ‬بوجود‭ ‬موجة‭ ‬كراهية‭ ‬للإسلام‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬عموماً،‭ ‬وفي‭ ‬فرنسا‭ ‬خصوصاً،‭ ‬تتداخل‭ ‬فيها‭ ‬عوامل‭ ‬عاطفية‭ ‬وعنصرية‭ ‬تمثلت‭ ‬برصد‭ ‬اخمسة‭ ‬عشر‭ ‬اعتداء‭ ‬على‭ ‬أماكن‭ ‬عبادة‭ ‬إسلامية،‭ ‬ص‭ ‬18ب‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬خلال‭ ‬سنتين‭. ‬وفي‭ ‬خلفية‭ ‬هذه‭ ‬الكراهية‭ ‬تكمن‭ ‬ضغائن‭ ‬تاريخية‭ ‬تبقى‭ ‬ظلالها‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬خرجت‭ ‬فرنسا‭ ‬مطرودة‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬وتهيّؤات‭ ‬عن‭ ‬صعوبة‭ ‬اندماج‭ ‬الأجانب‭ ‬المسلمين‭ ‬بالمجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬ونفورهم‭ ‬من‭ ‬التسليم‭ ‬بقيم‭ ‬الجمهورية‭. ‬وتضغط‭ ‬الانتخابات‭ ‬باتجاه‭ ‬استقطاب‭ ‬الأصوات‭ ‬أو‭ ‬اللعب‭ ‬بمقدراتها‭ ‬وتوجهاتها‭ ‬عبر‭ ‬استخدام‭ ‬قضية‭ ‬الإسلام‭ ‬وتجييش‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬لقبول‭ ‬المسلمين‭ ‬أو‭ ‬إحداث‭ ‬القطيعة‭ ‬معهم‭.‬

 

الباب‭ ‬الأول

تحت‭ ‬عناوين‭ ‬فرعية‭ ‬مختلفة،‭ ‬يستقصي‭ ‬الكاتب‭ ‬أحداثاً‭ ‬ووقائع‭ ‬وسجالات‭ (‬المحجبات،‭ ‬التفجيرات،‭ ‬اللحى،‭ ‬جنوح‭ ‬فتيان‭ ‬الضواحي‭) ‬استدعت‭ ‬شعوراً‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬معادياً‭ ‬للإسلام،‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬الديانة‭ ‬الثانية‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬العدد‭. ‬ويلقي‭ ‬الكاتب‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬االماكينة‭ ‬الإعلامية‭ ‬لصناعة‭ ‬الصور‭ ‬النمطية‭ ‬السالبة‭ ‬الجاهزة‭ ‬عن‭ ‬الإسلام،‭ ‬ص39،‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬بكل‭ ‬طاقتها‭ ‬في‭ ‬صبيحة‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر،‭ ‬وعلى‭ ‬فعل‭ ‬الشيطنة‭ ‬dibolisation‭ ‬الإعلامية‭ ‬للمسلمين‭. ‬وترتكز‭ ‬الماكينة‭ ‬على‭ ‬مقالات‭ ‬واستطلاعات‭ ‬ومقابلات‭ ‬وأبحاث‭ ‬وكتب‭ ‬موجهة‭ ‬للرأي‭ ‬العام،‭ ‬ويغيب‭ ‬عن‭ ‬هدفها‭ ‬الفهم‭ ‬البنيوي‭ ‬للفكر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬ويغلب‭ ‬عليها‭ ‬إما‭ ‬التبجيل‭ ‬المفرط‭ ‬وإما‭ ‬الذم‭ ‬اللاذع،‭ ‬ويذهب‭ ‬الهدف‭ ‬إلى‭ ‬الاتهام‭ ‬المجاني‭ ‬للشرق‭ ‬الإسلامي،‭ ‬مع‭ ‬ابتعاد‭ ‬مقصود‭ ‬عن‭ ‬النقد‭ ‬الموضوعي‭ ‬المحايد‭ ‬والرصين،‭ ‬وهكذا‭ ‬يصبح‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الفرنسي‭ ‬لقمة‭ ‬سائغة‭ ‬في‭ ‬فم‭ ‬المصالح‭ ‬والمآرب‭ ‬المشبوهة‭.‬

في‭ ‬سياق‭ ‬اشتغال‭ ‬هذه‭ ‬الماكينة‭ ‬الشريرة،‭ ‬يتم‭ ‬التضليل‭ ‬والتشويه‭ ‬المتعمد‭ ‬لجميع‭ ‬جوانب‭ ‬السمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للمسلمين‭ ‬المغاربة،‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬نقابات‭ ‬تتحرك‭ ‬سياسياً‭ ‬بمفاتيح‭ ‬خفية،‭ ‬ويتم‭ ‬بقصد‭ ‬إهمال‭ ‬شروط‭ ‬حياتهم‭ ‬المعيشية‭ ‬وظروف‭ ‬تعليمهم‭ ‬القاسية،‭ ‬وهكذا‭ ‬يُحشرون‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬حياتية‭ ‬صعبة‭ ‬وقاهرة،‭ ‬ولذا‭ ‬يَسْهل‭ ‬على‭ ‬دعاة‭ ‬التطرُّف‭ ‬والأصولية‭ ‬اصطيادهم‭ ‬والزجّ‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬مواجهات‭ ‬غير‭ ‬محسوبة،‭ ‬ويجعلون‭ ‬من‭ ‬المساجد‭ ‬منصات‭ ‬وأمكنة‭ ‬لتعميق‭ ‬عزلتهم‭ ‬عن‭ ‬مجتمعهم‭ ‬الفرنسي‭ ‬العلماني‭ ‬الليبرالي‭ ‬المفتوح‭. ‬وتتفاقم‭ ‬المعضلة‭ ‬بانقسام‭ ‬الفرنسيين‭ ‬أنفسهم‭ ‬إلى‭ ‬يساري‭ ‬ويميني‭ ‬ومحافظ،‭ ‬واختلاف‭ ‬نظرة‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬الأقلية‭ ‬المسلمة،‭ ‬ما‭ ‬يخلق‭ ‬حالة‭ ‬هوس‭ ‬ورعب‭ ‬من‭ ‬االشكل‭ ‬الإسلامي‭ ‬للفاشيةب،‭ ‬
‭(‬ص‭ ‬60‭)‬،‭ ‬ورُهاب‭ ‬حقيقي‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬أسلمة‭ ‬فرنسا‭. ‬وفي‭ ‬أتون‭ ‬هذا‭ ‬الغليان‭ ‬والاضطراب‭ ‬وقصور‭ ‬الرؤية‭ ‬والآثام‭ ‬المُضمرة‭ ‬والنوايا‭ ‬والغرائز‭ ‬الرعناء،‭ ‬تبدو‭ ‬حقيقة‭ ‬الإسلام‭ ‬منزوية‭ ‬ومهانة‭ ‬كأنها‭ ‬وصمة‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للصفح‭.‬

 

الباب‭ ‬الثاني

يتناول‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬دور‭ ‬خبراء‭ ‬الخوف‭ ‬الجدد،‭ ‬ودور‭ ‬المتخصصين‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬والجيوبوليتيكيين‭ ‬والخبراء‭ ‬الأمنيين،‭ ‬وكتاباتهم‭ ‬وإطلالاتهم‭ ‬الإعلامية،‭ ‬وما‭ ‬تنشره‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬ودراسات،‭ ‬يخرج‭ ‬بعضها‭ ‬من‭ ‬أقبية‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬وجماعات‭ ‬الضغط‭ ‬السياسي،‭ ‬لتغدو‭ ‬ظاهرة‭ ‬االإسلاموفوبياب‭ ‬متشابكة‭ ‬وغامضة‭ ‬ومعقدة،‭ ‬وألعوبة‭ ‬بيد‭ ‬المتحكمين‭ ‬بمفاتيح‭ ‬الإعلام‭ ‬والأحزاب‭ ‬والتجمعات‭ ‬السياسية‭ ‬وأغراضها‭ ‬المتضاربة،‭ ‬وبذلك‭ ‬يتحول‭ ‬الإسلام‭ ‬والخوف‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬كرة‭ ‬تتقاذفها‭ ‬حتى‭ ‬الأسماء‭ ‬المُستعارة‭ (‬نشر‭ ‬أحدهم‭ ‬كتاباً‭ ‬بعنوان‭ ‬الماذا‭ ‬أنا‭ ‬لستُ‭ ‬مُسلماً؟ب‭ ‬لمؤلف‭ ‬يسمّي‭ ‬نفسه‭ ‬اابن‭ ‬الورّاقب،‭ ‬ص93‭). ‬ويذهب‭ ‬الشطط‭ ‬بالكاتب‭ ‬رينيه‭ ‬مارشاند‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬إلى‭ ‬إطلاق‭ ‬دعوة‭ ‬صارخة‭ ‬لحلٍ‭ ‬جذري‭ ‬لما‭ ‬يسميه‭ ‬االمسألة‭ ‬الإسلاميةب،‭ ‬يتلخص‭ ‬في‭ ‬طرد‭ ‬كل‭ ‬المسلمين‭ ‬لبلدانهم‭ ‬الأصلية‭ (‬ص‭ ‬95‭). ‬ويهبط‭ ‬التحليل‭ ‬السياسي‭ ‬عند‭ ‬أحد‭ ‬مقدمي‭ ‬البرامج‭ ‬الحوارية‭ ‬التلفزيونية‭ ‬إلى‭ ‬تخيُّل‭ ‬مؤامرة‭ ‬يحيكها‭ ‬الأمريكيون‭ ‬والإسلامويون‭ ‬ضد‭ ‬أوربا‭ ‬الموحدة‭ (‬ص99‭) ‬والتحضير‭ ‬لمذبحة‭ ‬كونية‭ (‬ص113‭). ‬ويصل‭ ‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬التفكير‭ ‬العام‭ ‬والسطحي‭ ‬لفئة‭ ‬الخبراء‭ ‬غير‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الدراسات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المعمقة‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬همَّش‭ ‬التفكير‭ ‬العميق‭ ‬والرشيد‭ (‬ص‭ ‬102‭).‬

 

الباب‭ ‬الثالث

المحور‭ ‬الثالث‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬يأخذ‭ ‬طابعاً‭ ‬فكرياً‭ ‬وثقافياً‭ ‬وسجالاً‭ ‬حول‭ ‬صراع‭ ‬محتمل‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬ضد‭ ‬المسلمين‭ ‬يأخذ‭ ‬شكل‭ ‬المعاداة‭ ‬الجديدة‭ ‬للسامية،‭ ‬أو‭ ‬شكل‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬تحدث‭ ‬عنه‭ ‬المفكر‭ ‬هنتنجتون،‭ ‬قائلاً‭: ‬اإن‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬الموجهة‭ ‬نحو‭ ‬العرب‭ ‬قد‭ ‬حلت‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬محل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مصوبة‭ ‬نحو‭ ‬اليهود،‭ ‬ص122ب‭. ‬وتحت‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬يرصد‭ ‬المؤلف‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والمقالات‭ ‬والدراسات‭ ‬التي‭ ‬تحفر‭ ‬وتنقب‭ ‬عن‭ ‬جذر‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة،‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬لاهوتي‭ ‬أو‭ ‬عرقي‭ ‬أو‭ ‬اجتماعي‭ ‬أو‭ ‬سياسي،‭ ‬أم‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الجذر‭ ‬وهمي‭ ‬وناشئ‭ ‬من‭ ‬المقابلة‭ ‬بين‭ ‬امن‭ ‬يحسنون‭ ‬التفكير‭ ‬ومن‭ ‬يجيدون‭ ‬الخطاب،‭ ‬ص126ب،‭ ‬بهدف‭ ‬رسم‭ ‬الخطوط‭ ‬الفارقة‭ ‬لنظام‭ ‬أخلاقي‭ ‬يتحصَّن‭ ‬وراءه‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي،‭ ‬أو‭ ‬إنه‭ ‬يسار‭ ‬ويمين‭ ‬وعلمانية‭ ‬ودين‭ ‬وعولمة‭ ‬أو‭ ‬أسلمة؟

ويتناول‭ ‬المؤلف‭ ‬قضايا‭ ‬شائكة‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬منها‭ ‬بطائل،‭ ‬أهمها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬دور‭ ‬المثقفين‭ ‬والصحفيين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬صب‭ ‬الزيت‭ ‬على‭ ‬النار،‭ ‬وتصوير‭ ‬اليهود‭ ‬الفرنسيين‭ ‬كضحايا‭ ‬لإرهاب‭ ‬المسلمين،‭ ‬ويستشهد‭ ‬بمقولة‭ ‬ش‭. ‬تريجانو‭ ‬Shmuel‭ ‬Trigano‭ ‬االمحرقة‭ ‬لا‭ ‬تثار‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬فصاعداً‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬قضية‭ ‬العرب‭ - ‬المسلمين‭ ‬المُستَعمِرين،‭ ‬ص133ب‭.‬

إن‭ ‬التشكيك‭ ‬بفرنسيّة‭ ‬ذوي‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬بلقنة‭ ‬فرنسا،‭ ‬ووصف‭ ‬شباب‭ ‬الضواحي‭ ‬من‭ ‬المغاربة‭ ‬بالنازيين‭ ‬الجُدُد،‭ ‬والهَوَس‭ ‬بتهيّؤات‭ ‬تآمرية‭ ‬إسلامية‭ ‬ضد‭ ‬الغرب،‭ ‬كلها‭ ‬أوهام‭ ‬تخفي‭ ‬الخبث‭ ‬الشديد‭ ‬الذي‭ ‬يُضمره‭ ‬أهل‭ ‬المصالح‭ ‬والمآرب‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬ومشاريعها‭ ‬المتداخلة‭.‬

الباب‭ ‬الرابع

في‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬والمواجهات‭ ‬والتناقضات،‭ ‬يولد‭ ‬السؤال‭ ‬المهم‭ ‬والخطير‭: ‬أين‭ ‬يقف‭ ‬المسلمون‭ ‬الفرنسيون‭ ‬من‭ ‬النُخَب‭ ‬ومن‭ ‬الناس‭ ‬العاديين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المخاض‭ ‬الصعب؟

مؤلف‭ ‬الكتاب‭ ‬فنسان‭ ‬جيسير‭ ‬يوزع‭ ‬أفراد‭ ‬هذه‭ ‬الشريحة‭ ‬إلى‭ ‬ليبراليين‭ ‬وأصوليين‭ ‬مُلتحين‭ ‬ومعتدلين‭ ‬وخطباء‭ ‬مساجد‭ ‬ومُفتين‭ ‬مرتبطين‭ ‬بالحكومة‭ ‬الجزائرية‭ (‬ص151‭)‬،‭ ‬ولاعبين‭ ‬إعلاميين‭ ‬وحزبيين‭ ‬فاعلين‭ ‬وانتهازيين‭ ‬وشباب‭ ‬الضواحي،‭ ‬ويتوزع‭ ‬اهتمام‭ ‬هؤلاء‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬ومشاريع،‭ ‬وبعضهم‭ ‬ملكيون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬تخويف‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬االإسلامويةب،‭ ‬وبعضهم‭ ‬يدعم‭ ‬التطرف‭ ‬ويغذيه‭ ‬ويحشد‭ ‬لانضواء‭ ‬الشباب‭ ‬المسلم‭ ‬في‭ ‬المجموعات‭ ‬الجهادية‭.‬

ويذكر‭ ‬المؤلف‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وتقويم‭  ‬نشاط‭ ‬هؤلاء‭ ‬وحضورهم‭ ‬واصطفافاتهم،‭ ‬وعلاقة‭ ‬بعضهم‭ ‬السرية‭ ‬برعاة‭ ‬حكوميين‭ ‬محليين‭ ‬أو‭ ‬خارجيين،‭ ‬وعمل‭ ‬البعض‭ ‬لوضع‭ ‬اليد‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬المسلمة‭ ‬المتعاظمة‭ ‬والترويج‭ ‬لفكرة‭ ‬اوضع‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬تحت‭ ‬الرعاية،‭ ‬ص‭ ‬164ب،‭ ‬واقتراح‭ ‬حلول‭ ‬لفرنسا‭ ‬المريضة‭ ‬بداء‭ ‬الإسلاموية‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬أوضاع‭ ‬أمنية‭ ‬مريحة‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المس‭ ‬بقيم‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭.‬

كلمة‭ ‬أخيرة‭ ‬

الكتاب‭ ‬جيد،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬صدر‭ ‬قبل‭ ‬اندلاع‭ ‬الأحداث‭ - ‬النص‭ ‬الفرنسي‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬خريف‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬والترجمة‭ ‬العربية‭ ‬صدرت‭ ‬عام‭ ‬2009‭ - ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬عربي،‭ ‬وقبل‭ ‬صعود‭ ‬الإسلام‭ ‬الأصولي‭ ‬إلى‭ ‬واجهة‭ ‬الأحداث‭ ‬العالمية،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬فقراته‭ ‬يتنبأ‭ ‬بموجة‭ ‬عنف‭ ‬إسلاموية‭ ‬متطرفة‭ ‬محتملة‭ ‬ستجتاح‭ ‬فرنسا،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬عام‭ ‬2015‭.‬

وأمام‭ ‬التمادي‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬والإدارة‭ ‬الذي‭ ‬مارسه‭ ‬تنظيم‭ ‬االقاعدةب‭ ‬ويمارسه‭ ‬اداعشب‭ ‬بشكل‭ ‬أشد‭ ‬عنفاً‭ ‬وضراوة،‭ ‬صار‭ ‬لزاماً‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬أن‭ ‬يعيدوا‭ ‬النظر‭ ‬ويتأملوا‭ ‬ظاهرة‭ ‬تنامي‭ ‬خوف‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬الإسلاموية‭ ‬والإسلام‭ ‬والخلط‭ ‬بينهما،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬المرشح‭ ‬الجمهوري‭ ‬الأمريكي‭ ‬لرئاسة‭ ‬بلاده‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬يجاهر‭ ‬بالطلب‭ ‬علناً‭ ‬بمنع‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا،‭ ‬وانطلاق‭ ‬دعوات‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬لتجريد‭ ‬المسلمين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬من‭ ‬جنسياتهم‭! ‬المسلمون‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬أمام‭ ‬معضلة‭ ‬تتفاقم‭ ‬شرورها‭ ‬بمرور‭ ‬السنوات،‭ ‬وستكون‭ ‬ارتداداتها‭ ‬خطيرة‭ ‬جداً‭ ‬على‭ ‬بلادنا‭ ‬ومجتمعاتنا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نسارع‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬ضوابط‭ ‬وحلول‭ ‬للشكل‭ ‬الناشز‭ ‬المتطرف‭ ‬للإسلاموية،‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬باحتلال‭ ‬روما‭ ‬ولندن‭ ‬وباريس،‭ ‬وفي‭ ‬كتاب‭ ‬فنسان‭ ‬جيسير‭ ‬ما‭ ‬يعين‭ ‬على‭ ‬تلمُّس‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬الحلول‭ .