من أحلام اليقظة

من أحلام اليقظة

من‭ ‬النادر‭ ‬جداً‭ ‬ألا‭ ‬يتفاعل‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة،‭ ‬فمثلما‭ ‬نتحرك‭ ‬نحن‭ ‬قياماً‭ ‬وقعوداً،‭ ‬ثباتاً‭ ‬وحركة،‭ ‬صمتاً‭ ‬وضجيجاً،‭ ‬تستوعبنا‭ ‬الطبيعة‭ ‬ونستوعبها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أوجدنا‭ ‬وأوجدها‭ ‬وأوجد‭ ‬الحركة‭ ‬التي‭ ‬تربطنا‭ ‬بها،‭ ‬فمعها‭ ‬نعيش‭ ‬الصوت‭ ‬والصدى،‭ ‬ونعيش‭ ‬الجمود‭ ‬والحركة،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬نستوعب‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭.‬

ومثلما‭ ‬تملك‭ ‬الطبيعة‭ ‬حركتها‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬علينا،‭ ‬فإننا‭ ‬كذلك‭ ‬نملك‭ ‬طبيعتنا‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬نفرضها‭ ‬عليها،‭ ‬وهكذا‭ ‬تستوي‭ ‬علاقتنا‭ ‬بالطبيعة‭ ‬بين‭ ‬شدّ‭ ‬وجذب،‭ ‬وأخذ‭ ‬وعطاء،‭ ‬ونقص‭ ‬وكمال،‭ ‬نقص‭ ‬يمثل‭ ‬الحاجة،‭ ‬وكمال‭ ‬يؤدي‭ ‬واجبه‭ ‬في‭ ‬السدّاد‭.‬

إنها‭ ‬غذاء‭ ‬الشعراء‭ ‬والأدباء‭ ‬والفلاسفة‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬على‭ ‬كتفيه‭ ‬رأساً‭ ‬يفكر‭ ‬أو‭ ‬يحلم،‭ ‬ثم‭ ‬يرسم‭ ‬اللوحة‭ ‬الإنسانية‭.‬

لذا،‭ ‬وجدتني‭ ‬أتوسطها‭ ‬على‭ ‬ساحل‭ ‬البحر،‭ ‬تغوص‭ ‬قدماي‭ ‬في‭ ‬الرمل،‭ ‬وينطلق‭ ‬ناظري‭ ‬تجاه‭ ‬الموج‭ ‬سارقاً‭ ‬اهتمامي،‭ ‬فأبدأ‭ ‬في‭ ‬عدّ‭ ‬الأمواج‭ ‬مع‭ ‬شهيقي‭ ‬بالبهجة‭ ‬وأبتسم‭ ‬لها‭ ‬مع‭ ‬الزفير،‭ ‬وأترك‭ ‬الزَبَد‭ ‬يعبث‭ ‬بأصابع‭ ‬قدمي‭ ‬وأطلق‭ ‬أذناي‭ ‬في‭ ‬تركيز‭ ‬محبب‭ ‬مع‭ ‬اسوناتاب‭ ‬المدّ‭ ‬والجزر،‭ ‬ثم‭ ‬أصلّي‭ ‬معلقة‭ ‬ناظري‭ ‬بشروق‭ ‬الشمس‭ ‬وابتسامتها‭ ‬الخجولة‭, ‬وأبدأ‭ ‬يومي‭.‬

ومثلما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬الهواء‭ ‬إنه‭ ‬إكسير‭ ‬الحياة،‭ ‬فإن‭ ‬الماء‭ ‬إكسيره‭ ‬الآخر،‭ ‬حلوه‭ ‬ومرّه،‭ ‬لقد‭ ‬حبا‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬كرتنا‭ ‬الأرضية‭ ‬ببقع‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬كبيرها‭ ‬وصغيرها،‭ ‬فمن‭ ‬المحيطات‭ ‬تتولد‭ ‬البحار،‭ ‬والبحار‭ ‬تلد‭ ‬الخلجان،‭ ‬والخلجان‭ ‬ترنو‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬بسواحلها‭ ‬التي‭ ‬تناديه‭ ‬دوماً‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بها‭ ‬والاستفادة‭ ‬طعاماً‭ ‬ومتعةً،‭ ‬وما‭ ‬علينا‭ ‬نحن‭ - ‬البشر‭ - ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نُعمل‭ ‬العقل‭ ‬بأساليب‭ ‬الاستفادة‭ ‬والمتعة‭.‬

فمن‭ ‬الاستفادة‭ ‬غذاء،‭ ‬ومن‭ ‬المتعة‭ ‬مساحات‭ ‬للراحة‭ ‬تصل‭ ‬الجهد‭ ‬بالجهد‭ ‬لتكمل‭ ‬دورة‭ ‬الحياة‭. ‬فالعيش‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬االحيويةب‭ ‬حتى‭ ‬يستمر‭ ‬ويعطي‭ ‬سعادة‭ ‬للإنسان‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬نمو‭ ‬الوجود‭ ‬واستمراره‭... ‬سعادة‭ ‬تشكّل‭ ‬نبعاً‭ ‬لا‭ ‬ينضب‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬الرباني‭ ‬يأخذ‭ ‬بيد‭ ‬الكون‭ ‬بمن‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬السمو‭.‬

والموج‭ - ‬فن‭ ‬الصوت‭ ‬والصورة‭ ‬معاً‭ - ‬يحوّل‭ ‬االسوناتاب‭ ‬إلى‭ ‬اكونشيرتوب،‭ ‬وهو‭ ‬لحن‭ ‬الأخذ‭ ‬والردّ،‭ ‬ولا‭ ‬يلبث‭ ‬مع‭ ‬صبرنا‭ ‬عليه‭ - ‬متعة‭ - ‬وصبره‭ ‬علينا‭ - ‬استمتاعاً‭ - ‬حتى‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬االسيمفونيةب‭ ‬بأجزائها‭ ‬الأربعة‭ ‬الرائعة،‭ ‬تأخذنا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الواقع‭ ‬والحقيقة‭ ‬والحلم،‭ ‬مستذكرين‭ ‬رواية‭ ‬المبدعة‭ ‬غادة‭ ‬السمان‭ ‬الا‭ ‬بحر‭ ‬في‭ ‬بيروتب،‭ ‬وكذلك‭ ‬أغنية‭ ‬ليلى‭ ‬مراد‭:‬

يـــا‭ ‬ســـــاكـــــــــــــني‭ ‬مــــــــــــــطـــــروح

جـــــــــــــــنــيّة‭ ‬فــــــــــي‭ ‬بــــــــحـــــــركم

النـــــــــــــاس‭ ‬تجـــــــي‭ ‬وتـــــــــروح

وأنـــــــا‭ ‬عــــــــــــــاشقــــــة‭ ‬حيّكــــــــــم