بين العالِم والمعلِّم (شروق وغروب)
يقول لنا التاريخ إن أول مدرسة نظامية عرفتها الكويت كانت «المباركية»، وقد سميت بذاك الاسم تيمناً باسم مؤسس الدولة أمير الكويت آنذاك الشيخ مبارك العبدالله الصباح، الملقب بـ«الكبير»، وقد كان ذلك في العام الدراسي 1911-1912.
أما الإناث فقد كانت أول مدرسة نظامية لهن في العام الدراسي 1936-1937 في بيت مؤجر من السيد خلف.
أما قبل ذلك، فقد انتشرت في الكويت مجموعة من الكتاتيب الذكورية والأنثوية كل على حدة تتعاطى تعليم قراءة القرآن الكريم وفهمه وتجويده وبعضاً من مبادئ الحساب.
لكن المدارس النظامية هي التي أخذت - حقاً - بأيدي روّادها من الظلمات إلى النور - صبية وصبايا - أي من الجهل العام إلى المعرفة التامة، وبقيادة مجموعة مميزة من أخواتنا وإخوتنا العرب، بدءاً بالعراق وتركيا ومروراً بفلسطين وسورية ومصر ولبنان، وصار التعليم ينمو ويتمدد ما بين شد وجذب وضآلة وتضخم حتى وصلنا إلى الوضع الحالي، الذي - بمقياسنا الذاتي - ومقارنتنا بالعالم من حولنا وشغفنا بمستقبل أجود، نرى أنه يسير كالسلحفاة بطيئاً ضعيفاً في نموّه مع وجود رغبة واضحة في الصعود إلى مستقبل أفضل، لكننا - كمواطنين - نعيب عليه ثقل الخطى، مما يحرمنا من الخروج من المأزق بنتائج إيجابية، لأنه - ومع تقادم حركة الزمن وتواترها - تتغير المتطلبات كماً ونوعاً، وصولاً إلى بدء حقبة جديدة رُحّب بها ولكن ببرود، وهي الاعتماد على النبت المحلي في الإدارة والممارسة، مما جعل المهمة تكتفي بالقراءة والكتابة، متخطية أهمية مبدأ الغوص إلى الأعماق لغة وفكراً وتوجهاً، بالرغم من الحرص على التطلع للأفضل والأجود من جهة أخرى.
وهكذا أصبحت الخطى تتسارع باتجاه تزويد الذات بالحاجة المحدودة المطلوبة من المنبع ذاته وإلى المصب ذاته، مما سمح للخلل أن يتسرّب من بعض الشقوق في الجسد الفكري والثقافي حتى أشرقت الشمس وأضاءت على الفرق ما بين العالِم والمعلِّم.
وهنا برز السؤال: ترى أيّ الخانات يستطيع العالم والمعلم المحلي أن يملأ، بل هل يستطيع كل عالم أن يُعلّم؟
حتى اتضح لنا أن فرقاً بالغ الاتساع يفصل العالم عن المعلم لإيصال المعلومات المطلوبة لمن يحتاج إليها - التلميذ - وهذا التلميذ تنقصه حرفية الاستفادة أو الاستيعاب لهذه المعلومات حتى يتمكن من ممارسة دوره المطلوب منه عملياً، بعد أن كان يحفظ الأقوال كالببغاوات، ليصبح ممارساً للحياة، معطاءً للثقافة والفكر مبتدعاً بعدما كان ناقلاً فقط حتى يستحق صفة «المواطن»، وتستحق الأرض التي يقف عليها مسمى «وطن»، ليتحول الغروب إلى شروق، ونحذف البلادة وراء ظهورنا ■