جُوَانجْ چو.. عاصمةُ الثقافةِ الآسيويَّة

جُوَانجْ چو.. عاصمةُ الثقافةِ الآسيويَّة

في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬الكورية‭ ‬الجنوبية‭ (‬سيئول‭) ‬إلى‭ ‬مقصدِنا‭ ‬جنوبها؛‭ ‬مدينةِ‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬،‭ ‬توقفنا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬عجيبة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬سو‭ - ‬وون‮»‬‭. ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬العجب‭ ‬من‭ ‬اسمها،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬منحوتاتها‭ ‬الشجرية‭ ‬في‭ ‬حدائقها‭ ‬الممتدة‭ ‬على‭ ‬مرمى‭ ‬البصر،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬آثارها‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تلهو‭ ‬جداول‭ ‬المياه‭ ‬تحتها‭ ‬وعبرها،‭ ‬بل‭ ‬العجب‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬نزورها‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الذي‭ ‬خصصته‭ ‬للطاقة‭ ‬النظيفة‭! ‬

كنا‭ ‬قرأنا‭ ‬قبل‭ ‬وصــــولنا‭ ‬بأســــبوعيــــن،‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الكورية‭ ‬الجنـــوبية‭ ‬حظرت‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬العــامة‭ ‬تشغيل‭ ‬مكيفات‭ ‬الهواء‭ ‬لمـــدة‭ ‬أسبوع،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬أسوأ‭ ‬أزمة‭ ‬لنقص‭ ‬الطاقـــة‭ ‬الكــهــــربائــــية،‭ ‬وأمرت‭ ‬باتـــخــــاذ‭ ‬تدابــــير‭ ‬احــــترازيــة؛‭ ‬مثل‭ ‬تجهــيز‭ ‬مأوى‭ ‬لكبار‭ ‬السن‭ ‬والنساء‭ ‬الحوامل‭ ‬وغيرهم‭. ‬

طلبُ‭ ‬الوزارة‭ ‬جاء‭ ‬بوثيقة‭ ‬رسمية‭ ‬أرسلت‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬المؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭ ‬وعبر‭ ‬الهاتف،‭ ‬كما‭ ‬قررت‭ ‬الوزارة‭ ‬إطفاء‭ ‬الأنوار‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬مبدئيا،‭ ‬واستخدامها‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الإضــــاءة‭ ‬مثل‭ ‬الدَّرَج‭ - ‬الذي‭ ‬تبنته‭ ‬بديلا‭ ‬للمصاعد‭ ‬وفق‭ ‬الحاجة‭ ‬والطوابق‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭- ‬بل‭ ‬وحثت‭ ‬المؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬مولـــدات‭ ‬الطوارئ‭ ‬بسعة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬كيلو‭ ‬وات‭ ‬إلى‭ ‬تشـــغيلها‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬الساعة‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬الظهر‭ ‬حتى‭ ‬الساعة‭ ‬السادسة‭ ‬مساء،‭ ‬مع‭ ‬مراقبة‭ ‬متشددة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬لكن‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬سو‭ - ‬وون‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تطـــبق‭ ‬ذلك‭ ‬التحول‭ ‬للطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬تطبــــيقا‭ ‬لقرار‭ ‬حكومة‭ ‬البلاد،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬اتجاه‭ ‬تبنته‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬ودعت‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬ليوم‭ ‬واحد‭ ‬حضرناه‭ ‬تجارب‭ ‬مماثلة‭ ‬لخمس‭ ‬مدن‭ ‬عالمية،‭ ‬ممثلة‭ ‬بعمدة‭ ‬كل‭ ‬منها،‭ ‬لتقدم‭ ‬هذه‭ ‬المدن‭ ‬تاريخها‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الطاقة،‭ ‬والتحول‭ ‬إلى‭ ‬الطــاقة‭ ‬البديلة‭ ‬والنظيفة‭. ‬

حين‭ ‬تجــولنا‭ ‬في‭ ‬‮«‬سو‭ - ‬وون‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬نَرَ‭ ‬سوى‭ ‬العربات‭ ‬التي‭ ‬تُشحــن‭ ‬بالكـــــهرباء‭ ‬المولَّدة‭ ‬بالطاقة‭ ‬الحركية،‭ ‬حتى‭ ‬محال‭ ‬العصائر‭ ‬كانت‭ ‬تُشغل‭ ‬خلاطات‭ ‬الفواكه‭ ‬التي‭ ‬تستمد‭ ‬كــهربتــــها‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬شابات‭ ‬يقمن‭ ‬بقــــــيادة‭ ‬دراجـــة‭ ‬ثابتـــة،‭ ‬لتصبح‭ ‬الطاقة‭ ‬الحركـــية‭ ‬للعجلات‭ ‬تيارا‭ ‬كهربائيا،‭ ‬وكذلــــك‭ ‬محال‭ ‬أخرى‭ ‬تشحن‭ ‬الهواتف‭ ‬النقالة‭ ‬بالطـــريقة‭ ‬ذاتها‭. ‬

أحسستُ‭ ‬بأن‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬سو‭ - ‬وون‮»‬‭ ‬تقدم‭ ‬أفــــكــــارًا‭ ‬جديدة،‭ ‬ولكـــن‭ ‬فكرتها‭ ‬الأساسية،‭ ‬كما‭ ‬رأيتها،‭ ‬هي‭ ‬أنها‭ ‬تمهد‭ ‬الطريق‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬علــي‭ ‬أن‭ ‬أستــــعد‭ ‬لأفــــكار‭ ‬تقــــدمها‭ ‬هذه‭ ‬المديــــنـــة‭ ‬الــــتي‭ ‬تؤهِّل‭ ‬بنيتــــها‭ ‬التحتية‭ ‬لتكون‭ ‬عاصمة‭ ‬للثـــقافة‭ ‬الآسيوية‭. ‬

 

مجمع‭ ‬الثقافة‭ ‬الآسيوية‭ ‬

رحلتنا‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬جمعية‭ ‬الصحفيين‭ ‬الآسيويين‭ ‬الثقافي،‭ ‬الذي‭ ‬نُظم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دراسة‭ ‬وتقويم‭ ‬مدى‭ ‬إسهام‭ ‬صحفيي‭ ‬أكبر‭ ‬قارات‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التبادل‭ ‬والتواصل‭ ‬الثقافيين‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬الآسيوية‭. ‬تفتح‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬‭ ‬ذراعيها‭ ‬لإعلاميين‭ ‬من‭ ‬كوريا‭ ‬واليابان‭ ‬وبنجلاديش‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬وقرغيزستان‭ ‬وكمبوديا‭ ‬والفلبين‭ ‬ومصر‭ ‬وباكستان‭ ‬وسنغافورة‭ ‬وتركيا‭ ‬وڤيتنام،‭ ‬يتوزعون‭ ‬عبر‭ ‬تخصصات‭ ‬مختلفة‭ ‬وأجيال‭ ‬متباينة،‭ ‬مهمتهم‭ ‬التوصل‭- ‬عبر‭ ‬جلسات‭ ‬نقاشية‭ ‬موسعة‭- ‬إلى‭ ‬كيفية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬والترويج‭ ‬للثقافة‭ ‬الآسيوية‭. ‬قِسما‭ ‬المنتدى‭ ‬يتناولان،‭ ‬كما‭ ‬يحمل‭ ‬عنواناهما‭ ‬‮«‬دور‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬ترويج‭ ‬وازدهار‭ ‬الثقافة‭ ‬الآسيوية‮»‬‭ ‬و«خصائص‭ ‬المجمعات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الآسيوية‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬مجمع‭ ‬الثقافة‭ ‬الآسيوية‭ ‬المنشود،‭ ‬الذي‭ ‬يستضيف‭ ‬فعاليات‭ ‬المنتدى‭. ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬أوراق‭ ‬المنتدى‭ ‬لم‭ ‬تحمل‭ ‬فقط‭ ‬صيغة‭ ‬التجارب‭ ‬البينية‭ ‬والخاصة‭ ‬بكل‭ ‬بلد،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مجال‭ ‬للحوار‭ ‬حول‭ ‬أدوار‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬كالمتاحف،‭ ‬والمنظمات‭ ‬الثقافية،‭ ‬وقصور‭ ‬الثقافة،‭ ‬وغيرها‭. ‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المجمع‭ ‬الثقافي‭ ‬هو‭ ‬لبُّ‭ ‬الأمر‭ ‬كله،‭ ‬لذا‭ ‬وجبت‭ ‬زيارة‭ ‬إنشاءاته‭ ‬التي‭ ‬تكتمل‭ ‬مرحلتها‭ ‬الأولى‭ ‬العام‭ ‬القادم،‭ ‬وتُختتم‭ ‬كلها‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭! ‬بدأت‭ ‬رحلة‭ ‬العجب،‭ ‬لأننا‭ ‬وجدنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬الإنشاءات‭ ‬نتجه‭ ‬إلى‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭. ‬خلاصة‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المصمم‭ ‬لم‭ ‬يشأ‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مجمعه‭ ‬صادمًا‭ ‬للعيون‭ ‬بامتداده‭ ‬فوق‭ ‬الأرض،‭ ‬بل‭ ‬بدأ‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬التربة،‭ ‬وكأنه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬جذور‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬القارة‭ ‬العملاقة،‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأضواء‭ ‬آتية‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ ‬كأنها‭ ‬وحيٌ‭ ‬للأفكار،‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬تنسجم‭ ‬الإنشاءات‭ ‬المعمارية‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة،‭ ‬فتأخذ‭ ‬النور‭ ‬الطبيعي‭ ‬طالما‭ ‬أشرقت‭ ‬الشمس،‭ ‬وتسمح‭ ‬للأشجار‭ ‬بأن‭ ‬تنمو‭ ‬على‭ ‬أسقفه،‭ ‬ولسيقان‭ ‬البامبو‭ ‬أن‭ ‬تحيط‭ ‬به‭. ‬

يا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬عِمارة،‭ ‬ويا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬هدف‭ ‬أنشئت‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬شعارها‭ ‬‮«‬ننثرُ‭ ‬بذورَ‭ ‬الثقافة،‭ ‬مثلما‭ ‬تنشر‭ ‬الزهور‭ ‬بتلاتها،‭ ‬فتتفتح‭ ‬براعم‭ ‬الثقافة‭ ‬الآسيوية‮»‬‭. ‬

يقف‭ ‬دليلنا‭ ‬أمام‭ ‬مجــسم‭ ‬للمجــمع‭ ‬يشبه‭ ‬قطعة‭ ‬البيتزا‭ ‬الضخمة‭ ‬المزركشة‭ ‬بالزيتون‭ ‬والفلفل‭! ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المشهد‭ ‬الجوي‭ ‬للمكان‭ ‬بعد‭ ‬اكتماله،‭ ‬ولكن‭ ‬الأقسام‭ ‬الخمسة‭ ‬الأساسية‭ ‬كانت‭ ‬ترتفع‭ ‬أمامنــــا‭ ‬كلما‭ ‬بدأ‭ ‬الرجل‭ ‬الحديث‭: ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬وكالة‭ ‬معلومات‭ ‬الثــــقافة‭ ‬الآســـيوية،‭ ‬وتضم‭ ‬معهدًا‭ ‬للبحث‭ ‬الثقافي‭ ‬ومركزًا‭ ‬للمعلومات‭ ‬وأكاديمية‭ ‬ثقافية،‭ ‬تتخصص‭ ‬جميعا‭ ‬بآسيا‭. ‬وهذه‭ ‬وكالة‭ ‬ثقافية‭ ‬للأطفال،‭ ‬تضم‭ ‬متحفا‭ ‬ومركز‭ ‬تنمية‭ ‬المحتوى‭ ‬الثـــــقافي‭. ‬أما‭ ‬هنا‭ ‬فمركز‭ ‬الترويج‭ ‬الثقافي‭ ‬ويضــــم‭ ‬قاعات‭ ‬معـــــارض‭ ‬متعددة‭ ‬الاستخدامات،‭ ‬وهنا‭ ‬وكالة‭ ‬للتبادل‭ ‬الثقافي،‭ ‬بها‭ ‬قاعة‭ ‬18‭ ‬مايو‭ ‬التذكارية،‭ ‬ومركـــــز‭ ‬خدمة‭ ‬الزوار‭. ‬وأخيرًا،‭ ‬مسرح‭ ‬الفنون‭ ‬الآســـــيوية،‭ ‬ويضم‭ ‬القاعة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تتسع‭ ‬لألفي‭ ‬مشاهد،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬قاعة‭ ‬محاضرات‭ ‬تتسع‭ ‬لجلوس‭ ‬520‭ ‬شخصا‭. ‬

‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ ‬سانج‭ ‬كي،‭ ‬الرئيس‭ ‬المؤسس‭ ‬لجمعية‭ ‬الصحفيين‭ ‬الآسيويين،‭ ‬إن‭ ‬‮«‬مجمع‭ ‬الثقافة‭ ‬الآسيوية‮»‬‭ ‬هو‭ ‬أضخم‭ ‬مشروع‭ ‬ثقافي‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وسيكرس‭ ‬لتعزيز‭ ‬التفاهم‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬الآسيوية،‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬بينها،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ترويج‭ ‬الثـــقافات‭ ‬الآسيوية‭ ‬دون‭ ‬تمييز،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬النهوض‭ ‬بحياة‭ ‬الناس‭. ‬هذا‭ ‬سيحدث،‭ ‬كما‭ ‬عرفت،‭ ‬عبر‭ ‬سبع‭ ‬مناطق‭ ‬ثقافية‭ ‬تحتويها‭ ‬المدينة،‭ ‬مثل‭ ‬شارع‭ ‬الأتيليه،‭ ‬وثقافات‭ ‬الطعام‭ ‬الآسيوي،‭ ‬وشارع‭ ‬الفنون‭ ‬التخصصية،‭ ‬ومناطق‭ ‬العروض‭ ‬الفنية‭ ‬المتبادلة،‭ ‬والثقافات‭ ‬الآسيوية‭ ‬التقليدية،‭ ‬والوسائل‭ ‬السمع‭ - ‬بصرية،‭ ‬والمناطق‭ ‬التقنية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬الثقافية،‭ ‬وهي‭ ‬منطقة‭ ‬مقامة‭ ‬أمام‭ ‬جبل‭ ‬ميديونج،‭ ‬كمتنزه‭ ‬بيئي‭ ‬للبحث‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬البيئية‭ ‬الآسيوية‭. ‬

 

مدينة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬

لكن‭ ‬لماذا‭ ‬اختيرت‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬‭ ‬لتحمل‭ ‬على‭ ‬كتفيها‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬الشاقة؟‭ ‬يُفسِّر‭ ‬لي‭ ‬سانج‭ - ‬كي‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬نعدها‭ ‬واحة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الكورية‭ ‬الجنوبية،‭ ‬إنها‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬ميلاد‭ ‬حركة‭ ‬18‭ ‬مايو‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬ومهدت‭ ‬للتحول‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‮»‬‭. ‬

ففي‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬إلى‭ ‬27‭ ‬مايو‭ ‬1980‭ ‬تحركت‭ ‬انتفاضة‭ ‬شعبية‭ ‬ضد‭ ‬الرئيس‭ ‬الكوري‭ ‬الجنوبي‭ ‬شون‭ ‬دو‭- ‬هوان،‭ ‬وهي‭ ‬الحركة‭ ‬التي‭ ‬سحقها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬الجيش‭ ‬الكوري‭ ‬الجنوبي،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬شرارة‭ ‬التغيير‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬الديكتاتوري‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطي‭. ‬

كان‭ ‬صديقي‭ ‬الكوري‭ ‬الجنوبي‭ ‬قد‭ ‬أعطاني‭ ‬نسخة‭ ‬مــــن‭ ‬فــــيلم‭ ‬ذاع‭ ‬صيتــــه،‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬هوارياهون‭ ‬هايوجا‮»‬‭. ‬الفــــيلم‭ ‬بعكس‭ ‬عـــنوانه‭ ‬الجذاب‭ (‬ويعني‭ ‬إجازة‭ ‬ساحرة‭) ‬يتناول‭ ‬أحــــداث‭ ‬مدينـــــة‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬،‭ ‬ويروي‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬الكوري‭ ‬الديكتــــاتور‭ ‬بارك‭ ‬شنغ‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬وقعت‭ ‬البلاد‭ ‬فريسة‭ ‬للفوضى‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬وآلت‭ ‬السلطة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬للرئيس‭ ‬شن‭ ‬دو‭ ‬هوان‭ ‬إثر‭ ‬انقلاب‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭. ‬

استمرت‭ ‬الحركات‭ ‬المناهضة‭ ‬للديكتاتورية،‭ ‬لتبلغ‭ ‬مداها‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬مايو‭ ‬1980‭ ‬بإقليم‭ ‬شولا‭ ‬الجنوبي‭ ‬بالمدينة‭ ‬عندما‭ ‬تدافعت‭ ‬الحشود‭ ‬الجماهيرية‭ ‬نحو‭ ‬الشارع‭. ‬ولقمع‭ ‬الثورة‭ ‬نظمت‭ ‬الحكومة‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية‭ ‬عرفت‭ ‬باسم‭ ‬هوارياهون‭ ‬هايوغا‭ ‬شارك‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬نزلوا‭ ‬الشوارع‭ ‬والطرقات‭ ‬لقمع‭ ‬الانتفاضة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬10‭ ‬أيام‭. ‬

الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬أشعل‭ ‬لدى‭ ‬الجمهور‭ ‬الكوري‭ ‬الجنوبي‭ ‬ذكريات‭ ‬أليمة‭ ‬استدعاها‭ ‬المخرج‭ ‬السينمائي‭ ‬كيم‭ ‬جي‭ ‬هوون‭ ‬بدقة‭. ‬ركز‭ ‬الفيلم‭ ‬على‭ ‬قصص‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬لأشخاص‭ ‬عاديين،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬مين‭ ‬وو‭ ‬سائق‭ ‬التاكسي‭ ‬وشقيقه‭ ‬الأصغر‭ ‬جين‭ ‬وو،‭ ‬وهما‭ ‬يتيمان‭ ‬عاشا‭ ‬حياتيهما‭ ‬معتمدين‭ ‬على‭ ‬نفسيهما‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬أبويهما‭. ‬كان‭ ‬أحدهما‭ ‬يحب‭ ‬الممرضة‭ ‬شيناي‭ ‬التي‭ ‬التقى‭ ‬بها‭ ‬يوما‭ ‬أثناء‭ ‬تردده‭ ‬على‭ ‬الكنيسة‭. ‬تقوم‭ ‬شرطة‭ ‬مكافحة‭ ‬الشغب‭ ‬مدججة‭ ‬بالرصاص‭ ‬وبالقنابل‭ ‬المسيلة‭ ‬للدموع‭ ‬بمطاردة‭ ‬المتظاهرين‭ ‬والمارة‭ ‬الأبرياء‭. ‬شاهد‭ ‬مين‭ ‬وو‭ ‬شقيقه‭ ‬الأصغر‭ ‬ورفيق‭ ‬دربه‭ ‬جين‭ ‬وو‭ ‬يخرّ‭ ‬صريعا‭ ‬ويلفظ‭ ‬أنفاسه‭ ‬الأخيرة‭ ‬أمام‭ ‬عينيه‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬حافزا‭ ‬لمين‭ ‬وو‭ ‬لمواصلة‭ ‬النضال‭ ‬وبقوة‭ ‬وتصميم‭ ‬حتى‭ ‬سقط‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬شهيدا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬بجانب‭ ‬والد‭ ‬حبيبته‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬الأب‭ ‬والرفيق‭ ‬وبقيت‭ ‬وحيدة‭ ‬مع‭ ‬الأحزان‭.. ‬وقد‭ ‬أنفق‭ ‬المخرج‭ ‬نحو‭ ‬4‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬لإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬المشاهد‭ ‬الحقيقية،‭ ‬بل‭ ‬واستورد‭ ‬سيارات‭ ‬عسكرية‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مستعملا‭ ‬وقتها‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬واستورد‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬قطعة‭ ‬ملابس‭ ‬شبيــهة‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬فجاءت‭ ‬الأحداث‭ ‬مشابهة‭ ‬تماما‭ ‬لما‭ ‬وقــع‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬سواء‭ ‬بالسيارات‭ ‬أو‭ ‬بالزيين‭ ‬المدني‭ ‬أو‭ ‬العسكري،‭ ‬مما‭ ‬أدهش‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المشاهدين‭ ‬حين‭ ‬عرض‭ ‬في‭ ‬2007م‭. ‬الحدث‭ ‬التاريخي‭ ‬الكبير‭ ‬عرف‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬السينما‭ ‬الكورية‭ ‬عبر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فيلم‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬خنفساء‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1996،‭ ‬و«حلوى‭ ‬بنكهة‭ ‬النعناع‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1999‭ ‬هي‭ ‬أفلام‭ ‬تعرضت‭ ‬لتلك‭ ‬الأحداث‭ ‬التاريخية‭. ‬‮«‬خنفساء‮»‬‭ ‬يجسد‭ ‬قصة‭ ‬فتاة‭ ‬صغيرة‭ ‬تعرضت‭ ‬لمشكلات‭ ‬بدنية‭ ‬ونفسية‭ ‬بسبب‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث،‭ ‬و«حلوى‭ ‬بنكهة‭ ‬النعناع‮»‬‭ ‬يتناول‭ ‬الحوادث‭ ‬ومدى‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬الظروف‭ ‬المحيطة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سرد‭ ‬ذكريات‭ ‬بطل‭ ‬الفيلم‭. ‬

في‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬‭ ‬الكورية‭ ‬انطلقنا‭ ‬مع‭ ‬تباشير‭ ‬ضوء‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬إلى‭ ‬مقبرة‭ ‬النصب‭ ‬التذكاري‭ ‬لضحايا‭ ‬18‭ ‬مايو‭. ‬كأن‭ ‬الشمس‭ ‬غابت‭ ‬كي‭ ‬تفسح‭ ‬للغيم‭ ‬مكانا‭ ‬ترشرش‭ ‬منه‭ ‬قطرات‭ ‬المطر‭ ‬فوق‭ ‬التماثيل‭ ‬الضخمة‭ ‬والخضراء‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الجرحى‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬النساء‭ ‬والرجال‭ ‬الذين‭ ‬حملوا‭ ‬لافتات‭ ‬وأعلام‭ ‬كوريا‭. ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬شبابا‭ ‬مثل‭ ‬مين‭ ‬وو،‭ ‬وشقيقه‭. ‬

صمتٌ‭ ‬يلف‭ ‬المكان‭ ‬وصرخات‭ ‬المطر‭ ‬تدق‭ ‬خفيفا‭ ‬فوق‭ ‬النصب‭ ‬التذكاري‭ ‬والعشب‭ ‬الأخضر‭. ‬صمتٌ‭ ‬جعلني‭ ‬أحاول‭ ‬الإصغاء‭ ‬له‭ ‬وأنا‭ ‬أغمض‭ ‬عيني،‭ ‬لأحلم،‭ ‬فأجدني‭ - ‬عندما‭ ‬فتحتهما‭ - ‬أمام‭ ‬تلك‭ ‬التماثيل‭ ‬وشخوصها‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬تمضي‮ ‬قدما‭ ‬واحدا‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬تترك‭ ‬أماكنها‭ ‬وتدعوني‭ ‬ومن‭ ‬معي‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬لمتابعتها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يدوِّي‭ ‬صوت‭ ‬عال‭ ‬لامرأة‭ ‬في‭ ‬ملابسها‭ ‬العسكرية‭. ‬

 

ذات‭ ‬يوم،‭ ‬ربما

اكتشفت‭ ‬حين‭ ‬فتــــحت‭ ‬عيــني‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬المقبرة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬المساء‭ ‬بمدرسة‭ ‬جوانج‭ ‬چو‭ ‬الثانوية‭ ‬للبنات‭ ‬حيث‭ ‬تعرض‭ ‬مسرحية‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬نعرفه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬باسم‭ ‬حركة‭ ‬جوانج‭ ‬چو‭ ‬الديمقراطية‭. ‬

كل‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمدينة‭ ‬جوانج‭ ‬چو‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬مسقط‭ ‬رأس‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الكورية،‭ ‬حيث‭ ‬تظاهر‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬للاحتجاج‭ ‬ضد‭ ‬الأحكام‭ ‬العرفية‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭. ‬مشاهد‭ ‬الحركة‭ ‬والهجمات‭ ‬العسكرية‭ ‬عليها،‭ ‬حية،‭ ‬لكن‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬أعطى‭ ‬الأمر‭ ‬للجنود‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬الضحايا‭. ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬انتفاضة‭ ‬جوانج‭ ‬چو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لم‭ ‬تجلب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬بل‭ ‬احتاج‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬حركات‭ ‬أخرى‭ ‬أدت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬ديمقراطي‭ ‬نعرفه‭ ‬اليوم،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1993‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬كيم‭ ‬يونغ‭ ‬سام‭ ‬موقفه‭ ‬في‭ ‬خطاب‭: ‬إن‭ ‬الدماء‭ ‬التي‭ ‬سالت‭ ‬في‭ ‬جوانج‭ ‬چو‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1980‭ ‬هي‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬ديمقراطية‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭. ‬

تحولت‭ ‬طوابق‭ ‬مدرسة‭ ‬جوانج‭ ‬چو‭ ‬الثانوية‭ ‬للبنات‭ ‬إلى‭ ‬طبقات‭ ‬من‭ ‬التاريخ،‭ ‬أو‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬أو‭ ‬مشاهد‭ ‬انتقال‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬إلى‭ ‬سواه،‭ ‬وكنا‭ ‬قد‭ ‬تلقينا‭ ‬إشارة‭ ‬تحذير‭ ‬قبل‭ ‬دخول‭ ‬المسرح‭ ‬بأننا‭ ‬قد‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬يكتنفنا‭ ‬فيها‭ ‬الظلام،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬تعادل‭ ‬السنوات‭ ‬المظلمة‭ ‬للديكتاتورية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬البلاد‭. ‬

في‭ ‬الطابق‭ ‬الزمني‭ ‬الأول،‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نتخيل‭ ‬ضخامة‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الفني‭. ‬بدأ‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬معهد‭ ‬التنمية‭ ‬الذي‭ ‬استضافه‭ ‬مسرح‭ ‬الفنون‭ ‬الآسيوية‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬الثقافة‭ ‬الآسيوية‭ ‬بجمهورية‭ ‬كوريا‭. ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬بعثة‭ ‬لتطوير‭ ‬الفنون‭ ‬الآسيوية،‭ ‬تم‭ ‬إنتاج‭ ‬العمل‭ ‬المسرحي‭ ‬الفريد‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬ربما‮»‬،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬والخبراء‭ ‬الدوليين‭ ‬من‭ ‬مجمع‭ ‬الثقافة‭ ‬الآسيوية‭ ‬في‭ ‬كوريا،‭ ‬ومتحف‭ ‬الفن،‭ ‬كوتشي،‭ ‬ومتحف‭ ‬القرن‭ ‬21‭ ‬للفن‭ ‬المعاصر،‭ ‬في‭ ‬كانازاوا‭ ‬في‭ ‬اليابان‭. ‬و«احلم،‭ ‬فكِّرْ،‭ ‬تحدَّثْ‮»‬‭ (‬dreamthinkspeak‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬شركة‭ ‬بريطانية‭ ‬تعد‭ ‬المنتج‭ ‬الرئيس‭. ‬

اسمحوا‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أعترف‭ ‬بأنه‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬حظر‭ ‬استخدام‭ ‬الكاميرات‭ ‬لدينا‭ ‬اندهشت،‭ ‬وشعرت‭ ‬بالأسف،‭ ‬حيث‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬القراء‭ ‬صورة‭ ‬مع‭ ‬الكلمات‭ ‬لبعض‭ ‬المشاهد‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬نكتب‭ ‬عنه‭. ‬ولكن،‭ ‬عندما‭ ‬كنا‭ ‬نعبر‭ ‬العقود‭ ‬والطوابق،‭ ‬كان‭ ‬لزاما‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأداء‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬نوعه،‭ ‬ويجب‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليه،‭ ‬لإعطاء‭ ‬كل‭ ‬جمهور‭ ‬جديد‭ ‬نظرة‭ ‬الدهشة‭ ‬الطازجة‭. ‬غرف‭ ‬التحقيقات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الشرطة‭ ‬مليئة‭ ‬بالشباب‭ ‬الذين‭ ‬وقعوا‭ ‬في‭ ‬الأسر،‭ ‬يتأرجحون‭ ‬بين‭ ‬الاستجواب‭ ‬والتعذيب‭ ‬للاعتراف‭ ‬ببعض‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يرتكبوها‭. ‬اخترع‭ ‬المخرج‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬عبر‭ ‬إظهار‭ ‬غرف‭ ‬بشكل‭ ‬منفصل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعطيك‭ ‬مشهدًا‭ ‬لا‭ ‬يراه‭ ‬الآخرون‭. ‬

هذا‭ ‬الابتكار‭ ‬كان‭ ‬إحدى‭ ‬حيل‭ ‬المخرج‭ ‬البارز،‭ ‬وهو‭ ‬يثبت‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬الصورة‭ ‬كاملة،‭ ‬فنحن‭ ‬لانزال‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬اكتشاف‭ ‬الحقيقة،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬غطى‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬والممثلات‭ ‬أعيننا‭ ‬بغمامات‭ ‬سوداء،‭ ‬كنا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬أولئـــك‭ ‬الذين‭ ‬يعانون،‭ ‬وأصوات‭ ‬أجسادهم‭ ‬تتحرك،‭ ‬وقد‭ ‬يكونون‭ ‬قتلى،‭ ‬وربما‭ ‬يؤخذ‭ ‬بهم‭ ‬مــــسحولين‭ ‬إلى‭ ‬غرف‭ ‬التعذيب‭. ‬

مرت‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الســـنوات‭ ‬لـــــتصبــــح‭ ‬كوريا،‭ ‬مثل‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ ‬المنفتـــحة‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬الأسواق‭ ‬المفتوحة،‭ ‬جميع‭ ‬العلامات‭ ‬التجارية‭ ‬تعبر‭ ‬الحدود‭ ‬تمهد‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬للعولمة‭. ‬ويرسلنا‭ ‬المخرج‭ ‬الكبير‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬أعلى،‭ ‬وطابق‭ ‬آخر،‭ ‬وعقود‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬التسوق،‭ ‬وألعاب‭ ‬الفيديو،‭ ‬المتاجر‭ ‬والمقاهي‭ (‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تقديم‭ ‬المشروبات‭ ‬الحقيقية‭ ‬مع‭ ‬الكعك‭ ‬الحقيقي‭!)‬،‭ ‬ولما‭ ‬لم‭ ‬يُسمح‭ ‬بالصور‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬المشهد،‭ ‬وأنا‭ ‬أسأل‭ ‬نفسي‭: ‬هل‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬المشهد‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬حلمت‭ ‬به‭ ‬حركة‭ ‬18‭ ‬مايو‭ ‬الديـــمقراطية؟‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الديمقراطية؟‭ ‬أن‭ ‬نشترك‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬نفسه‭ ‬بالسعي‭ ‬لشراء‭ ‬المنتجات‭ ‬العالمية‭ ‬ذاتها؟‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬والقليل‭ ‬من‭ ‬الإجابات،‭ ‬كنتُ‭ ‬أتأرجح‭ ‬في‭ ‬أفكاري‭ ‬بين‭ ‬حلم‭ ‬جوانج‭ ‬چو‭ ‬وكابوس‭ ‬الحقيقة‭. ‬

طيلة‭ ‬العرض‭ ‬نتابع‭ ‬سيدة‭ ‬عجوزا‭ ‬وهي‭ ‬تجر‭ ‬عربة‭ ‬يد‭ ‬تقليدية،‭ ‬إنها‭ ‬تسير‭ ‬ويساعدها‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬تخطي‭ ‬الطوابق،‭ ‬وكنت‭ ‬أشعر‭ ‬بأن‭ ‬السيدة‭ ‬هي‭ ‬كوريا‭ ‬نفسها،‭ ‬وهي‭ ‬معنا‭ ‬تبحث‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الماضية‭. ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬الطابق‭ ‬الأخير‭ ‬لنشعر‭ ‬ببعض‭ ‬الاسترخاء،‭ ‬حيث‭ ‬تضاء‭ ‬الشموع‭ ‬أمام‭ ‬صور‭ ‬ضحايا‭ ‬18‭ ‬مايو‭. ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الغرف‭ ‬كانت‭ ‬هـــناك‭ ‬السيدات‭ ‬اللواتي‭ ‬يقدمن‭ ‬لنا‭ ‬الحلويات‭ ‬والمشروبات،‭ ‬وحتى‭ ‬سألتني‭ ‬أن‭ ‬أغني‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬تؤدي‭ ‬حركاتٍ‭ ‬راقصة،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأغنية‭ ‬هتفت‭ ‬والجنسياتُ‭ ‬كلها‭ ‬تردد‭ ‬ورائي‭: ‬تحيا‭ ‬بلادي‭. ‬

كما‭ ‬الإنتاج،‭ ‬كان‭ ‬الجمهور‭ ‬متعدد‭ ‬الجنسيات‭. ‬بدأنا‭ ‬نشعر‭ ‬بنبضات‭ ‬قلوب‭ ‬أولئك‭ ‬الضحايا‭ ‬الغائبين،‭ ‬وحين‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬أماكنهم‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬بالطابق‭ ‬الأول‭ ‬أصبحنا‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأول،‭ ‬فكنا‭ ‬نحن‭ ‬تلك‭ ‬التماثيل‭ ‬ذاتها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬وضعت‭ ‬مئات‭ ‬الشموع‭ ‬على‭ ‬المقاعد،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستقبل‭ ‬الجمهور‭.. ‬تبادل‭ ‬للأماكن،‭ ‬ومزيد‭ ‬من‭ ‬الذكريات‭. ‬

 

جاسيجي‭ ‬ماسيجي‭: ‬بينالي‭ ‬الأفكار

سنلتقي‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬أبطال‭ ‬حركة‭ ‬18‭ ‬مايو‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬ولكنه‭ ‬لن‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬التاريخ،‭ ‬بل‭ ‬سيحدثنا‭ ‬عن‭ ‬المستقبل،‭ ‬خاصة‭ ‬مستقبل‭ ‬الفن،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬أشهر‭ ‬حدث‭ ‬فني‭ ‬تشكيلي‭ ‬في‭ ‬البلاد؛‭ ‬بينالي‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬‭. ‬

حينما‭ ‬نسمع‭ ‬كلمة‭ ‬بينالي،‭ ‬وهي‭ ‬وحدها‭ ‬تعني‭ ‬حدثا‭ ‬يقام‭ ‬كل‭ ‬سنتين،‭ ‬يترادف‭ ‬معها‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلي،‭ ‬خاصة‭ ‬المعاصر‭. ‬لكن‭ ‬بينالي‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬‭ ‬مخصص‭ ‬للتصميم،‭ ‬إنه‭ ‬ينقل‭ ‬الفن‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬النخبة‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬العامة،‭ ‬حيث‭ ‬يدخل‭ ‬التصميم،‭ ‬كفنًّ،‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭. ‬كل‭ ‬عامين‭ ‬تخصص‭ ‬فكرة‭ ‬تتناوبُ‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬الأعمال،‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬تدور‭ ‬الأفكار‭ ‬حول‭ ‬‮«‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬شيئا‮»‬‭. ‬

أي‭ ‬شيء،‭ ‬أو‭ ‬جاسيجي‭ ‬باللغة‭ ‬الكورية،‭ ‬يتحول‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬هؤلاء‭ ‬المصممين‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬له‭ ‬معناه‭ ‬وقيمته‭ ‬وشكله‭ ‬وفائدته،‭ ‬لأن‭ ‬التصميم‭ ‬هو‭ ‬قلب‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭. ‬حين‭ ‬نستخدم‭ ‬الأشياء‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬والمكتب‭ ‬والشارع‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬مصمم‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬منحها‭ ‬وظيفة‭ ‬تؤديها،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني،‭ ‬مع‭ ‬جودة‭ ‬التصميم،‭ ‬أن‭ ‬لدينا‭ ‬شيئًا‭ ‬خاصا‭ ‬بنا‭ ‬وله‭ ‬فائدة‭. ‬

التصميم‭ ‬في‭ ‬بينالي‭ ‬‮«‬جـــوانج‭ ‬چو‮»‬‭ ‬مفهومٌ‭ ‬كوني‭ ‬شامل،‭ ‬لأن‭ ‬المصــــمم‭ ‬الجيد‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬طبائع‭ ‬البشر،‭ ‬وأن‭ ‬يرى‭ ‬الأشـــياء‭ ‬بعيــونهم،‭ ‬وبالمعنى‭ ‬الدقيق‭ ‬يمكن‭ ‬لكل‭ ‬امرئ‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬مصمما،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬يخصص‭ ‬البينالي‭ ‬قسمًا‭ ‬لتصميمات‭ ‬ربات‭ ‬البيوت‭ ‬والأساتذة‭ ‬والأطفال‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬العاديين،‭ ‬وهي‭ ‬جرأة‭ ‬تُحسب‭ ‬للقائمين‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الضخم‭. ‬

كذلك‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬التصميم‭ ‬ينمو‭ ‬ويتطور‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬المجتمع،‭ ‬انظر‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬عربة‭ ‬الأطفال،‭ ‬وإلى‭ ‬تطور‭ ‬الدراجة،‭ ‬إنها‭ ‬تتبدل‭ ‬لتضيف‭ ‬مفاهيم‭ ‬الفخامة‭ ‬والرفاهية،‭ ‬لكنها‭ ‬تظل‭ ‬تقدم‭ ‬الخدمة‭ ‬أو‭ ‬الوظيفة‭ ‬التي‭ ‬صممت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭. ‬المصمم‭ ‬الجريء‭ ‬ينقل‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬جديدة،‭ ‬يجعله‭ ‬يستريح‭ ‬إلى‭ ‬التغييرات،‭ ‬ويتقبلها،‭ ‬ويتبناها،‭ ‬ويدعو‭ ‬لها‭. ‬

الأهم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬التصميم‭ ‬هوية‭. ‬التصميم‭ ‬يساعدنا‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬له‭ ‬لتعريف‭ ‬ذواتنا،‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬ترتدي‭ ‬نظارة‭ ‬محددة‭ ‬ليكتشف‭ ‬الآخرون،‭ ‬من‭ ‬تصميمها‭ ‬ميولك‭ ‬الشبابية،‭ ‬والألوان‭ ‬التي‭ ‬تحبها،‭ ‬وصرامتك‭ ‬التي‭ ‬يعبر‭ ‬عنها‭ ‬إطار‭ ‬العدستين‭. ‬هويتنا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬تصميمات‭ ‬تحدد‭ ‬كيف‭ ‬يرانا‭ ‬الآخرون‭ ‬من‭ ‬خلالها‭. ‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬جاسيجي‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬ماسيجي‮»‬‭ ‬معناها‭: ‬شيءٌ‭ ‬ما‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يكترث‭ ‬بشيء‭ ‬ليست‭ ‬لديه‭ ‬علامات‭. ‬أنت‭ ‬تضيف‭ ‬شيئا‭ ‬لتعكس‭ ‬فكرة‭ ‬تقدم‭ ‬الشيء‭/ ‬التصميم‭ ‬للمتلقي‭. ‬وهنا‭ ‬يتأكد‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬بينالي‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬‭ ‬أن‭ ‬التصميم‭ ‬أذواق‭. ‬إنها‭ ‬قدرة‭ ‬التصميم‭ ‬على‭ ‬الإفصاح‭ ‬عنا،‭ ‬وعما‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نكون‭. ‬الاختلافات‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عنها‭ ‬الألوان‭ ‬والرموز‭ ‬والصور‭ ‬لتحكي‭ ‬عنك‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬تود‭ ‬إخباره‭ ‬للآخرين‭. ‬

التصميم‭ ‬يحدد‭ ‬الشخصية،‭ ‬فهذا‭ ‬جوهره‭ ‬الحقيقي،‭ ‬والأهم‭ ‬أنه‭ ‬يضيف‭ ‬قيمة‭ ‬للفن‭. ‬فالتصميم‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬المساحة‭ ‬الرمادية‭ ‬بين‭ ‬الفن‭ ‬والتجارة،‭ ‬وهو‭ ‬يعطي‭ ‬قيمته‭ ‬الإضافية‭ ‬حين‭ ‬ينجح‭ ‬المصمم‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬قيمة‭ ‬تجارية،‭ ‬تحرك‭ ‬المستهلكين‭ ‬لشرائه‭. ‬إن‭ ‬أكياس‭ ‬الهدايا‭ ‬التي‭ ‬نشتريها‭ ‬لها‭ ‬هدف‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬تعبئة‭ ‬شيء‭ ‬بداخلها،‭ ‬لكننا‭ ‬نختار‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأكياس‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سبب،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬قيمة،‭ ‬وهنا‭ ‬لب‭ ‬التصميم‭. ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬للتصميم‭ ‬فائدة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬هدفه،‭ ‬أو‭ ‬أهدافه‭ ‬بالتحديد،‭ ‬الجمالية‭ ‬والمنفعية‭. ‬

‭ ‬

على‭ ‬مائدة‭ ‬الكيمتشي

ذات‭ ‬مساء‭ ‬تمتد‭ ‬الموائد‭ ‬التقليدية‭ ‬للطعام‭ ‬الكوري‭ ‬الشعبي‭. ‬موائد‭ ‬تقليدية‭ ‬لأنها‭ ‬تجبرك‭ ‬على‭ ‬الجلوس‭ ‬أرضا،‭ ‬وطعام‭ ‬كوري‭ ‬شعبي‭ ‬لأنك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصفه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكتشف‭ ‬كنهه،‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان‭. ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يتبرع‭ ‬أحد‭ ‬ليشرح‭ ‬لك‭ ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬مثلا‭ ‬طبق‭ ‬البيبيمباب،‭ ‬فتعرف‭ ‬أنه‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬الأرز‭ ‬المسلوق‭ ‬المضافة‭ ‬إلـــيه‭ ‬تشكيلة‭ ‬من‭ ‬الخضر،‭ ‬اللحم‭ ‬أو‭ ‬المأكولات‭ ‬البحرية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬البيض‭ ‬المقلي،‭ ‬كأحد‭ ‬أشهر‭ ‬الأطباق‭ ‬الكورية‭ ‬التقليدية‭. ‬بالطبع‭ ‬إذا‭ ‬زرت‭ ‬كوريا‭ ‬مراتٍ‭ ‬فستجد‭ ‬عائلة‭ (‬الكيمتشي‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬‎أفضل‎‭ ‬‎خمسة‎‭ ‬‎أطعمة‭ ‬صحية‎‭ ‬‎في‭ ‬‏العالم،‎‭ ‬‎مع‎‭ ‬‎زيت‎‭ ‬‎الزيتون‎‭ ‬‎والصويا‎‭ ‬‎والعدس‭ ‬واللبن‭. ‬

‎الكيمتشي،‭ ‬وهو‭ ‬أشهر‭ ‬أنواع‭ ‬المخللات‭ ‬الكورية،‭ ‬‎يحتوي‎‭ ‬‎على‎‭ ‬‎كميات‎‭ ‬‎كبيرة‎‭ ‬‎من‎‭ ‬‎الألياف‎‭ ‬‎المفيدة،‎‭ ‬‎ويعد‭ ‬غنيا‎‭ ‬‎بفيتامينات‭ ‬‎‮»‬‎أ‎‮«‬‎‭ ‬و‎‮»‬‎ب‎‮«‬‎‭ ‬و‎‮»‬‎ج‎‮«‬‎‭ ‬وبه‎‭ ‬‎مقادير‎‭ ‬‎كبيرة‎‭ ‬‎من‎‭ ‬‎بكتيريا‎‭ ‬‎الحمض‎‭ ‬‎اللبني‎‭ ‬‎المفيدة،‎‭ ‬‎التي‎‭ ‬‎تجعل‎‭ ‬‎منه‎‭ ‬‎غذاء‎‭ ‬‎فعالا‎‭ ‬‎وواقيا‎‭ ‬‎من‎‭ ‬‎الإصابة‎‭ ‬‎بمرض‎‭ ‬‎السرطان‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‎‭ ‬‎أنواعًا‎‭ ‬‎عديدة‎‭ ‬‎من‎‭ ‬‎الكيمتشي،‎‭ ‬‎حسب‭ ‬مكوناته‎‭ ‬‎المستخدمة‎‭ ‬‎في‎‭ ‬‎إعداده،‎‭ ‬‎ولكن‎‭ ‬الكوريين‎‭ ‬يعنون‭ ‬بكلمة‭ ‬‮«‬كيمتشي‮»‬‭ ‬‎الملفوف‭ (‬الكرنب‭). ‬

يحتوي‭ ‬‮«‬‎كيمتشي‮»‬‭ ‬على‭ ‬18‭ ‬‎وحدة‎‭ ‬‎حرارية‎‭ ‬‎لكل‎‭ ‬100‭ ‬‎جرام،‎‭ ‬‎لذلك‭ ‬يعد‭ ‬‎طعاما‎‭ ‬‎قليل‎‭ ‬‎السعرات‎‭ ‬‎الحرارية،‎‭ ‬ويحتوي‎‭ ‬‎على‭ ‬‏كميات‭ ‬كبيرة‎‭ ‬‎من‎‭ ‬‎الكالسيوم،‎‭ ‬‎والحديد،‎‭ ‬‎والفوسفور،‎‭ ‬‎مما‭ ‬يجعله‎‭ ‬‎فاعلا‎‭ ‬‎في‎‭ ‬‎وقاية‎‭ ‬‎العظام‎‭ ‬‎وصحتها‎‭ ‬‎ويقي‎‭ ‬‎من‭ ‬‏فقر‭ ‬الدم،‭ ‬كما‭ ‬يحوي‭ ‬الثوم‭ ‬كمكون‎‭ ‬‎رئيس‭ ‬‎لمادة‎‭ ‬‎أليسين،‎‭ ‬‎ولها‎‭ ‬‎خاصية‭ ‬عالية‎‭ ‬‎في‭ ‬‏مكافحة‎‭ ‬‎البكتيريا‎‭ ‬‎الضارة،‭ ‬ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬‎الكيمتشي‭ ‬‎السبب‭ ‬الرئيس‎‭ ‬‎في‭ ‬‏عدم‎‭ ‬‎تأثر‎‭ ‬‎كوريا‎‭ ‬‎نسبيا‎‭ ‬‎وسلامتها‎‭ ‬‎من‭ ‬‮«‬إنفلونزا‎‭ ‬‎الطيور‮»‬‎‭ ‬‎الذي‎‭ ‬‎اجتاح‎‭ ‬‎آسيا‎‭ ‬‎قبل‭ ‬سنوات‭. ‬

عادة‭ ‬ما‭ ‬يتناول‭ ‬‎الكــــوريون‎‭ ‬‎الكيمتشي‎‭ ‬‎مع‎‭ ‬‎الأرز‎‭. ‬‎‭ ‬وبما‎‭ ‬‎أن‎‭ ‬‎الأرز‎‭ ‬هناك‭ ‬‎يطـــــبخ‎‭ ‬‎عـــادة‎‭ ‬‎دون‎‭ ‬‎أي‎‭ ‬‎مقبلات‎‭ ‬‎أو‎‭ ‬‎توابل،‎‭ ‬‎فيـــتم‎‭ ‬‎تناوله‎‭ ‬‎عادة‎‭ ‬‎إلى‎‭ ‬‎جانب‎‭ ‬‎طبق‎‭ ‬‎آخر‎‭ ‬‎جانبي‎‭ ‬‎مثل‎‭ ‬‎الكيمتشي‭. ‬وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬‎المأكولات‎‭ ‬‎البحرية‎‭ ‬‎المخللة،‎‭ ‬‎وهي‎‭ ‬‎المكون‎‭ ‬‎غير‎‭ ‬‎النباتي‎‭ ‬‎المستخدم‎‭ ‬‎في‎‭ ‬‎إعداد‎‭ ‬‎الكيمتشي،‎‭ ‬‎فهي‎‭ ‬‎غنية‎‭ ‬‎بالبروتيـــــن‎‭ ‬‎الذي‎‭ ‬‎يفتقر‎‭ ‬‎إليه‎‭ ‬‎الأرز‎‭  ‬‎وعند‎‭ ‬‎تخمير‎‭ ‬‎الكيمتشي،‎‭ ‬‎تتجزّأ‎‭ ‬‎البروتينات‎‭ ‬‎الموجودة‎‭ ‬‎في‎‭ ‬‎المأكولات‎‭ ‬‎البحرية‎‭ ‬‎المخللة‎‭ ‬‎إلى‎‭ ‬‎أحماض‎‭ ‬‎أمينية‎،‎‭ ‬وتصبح‎‭ ‬‎مصادر‎‭ ‬‎منتجة‎‭ ‬‎للكالسيوم‎‭. ‬

ما‭ ‬لم‭ ‬يحتج‭ ‬إلى‭ ‬شرح‭ ‬كانت‭ ‬وجبة‭ ‬السمك،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أنضجتها‭ ‬نيران‭ ‬الشواء،‭ ‬ففتحت‭ ‬ذراعيها،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬طبق‭ ‬به‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الأسماك‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬طولها‭ ‬على‭ ‬بضعة‭ ‬سنتميترات‭ ‬وتشبه‭ ‬أسماك‭ ‬البوري‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أقزام،‭ ‬وعرفت‭ ‬أنها‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المقبلات‭. ‬

 

أحد‭ ‬عشر‭ ‬كوكبًا‭ ‬موسيقيًا

اعتقدنا‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬الوجبة‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬لساعتين‭ ‬أننا‭ ‬سنتجه‭ ‬إلى‭ ‬الفندق،‭ ‬ولكن‭ ‬البرنامج‭ ‬كان‭ ‬يضم‭ ‬عرضا‭ ‬موسيقيا،‭ (‬ظننا‭ ‬أنه‭ ‬ألغي‭ ‬بسبب‭ ‬الوقت‭)‬،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬ركوب‭ ‬السيارات،‭ ‬ولدواعي‭ ‬الهضم،‭ ‬قرر‭ ‬المنظمون‭ ‬أن‭ ‬نسير‭ ‬من‭ ‬المطعم‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا،‭ ‬مشوار‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يهضم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تناولناه‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬إقامتنا‭ ‬بسبب‭ ‬اعتماد‭ ‬الكوريين‭ ‬على‭ ‬أطعمة‭ ‬قليلة‭ ‬السعرات‭ ‬الحرارية‭. ‬وحين‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬الأوبرا،‭ ‬أخذنا‭ ‬نصعد‭ ‬درجا‭ ‬وراء‭ ‬آخر،‭ ‬حتى‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬المسرح،‭ ‬لكن‭ ‬العرض‭ ‬كان‭ ‬يستحق‭ ‬المغامرة،‭ ‬لأننا‭ ‬نسينا‭ ‬الكيمتشي‭ ‬وأخواته‭ ‬ومائدته‭ ‬وسعراته،‭ ‬وعشنا‭ ‬ليلة‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬آسيوية‭ ‬مع‭ ‬كونشرتو‭ ‬أوركسترا‭ ‬آسيا‭ ‬للموسيقى‭ ‬التقليدية،‭ ‬والذي‭ ‬أقيم‭ ‬احتفالا‭ ‬بلقاء‭ ‬وزراء‭ ‬ثقافة‭ ‬كوريا‭ ‬ودول‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬‭. ‬

مدير‭ ‬الأوركسترا‭ ‬تشوي‭ ‬سانج‭ ‬وا‭ ‬يؤمن‭ ‬بقوة‭ ‬الموسيقى‭ ‬التقليدية،‭ ‬وكيف‭ ‬أنها‭ ‬تعزز‭ ‬فهمنا‭ ‬لذواتنا‭ ‬والآخر،‭ ‬تاريخيا‭ ‬وثقافيا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬تجتاز‭ ‬حدود‭ ‬اللغات‭ ‬والعادات‭ ‬لنقف‭ ‬معًا‭. ‬في‭ ‬العرض‭ ‬فاجأتني‭ ‬الوجبة‭ ‬الدسمة‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬أحد‭ ‬عشر‭ ‬كوكبًا‭ ‬موسيقيا،‭ ‬كل‭ ‬كوكبٌ‭ ‬له‭ ‬أقماره‭ ‬التي‭ ‬تعزف‭ ‬وتغني،‭ ‬بل‭ ‬وترقص‭ ‬أحيانا‭. ‬كانت‭ ‬النوتة‭ ‬العربية‭ ‬تتسلل‭ ‬أحيانا‭ ‬خاصة‭ ‬عند‭ ‬عزف‭ ‬العود‭ ‬لأكتشف‭ ‬الهجرات‭ ‬العربية‭ ‬عبر‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬الموسيقي‭. ‬

أين‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬‮«‬الحاجة‭ ‬ستي‭ ‬نور‭ ‬مايا‭ ‬كورني‭ ‬بونتي‭ ‬آدي‮»‬‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬سلطنة‭ ‬بروناي،‭ ‬وهي‭ ‬تغني‭ ‬بينما‭ ‬تجوب‭ ‬المسرح‭ ‬كفراشة‭ ‬مع‭ ‬فريقها‭ ‬الموسيقي‭ ‬الذي‭ ‬يعزف‭ ‬أحدهم‭ ‬على‭ ‬عوده؟‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرقصة‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬جيبين‭ ‬وجوجيت‮»‬‭. ‬أين‭ ‬كنت‭ ‬سأسمع‭ ‬‮«‬سينات‭ ‬نو‮»‬‭ ‬الكمبودية،‭ ‬تلك‭ ‬الزهرة‭ ‬الخضراء‭ ‬في‭ ‬بستان‭ ‬أرز‭ ‬أبيض‭ ‬أوحتْ‭ ‬به‭ ‬لي‭ ‬ملابس‭ ‬الفريق‭ ‬المصاحب‭ ‬لها؟‭ ‬كان‭ ‬لكل‭ ‬كوكب‭ ‬مداره‭ ‬وأقماره‭ ‬وموسيقاه‭ ‬وأوتاره‭. ‬كانت‭ ‬تقدم‭ ‬رقصة‭ ‬المنديل‭ ‬الأحمر‭ ‬التقليدية‭ ‬الشهيرة‭. ‬ومن‭ ‬كوريا‭ ‬حمل‭ ‬الافتتاح‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬بيتجويل‭ ‬آريرانج‮»‬‭ ‬التقليدية‭ ‬المجسدة‭ ‬لروح‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬‭ ‬الحامية‭ ‬للثقافة‭ ‬التقليدية،‭ ‬تلاها‭ ‬عرض‭ ‬تايلاند‭ ‬‮«‬حياة‭ ‬الأرز‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬قسم‭ ‬إلى‭ ‬أربع‭ ‬حركات‭ ‬تبدأ‭ ‬بلقاء‭ ‬الزوجين؛‭ ‬مطر‭ ‬السماء‭ ‬وثرى‭ ‬الأرض،‭ ‬ليولد‭ ‬الأرز،‭ ‬يليه‭ ‬نمو‭ ‬الأرز‭ ‬الأخضر،‭ ‬ثم‭ ‬مراسيم‭ ‬الحصاد،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬الحرية،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الأرز‭ ‬في‭ ‬صناعات‭ ‬كثيرة‭ ‬بحياتنا‭. ‬

من‭ ‬فيتنام‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬لاثنين‭ ‬يجسدان‭ ‬الشعب‭ ‬الفيتنامي،‭ ‬ويعبران‭ ‬عن‭ ‬صوتين‭ ‬متمايزين‭ ‬للحب،‭ ‬الهادئ‭ ‬والهادر‭. ‬ومن‭ ‬ميانمار‭ ‬اشتق‭ ‬العرض‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬أغنيات‭ ‬شعبية،‭ ‬لها‭ ‬الإيقاع‭ ‬ذاته‭ ‬واللحن‭ ‬نفسه،‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬الكلمات،‭ ‬وكأنها‭ ‬لعبة‭ ‬تورية‭ ‬بالكلمات،‭ ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬روحٌ‭ ‬شعبية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجدها‭ ‬لدى‭ ‬لهجاتنا‭ ‬العربية‭ ‬المحكية‭ ‬المحلية‭. ‬تبارت‭ ‬فرق‭ ‬لاوس‭ ‬والفلبين‭ ‬وسنغافورة‭ ‬وماليزيا‭ ‬في‭ ‬براعة‭ ‬لتكمل‭ ‬مشهد‭ ‬الليلة‭ ‬الساحرة،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬فريق‭ ‬جمعية‭ ‬الصحفيين‭ ‬الآسيويين‭ ‬صديقنا‭ ‬الإندونيسي‭ ‬إدي‭ ‬سوبرابتو،‭ ‬الذي‭ ‬يدير‭ ‬إحدى‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬فكان‭ ‬يردد‭ ‬الأغنية‭ ‬الإندونيسية‭. ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬آيفان‭ ‬ليم‭ ‬أحد‭ ‬مؤسسي‭ ‬الجمعية‭ ‬من‭ ‬سنـــــغافورة،‭ ‬وأخـــذ‭ ‬الجميع‭ ‬ينشد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انطلقنا‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬سيئول‭ ‬الأغنية‭ ‬التي‭ ‬عزفها‭ ‬الأوركسترا‭ ‬التقليدي‭: ‬سنجابورااا‭!‬

حسبتُ‭ ‬أننا‭ ‬بدأنا‭ ‬بالمؤتمر،‭ ‬نظريا،‭ ‬وانتهينا‭ ‬إلى‭ ‬التطبيق،‭ ‬عمليا‭. ‬كنا‭ ‬نبحث‭ ‬في‭ ‬سبل‭ ‬التواصل‭ ‬الثقافي‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬الآسيوية،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬‭ ‬تقدم‭ ‬لنا‭ ‬النموذج‭. ‬إنها‭ ‬رسالة‭ ‬أن‭ ‬ننتقل‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬نثر‭ ‬الأفكار‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬غرس‭ ‬التطبيقات‭. ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬جوانج‭ ‬چو‮»‬‭ ‬مدينة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬كورية‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬مدينة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬ثقافية‭ ‬تسمح‭ ‬للأصوات‭ ‬أن‭ ‬تغني،‭ ‬وللحياة‭ ‬أن‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬حياة‭ ‬الجميع،‭ ‬بكل‭ ‬فهم‭ ‬وحب‭ ‬ومساواة‭ .

في‭ ‬مدينة‭ (‬سو‭ ‬ـ‭ ‬وون‭) ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬30‭ ‬كيلومتراً‭ ‬جنوب‭ ‬سيئول‭ ‬تقع‭ ‬قلعتها‭ ‬العريقة‭ (‬هواسيونج‭) ‬المدرجة‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬للتراث‭ ‬العالمي‭ ‬الجدير‭ ‬بالحماية