الأمن الفكري وحرب المعلومات الـحديثة

الأمن الفكري  وحرب المعلومات الـحديثة

تحتل‭ ‬المعلومات‭ ‬مكان‭ ‬الصدارة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي،‭ ‬إذ‭ ‬تعاظمت‭ ‬أهميتها‭ ‬بفعل‭ ‬ما‭ ‬أسفرت‭ ‬عنه‭ ‬التطورات‭ ‬التقنية‭ ‬والاتصالية‭ ‬وما‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬وفرة‭ ‬معلوماتية‭ ‬وسهولة‭ ‬في‭ ‬الاستخدام‭ ‬والتداول‭ ‬وإلغاء‭ ‬للحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬بين‭ ‬جهات‭ ‬الكون،‭ ‬حيث‭ ‬تلاشت‭ ‬الحواجز‭ ‬وتداخلت‭ ‬المصالح‭ ‬والتبادلات‭ ‬وانفتحت‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬ونشطت‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬تحت‭ ‬ظلال‭ ‬العولمة‭. ‬إن‭ ‬الواقع‭ ‬الجديد‭ ‬أفرز‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التنافسية‭ ‬الدولية‭ ‬لملاحقة‭ ‬التطورات‭ ‬المستمرة‭ ‬والتحولات‭ ‬المتسارعة‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الاتصالية‭ ‬والتقنية،‭ ‬وأضحت‭ ‬حرب‭ ‬المعلومات‭ ‬مشتعلة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬سطوتها‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬الكوني‭ ‬لضمان‭ ‬مصالح‭ ‬شركات‭ ‬‮«‬التكنوإلكترون‮»‬‭ ‬وصنّاع‭ ‬المعلومات‭ ‬مالكي‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬وأصحاب‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬آخر‭.‬

فحرب‭ ‬المعلومات‭ ‬أضحت‭ ‬اليوم‭ ‬مصطلحًا‭ ‬متداولاً،‭ ‬وربما‭ ‬أصبح‭ ‬استخدامه‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬التطبيقي‭ ‬يتجاوز‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬الحربية‭ ‬لما‭ ‬يتوافر‭ ‬عليه‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬احتوائية‭ ‬لمجمل‭ ‬القضايا‭ ‬والجوانب‭ ‬الحياتية‭.‬

والمقصود‭ ‬بحرب‭ ‬المعلومات‭ ‬هي‭ ‬الطريقة‭ ‬الأفضل‭ ‬لاستثمار‭ ‬نظم‭ ‬المعلومات‭ ‬لتحقيق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التفوق‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬وفرض‭ ‬الخطاب‭ ‬الموجه‭ ‬إليه‭ ‬بعد‭ ‬إضعاف‭ ‬آليات‭ ‬دفاعه‭ ‬المعلوماتية‭ ‬وإفشال‭ ‬خططه‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬المعلومات‭ ‬وطرق‭ ‬معالجتها‭ ‬فكريًا‭ ‬وفنيًا‭ ‬بغية‭ ‬استخدامها‭ ‬للتأثير‭ ‬في‭ ‬الجمهور‭ ‬وتغيير‭ ‬قناعاته‭ ‬أو‭ ‬توجيه‭ ‬سلوكه‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬والأهداف‭ ‬المرسومة‭ ‬لكل‭ ‬طرف،‭ ‬لقد‭ ‬توسعت‭ ‬مجالات‭ ‬استثمار‭ ‬المعلومات‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬المجالات،‭ ‬وشملت‭ ‬مواقع‭ ‬جديدة‭ ‬ابتدأت‭ ‬باستعمال‭ ‬الطرق‭ ‬التقليدية‭ ‬كاستخدام‭ ‬الشفرات‭ ‬لتضليل‭ ‬العدو‭ ‬وضمان‭ ‬وصول‭ ‬المعلومة‭ ‬المطلوبة‭ ‬إلى‭ ‬الجهة‭ ‬المستهدفة‭ ‬دون‭ ‬تحريف‭. ‬وتطور‭ ‬الحالة‭ ‬بعد‭ ‬اختراع‭ ‬الإذاعة‭ ‬المسموعة،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬المعلومات‭ ‬وسيلة‭ ‬لخلق‭ ‬عامل‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الآخر‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بث‭ ‬الإشاعات‭ ‬والأخبار‭ ‬المزيفة‭ ‬بغية‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬النفسي‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المنافس‭, ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬الحرب‭ ‬النفسية‭.‬

حصل‭  ‬هذا‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬البث‭ ‬هرتيزيًا‭ ‬وفي‭ ‬نطاق‭ ‬محدود،‭ ‬ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬نشأت‭ ‬أزمات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬وزادت‭ ‬حدة‭ ‬الأزمات‭ ‬حين‭ ‬تحول‭ ‬الإرسال‭ ‬عبر‭ ‬السواتل،‭ ‬إذ‭ ‬أصبحت‭ ‬مساحات‭ ‬البث‭ ‬أبعد‭ ‬والاستقبال‭ ‬للمعلومة‭ ‬يتجاوز‭ ‬الحدود‭ ‬المحلية،‭ ‬ومع‭ ‬دخول‭ ‬خطاب‭ ‬الصورة‭ ‬المرئية‭ ‬عبر‭ ‬السينما‭ ‬والتلفزيون‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انتبهت‭ ‬الدوائر‭ ‬الإعلامية‭ ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬إمكانات‭ ‬وخطورة‭ ‬وقوة‭ ‬تأثير‭ ‬الخطاب‭ ‬البصري‭ ‬في‭ ‬التلاعب‭ ‬بالعقول‭ ‬والاتجاهات،‭ ‬فعمدت‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬استثماره‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكم‭ ‬الصوري‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬تحيط‭ ‬بنا‭ ‬أمواجه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات،‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬إنساننا‭ ‬اليوم‭ ‬محاصرًا‭ ‬بأمواج‭ ‬المد‭ ‬المرئي،‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬تغرقنا‭ ‬بهذا‭ ‬المارد‭ ‬الضوئي‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬يعيد‭ ‬صياغة‭ ‬عقولنا‭ ‬وإحساسنا‭ ‬ويرسم‭ ‬سلوكنا‭ ‬ويحدد‭ ‬قناعاتنا‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭.‬

 

ثورة‭ ‬التكنوإلكترون

ومع‭ ‬ثورة‭ ‬التكنوإلكترون‭ ‬والتطورات‭ ‬الاتصالية‭ ‬المتلاحقة‭ ‬وما‭ ‬تحقق‭ ‬بفضلها‭ ‬من‭ ‬لحظة‭ ‬استثمار‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬وابتكار‭ ‬الحاسوب،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬الرقمية‭ ‬وأجيال‭ ‬الهواتف‭ ‬النقالة‭ ‬اختلف‭ ‬توظيف‭ ‬المعلومات‭ ‬تمامًا،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬بالإمكان‭ ‬ملاحقة‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬حيث‭ ‬استخدام‭ ‬الفضاء‭ ‬وطائرات‭ ‬التجسس‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طيار،‭ ‬وبناء‭ ‬قواعد‭ ‬المراقبة‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬وكشف‭ ‬الخطط‭ ‬وسرقة‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الاختراق‭ - ‬الهاكرز‭ - ‬لكشف‭ ‬القوة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬لدى‭ ‬الآخر‭ ‬وتدمير‭ ‬الخطط‭ ‬والتحضيرات‭ ‬ومعرفة‭ ‬مواقع‭ ‬القوة‭ ‬والضعف،‭ ‬وبالتالي‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬قواعد‭ ‬معلومات‭ ‬جديدة‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭ ‬والإنجازات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تقنية‭ ‬المعلومات،‭ ‬وتتصاعد‭ ‬حدة‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬المعلومات‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الصراع‭ ‬واشتداد‭ ‬الأزمات،‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬والشركات‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬أو‭ ‬الدول،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬صناعة‭ ‬المعلومات‭ ‬واستخداماتها‭ ‬تقف‭ ‬خلفها‭ ‬مؤسسات‭ ‬دولية‭ ‬عملاقة‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إدارتها‭ ‬وتوجيهها‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬إستراتيجية‭ ‬مرسومة‭ ‬بدقة‭ ‬ودراية‭.‬

وتتطلب‭ ‬تلك‭ ‬الصناعة‭ ‬ميزانيات‭ ‬ضخمة‭ ‬وكفاءات‭ ‬مميزة‭ ‬ورقابة‭ ‬عالية‭ ‬الجودة،‭ ‬لأن‭ ‬المعلومات‭ ‬تمر‭ ‬بمراحل‭ ‬إنجازية،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬بمرشحات‭ ‬عدة‭ ‬لضمان‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تقتضيه‭ ‬الحالة،‭ ‬والسرعة‭ ‬والتوقيت،‭ ‬ويقف‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬محللون‭ ‬وعلماء‭ ‬نفس‭ ‬واجتماع‭ ‬ومصممون‭ ‬ومبرمجون‭ ‬وخبراء‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الإعلامي‭ ‬والتخطيط‭ ‬لوضع‭ ‬آليات‭ ‬التنفيذ‭ ‬لكل‭ ‬ظاهرة‭ ‬أو‭ ‬حدث‭ ‬طارئ‭ ‬أو‭ ‬إستراتيجية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬وكيفية‭ ‬رسم‭ ‬شكل‭ ‬وأسلوب‭ ‬المنتج‭ ‬المعلوماتي‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬قابلاً‭ ‬للاستهلاك‭ ‬والإقناع،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأثر‭ ‬المطلوب‭ ‬لدى‭ ‬الجمهور‭ ‬المستهدف‭ ‬داخليًا‭ ‬أو‭ ‬خارجيًا،‭ ‬وهنا‭ ‬يلعب‭ ‬العامل‭ ‬النفسي‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬تهيئة‭ ‬المتلقي‭ ‬ورفع‭ ‬درجة‭ ‬استقباله‭ ‬للمعلومات‭ ‬الموجهة‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬والزمان‭ ‬المناسبين‭.‬

 

المنافسة‭ ‬والصراع‭ ‬المعلوماتي

يتصاعد‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المعلومات‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬الإمكانات‭ ‬التقنية،‭ ‬ولعل‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬الكبرى‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التحكم‭ ‬المعلوماتي‭ ‬وتضطلع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بنسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تقنيات‭ ‬الاتصال،‭ ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬بعدها‭ ‬الصين‭ ‬واليابان‭ ‬وأوربا‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأقطاب‭ ‬محورًا‭ ‬كونيًا‭ ‬لإدارة‭ ‬وإنتاج‭ ‬الأجهزة‭ ‬والبرامج‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬اقتصادها‭ ‬الحديث،‭ ‬ورسم‭ ‬سياساتها‭ ‬العالمية،‭ ‬فبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وانتفاء‭ ‬مهام‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬المعسكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬تجسيد‭ ‬أهداف‭ ‬جديدة،‭ ‬والسعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬خطط‭ ‬مؤجلة‭ ‬لكن‭ ‬حان‭ ‬أوانها،‭ ‬فبعد‭ ‬تصدير‭ ‬مفهوم‭ ‬العولمة‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬أبرز‭  ‬إفرازات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الرقمية‭ ‬الذي‭ ‬سعت‭ ‬من‭ ‬ورائه‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬أنموذجها‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استثمار‭ ‬سلاح‭ ‬المعلوماتية‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬والبرامج‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المتنوعة،‭ ‬هادفة‭ ‬إلى‭ ‬تذويب‭ ‬خصوصيات‭ ‬الغير،‭ ‬وإشاعة‭ ‬هويتها‭ ‬الكوزموبوليتانية‭ ‬الشمولية‭ ‬ولاغية‭ ‬الخصوصيات‭ ‬بعد‭ ‬تفتيت‭ ‬الأوطان‭ ‬والإثنيات،‭ ‬جاعلة‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬كائنًا‭ ‬كونيًا‭ ‬بالمطلق،‭ ‬والهدف‭ ‬الأبعد‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الثروات‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬كالطاقة‭ ‬والوقود‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬البلدان‭ ‬إلى‭ ‬أطراف‭ ‬تابعة‭ ‬لمركزها،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬أسواق‭ ‬استهلاكية‭ ‬مفتوحة‭ ‬لتجارتها‭ ‬الحرة‭ ‬وسلعها‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬مستغلة‭ ‬بذلك‭ ‬حالة‭ ‬التفوّق‭ ‬المعلوماتي‭ ‬ليكون‭ ‬بديلاً‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المذاهب‭ ‬والأيديولوجيات‭ ‬والأديان‭ ‬والعقائد‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمقدس‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬التأثير‭ ‬والتحكم‭ ‬وتغيير‭ ‬القناعات‭ ‬ودمج‭ ‬الثقافات‭ ‬في‭ ‬ركب‭ ‬المجتمع‭ ‬العالمي‭ ‬الشمولي‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬التنوع‭ ‬والانفتاح‭ ‬الثقافي‭ - ‬الفولكلوري‭ - ‬والتعددية‭ ‬التي‭ ‬ينادون‭ ‬بها‭ ‬هامشيًا،‭ ‬لكن‭ ‬تطبيقها‭ ‬يأتي‭ ‬بما‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الأهداف‭ ‬المرسومة،‭ ‬وتحويل‭ ‬بلداننا‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬أسواق‭ ‬استهلاكية‭ ‬لتجارتها‭ ‬الحرة‭ ‬وسلعها‭ ‬التقنية‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬في‭ ‬مخابر‭ ‬الغرب،‭ ‬وتصدر‭ ‬إلينا‭ ‬لنستهلكها‭ ‬دون‭ ‬تمحيص‭ ‬أو‭ ‬رد‭ ‬مقابل،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬حالة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬السلبي‭ ‬والتعامل‭ ‬بإيقاع‭ ‬بطيء‭ ‬مع‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬ومجريات‭ ‬تطوراتها‭ ‬السريعة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يحتّم‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التحكم‭ ‬بالمعلومات‭ ‬واستخدامات‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقمية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاتساع‭ ‬للبيئة‭ ‬الرقمية‭ ‬وتنوّع‭ ‬استخداماتها‭ ‬الضرورية‭ ‬لتلبية‭ ‬متطلبات‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي،‭ ‬وهذا‭ ‬يستوجب‭ ‬امتلاك‭ ‬ناصية‭ ‬الإدارة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والتربية‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬إيجابيًا‭ ‬معها،‭ ‬حيث‭ ‬إننا‭ ‬نطمح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لدينا‭ ‬في‭ ‬القريب‭ ‬العاجل‭ ‬حكومة‭ ‬إلكترونية‭ ‬وإدارات‭ ‬وبنوك‭ ‬وتعاملات‭ ‬اقتصادية‭ ‬تنجز‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬أسوة‭ ‬بدول‭ ‬العالم‭ ‬المتحضّر‭ ‬استثمارًا‭ ‬للوقت‭ ‬واختصارًا‭ ‬للجهود،‭ ‬وسط‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬المعلوماتية‭ ‬الدائرة‭ ‬رحاها‭ ‬وسط‭ ‬عالم‭ ‬تكنوإتصالي‭ ‬تحتاج‭ ‬منا‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬معلوماتية‭ ‬مستقبلية‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تقريب‭ ‬الفجوة‭ ‬الرقمية‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬الآخر‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬برامج‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬الاستخدام‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬المحتوى‭ ‬الإلكتروني‭ ‬واعتماده‭ ‬بديلاً‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬الورقي‭ ‬وما‭ ‬يتطلبه‭ ‬من‭ ‬تكاليف‭ ‬خزن‭ ‬وأعباء‭ ‬نقل‭ ‬وتجاوز‭ ‬لحالة‭ ‬الروتين‭ ‬الإداري،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬بلوغ‭ ‬الخطوة‭ ‬التالية‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تطبيقات‭ ‬تدريبية‭ ‬للقوى‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام‭ ‬والإدارة‭ ‬والتجارة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والاهتمام‭ ‬الكبير‭ ‬بهذا‭ ‬المجال‭ ‬الحيوي‭ ‬لغرض‭ ‬صيانة‭ ‬المعلومات‭ ‬الوطنية‭ ‬والتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬البيئة‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬المعلومات‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الإنسان‭ ‬وإسعاده،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬تخريب‭ ‬واعتداء‭ ‬على‭ ‬الحقوق،‭ ‬وما‭ ‬يشاع‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬سلبية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬مستخدمي‭ ‬الإنترنت،‭ ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬البعض‭ ‬بالقرصنة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬إحدى‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭.‬

ولهذا‭ ‬نطالب‭ ‬بضرورة‭ ‬إيجاد‭ ‬تشريعات‭ ‬تختص‭ ‬بالاستخدام‭ ‬المعلوماتي‭ ‬الإلكتروني‭ ‬ومعالجة‭ ‬المشاكل‭ ‬المتعلقة‭ ‬به،‭ ‬كما‭ ‬ندعو‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬مركز‭ ‬متخصص‭ ‬باستثمار‭ ‬المعلومات‭ ‬وضمان‭ ‬الأمن‭ ‬المعلوماتي‭ ‬والفكري‭ ‬بغية‭ ‬تحصين‭ ‬المواطن‭ ‬من‭ ‬الانحراف‭ ‬نحو‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب،‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬بلدنا‭ ‬في‭ ‬مضمار‭ ‬المؤسسات‭ ‬الراعية‭ ‬للتعامل‭ ‬التقني‭ ‬والإلكتروني،‭ ‬مثل‭ ‬مركز‭ ‬مكافحة‭ ‬القرصنة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬الذي‭ ‬أنشئ‭ ‬في‭ ‬ماليزيا،‭ ‬ويضم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستين‭ ‬بلدًا‭.‬

‭ ‬وأخيرًا‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬اعتماد‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالأمن‭ ‬الفكري‭ ‬والمعلوماتي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أسس‭ ‬حديثة‭ ‬للتعامل‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬بما‭ ‬يشكّل‭ ‬عاملاً‭ ‬فاعلاً‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التنموية‭ ‬والإدارية‭ ‬وتذليل‭ ‬المصاعب‭ ‬أمام‭ ‬تعاملات‭ ‬المواطن‭ ‬وتلبية‭ ‬احتياجاته‭ ‬اليومية‭.