هل «العربيَّة» لغةُ علم ؟

هل «العربيَّة» لغةُ علم ؟

بدايةً،‭ ‬نورد‭ ‬ثلاث‭ ‬ملاحظات‭ ‬تتعلق‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التعريف،‭ ‬بتحديد‭ ‬دلالة‭ ‬مفردات‭ ‬وظيفية‭ ‬في‭ ‬البحث‭:‬‭ ‬الأولى؛‭ ‬تتعلق‭ ‬بالعنوان،‭ ‬فقد‭ ‬جعلناه‭ ‬استفهامًا،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬المقالة،‭ ‬سلفًا،‭ ‬إقرارًا‭ ‬منا‭ ‬بصلاحية‭ ‬العربية‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬المعارف‭ ‬العلمية،‭ ‬وسيكون‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬المسلَّمة‮»‬‭ ‬محايدًا،‭ ‬وممهورًا‭ ‬بقرائن‭ ‬تجريبية،‭ ‬ورصد‭ ‬مجموعة‭ ‬مقومات،‭ ‬أو‭ ‬مكوّنات،‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬درسها،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬يتوافر‭ ‬لدينا‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬موثّقة‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الملاحظة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬العنوان‭ ‬بصيغة‭ ‬الاستفهام‭: ‬هل‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬علم؟

الملاحظة‭ ‬الثانية،‭ ‬تتصل‭ ‬بالعنوان‭ ‬أيضًا،‭ ‬لجهة‭ ‬تحديد‭ ‬المراد‭ ‬من‭ ‬مفردة‭ ‬‮«‬علم‮»‬،‭ ‬فمن‭ ‬قبيل‭ ‬التعريف،‭ ‬يعني‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬العلم‮»‬‭ ‬المعرفة‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬التعقّل‭ ‬المحض،‭ ‬والمعرفة‭ ‬الكاملة‭. ‬وهذا‭ ‬اتجاه‭ ‬نظري،‭ ‬وعام‭. ‬لكن‭ ‬أشهر‭ ‬تقسيم‭ ‬للعلوم‭ ‬يتجه‭ ‬إلى‭ ‬حصر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬والفلك‭ ‬والفيزياء‭ ‬والكيمياء‭ ‬وعلم‭ ‬الحياة‭.. ‬والبعض‭ ‬أدرج‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭.. ‬ونضيف‭ ‬إلى‭ ‬القائمة‭ ‬مجموعة‭ ‬العلوم‭ ‬التطبيقية‭ ‬كعلم‭ ‬الكهرباء‭ ‬الصناعية‭  ‬والاقتصاد‭ ‬الزراعي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬أو‭ ‬التقانة‭ ‬الحديثة‭. ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬تقدم‭ ‬لغة‭ ‬المجتمع‭ ‬رهن‭ ‬بتقدم‭ ‬لغته‭  ‬العلمية‭ ‬فنكون‭ ‬قد‭ ‬عنينا‭ ‬بذلك‭ ‬مجموع‭ ‬العلوم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬علم‭ ‬النقد‭ ‬والفلسفة‭ ‬والقانون‭ ‬وعلم‭ ‬الأخلاق‭ ‬وفقه‭ ‬اللغة‭...‬،‭ ‬أي‭ ‬الأخذ‭ ‬بتعريف‭ ‬أوسع‭ ‬لمفردة‭ ‬‮«‬العلم‮»‬‭ ‬باعتباره‭ ‬ظاهرة‭ ‬اجتماعية‭ - ‬ثقافية‭.. ‬وهذا‭ ‬يوجب‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬العلم‭ ‬يمثل‭ ‬روح‭ ‬العصر،‭ ‬فهو‭ ‬منهج‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬ودراسة‭ ‬الواقع‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬الناقد‭ ‬بهدف‭ ‬التدخل‭ ‬التجريبي‭ ‬للتغيير‭..‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يغدو‭ ‬‮«‬العلم‮»‬‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬المنظور‭ ‬نسقًا‭ ‬معرفيًا‭ ‬متّحدًا‭ ‬مع‭ ‬بنية‭ ‬وأنشطة‭ ‬المجتمع؛‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬معارف‭ ‬متفرقة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬منهج‭ ‬موظّف‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬بنية‭ ‬المجتمع،‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تماسكها‭ ‬واطّراد‭ ‬تقدمها،‭ ‬ومواجهة‭ ‬تحدياتها،‭ ‬ورسم‭ ‬معالم‭ ‬مستَقبلها‭. ‬ولهذا،‭ ‬هو‭ ‬مؤسسة‭ ‬اجتماعية‭ ‬وعنصر‭ ‬حضاري‭.‬

وفي‭ ‬دائرتنا‭ ‬التراثية،‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تماهينا،‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬زاهرة،‭ ‬بفلسفة‭ ‬العلم،‭ ‬إذ‭ ‬جعلناه‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المنجزات‭ ‬الحضارية،‭ ‬أداة‭ ‬تحقيق‭ ‬الذات،‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬وكذلك‭ ‬أداة‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬وتأكيد‭ ‬أصالتها‭. ‬لكن‭ ‬التطلّع‭ ‬إلى‭ ‬ذاك‭ ‬المجد،‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬الاعتبار،‭ ‬والحافز‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬الأعراض،‭ ‬كي‭ ‬نتعرف‭ ‬إلى‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬غربة‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭.‬

الملاحظة‭ ‬الثالثة‭ ‬هي‭ ‬جدل‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬والفكر،‭ ‬فقد‭ ‬قدّم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفلاسفة‭ ‬واللغويين‭ ‬طروحات‭ ‬تكشف‭ ‬–‭ ‬برأيهم‭ ‬–‭ ‬عن‭ ‬الارتباط‭ ‬الوثيق،‭ ‬والعلاقة‭ ‬التبادلية‭ ‬بين‭ ‬تكوين‭ ‬الأفكار‭ ‬وتكوين‭ ‬الكلمات‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬ممّا‭ ‬قدمه‭ ‬أصحاب‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬من‭ ‬بيان،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬التنوع‭ ‬الشكلي‭ ‬الذي‭ ‬يُنبئ‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬نشأة‭ ‬الفكر‭ ‬أولًا،‭ ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬اللغة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬لتجسّده،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬الفكر‭ ‬نفسها‭ ‬متعذرة‭ ‬بغير‭ ‬اللغة‭ ‬ورموزها؛‭ ‬فإن‭ ‬اللغة‭ ‬–‭ ‬هنا‭ ‬–‭ ‬ليست‭ ‬لمجرد‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬أفكار،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬التفكير‭ ‬نفسها‭. ‬وفق‭ ‬ذا،‭ ‬نتجه‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬تكوين‭ ‬الأفكار‭ ‬وثيق‭ ‬الصلة‭ ‬بتكوين‭ ‬الكلمات،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬كلّ‭ ‬علم‭ ‬يمكن‭ ‬ردّه‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬أُجيدت‭ ‬صياغتها؛‭ ‬ومعنى‭ ‬قولنا‭ ‬عن‭ ‬علم‭ ‬معيّن‭ ‬إنه‭ ‬تطور‭ ‬وتقدم،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬العلم‭ ‬قد‭ ‬ضُبطت‭ ‬لغته،‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭ ‬ولا‭ ‬أقل،‭ ‬ضبطًا‭ ‬يتم‭ ‬إمّا‭ ‬بتغيير‭ ‬ألفاظه،‭ ‬وإمّا‭ ‬بأن‭ ‬يجعل‭ ‬الألفاظ‭ ‬القائمة‭ ‬أدق‭ ‬في‭ ‬معانيها‭.‬

وأخطر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬استنتاجه‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬التشابك‭ ‬بين‭ ‬التفكير‭ ‬واللغة،‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬من‭ ‬زعم‭ ‬ذلك،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تطوير‭ ‬العلوم‭ ‬مرهون‭ ‬بتطوير‭ ‬اللغة،‭ ‬وهي‭ ‬نتيجة‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬للناس‭ ‬فكر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬استخدامها‭. ‬وبالتالي،‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المتعذر‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬بغير‭ ‬تفكيك‭ ‬وتحليل‭ ‬لأجزاء‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة،‭ ‬وتاليًا‭ ‬يتعذر‭ ‬أن‭ ‬نلمّ‭ ‬بأجزاء‭ ‬التحليل‭ ‬بغير‭ ‬استعانة‭ ‬بالرموز‭ ‬اللغوية،‭ ‬أو‭ ‬بالألفاظ‭.‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الدقة،‭ ‬هنا،‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬التفكير‭ ‬والتعبير‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬متلازمان،‭ ‬ولا‭ ‬يستوفي‭ ‬أحدهما‭ ‬كفايته‭ ‬إلا‭ ‬مقترنًا‭ ‬بالآخر،‭ ‬مستعينين‭ ‬باللغة‭.‬

نستخلص‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظات‭ ‬ثلاث‭ ‬أفكار،‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬البحث،‭ ‬وتنمية‭ ‬هيكليته؛‭ ‬أولاها؛‭ ‬سَوْق‭ ‬المعلومة‭ ‬الموثّقة‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬المعرفة‭ ‬العلمية‭ ‬باللغة‭ ‬العربية؛‭ ‬ثانيتها؛‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬متطلبات‭ ‬إنتاج‭ ‬المعرفة‭ ‬العلمية‭ ‬باللغة‭ ‬العربية؟‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحال،‭ ‬هل‭ ‬نكون‭ ‬أمام‭ ‬إنتاج‭ ‬نصّ‭ ‬علمي،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬العلم؟‭ ‬ثالثتها؛‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬العلم،‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬التنموي‭.‬

 

أولًا‭: ‬من‭ ‬معالم‭ ‬إنتاج‭ ‬المعرفة‭ ‬العلمية‭ ‬

باللغة‭ ‬العربية

1‭ ‬–‭ ‬أول‭ ‬عهد‭ ‬للعربية،‭ ‬رسميًا،‭ ‬بتقديم‭ ‬نصٍّ‭ ‬علمي،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الخليفة‭ ‬الأموي‭ ‬عبدالملك‭ ‬بن‭ ‬مروان‭ (‬26-86هـ‭/‬646‭- ‬705م‭) ‬الذي‭ ‬أمر‭ ‬بتعريب‭ ‬الديوان،‭ ‬ممّا‭ ‬جعل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬أمام‭ ‬تحدي‭ ‬الترجمة‭ ‬ووضع‭ ‬مفردات‭ ‬وتعابير‭ ‬جديدة‭. ‬وهو‭ ‬فعل‭ ‬إدراكي،‭ ‬تحديثي،‭ ‬استنبت‭ ‬في‭ ‬قدرات‭ ‬التعبير‭ ‬العربي‭ ‬تفتّحًا‭ ‬على‭ ‬معجم‭ ‬وظيفي‭ ‬يعزّز‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬والهوية،‭ ‬ويمنح‭ ‬العربية‭ ‬شرعية‭ ‬السيادة‭ ‬اللغوية‭ ‬في‭ ‬مرافق‭ ‬الدولة،‭ ‬فتغدو‭ ‬إلزامية‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬الحسبة‭ ‬والخراج‭ ‬والضريبة‭ ‬والمستحقات،‭ ‬وهو‭ ‬نهج‭ ‬وليد،‭ ‬بدأ‭ ‬يخطو‭ ‬بحذر‭ ‬إزاء‭ ‬عبقرية‭ ‬لغة‭ ‬الأدب‭ ‬والأخلاق‭ ‬والعقيدة‭ ‬والفقه‭.‬

2‭ ‬–‭ ‬ثم‭ ‬تعززت‭ ‬لغة‭ ‬النص‭ ‬العربي،‭ ‬برافد‭ ‬حضاري،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬المأمون‭ (‬170-‭ ‬218‭ ‬هـ‭/‬786‭-‬833م‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬لتحديث‭ ‬العربية‭ ‬مجمعًا‭ ‬لغويًا،‭ ‬علميًا،‭ ‬فلسفيًا،‭ ‬أطّره‭ ‬في‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الحكمة‮»‬‭ ‬فعزّز‭ ‬سريان‭ ‬الدم‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭ ‬اقتدرت،‭ ‬بمرونة‭ ‬مميزة،‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬تنوعات‭ ‬المعرفة،‭ ‬من‭ ‬فلسفة‭ ‬ومنطق‭ ‬وقصة‭ ‬ومَثَل،‭ ‬وسياسة،‭ ‬وعلوم،‭ ‬ولاسيما‭ ‬الفلك‭ ‬والطب‭ ‬والكيمياء‭.‬

وقد‭ ‬صاحب‭ ‬هذا‭ ‬الإنتاج‭ ‬تقدم‭ ‬البحث‭ ‬ونمو‭ ‬المادة‭ ‬الفكرية،‭ ‬وهو‭ ‬نمو‭ ‬اشتمالي،‭ ‬انعكس‭ ‬جليًا‭ ‬بظهور‭ ‬المصطلحات،‭ ‬التي‭ ‬شكّلت‭ ‬أساسًا‭ ‬متينًا‭ ‬لمفهوم‭ ‬النص‭ ‬العلمي،‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭. ‬وقد‭ ‬بلغت‭ ‬شأنًا‭ ‬عظيمًا‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الرابع‭ ‬والخامس‭ ‬والسادس‭ ‬والسابع‭. ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬قد‭ ‬شهدت‭ ‬علمًا‭ ‬عربيًا‭ ‬مزدهرًا،‭ ‬إذ‭ ‬أنشأ‭ ‬علماؤنا‭ ‬لغةً‭ ‬خاصةً‭ ‬بهذه‭ ‬العلوم،‭ ‬وقد‭ ‬قامت‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬متين‭ ‬من‭ ‬العربية،‭ ‬وما‭ ‬أخذته‭ ‬عن‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى‭ ‬تبنته،‭ ‬وأصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬منها‭. ‬ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نقرر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬كادت‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬لغة‭ ‬العلم‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭.‬

ما‭ ‬يجب‭ ‬ذكره‭ ‬–‭ ‬هنا‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬لغة‭ ‬العلم،‭ ‬بالعربية،‭ ‬التي‭ ‬شهدنا‭ ‬تطورها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المراحل‭ ‬من‭ ‬تاريخنا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬لها‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬النجاح،‭ ‬مدة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬800‭ ‬سنة،‭ ‬من‭ ‬دون‭  ‬توافر‭ ‬المجتمع‭ ‬العلمي،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬نفسه؛‭ ‬فقد‭ ‬تحضّرت‭ ‬لأجل‭ ‬هذا‭ ‬الإنتاج‭ ‬العلمي‭ ‬بالعربية‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬لازمة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬الميلادي،‭ ‬وقد‭ ‬تمثل‭ ‬ذلك‭ ‬الاستعداد‭ ‬والتهيّؤ‭ ‬بفعل‭ ‬سببين؛‭ ‬أولهما‭ ‬وجود‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬المجتمع؛‭ ‬فالخلفاء‭ ‬ناصرو‭ ‬العلم‭ ‬أسسوا‭ ‬المكتبات‭ ‬والمراصد،‭ ‬وشجّعوا‭  ‬بكرم‭ ‬الترجمة‭ ‬والبحث‭. ‬وما‭ ‬يجدر‭ ‬ذكره،‭ ‬هنا،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تضم‭ ‬أفرادًا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬مجموعات،‭ ‬وفرقاء‭ ‬بحث،‭ ‬تتنافس‭ ‬وتتبارى‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها‭. ‬تلك‭ ‬المجموعات،‭ ‬وتلك‭ ‬المراكز‭ ‬العلمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬استُحدثت‭ ‬للترجمة‭ ‬والبحث‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬العلوم‭ ‬الهلينيستية‭ ‬داخل‭ ‬مدينة‭ ‬العلم‭ ‬–‭ ‬بغداد‭. ‬والسبب‭ ‬الثاني،‭ ‬هو‭ ‬الارتباط‭ ‬الخاص‭ ‬بين‭ ‬الترجمة‭ ‬والبحث؛‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬ترجمة‭ ‬النصوص‭ ‬العلمية‭ ‬إلى‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العصر،‭ ‬كتابة‭ ‬تاريخ‭ ‬العلوم،‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬وضع‭ ‬النصوص‭ ‬العلمية‭ ‬العربية‭ ‬الضرورية‭ ‬لتكوين‭ ‬الباحثين،‭ ‬أو‭ ‬لمتابعة‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭. ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الأولويات‭ ‬المتّبعة‭ ‬ضمنيًا‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الكتب‭ ‬للترجمة،‭ ‬وفي‭ ‬تسلسل‭ ‬الترجمات،‭ ‬لا‭ ‬تأخذ‭ ‬معناها‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬أنشطة‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬زمانها؛‭ ‬وهذا‭ ‬النهج‭ ‬يشكّل‭ ‬لَبِنَة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬‮«‬توطين‭ ‬العلم‮»‬،‭ ‬وتمهيدًا‭ ‬صالحًا‭ ‬لبداية‭ ‬تملّكه‭.‬

3‭ ‬–‭ ‬وكان‭ ‬للنص‭ ‬العلمي،‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬تجربة‭ ‬مختلفة،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬باشا‭ (‬769-1849‭ ‬م‭) ‬الذي‭ ‬قدّم‭ ‬محاولة‭ ‬جريئة‭ ‬في‭ ‬تحديث‭ ‬مصر؛‭ ‬فقد‭ ‬قرر،‭ ‬لأسباب‭ ‬استراتيجية‭ ‬وعسكرية‭ ‬واقتصادية‭ ‬‮«‬تملّك‮»‬‭ ‬العلم‭ ‬الحديث،‭ ‬أي‭ ‬نقل‭ ‬العلم‭ ‬والتقنيات‭ ‬الأوربية‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭.. ‬فبدأ‭ ‬بإصلاح‭ ‬جذري‭ ‬للنظام‭ ‬التربوي،‭ ‬فأنشأ‭ ‬المدارس‭ ‬الابتدائية،‭ ‬والمدارس‭ ‬التحضيرية،‭ ‬ومجلس‭ ‬التعليم‭ ‬العام‭ ‬لمراقبة‭ ‬وتوجيه‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬التربوي‭ ‬الذي‭ ‬وُضع‭ ‬لتملّك‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬والعلم‭ ‬الحديث،‭ ‬وأطلق‭ ‬نظام‭ ‬البعثات‭ ‬التعليمية‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ (‬من‭ ‬العام‭ ‬1813‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬1848‭).‬

ما‭ ‬يهمنا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التجربة،‭ ‬أن‭ ‬نقل‭ ‬العلوم‭ ‬الحديثة‭ ‬تم‭ ‬بدفعة‭ ‬واحدة‭ ‬باللغة‭ ‬الوطنية،‭ ‬ولم‭ ‬تفرض‭ ‬لغة‭ ‬أوربية‭ ‬لتعليم‭ ‬العلوم‭. ‬ودبّت‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬التعريب،‭ ‬التي‭ ‬نهجت‭ ‬سبيلين،‭ ‬الأول‭ ‬تأسيس‭ ‬مدرسة‭ ‬مخصصة‭ ‬لتكوين‭ ‬المترجمين،‭ ‬والثاني‭ ‬إرسال‭ ‬بعثات‭ ‬الطلاب‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭. ‬وجرت‭ ‬العادة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يترجم‭ ‬كل‭ ‬طالب،‭ ‬عند‭ ‬عودته،‭ ‬كتابًا‭ ‬أجنبيًا‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬اختصاصه‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية؛‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬النقل‭ ‬غلب‭ ‬عليه‭ ‬الاختيار‭ ‬العملي‭ ‬والتطبيقي؛‭ ‬فالكتب‭ ‬المترجمة،‭ ‬والمواد‭ ‬المدروسة،‭ ‬وأهداف‭ ‬البعثات،‭ ‬كلها‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬مقصود‭ ‬للعلوم‭ ‬التطبيقية،‭ ‬أو‭ ‬لما‭ ‬يرتبط‭ ‬بها‭.‬

لكن‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬تجربتي‭ ‬بغداد‭ (‬في‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭) ‬وتجربة‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬أن‭ ‬مكوّنات‭ ‬المجتمع‭ ‬البحثي‭ ‬العلمي‭ ‬شهدت‭ ‬تراجعًا‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬مصر،‭ ‬فقد‭ ‬جرى‭ ‬النقل‭ ‬والتعريب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاقتران‭ ‬بالبحث‭ ‬العلمي؛‭ ‬بمعنى،‭ ‬أن‭ ‬تجربة‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬الخاصة‭ ‬بمحاولة‭ ‬‮«‬تملّك‭ ‬العلم‮»‬‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية،‭ ‬ضاع‭ ‬بريقها‭ ‬بفعل‭ ‬أمرين،‭ ‬سيعاد‭ ‬الوقوع‭ ‬بهما،‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬النامية؛‭ ‬الأمر‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬‮«‬توجيه‭ ‬الاهتمام‭ ‬نحو‭ ‬نتائج‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تأمين‭ ‬الوسائل‭ ‬لإعداده‭ ‬ولتشييد‭ ‬بنية‭ ‬قوية‭ ‬للبحث،‭ ‬وبنية‭ ‬تحتية‭ ‬للثقافة‭ ‬العلمية‭ ‬والتقانية‭ ‬وللمجتمع‭ ‬بكامله‮»‬،‭ ‬والأمر‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬للأول،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬الاقتناع‭ ‬بإمكان‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬البحث‭ ‬الأساسي‮»‬‭.‬

4‭ ‬–‭ ‬وشهد‭ ‬النص‭ ‬العلمي،‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬تجربة‭ ‬أكاديمية،‭ ‬ذات‭ ‬أثر‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬المصطلح‭ ‬العربي،‭ ‬وشيوع‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬تعلّم‭ ‬لمواد‭ ‬الطب‭ ‬والهندسة‭ ‬والفيزياء‭ ‬والكيمياء‭ ‬والرياضيات،‭ ‬والقانون،‭ ‬فقد‭ ‬أنشئت‭ ‬الجامعة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة،‭ ‬ثم‭ ‬تلتها‭ ‬جامعات‭ ‬متعددة،‭ ‬وفيها‭ ‬يقدّم‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬العلمية‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭. ‬وفي‭ ‬سورية‭ ‬تأسست‭ ‬جامعة‭ ‬دمشق‭ ‬التي‭ ‬التزمت‭ ‬تدريس‭ ‬العلوم‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭.‬

وتحمل‭ ‬تجربة‭ ‬تعليم‭ ‬الطب‭ ‬والعلوم‭ ‬بالعربية،‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬دمشق،‭ ‬مؤشرات‭ ‬جديرة‭ ‬بالبحث،‭ ‬لما‭  ‬فيها‭ ‬من‭ ‬نفع‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬التعريب،‭ ‬وارتباط‭ ‬اللغة‭ ‬بالهوية؛‭ ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة،‭ ‬ومنذ‭ ‬إنشائها،‭ ‬تشرح‭ ‬فيها‭ ‬أحدث‭ ‬النظريات‭ ‬العلمية،‭ ‬وتوصف‭  ‬أدق‭ ‬الأجهزة‭ ‬على‭ ‬منابرها‭ ‬بلغة‭ ‬فصحى‭ ‬سليمة،‭ ‬سهلة،‭ ‬ميسّرة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬الحقوق‭. ‬

وأنشأ‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬أساتذة‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬د‭.‬مرشد‭ ‬خاطر‭ (‬1888‭ ‬–‭ ‬1961م‭) ‬والأمير‭ ‬مصطفى‭ ‬الشهابي‭ (‬1893-1968م‭)‬،‭ ‬والدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬حمدي‭ ‬الخياط‭ (‬1899-1981م‭)‬،‭ ‬والدكتور‭ ‬محمد‭ ‬جميل‭ ‬الخاني‭ (‬1891-1951م‭) ‬مجلة‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬الطبي‭ ‬العربي‮»‬؛‭ ‬‮«‬التي‭ ‬أخذ‭ ‬المعهد‭ ‬على‭ ‬عهدته‭ ‬إصدارها‭ ‬لغايات‭ ‬ثلاث‭: ‬خدمة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭  ‬الشريفة‭..‬؛‭ ‬وخدمة‭ ‬الطب‭ ‬والأطباء‭..‬،‭ ‬وخدمة‭ ‬الشعب‭..‬‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬صدر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المجلة‭ ‬21‭ ‬مجلدًا‭ (‬بين‭ ‬سنتي‭ ‬1924‭-‬1947‭)‬،‭ ‬حافلة‭ ‬بالبحوث‭ ‬الحديثة،‭ ‬وآلاف‭ ‬المصطلحات‭ ‬العربية‭.‬

ما‭ ‬يسجّل‭ ‬لتجربة‭ ‬جامعة‭ ‬دمشق،‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬اعتماد‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬علم‭ ‬للطــب‭ ‬والرياضيات‭ ‬وسائر‭ ‬العلوم،‭ ‬أنها‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬التعريب‭ ‬والوضع،‭ ‬وظهر‭ ‬الاجتهاد‭ ‬اللغوي‭ ‬في‭ ‬دقة‭ ‬استحداث‭ ‬المصطلح،‭ ‬واعتماد‭ ‬ضربه‭ ‬على‭ ‬موازين‭ ‬الاشتقاق،‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬استخدام‭ ‬ما‭ ‬ييسر‭ ‬شيوعه‭ ‬واستخدامه‭. ‬وقد‭ ‬شكّل‭ ‬ما‭ ‬نشر‭ ‬من‭ ‬مصطلحات‭ ‬علمية،‭ ‬في‭ ‬سورية،‭ ‬قاعدة‭ ‬مرجعية‭ ‬أساسية،‭ ‬ترفد‭ ‬نتاج‭ ‬التعريب‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭. ‬ويسجل‭ ‬لهذه‭ ‬التجربة‭ ‬ظاهرة‭ ‬التشبيك‭ ‬المعرفي‭ ‬بين‭ ‬الجامعة‭ ‬والمجمع‭ ‬العلمي‭ ‬وتوسّل‭ ‬مجلة‭ ‬المجمع‭ ‬وندواته‭ ‬طريقًا‭ ‬إلى‭ ‬تثقيف‭ ‬الناس،‭ ‬مما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬ثقافة‭ ‬علمية،‭ ‬موصولة‭ ‬بين‭ ‬رعيل‭ ‬العلماء‭ ‬الأوائل‭ ‬وتلامذتهم،‭ ‬الذين‭ ‬تابعوا‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬النهج‭ ‬ذاته‭.‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬التجربة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وثبتها‭ ‬الوطنية‭ ‬الصادقة،‭ ‬وفرادتها‭ ‬في‭ ‬إعلاء‭ ‬شأن‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭  ‬غدت‭ ‬مادة‭ ‬تعلّم‭ ‬وتعليم‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الدراسية‭ ‬كافة،‭ ‬وللمواد‭ ‬التعليمية‭ ‬كلها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العلوم‭ ‬والرياضيات‭..‬،‭ ‬فإنها‭  ‬أغفلت‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬التطبيقية‭ ‬دور‭ ‬اللغة‭ ‬الأجنبية،‭ ‬فمخرجات‭ ‬التعليم‭ ‬فيها‭ ‬لا‭ ‬تمكّن‭ ‬المتعلّم،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬الجامعي،‭ ‬من‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬نتاج‭ ‬الفكر‭ ‬العلمي‭ ‬المتقدم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شكّل‭ ‬انقطاعًا‭ ‬ذا‭ ‬أهمية‭ ‬حيوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭ ‬السوري،‭ ‬الذي‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬مراجعه‭ ‬أسير‭ ‬ما‭ ‬يترجم‭ ‬إلى‭ ‬العربية،‭ ‬وهو‭ ‬نزر‭ ‬يسير‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قيس‭ ‬بالكم‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬تصدره‭ ‬الجامعات‭ ‬ومراكز‭ ‬البحوث‭ ‬ودور‭ ‬النشر‭ ‬الأجنبية،‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬ودوريات‭ ‬وموسوعات،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تنعكس‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬وتطويره‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬السوري‭.‬

 

ثانيًا‭: ‬البحث‭ ‬في‭ ‬متطلبات‭ ‬

إنتاج‭ ‬المعرفة‭ ‬العلمية‭ ‬باللغة‭ ‬العربية

يقوم‭ ‬إنتاج‭ ‬المعرفة‭ ‬العلمية‭ ‬على‭ ‬ركيزتين‭ ‬أساسيتين؛‭ ‬هما‭: ‬لغة‭ ‬العلم،‭ ‬وتوافر‭ ‬المجتمع‭ ‬العلمي‭.‬

1‭ ‬–‭ ‬أما‭ ‬لغة‭ ‬العلم‭ ‬فيصنعها‭ ‬ويصوغها‭ ‬ويطورها‭ ‬أهلها؛‭ ‬فالعالِم‭ ‬الذي‭ ‬يدرس‭ ‬الظاهرة‭ ‬ويكشف‭ ‬أمر‭ ‬أسبابها‭ ‬وما‭ ‬آلت‭ ‬إليه،‭ ‬والعالِم‭ ‬الذي‭ ‬يبتكر‭ ‬الفكرة،‭ ‬والعالِم‭ ‬الذي‭ ‬يتوصل‭ ‬إلى‭ ‬مخترَعٍ‭ ‬ما،‭ ‬هؤلاء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سواهم‭ ‬توفّرًا‭ ‬على‭ ‬الإحساس‭ ‬بما‭ ‬يلاحظون‭ ‬ويبدعون،‭ ‬وهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عمّا‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬بصيرتهم‭ ‬من‭ ‬بدائع‭. ‬وهذا‭ ‬العالِم،‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬كلّما‭ ‬كان‭ ‬متمكنًا‭ ‬من‭ ‬لغته‭ ‬القومية،‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬منها‭ ‬اللفظ‭ ‬المناسب‭ ‬والصياغة‭ ‬الدقيقة،‭ ‬وتوليد‭ ‬اللفظ‭ ‬الملائم‭ ‬لمضمون‭ ‬عمله‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يقتصر‭ ‬العالِم‭ ‬في‭ ‬دراساته‭ ‬على‭ ‬لغته‭ ‬الوطنية،‭ ‬فالاطّلاع‭ ‬المباشر،‭ ‬والتمكن‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬أجنبية،‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الباحثين،‭ ‬لا‭ ‬يستغنون‭ ‬عنه؛‭ ‬‮«‬فالإنتاج‭ ‬العلمي‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬لغة‭ ‬واحدة،‭ ‬وإنما‭ ‬يتعدد‭ ‬ويتنوع‭ ‬بتعدد‭ ‬بعض‭ ‬اللغات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬وتقدم‭ ‬العلوم‭ ‬والتقنية‭ ‬فيها‮»‬‭.‬

بالمقابل،‭ ‬نؤكد‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬لغة‭ ‬العلم‭ ‬والانتماء‭ ‬الوطني‭ ‬للعالِم؛‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬موقف‭ ‬العالِم‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬يوضح‭ ‬مدى‭ ‬انتمائه‭ ‬إلى‭ ‬أهله‭ ‬وشعبه‭ ‬وأمته،‭ ‬ومدى‭ ‬ارتباطه‭ ‬بالمجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬ترك‭ ‬العالم‭ ‬لغته‭ ‬الوطنية،‭ ‬والتزم‭ ‬في‭ ‬إنتاجه‭ ‬لغةً‭ ‬أجنبية‭ ‬بدعوى‭ ‬توافر‭ ‬النشر‭ ‬بالمجلات‭ ‬العلمية‭ ‬العالمية،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتوافر‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي،‭ ‬فيكون‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬هذا‭ ‬إسقاط‭ ‬للغة‭ ‬الوطنية‭ ‬واعتبارها‭ ‬مجرد‭ ‬آلة‭ ‬فقط،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬فضل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬ذاتها،‭ ‬وهو‭ ‬إقرار‭ ‬بقول‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬عزلتها‭ ‬وانحطاط‭ ‬مقامها‭ ‬إنما‭ ‬يكون‭ ‬نتيجة‭ ‬صفات‭ ‬قومها‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬وضعف،‭ ‬والقبول‭ ‬بالتالي‭ ‬بمقولة‭ ‬إن‭ ‬خصائص‭ ‬بنية‭ ‬اللغة‭ ‬وسعة‭ ‬مفرداتها‭ ‬لا‭ ‬تهب‭ ‬اللغة‭ ‬مكانة،‭ ‬وتراثها‭ ‬–‭ ‬أيضًا‭ ‬–‭ ‬لا‭ ‬يعطيها‭ ‬بالضرورة‭ ‬حق‭ ‬المعاصرة‭.. ‬وهذا‭ ‬الحديث‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬مؤداها‭ ‬ترك‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬الوطنية‭ ‬وشأنها‭.‬

ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخلص‭ ‬إليه‭ ‬الرأي‭ ‬الأول،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬إهمال‭ ‬اللغة‭ ‬الوطنية‭ ‬يتسبب‭ ‬بتعطيل‭ ‬فكرة‭ ‬الانتماء،‭ ‬وهي‭ ‬عند‭ ‬أصحاب‭ ‬هذا‭ ‬الرأي،‭ ‬ظاهرة‭ ‬سلبية‭ ‬لا‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬النهضة؛‭ ‬وفي‭ ‬الرأي‭ ‬الثاني‭ ‬نلاحظ‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬المسألة‭ ‬اللغوية‭ ‬وفلسفة‭ ‬الهوية‭. ‬ودليل‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬بهذا‭ ‬الرأي‭ ‬الثاني‭ ‬أن‭ ‬لغات‭  ‬قديمة‭ ‬عريقة‭ ‬كعراقة‭ ‬العربية‭ ‬وقدمها،‭ ‬ماتت،‭ ‬أو‭ ‬انكفأت،‭ ‬ولم‭ ‬يؤثر‭ ‬موتها،‭ ‬أو‭ ‬انكفاؤها‭ ‬بوقف‭ ‬إنتاج‭ ‬العلميين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬بلغة‭ ‬أخرى،‭ ‬كانت‭ ‬–‭ ‬برأيهم‭ - ‬أكثر‭ ‬عصريةً‭.‬

2-‭ ‬ومن‭ ‬المناسب،‭ ‬هنا،‭ ‬أن‭ ‬نورد‭ ‬لمحة‭ ‬إحصائية‭ ‬عن‭ ‬الناتج‭ ‬البحثي‭ ‬للعلميين‭ ‬العرب،‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬الناتج‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الأساسية‭ (‬الفيزياء،‭ ‬وعلوم‭ ‬الفضاء،‭ ‬الرياضيات،‭ ‬الكيمياء،‭ ‬الكيمياء‭ ‬الحيوية‭ ‬وعلوم‭ ‬الحياة‭) ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬2005‭ ‬حوالي‭ ‬6384‭ ‬ورقة‭. ‬وبلغ‭ ‬الناتج‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الطبية‭ ‬6660‭ ‬ورقة،‭ ‬وفي‭ ‬الزراعة‭ ‬1477،‭ ‬وفي‭ ‬العلوم‭ ‬التطبيقية‭ - ‬العلوم‭ ‬البيئية،‭ ‬والأرض‭ ‬وعلوم‭ ‬الكواكب،‭ ‬والهندسة،‭ ‬والهندسة‭ ‬الكيميائية،‭ ‬وعلوم‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬‭- ‬7057‭ ‬ورقة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬يرى‭ ‬أنطوان‭ ‬زحلان،‭ ‬في‭ ‬نظرة‭ ‬مقارنة،‭ ‬أن‭ ‬ناتج‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1967‭-‬2010‭ ‬قد‭ ‬تضاعف‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2000‭ ‬و2010‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نسجل‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬النهائية،‭ ‬أن‭ ‬ناتج‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬محسوسًا،‭ ‬ولكنه‭ ‬مازال‭ ‬مستخدمًا‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬ممّا‭ ‬يجب‭. ‬لكنه‭  ‬لاحظ،‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬عربية،‭ ‬لم‭ ‬تعط‭ ‬حتى‭ ‬تاريخه،‭ ‬الاهتمام‭ ‬المناسب‭ ‬للعلاقة‭ ‬بين‭ ‬القدرات‭ ‬العلمية‭ ‬والاقتصاد‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فهنالك‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬عدة‭ ‬تقترب‭ ‬بسرعة‭ ‬من‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬فيها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬جني‭ ‬فوائد‭ ‬اقتصادية‭ ‬محسوسة‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬الجاري‭ ‬فيها‭.‬

ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نخلص‭ ‬إليه‭ ‬–‭ ‬هنا‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬تعريب‭ ‬النص‭ ‬العلمي،‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬أمره‭ ‬على‭ ‬‮«‬النقل‮»‬‭ ‬والاختيار‭ ‬خارج‭ ‬التخطيط‭ ‬المنهجي،‭ ‬لأن‭ ‬تعريب‭ ‬العلم‭ ‬والتقانة‭ ‬هو‭ ‬منظومة‭ ‬من‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬عناصر‭ ‬المنظومة‭ ‬ذاتها،‭ ‬وارتباطها‭ ‬ووصلها‭ ‬بسائر‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬الوطنية‭ ‬الكبرى‭. ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬التعريب‭ ‬للعلم‭ ‬والتقانة‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬رسمي‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬بشكل‭ ‬منتظم،‭ ‬يكفل‭ ‬ما‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬مراكز‭ ‬البحث‭ ‬وعملية‭ ‬الترجمة‭ ‬والنشر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يندرج‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬شاملة‭ ‬لثقافة‭ ‬عربية‭. ‬وهذه‭ ‬مسألة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬والتطبيق،‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬سنتناولها‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬التنموي‭.‬

 

ثالثًا‭: ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬العلم،‭ ‬

في‭ ‬إطارها‭ ‬التنموي

يعيش‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أقطاره،‭ ‬ومكوّناته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التحول‭ ‬العميق‭ ‬في‭ ‬بُناه‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭. ‬فالراهن‭ ‬العربي‭ ‬تتجاذبه‭ ‬نزعات‭ ‬وتوجهات‭ ‬شتى،‭ ‬بين‭ ‬الوحدة‭ ‬والانكفاء‭ ‬القطري،‭ ‬وبين‭ ‬التقليد‭ ‬والحداثة،‭ ‬وبين‭ ‬المطلق‭ ‬المقدس‭ ‬والنسبي‭ ‬العلماني،‭ ‬وبين‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق،‭ ‬وبين‭ ‬المستقبل‭ ‬والماضي،‭ ‬وبين‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الجماعة‭ ‬والانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الأمة‭ (...). ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬يتطلب‭ ‬لجهة‭ ‬اللغة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات‭ ‬واسعًا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭  ‬متجددًا‭ ‬لجهة‭ ‬مفردات‭ ‬العربية‭ ‬وأساليبها،‭ ‬ويتطلب،‭ ‬أيضًا،‭ ‬الاستجابة‭ ‬لتطلعات‭ ‬المجتمع‭ ‬الفكرية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬المعرفة‭ ‬العلمية،‭ ‬ويتطلب،‭ ‬تاليًا،‭ ‬تقنين‭ ‬هذا‭ ‬الجديد‭ ‬الوافد،‭ ‬أو‭ ‬المستحدث،‭ ‬أو‭ ‬المولَّد،‭ ‬وتدوينه‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬يحظى‭ ‬بالقبول‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬اللغة‭. ‬بمعنى‭ ‬أوجز،‭ ‬إن‭ ‬تحول‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬الاستخدام‭ ‬المنطوق‭ ‬للغة‭ ‬إلى‭ ‬تدوينها‭ ‬للأغراض‭ ‬المختلفة‭ ‬هو‭ ‬بداية‭ ‬عملية‭ ‬التقدم‭ ‬المنشود‭.‬

وتتضّمن‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬توجهها‭ ‬الرئيسي‭ ‬التخطيط‭ ‬اللغوي،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يكفل‭ ‬جعل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬مع‭ ‬اللغات‭ ‬الراقية،‭ ‬بوصفها‭ ‬أداة‭ ‬اتصال‭ ‬وتواصل‭. ‬ويندرج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هذا‭ ‬التخطيط‭:‬

1‭ ‬‭ ‬وحدة‭ ‬المعيار‭ ‬اللغوي‭:‬‭ ‬فقد‭ ‬خطت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الباحثين‭ ‬العرب،‭ ‬وما‭ ‬أنتجته‭ ‬المجامع‭ ‬العلمية‭ ‬واللغوية،‭ ‬مراحل‭ ‬مهمة‭ ‬لجهة‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالعربية‭ ‬الفصيحة‭ ‬وجعلها‭ ‬مقبولة‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭. ‬وإننا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬متكلم‭ ‬العربية،‭ ‬اليوم،‭ ‬يلمس‭ ‬قراءةً‭ ‬وكتابةً‭ ‬مدى‭ ‬انزياح‭ ‬اللهجات‭ ‬باتجاه‭ ‬الفصيحة‭ ‬بفعل‭ ‬التعليم‭ ‬وانتشار‭ ‬المعرفة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬مرئية‭ ‬ومسموعة‭. ‬وبمقارنة‭ ‬سريعة‭ ‬بين‭ ‬نصّين‭ ‬لهجيين،‭ ‬في‭ ‬أيِّ‭ ‬قطر‭ ‬عربي،‭ ‬أولهما‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬مضى،‭ ‬وثانيهما‭ ‬حديث،‭ ‬فإننا‭ ‬نجد‭ ‬مدى‭ ‬التطور‭ ‬الحاصل‭ ‬للنص‭ ‬اللهجي‭ ‬واقترابه‭ ‬من‭ ‬العربية‭ ‬الفصيحة‭ ‬المعاصرة‭. ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬اللهجات،‭ ‬مهما‭ ‬تعددت‭ ‬وكثرت‭ ‬فإنها‭ ‬تتحرك‭ ‬–‭ ‬مع‭ ‬تعديلات‭ ‬طفيفة‭ ‬–‭ ‬نحو‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬المعيار‭ ‬الواحد،‭ ‬تقريبًا،‭ ‬والمقبول‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬شرائح‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬المتعلمين،‭ ‬وهو‭ ‬مسار‭ ‬لغوي‭ ‬سيفضي‭ ‬–‭ ‬باستمرار‭ ‬التعليم‭ ‬واطّراد‭ ‬نشر‭ ‬المعرفة‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭  ‬بري‭ ‬أو‭ ‬حتّ‭ ‬تلك‭ ‬البنى‭ ‬الصوتية‭ ‬والصرفية‭ ‬والدلالية،‭ ‬البعيدة‭ ‬في‭ ‬واقعها‭ ‬اللهجي‭ ‬عن‭ ‬بنى‭ ‬العربية‭ ‬الفصيحة‭.‬

وقد‭ ‬خطا‭ ‬النص‭ ‬العلمي،‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬لجهة‭ ‬المصطلحات،‭ ‬خطوات‭ ‬كبيرة،‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬رصيدًا‭ ‬مهمًا‭ ‬للتعريب‭. ‬لكن‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬للمصطلح،‭ ‬على‭ ‬أهميتها،‭ ‬تبقى‭ ‬رهينة‭ ‬تعدد‭ ‬المصطلح‭ ‬للمعنى‭ ‬الواحد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكّل‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التعثر‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬وحدة‭ ‬المعيار‭.‬

وللمجمع‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬تجربة‭ ‬رائدة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬وجوه‭ ‬وحدة‭ ‬هذا‭ ‬المعيار‭ ‬اللغوي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يزوّد‭ ‬المصالح‭ ‬الحكومية‭ ‬بما‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬مصطلحات‭ ‬فنية‭ ‬وإدارية‭ ‬وعلمية،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬المصالح‭ ‬ترسل‭ ‬إلى‭ ‬المجمع‭ ‬قوائم‭ ‬تُدرج‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬تستعمله‭ ‬من‭ ‬مصطلحات‭ ‬أجنبية‭ ‬تركية‭ ‬وغير‭ ‬تركية،‭ ‬فتبحث‭ ‬لجان‭ ‬المجمع‭ ‬عمّا‭ ‬يقابلها‭ ‬من‭ ‬العربي‭ ‬الصحيح،‭ ‬وتُقرّ‭ ‬بعد‭ ‬الدراسة،‭ ‬وتعاد‭ ‬إلى‭ ‬الجهة‭ ‬المرسِلة،‭ ‬فيأمر‭ ‬المسئولون‭ ‬بإحلالها‭ ‬محل‭ ‬الأولى،‭ ‬وتجري‭ ‬بها‭ ‬الأقلام‭ ‬في‭ ‬الدواوين‭ ‬الرسمية،‭ ‬والمعاهد‭ ‬والمدارس،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يتلقفها‭ ‬الأفراد،‭ ‬وتحيا،‭ ‬على‭ ‬نسق‭ ‬واحد،‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬نطقًا‭ ‬وكتابةً‭.‬‭ ‬وقد‭ ‬أمدّ‭ ‬المجمع‭ ‬دوائر‭ ‬المعارف،‭ ‬والأوقاف،‭ ‬والشرطة،‭ ‬والمجلس‭ ‬البلدي،‭ ‬والصحة،‭ ‬والمصرف‭ ‬الزراعي‭..‬،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬احتاجت‭ ‬إليه‭.‬

2‭ ‬‭ ‬المصطلح‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬العلمي‭- ‬راهنيته‭ ‬ووحدته‭:‬‭ ‬تمتلك‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المصطلحات،‭ ‬ويحظى‭ ‬المصطلح‭ ‬العلمي‭ ‬منها‭ ‬بقسط‭ ‬كبير،‭ ‬والفضل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإنتاج‭ ‬المطّرد‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬جهود‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭  ‬صنع‭ ‬المصطلحات،‭ ‬وإلى‭ ‬جهود‭ ‬المؤسسات،‭ ‬ولاسيما‭ ‬جهود‭ ‬مكتب‭ ‬تنسيق‭ ‬التعريب‭ ‬في‭ ‬توحيد‭ ‬المصطلحات‭ ‬العلمية،‭ ‬وجهود‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬راب‮»‬‭ ‬لترجمة‭ ‬مصطلحات‭ ‬الاتصالات،‭ ‬وجهود‭ ‬المعهد‭ ‬القومي‭ ‬للمواصفات‭ ‬والملكية‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وجهود‭ ‬البنك‭ ‬الآلي‭ ‬السعودي‭ ‬للمصطلحات‭ ‬العلمية‭ (‬باسم‭ ‬BASm‭).‬

ونشير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬إلى‭ ‬البيان‭ ‬الختامي‭ ‬لمؤتمر‭ ‬القمة‭ ‬العربي‭ ‬المنعقد‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ (‬1428‭ ‬هـ‭ - ‬2007م‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬ضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والمعاملات،‭ ‬حيث‭ ‬نصّ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭: ‬‮«‬وجوب‭ ‬حضور‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الميادين،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال،‭ ‬والإعلام،‭ ‬والإنترنت،‭ ‬وغيرها‮»‬‭.‬

واستجابة‭ ‬لما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬البيان،‭ ‬سجّل‭ ‬الملك‭ ‬عبدالله‭ ‬مبادرة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إثراء‭ ‬المحتوى‭ ‬العربي‭ ‬عبر‭ ‬مشاريع‭ ‬عدة‭ ‬تنفذها‭ ‬مدينة‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬للعلوم‭ ‬والتقنية‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬جهات‭ ‬مختلفة‭ ‬داخل‭ ‬المملكة‭ ‬وخارجها‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬برقمنة‭ ‬المحتوى‭ ‬العربي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬ورقي‭ ‬وإتاحته‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭  ‬بترجمة‭ ‬الكتب‭ ‬المهمة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬العلمية،‭ ‬مما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬إثراء‭ ‬المحتوى‭ ‬العلمي‭ ‬بالترجمة‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬بهدف‭ ‬تزويد‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬بعلم‭ ‬نافع‭ ‬ومفيد‭.‬

ما‭ ‬يلاحظ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الإثراء‮»‬‭ ‬العلمي‭: ‬أنه‭ ‬جرى‭ ‬انتقاء‭ ‬الكتب‭ ‬وفق‭ ‬معايير،‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬أمهات‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬اختصاصه‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬ولمؤلفين‭ ‬يُشهد‭ ‬لهم‭ ‬عالميًا،‭ ‬وأنه‭ ‬صدر‭ ‬حديثًا‭ (‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2000‭)‬،‭ ‬وألا‭ ‬يكون‭ ‬ضيق‭ ‬الاختصاص‭ ‬بحيث‭ ‬يخاطب‭ ‬فئة‭ ‬محدودة،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬موضوع‭ ‬الكتاب‭ ‬ونهجه‭ ‬عمليًا‭ ‬وتطبيقيًا‭ ‬يصبّ‭ ‬في‭ ‬جهود‭ ‬نقل‭ ‬التقنية‭ ‬والابتكار،‭ ‬ويساهم‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬المحتوى‭ ‬المعرفي‭ ‬العربي‭.‬

وبالفعل،‭ ‬فقد‭ ‬عكس‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الرائد‭ ‬أهداف‭ ‬السياسة‭ ‬الوطنية‭ ‬للعلوم‭ ‬والتقنية‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬التي‭ ‬انبثق‭ ‬عنها‭ ‬اعتماد‭ ‬إحدى‭ ‬عشرة‭ ‬تقنية‭ ‬استراتيجية،‭ ‬هي‭: ‬المياه،‭ ‬والبترول‭ ‬والغاز،‭ ‬والبتروكيماويات،‭ ‬والتقنيات‭ ‬المتناهية‭ ‬الصغر‭ (‬النانو‭)‬،‭ ‬والتقنية‭ ‬الحيوية،‭ ‬وتقنية‭ ‬المعلومات،‭ ‬والإلكــــترونيات‭ ‬والاتـــــصالات،‭ ‬والــــضوئيات،‭ ‬والفضاء‭ ‬والطيران،‭ ‬والطاقة،‭ ‬والمواد‭ ‬المتقدمة،‭ ‬والبيئة‭. ‬وقد‭ ‬اشتملت‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة،‭ ‬كمرحلة‭ ‬أولى،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬مجموعه‭ ‬ثلاثة‭ ‬وثلاثين‭ ‬كتابًا‭ ‬مترجمًا،‭ ‬كما‭ ‬خُصّص‭ ‬كتاب‭ ‬إضافي‭ ‬منفرد‭ ‬للمصطلحات‭ ‬العلمية‭ ‬والتقنية‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة‭ ‬كمعجم‭ ‬للمصطلح‭.‬

هذه‭ ‬الجهود‭ ‬المتواصلة،‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬تطوير‭ ‬لغة‭ ‬النص‭ ‬العلمي،‭ ‬والارتقاء‭ ‬بصناعة‭ ‬المصطلح،‭ ‬تعكس‭ ‬كفاءة‭ ‬العلميين‭ ‬العرب،‭ ‬من‭ ‬مترجمين‭ ‬وباحثين‭ ‬وخبراء‭ ‬مدققين‭. ‬وتعكس‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬جوانبها‭ ‬حرص‭ ‬بعض‭ ‬الحكومات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العلمية‭ ‬على‭ ‬التخطيط‭ ‬ووضع‭ ‬معايير‭ ‬وحدة‭ ‬المصطلح‭.‬

وما‭ ‬يستكمل‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭: ‬تحديد‭ ‬ما‭ ‬تشترك‭ ‬فيه‭ ‬المصطلحات‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬واحدة،‭ ‬يسهّل‭ ‬أمر‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬بحث‭ ‬وحدتها؛‭ ‬وهذه‭ ‬السمات‭ ‬أربع‭: ‬الأولى،‭ ‬أن‭ ‬المصطلح‭ ‬لفظ‭ ‬موضوع‭ ‬باتفاق‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مناسبة‭ ‬بين‭ ‬لفظه‭ ‬ومعناه،‭ ‬فلا‭ ‬ينبغي‭ ‬التماس‭ ‬علّة‭ ‬التسمية،‭ ‬فهي‭ ‬هكذا‭ ‬كانت؛‭ ‬الثانية،‭ ‬أن‭ ‬المصطلح‭ ‬لا‭ ‬يدل‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬واحد؛‭ ‬الثالثة،‭ ‬أن‭ ‬دلالة‭ ‬المصطلح‭ ‬على‭ ‬معناه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬الحقيقة‭ ‬العلمية‮»‬،‭ ‬سواء‭ ‬تطابقت‭ ‬مع‭ ‬الحقيقة‭ ‬اللغوية،‭ ‬أو‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المجاز؛‭ ‬الرابعة،‭ ‬أن‭ ‬دلالة‭ ‬المصطلح‭ ‬على‭ ‬الحقيقة‭ ‬العلمية‭ ‬دلالة‭ ‬تطابقية،‭ ‬سواء‭ ‬تكوّن‭ ‬من‭ ‬لفظ،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬عبارة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حروف‭ ‬مختصرة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حرف‭ ‬رمز،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬رقم‭ ‬حسابي‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬الرياضية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬اسم‭ ‬شخص،‭ ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يتناسى‭ ‬جانب‭ ‬الدلالة‭ ‬على‭ ‬الشخص،‭ ‬ولا‭ ‬تذكر‭ ‬إلا‭ ‬الحقيقة‭ ‬العلمية‭.‬

ويمكن‭ ‬القول،‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يضارع‭ ‬أهمية‭ ‬المصطلح‭ ‬ووحدته‭ ‬في‭ ‬التحديث‭ ‬المنشود‭ ‬للعربية،‭ ‬هو‭ ‬صنع‭ ‬المعاجم‭ ‬المتخصصة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬علميتها،‭ ‬طابع‭ ‬الوظيفة‭ ‬لجهة‭ ‬قيمتها‭ ‬الثقافية،‭ ‬ولجهة‭  ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الانتشار،‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬ومراكز‭ ‬البحوث‭ .